بمجرد أن إستيقظت في الصباح، رأت حساءً بسيطًا وخبزًا طريًا مقدمًا أمامها وفكرت ليليانا.
“كما لو أنني في الجنة.”
كانت قد إستعدت لأن تُتجاهل أو يحدث شيء غير سار بما أنها كانت محتجزة كرهينة. ومع ذلك، لم يزعجها شيء سوى سماع شفقة العامة عليها في مدينة الحدود.
غمرت ليليانا الخبز في الحساء وإستمعت إلى خادمة قصر الزمرد.
“بعد الفطور، ستتجهزين وتذهبين إلى قصر الإمبراطورة الأرملة.”
لماذا هذه العجلة بينما كانت تتناول طعامًا لذيذًا؟ ضيقت ليليانا حاجبيها بشكل غير واضح.
“هل يجب أن أذهب كل يوم؟”
“جلالة الإمبراطورة الأرملة لا تحب الضوضاء، لذا يجب أن تزوريها فقط عندما يتم إستدعاؤك.”
عندئذٍ أومأت ليليانا برأسها راضية. كيف يمكن أن توجد حمات بهذه الطيبة في هذا العالم؟.
كلما قلّت رؤيتها لحماتها كان ذلك أفضل. بمعنى آخر، لن تنفد سلسلة التوبيخ بشأن إنجاب الأطفال إذا التقت بها كثيرًا.
بعد الفطور، خدمت الخادمات ليليانا ولبسّنها.
كانت صوفيا تتحدث بجانبها، وكأنها بحاجة فقط لأن تكون رفيقة دون أن تفعل شيئًا. أنهت ليليانا إرتداء ملابسها وهي تواكب كلمات صوفيا.
بالطبع، كان قصر الإمبراطورة الأرملة أكبر بمرة على الأقل من قصر الزمرد. كانت هناك غابة صغيرة بأشجار ضخمة لدرجة أنه بدا من الصعب معرفة من أين أتت أو ما إذا كانت قد زرعت هنا لعدة عقود، وكان صوت الطيور المغردة واضحًا تحت الخضرة هناك.
لم ترغب ليليانا في إظهار إعجابها، رغم أنها لم تستطع إلا أن تلتفت نحوها.
كانت هناك غابة داخل القصر… لم تكن تعرف إذا كانت في الواقع حديقة، لكنها كانت غابة! كان شيئًا غير قابل للتخيل مقارنة بقصر نييتا.
تمكنت ليليانا بصعوبة من تهدئة حدقتي عينيها المرتجفتين ودخلت إلى قصر الإمبراطورة الأرملة.
عندما دخلت إلى غرفة الجلوس ووقفت بهدوء دون إصدار صوت، دخلت إمرأة جميلة في منتصف العمر. ربما كان هيليو يشبهها، حيث كانت ذات شعر أشقر وعيون زرقاء ونظرات حادة.
إنحنت ليليانا ببطء، مُبقية نظرتها منخفضة بلطف، متسائلة إذا كان بإمكانها رؤية عينيها المتدحرجة.
“أُحي جلالة الإمبراطورة الأرملة.”
“أأنتِ الأميرة ليليانا من مملكة نييتا؟”
“نعم، أنا هي، جلالتك.”
“لنجلس أولاً.”
“نعم، جلالتك.”
كانت ليليانا متوترة لترى إن كانت كلماتها وتصرفاتها تتماشى مع الآداب. ربما ما كان مقبولاً في مملكة نييتا قد يُعتبر تصرفاً غير لائق هنا في إمبراطورية كارلو.
لم يكن لدى ليليانا أدنى رغبة في أن تُكره من قبل هذه الحماة الشرسة.
بينما كانت تجلس بهدوء، أمرت الإمبراطورة الأرملة الخادمة بصب الشاي. كانت ليليانا تنظر إلى الأسفل، تراقب فقط البخار الساخن الذي يرتفع من فنجان الشاي.
“من الصعب أن تأتي للعيش في بلد آخر.”
“لا، جلالتك ، إنه لشرف أن أتمكن من حماية وطني بفضل نعمة جلالة الإمبراطور.”
