ليليانا خضعت للعلاج بهدوءٍ كما أُمرَت في القصر الإمبراطوري.
كانت تتناول الترياق في كل مرة يُقدَّم لها، وتأكل طعامًا صحيًّا ومفيدًا لجسدها.
عندما يظهر القمر، كانت تستلقي على سريرها دون تردد، وتستيقظ مبكرًا لتتجوّل داخل قصر الزمرد.
وخلال تلك الجولات، كان من الطبيعي أن تصادف أفراد فرسان القصر الإمبراطوري، لكنها كانت تتظاهر بتجاهلهم عمدًا. فلم تكن قادرة على فهم مشاعر هيليو، وإن استمرت في التفكير في ذلك، فلن يؤدي إلا إلى اجتياح مشاعر الوحدة المبهمة لقلبها.
ومع تحسّن صحتها، بدأت مشاعرها المتشابكة تهدأ تدريجيًا.
عندما أنهت ليليانا جولتها وعادت إلى غرفتها، قفزت تشوتشو بحماسةٍ مجددًا وبدأت تركض بحيوية.
“سألقّن ذلك المغرور ذا الوجه الأنيق درسًا قاسيًا! سأصعد السلالم وأفعل هكذا فووو! ثم أتدحرج به حتى يسقط رأسًا على عقب!”
مجرد تخيّل ذلك جعل ليليانا تشعر بدوار بسيط ، فتغيرت ملامحها وهزت رأسها بحزم.
“لو فعلتي ذلك، فسأموت أنا أيضًا.”
كان من المؤكد أن دوقية غابرييل والنبلاء الآخرين سيتهمونها بعدم القيام بواجباتها كملكة تجاه الإمبراطور.
“… رغم أنني أشعر وكأنني سأموت بالفعل حتى دون ذلك.”
“ماذا؟!”
“ماذا؟!”
صاحت تشوتشو وصوفيا معًا، لدرجة جعلت ليليانا تشعر للحظة وكأن صوفيا تستطيع رؤية تشوتشو أيضًا. رفعت ليليانا يديها ملوّحة وقالت معتذرة:
“لا، ما قصدته هو أنني فكرتُ في ضرورة إيجاد وسيلة لحماية نفسي بعد كل ما حدث.”
ما إن سمعت صوفيا هذا حتى أمسكت بيد ليليانا فجأةً، وبدا وكأن دموعها تلمع في عينيها.
“لقد فكّرتِ بالأمر جيدًا، جلالتكِ! أخيرًا اتخذتِ قرارًا!”
كانت صوفيا تبدو في غاية السعادة بصدق. شعرت ليليانا بالحرج لأنها أدركت مدى قلق صوفيا عليها طوال تلك الفترة.
“لقد كنتُ بخير هنا، أليس كذلك؟ ورغم ذلك، كنتِ قلقةً عليّ؟”
هزّت صوفيا رأسها بتروٍ ووجهها يعلوه تعبير جاد.
“أعلم أن جلالة الإمبراطور يعاملك بلطف. لكن حتى جلالة ملك نييتا كان يعامل محبوبته بلطف عندما التقى بها لأول مرة، ثم تخلى عنها فجأة. لذلك، كنتُ أتمنى ألا تعتمدي على تقلبات تلك المشاعر وأن تعملي على تعزيز قوتكِ بنفسك.”
كانت كلمات صوفيا واقعية للغاية، وليليانا، رغم المرارة التي شعرت بها، قررت تقبّلها جزئيًا على الأقل.
لم تكن تظن أن هيليو قد تخلّى عنها تمامًا، لكنها في الوقت نفسه، أدركت أن الاعتماد على فكرة أنه سيقدّمها على كل شيء في اللحظات الحرجة سيكون تصرّفًا أحمقًا.
“أفكّر في التواصل مع بايل غابرييل أولًا.”
رمشت صوفيا بعينيها بدهشة.
“أليس الكونت راكل خياركِ الأول؟”
“لو طلبتُ مساعدة الكونت راكل، فسأضطر إلى تلبية مطالبه، لكنني لا أنوي تلبية ما يريده.”
“ربما عليكِ أن تكوني أنانيةً بعض الشيء…”
“صوفيا.”
نظرت ليليانا إلى صوفيا بابتسامة باهتة.
“أنا لستُ جيدة في هذه الأمور. أريد أن أبدأ بالأشياء التي يمكنني التعامل معها. وعندما أصبح أكثر براعة، سأفعل ما تقولينه.”
هزّت صوفيا رأسها، وكأنها تفهمت أخيرًا موقف ليليانا.
بدأت ليليانا بوضع خطتها مباشرةً.
كان قصر الزمرد يخضع لمراقبة فرسان القصر الإمبراطوري.
حتى تبادل الأغراض كان يجري تحت أعينهم المترصدة.
لو كان لديها طائر رسول، لكان إرسال رسالة أمرًا بسيطًا، لكن ذلك لم يكن متاحًا. عندها فقط أدركت ليليانا مدى افتقارها لوسائل الحماية.
عزمت على تربية طائر رسول تحت غطاء أنه مجرد حيوان أليف بمجرد انتهاء هذه المسألة.
“صوفيا، أريدكِ أن تبحثي عن خادم أو خادمة لا يتلقى أوامر مباشرة من الإمبراطور.”
“سأبحث فورًا!”
بعد أن أوكلت المهمة إلى صوفيا، جلست ليليانا وبدأت تكتب رسالة.
[أطلب مساعدتك. أرغب في معرفة ما يُقال عن قصر الزمرد خارجه. وأتمنى أن تقيم صلة بيني وبين عائلة ماركيز ريستون. إذا فعلت ذلك، فسأقبل اقتراحك.]
كان اقتراح بايل يتمثل في أن يتعاونا لجعل أغرينا إمبراطورة. بما أن ليليانا كانت السيدة الأكثر مكانةً في الآونة الأخيرة، فقد كانت قادرة على الظهور مع أغرينا في المناسبات الاجتماعية وجعلها محط الأنظار، مما يمكّنها من تشكيل قاعدة نفوذ بين نساء النبلاء.
أخفت ليليانا الرسالة جيدًا في درج مكتبها، ثم انتظرت حتى تعود صوفيا ومعها خادمة مناسبة.
وأخيرًا، اقترحت صوفيا الذهاب في نزهة إلى حديقة قصر الزمرد، ولمعت عيناها بشكل خفي، مما أكد لليليانا أنها قد اختارت الشخص المناسب.
أخذت ليليانا الرسالة وخرجت للنزهة، وكما توقعت، التقت بخادمة شابة ذات وجه طفولي، بدا وكأنها تصادفها عرضًا لأول مرة.
اقتربت ليليانا من الخادمة التي كانت تنحني برأسها باحترام وبدأت تتحدث معها عفويًا.
“أنتِ وجه جديد هنا، أليس كذلك؟”
“أجل… جلالتكِ. أنا مجرد خادمة بسيطة…”
يا لها من ممثلة ماهرة! فكّرت ليليانا بإعجابٍ داخلي.
رغم أن هذه الخادمة تلقت تعليمات من صوفيا، إلا أنها تصرفت وكأنها مذعورة من لقاء غير متوقع مع الملكة.
كانت تلك الخادمة مسؤولة عن التخلص من النفايات في قصر الزمرد، مما يعني أنها من القلائل الذين يمكنهم مغادرة القصر أثناء مرافقة عربات النفايات.
لكن كيف يمكن تسليم الرسالة إليها دون إثارة الشبهات؟
نظرت ليليانا سريعًا إلى كبيرة الوصيفات التي كانت تتبعها عن كثب، ثم أشارت إلى طاولة شاي قريبة في الحديقة.
“دعينا نأخذ استراحة قصيرة هنا.”