“سمعت أنكِ تحدثت مع الإمبراطور بنشاط،، ولكن أظنك خائفة، أليس كذلك؟”
“..عذرًا؟”
رفعت ليليانا رأسها ببطء وأجابت بغباء دون أن تدرك ذلك. ثم رأت الإمبراطورة الأرملة مبتسمة بإبتسامة جذابة جدًا.
كانت تلك اللحظة التي إستطاعت فيها الرؤية بوضوح من أين جاء جمال وجه هيليو.
إحمرّت وجه ليليانا وأحنت رأسها.
“لقد شعر جلالة الإمبراطور بالشفقة عليّ وغفر لي تصرفاتي غير اللائقة فقط لأنني لم أتعلم شيئًا.”
“أشعر بالأسى عليكِ…”
كان صوت الإمبراطورة الأرملة فيه نوعٌ من المرارة.
رفعت ليليانا رأسها بحذر مرة أخرى. لأنها شعرت أنه ما من داعٍ لأن تكون خائفة إلى هذه الدرجة.
“بالإضافة إلى ذلك، أنتِ بائسة مثلي.”
“ماذا تعنين ببائسة؟”
“لأنني ايضاً تزوجت من إمبراطور كارلو وأنا من بلد آخر.”
أومأت ليليانا برأسها برفق، “آه.” كان هذا قد ذُكر أيضًا في القصة الأصلية.
الإمبراطورة الأرملة كانت أيضًا تشبهها، حيث كانت رهينة من بلد مجاور مثل ليليانا وأصبحت إمبراطورة.
في شبابها، كانت الإمبراطورة الأرملة تشعر بالإكتئاب غالبًا لأنها تفتقد وطنها ورغبت بالعودة إلى هناك.
وكان الحال نفسه حتى بعد أن أنجبت الأمير هيليو.
كان هيليو يلاحق والدته التي كانت دائمًا ما تتجاهله، لكنه في النهاية إستسلم وأصبحت العلاقة بينهما تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
كانت العلاقة كما هي الآن، عندما تولى هيليو العرش وإرتقت والدته إلى منصب الإمبراطورة الأرملة.
أخذت الإمبراطورة الأرملة رشفة من الشاي بطريقة أنيقة وضحكت.
عند النظر إلى عينيها الحادتين اللامعتين والمستديرتين للغاية، بدت وكأنها نادمة على أيام شبابه.. هل كانت هذه مجرد أوهام من ليليانا؟.
“لقد إبتعدت عن الإمبراطور لعدة أيام، لذا لسنا قريبين جدًا. و أيامي دائمًا ما كانت مملة. الآن بعد أن أصبح لديّ أول زوجة لأبني، أتمنى لو أستطيع قضاء وقتٍ معك لتناول الشاي بين الحين والآخر، هل ترغبين في ذلك؟”
أجابت ليليانا وكأنها على وشك البكاء بصوت مليء بالحزن والوحدة.
“سأكون سعيدة، جلالتكِ الإمبراطورة الأرملة.”
من الأفضل أن لا تلتقي بحماتها كثيرًا! رغم أنها كانت تشعر بذلك، إلا أنها قد أجابت بالفعل، ولا يوجد طريق للرجوع.
مع ذلك، بدا أنه لا يوجد ضرر في ذلك لأنها كانت تبدو لطيفة أمام أولئك الذين في السلطة بالقصر.
“سيكون من الرائع لو حدثتني عن الإمبراطور بين الحين والآخر.”
ماذا؟ كانت ليليانا تحمل تعبيرًا مشوشًا على وجهها.
في العمل الأصلي، كانت الإمبراطورة الأرملة تشعر بالإستياء من هيليو. لأنه لو لم تَنجِبْه، ربما كانت قد تُركت وعادت إلى وطنها.
لكن الآن، لابد أن هذه السيدة في منتصف العمر التي أمام ليليانا كانت تفتقد إبنها.
“جلالة الإمبراطورة الأرملة، قيل أن جلالة الإمبراطور قادم إلى هنا.”
إتسعت عينا ليليانا بشكل كبير عندما سمعت هذه الكلمات.