ما إن جلست ليليانا على الطاولة حتى قُدّم لها شاي دافئ وحلوى على صينية مزخرفة.
انتظرت حتى انشغلت كبيرة الوصيفات بالنظر بعيدًا، ثم أخفت الرسالة تحت الصينية برفق.
بعد مرور وقتٍ قصير، نهضت ليليانا وغادرت المكان بهدوء.
الخادمة اقتربت بشكل طبيعي وكأنها تتصرف كما يُفترض بها أن تفعل، لتتولى جمع الأغراض كما هو متوقع منها. وبهذا الشكل، كان من المؤكد أنها ستتمكن من الحصول على الرسالة التي أُخفيت تحت الصينية.
❈❈❈
بينما كانت ليليانا تُنهي تنزهها، أخذت تفكر في المكافأة المناسبة التي يمكن أن تقدمها لتلك الخادمة. كان قلبها يخفق بشدة، لكنها حاولت تهدئة نفسها وهي تعود إلى غرفة نومها.
عندها اقتربت منها رئيسة الوصيفات، وهي تحمل في يدها مظروفًا صغيرًا.
“جلالتك، لقد تركتِ هذا في الحديقة.”
كدت ليليانا أن تُصاب بالإغماء. كان ذلك المظروف هو نفسه الذي أخفته تحت الصينية لتسليمه إلى الخادمة.
“أوه، شكرًا لك.”
حاولت ليليانا أن تتظاهر باللامبالاة وهي تهمّ بأخذ المظروف، لكن نظرات رئيسة الوصيفات أصبحت فجأة حادة للغاية، مما دلّ على أنها لم تنخدع بتصرفاتها.
“كما توقعت.”
لم تسلّمها رئيسة الوصيفات المظروف، بل أمسكته بإحكام أكبر. رفعت ليليانا عينيها بدهشة نحوها، ووجدت رئيسة الخدم تحدّق بها بنظرة جادّة.
“جلالتك، لماذا تتصرفين بهذه العفوية واللامبالاة؟”
تحدثت رئيسة الوصيفات بنبرة مليئة بالغضب.
“ماذا تعنين؟”
“أنتِ تسلّمين أمرًا بهذه الأهمية إلى خادمة لم تختبريها حتى! ماذا لو أخذت الرسالة إلى جلالة الإمبراطور أو إلى دوق غابرييل؟”
وبّختها رئيسة الوصيفات بصرامة، فتمتمت ليليانا بصوت منخفض وكأنها تحاول تبرير موقفها.
“لكن كلّ الخادمات الأخريات تحت مراقبة جلالة الإمبراطور…”
“هذا صحيح…”
يبدو أن هذا كان الجواب الذي أثّر على رئيسة الوصيفات، فقد توقفت عن التوبيخ، وبدا عليها أنها تفكر مليًا.
بعد لحظة من الصمت، أخذت نفسًا عميقًا وركعت فجأة أمام ليليانا.
“لقد رفعتُ صوتي أمامكِ، وأستحق العقاب. أرجوكِ، عاقبيني.”
شهقت ليليانا من الصدمة، ولوّحت بيديها بعنف لتنفي طلبها. ومع ذلك، بقيت رئيسة الوصيفات راكعة، وكأنها لن تهدأ حتى تتلقى العقوبة.
كانت ليليانا تشعر بحرج كبير، فهي لم تكن ممن يمدون أيديهم على الآخرين حتى في أشد لحظات غضبها.
وعندما رأت رئيسة الوصيفات ترفع يدها لتصفع نفسها، أسرعت ليليانا وأمسكت بذراعها قبل أن تُحدث الصوت.
“رئيسة الوصيفات، توقفي.”
بدت ملامح ليليانا جادّة، وهو أمر نادر عليها. لم يكن هذا الوجه الهادئ واللطيف المعتاد منها.