وعندما أرجعت وركيها وأصبحت مشوشة، تحدثت الإمبراطورة الأرملة إليها بدهشة.
“أميرة، هل تشعرين بعدم الإرتياح؟”
“لا… آه، نعم! فجأة، شعرت بألم بسيط في معدتي…”
لم تستطع الإمبراطورة الأرملة إلا أن تكون لبقة بسبب حياتها الطويلة في القصر. كان من السهل عليها أن ترى بوضوح داخل هذه المرأة الصغيرة والغير متمرسة كما لو كانت تنظر إلى بركة مياه شفافة.
“يبدو أنكِ لا ترغبين في لقاء هيليو…”
سمعت أن الإثنين تبادلا كلمات غرامية وحدثت بينهما العديد من الحوادث، لكن هل كان التقرير مبالغًا فيه؟ بعد تفكير لبعض الوقت، قررت الإمبراطورة الأرملة أن تترك الفتاة المضطربة ترحل.
“إذا كنتِ لا تشعرين بصحة جيدة، يمكنك العودة في المرة القادمة.”
“ح-حقًا؟”
فرحت ليليانا بصدق، إذ أضاء وجهها كما لو كانت زهرة قد تفتحت اخيراً. لم تستطع تصديق أنها إستطاعت رؤية مابداخلها -تقصد مشاعرها- .
كانت الإمبراطورة الأرملة قد أحبت الفتاة البريئة التي التقتها بعد وقت طويل.
عندما أومأت الإمبراطورة الأرملة برأسها، إنحنت ليليانا ثم رفعت حافة تنورتها وخرجت من غرفة الجلوس.
بعد فترة قصيرة من مغادرة ليليانا، دخل هيليو إلى غرفة الجلوس.
رفع هيليو شفتيه وهو يراقب والدته التي كانت تستمتع بالفعل بوقت الشاي.
نظرت الإمبراطورة الأرملة إلى هيليو وقالت بهدوء.
“أميرة ليليانا جاءت وغادرت بالفعل.”
“أعلم. جئت لألقي التحية ، أتمنى لكِ الصحة الجيدة.”
بعد أن إنتهى هليو من تلك التحية الرسمية القصيرة، كان على وشك أن يلتفت ويغادر. كانت زيارة تتعلق فقط بالإهتمام بالمظاهر العامة.
الإمبراطورة الأرملة المعتادة لم تكن لتكترث إن كان الإمبراطور قد خرج أم لا.
“لقد هربت بسرعة عندما سمعت أنك قادم.”
بعد أن رأت الأميرة الصغيرة التي كانت تبدو مثل الأرنب، أرادت الإمبراطورة الأرملة أن تتحدث مع إبنها بطريقة ما.
نظرت إلى هيليو بتعبير عصبي كما لو أنها ألقت للتو أموالها في القمار.
ضحك هيليو و كأنه مصدوم وسأل بحدة.
“ماذا تفعلين الآن؟”
ظلّت الإمبراطورة الأرملة تنظر إلى هيليو، لكنها خفضت نظرتها ببطء لتشاهد فنجان الشاي. بعد مغادرة ليليانا، بدأ فنجان الشاي يبرد تدريجيًا.
دفعت الإمبراطورة الأرملة فنجان الشاي البارد جانبًا.
“ماذا تقصد؟ أنا أتحدث مع إبني الوحيد.”
“هل هناك شيء تريدين؟”
كان تعبير هيليو صارمًا للغاية و كان صوته أيضًا أكثر إنخفاضًا وبرودة من المعتاد.
كان ذلك مختلفًا تمامًا عن الطريقة التي تحدث بها مع ليليانا، لكن الإمبراطورة الأرملة بدت معتادة على هذا التصرف.
أشارت للإحدى الخادمات لتضع فنجان شاي جديد أمام هيليو. أمال هيليو برأسه وعقد ذراعيه، مراقبًا حركتها.
“مهما فعلتِ، فلا يمكنكِ العودة إلى وطنك.”
” هل كرهت ذلك؟”
“هل تخافين من ذلك الآن؟”
“لا. أنا لا أتحدث عن نفسي، بل عنك.”