أطلقت ذراعها ببطء، ثم نظرت إلى رئيسة الوصيفات بهدوء وقالت:
“قد يكون هذا تصرفًا بسيطًا، لكنني اعتدت على معاملة الخادمات وكأنهن أفراد عائلتي. لذا، هذا النوع من المواقف يجعلني غير مرتاحة.”
رئيسة الوصيفات حدقت فيها وكأنها تحاول التأكد من صدق كلماتها، لكن عيني ليليانا اللامعتين لم تحمل أي تزييف.
تنهدت رئيسة الوصيفات وخفضت يدها، بينما عادت ليليانا لتبتسم بلطف.
“هل هدأتِ الآن؟”
كانت ليليانا تتحدث وكأنها غير مدركة للجدية التي أحاطت بالموقف.
رئيسة الوصيفات بدت وكأنها عالقة بين الضحك والبكاء، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها وقالت:
“قد ترين ذلك مزعجًا، يا جلالتك، لكنني أعدكِ أنني سأراجع نفسي، ولن يتكرر هذا الخطأ. وسأكون دائمًا مخلصة لكِ، كما يليق بمن غفرت لي.”
قالت كلماتها بنبرة جادة كأنها تقدم عهداً مقدسًا، مما جعل ليليانا تبدو مرتبكة قليلًا، لأنها لم تعتد على مثل هذه الجدية في التعامل معها.
حينها قررت أن تغير الموضوع قائلة:
“بما أنكِ هدأتِ، أودّ أن أسألكِ شيئًا.”
أشارت ليليانا إلى رئيسة الوصيفات بالنهوض، ففعلت بعد تردد طفيف.
لم تكن ليليانا قد نظرت إلى رئيسة الوصيفات عن كثب بهذه الطريقة من قبل.
رئيسة الوصيفات التي تدعى “مينلي” كانت دائماً تحتفظ بمسافة بينهما، وكأنها تضع حاجزًا واضحًا بين السيّدة وخادمتها.
لكن بعد ما حدث للتو، شعرت ليليانا أن هذا الحاجز قد اهتز، وجعلها ترى مينلي بشكل مختلف.
كانت امرأة في الخمسينيات من عمرها، ذات شعر أشقر فاتح مرفوع بإحكام، ووجه يحمل آثار الزمن لكنه لا يزال يحتفظ بأثر لجمال شبابه.
تذكرت ليليانا أنها قدمت نفسها يومًا بأنها من عائلة بارون كايرون، لكنها لم تلقِ بالًا لهذا في السابق، لأنها ظنت أنها مجرد مراقِبة للإمبراطور لن تكون يومًا إلى جانبها.
لكن الآن، كان من الصعب عليها أن تعتقد أن شخصًا قد وبّخها بهذه الصراحة لا يحمل لها اهتمامًا من نوع ما.
“مينلي… هل يمكنني أن أناديكِ بهذا الاسم؟”
تفاجأت رئيسة الوصيفات قليلاً بهذا الطلب، ولم تجب على الفور، مما جعل ليليانا تشعر بالحرج.
“ربما من الأفضل أن أكتفي بمناداتكِ بلقبكِ الرسمي؟”
لكن مينلي ابتسمت أخيرًا، وأومأت برأسها.
“لم أكن أعتقد أنكِ تعرفين اسمي حتى.”
“كنت أخاف أن أناديكِ به.”
ردّت ليليانا بصراحة، فبدا أن ذلك أثار ضحكة خفيفة من مينلي.
“لا تخافي من خادماتكِ، جلالتك.”
كانت هذه جملة أخرى أشارت إلى أن مينلي كانت تراقبها طوال الوقت، وتحمل لها بعض الاهتمام.
بعد لحظة صمت، سألتها ليليانا فجأة سؤالًا مباشرًا:
“أنتِ واحدة من تابعي الإمبراطور، أليس كذلك؟”
لم تنكر مينلي ذلك وأجابت بهدوء:
“لن أنكر.”
“إذن، لماذا لم تُبلّغي عن الرسالة، وقررتِ إعطائي فرصة أخرى؟”
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 40"