نفخت الإمبراطورة الأرملة بإستهجان وهي تقول ذلك.
“أعني، هل كرهت الطفلة التي ستصبح إمبراطورة قريباً؟”
عبس هيليو وسحب خصلات شعره الأشقر التي تتدلت من جبهته. كما لو أنه لم يفهم الوضع ، نقر بلسانه بعدم إرتياح ثم سخر.
“لا شأن لكِ سواءً كنت أكرهها أم لا.دعينا نكتفي بالتحية، لذا لا تشغلي بالكِ بالأمر.”
إرتعش هيليو وكأن ما قالته الإمبراطورة الأرملة كان أمرًا سخيفًا، ثم قال مرةً أخرى ما قاله سابقًا.
“أتمنى لكِ صحتًا جيدة.. ، وداعاً.”
غادر هيليو قصر الإمبراطورة الأرملة دون أن يلمس فنجان الشاي أمامه. توجهت الخادمة نحو الإمبراطورة الأرملة لتواسيها.
هزت الإمبراطورة الأرملة رأسها بإبتسامة مريرة.
“لقد مر وقت طويل منذ أن تحدثت مع ذلك الطفل.”
❈❈❈
عجلت ليليانا خطواتها نحو قصر الزمرد. بدأ قلبها ينبض بسرعة عندما سمعت أن هيليو قادم، ولم تستطع أن تهدأ.
كانت قلقة بشأن ما قد يقوله ذلك الرجل المجنون عندما يأتي بحثًا عنها، لكن لحسن الحظ، بدا أنه سيبقى أطول قليلاً في قصر الإمبراطورة الأرملة.
بغض النظر عن سوء علاقتهما، فهي والدته وكان من المفترض أن يحييها بشكل لائق.
فكرت بذلك وشعرت ببعض الأسى تجاه الإمبراطورة الأرملة. لكن كان من الصحيح أيضًا أنها أهملت هيليو في شبابها، لذلك لم يكن من السهل عليها التدخل.
ليليانا نفسها لم تكن تستحق التدخل في الأمر.
هزت ليليانا رأسها بقوة وهي تمشي. أخيرًا، بدأ مدخل قصر الزمرد يظهر.
إختفت هموم ليليانا الزائدة عند التفكير في السرير المريح الذي ينتظرها. تسارعت خطواتها. و كان على الخادمات أن يسرعن في خطواتهن لتلحقن بها.
“سمو الأميرة، من فضلكِ فالتمشي ببطءٍ داخل القصر…!”
في تلك اللحظة، حاولت إحدى الخادمات أن توقفها. ثم توقفت ليليانا، التي كانت تمشي تقريبًا وكأنها تجري.
توقفت الخادمات اللاتي تبعنها في لحظة، وإصطدمن ببعضهن البعض مع سماع صوت “آه!” بصوت عالي.
ضحكت ليليانا وهي تنظر إلى الوراء ظنًا منها أن هذا كان مضحكًا.
إحمرت وجوه الخادمات وهن ينظرن إلى ما كان أمامهن ليرين ما الذي أوقف الأميرة.
كانت إمرأة تقف أمام قصر الزمرد. كانت طويلة ونحيلة وجميلة. شعرها الأحمر الجذاب كان مرفوعًا عاليًا، مما كان يبعث هالة من الأناقة.
همست ليليانا للخادمة التي كانت تقف بجانبها.
“من هذه؟”
رفعت الخادمة رأسها ونظرت إلى وجه المرأة، ثم خفضت عينيها بسرعة.
“إنها إبنة دوق غابرييل، السيدة بيتي.”
“دوق غابرييل؟ بيتي؟”
مالت ليليانا برأسها. كانت تعلم القليل جدًا عن الإمبراطورية لأنها كانت هنا منذ يومين فقط. حاولت البحث في ذاكرتها، لكن لم يتبادر إلى ذهنها شيء من القصة الأصلية.
وبما أن ليليانا لم تكن لديها أي فكرة على الإطلاق، همست الخادمة مرة أخرى.
“تشير الشائعات إلى أنها… مرشحة لمنصب الإمبراطورة.”
_____________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
التعليقات لهذا الفصل " 4"