كانت القاعة الخاصة بالإمبراطور مليئة بالصمت.
لم يكن السبب هو عدم وجود الناس.
في الواقع، كان هناك العديد من الأشخاص.
كان الإمبراطور والإمبراطورة الأم حاضرين، وكان هناك العديد من الخدم والحشم الذين يخدمونهم.
ومع ذلك، كان الصمت يعم المكان وكأن أي صوت قد يؤدي إلى فقدان الرأس.
وكانت أول من كسرت هذا الصمت هي الإمبراطورة الأم.
رفعت كوب الشاي واستنشقت رائحته مبتسمة.
“رائحة الشاي رائعة.”
كان الخدم الذين يخدمونهم ظنون أن هيليو لن يقول شيئاً.
بل كانوا يتوقعون منه أن يسخر أو يغضب.
فمن المعروف للجميع داخل القصر وفي العالم أن هيليو كان يعامل الإمبراطورة الأم بفظاظة.
لكن هيليو فتح فمه ببطء وقال:
“نعم.”
كان جواباً صعباً لإستكمال الحوار، لكن وجه الإمبراطورة الأم أصبح أكثر إشراقاً. ثم قالت وهي تلمع بعينين جميلتين تشبهان عيون هيليو:
“هل يعجبك؟ لقد جلبنا هذا من إمارة تريا مؤخراً، والجودة ممتازة.”
“أحقاً؟”
أجاب هيليو مجدداً بكلمة قصيرة، في حين تبادل الخدم النظرات في صمت.
‘الإمبراطور يرد على الإمبراطورة الأم!’
لا أحد يعلم ما الذي حدث بينهما، ولكن كان ما يحدث الآن أمام أعينهم أمراً لا يصدق.
“آه، لدي شاي مشابه لهذه الرائحة ، هل ترغب في تناوله معاً في المرة القادمة؟”
كان يُعتقد أن هيليو لن يجيب مرتين، ولكن هذه المرة لم يأتِ أي رد منه. بدأ وجه الإمبراطورة الأم المشرق يتحول ببطء إلى تعبير أكثر هدوءاً.
ثم إبتسمت إبتسامة مريرة وقالت إنها ستكون بخير، وأنها ستعود في وقت لاحق عندما يكون هناك وقت.
“جلالتك.”
اقترب رئيس الحرس منحنياً.
كان صوته عادياً، لكن هيليو شعر أن الخبر الذي كان يحمله لم يكن جيداً.
رفع حاجبه الأيمن قليلاً وسأل:
“ما الأمر؟”
“هناك خبر من دوقية غابرييل. ڤيستي غابرييل قد زار القصر الإمبراطوري.”
عند سماعه هذا، عبس هيليو.
ڤيستي ليست زوجة الإمبراطور، ولا حتى خطيبته.
فقط لأن دوقية غابرييل هي الوحيدة التي يمكنها التنافس على مكانة الإمبراطورة، كان يُعتقد ضمنياً أن “ڤيستي ستكون الإمبراطورة.”
ومع ذلك، تصرفت ڤيستي وكأنها هي السيدة الأولى للقصر الإمبراطوري، مما أزعج هيليو.
تنهد هيليو بعمق، و وضع يده على جبهته، ثم سأل رئيس الحرس:
“هل تعتقد أنها ستدخل القصر الإمبراطوري مجدداً؟”
لم يكن تصرف ڤيستي في القصر أمراً جديداً.
حتى أن الإمبراطورة الأم التقطت نفساً عميقاً وكأنها سئمت من تصرفاتها. لكن رئيس الحرس كان مرتبكاً قليلاً، ثم و أخيراً قال:
“في الواقع… لقد دخلت القصر الإمبراطوري منذ فترة.”
اتسعت عينا هيليو قليلاً، ورفعت الإمبراطورة الأم نظرها عن فنجان الشاي.
‘ڤيستي دخلت القصر الإمبراطوري ولم تذهب لملاقاة الإمبراطور؟’
كان الجميع في الغرفة يفكرون في هذا السؤال.
وكان هيليو أول من عبّر عن هذا السؤال.
“إذن، إلى أين ذهبت؟”
“يقال إنها ذهبت إلى قصر الزمرد.”
“قصر الزمرد؟”
كان هذا السؤال من الإمبراطورة الأم، التي عبّرت عن دهشتها أولاً، ثم وضعت فنجان الشاي جانباً وقالت مرة أخرى:
“قصر الزمرد!”
هذه المرة كان صوتها أعلى، ورغم أنها احتفظت بأناقتها كإمبراطورة، إلا أنه كان من الواضح أنها كانت مندهشة أكثر من المعتاد.
من الصعب أن تتصور أن لڤيستي نية حسنة في لقاء ليلِيانا.
“ماذا تريد أن تفعل الأميرة ڤيستي عندما تلتقي بالملكة؟… جلالتك؟”
كان هيليو قد نهض بالفعل من مقعده.
و وجهه كان متجمداً وهو يوجه سؤالاً لرئيس الحرس:
“كم من الوقت مضى منذ وصولها؟”
“في الواقع، حوالي ساعة…”
عند سماع ذلك، همّ هيليو بمغادرة القاعة.
“جلالتك!”
لو لم تناديه الإمبراطورة الأم بشكل عاجل، لكان قد غادر بالفعل.
لكن صوتها الحاد أعاده إلى واقعه، فوقف فجأة.
نهضت الإمبراطورة الأم ببطء ووقفت أمامه، ممسكة بأطراف فستانها بيدين مشدودتين.
“لا تذهب إلى قصر الزمرد.”
“ألستِ تحبين الملكة؟”
“أشعر بالأسف عليها، فأنا أحبها كثيرًا لدرجة أنني أتساءل عما إذا كان من المناسب لحماة غير مؤهلة مثلي أن يكون لديها زوجة ابن كهذه.”
“فلماذا تمنعينني؟”
“جلالتك، هذا هو القصر الإمبراطوري.”
صوت الإمبراطورة الأم بدأ يعود إلى هدوئه تدريجياً.
لقد عاشت في القصر الإمبراطوري لعدة عقود منذ أن كانت في سن صغيرة، لذلك لا أحد يعرف القصر كما هي.
“لا تنسى. سيظهر حُبك للملكة على أنه خطوة سياسية. يجب أن يظهر كما لو كان تحركك مجرد فزاعة مؤقتة تقلقك بسبب تصاعد قوة عائلة غابرييل.”
“ماذا…؟”
كان هيليو، الذي كان عادة هادئاً، يعبر عن اضطرابه على وجهه.
وضع يده على جبهته أومأ رأسه وهو يسأل:
“هل يبدو الأمر كذلك؟”
-يقصد كونه مهتم بالملكة لدرجه بيثير الشكوك لعائلة الدوق لأنه المفروض مايعطي الملكة إهتمام أكثر عشان بنت الدوق هي المفروض تكون إمبراطورته المستقبلية-
كانت الإمبراطورة الأم دائماً حكيمة، لكن في تلك اللحظة لم تكن تعرف ماذا يجب أن تقول.
هل هو غافل عن الواقع؟، كان هذا غير معقول من شخص يتصرف دائماً بعقلانية.
قبل أن يتحول اضطراب هيليو إلى اضطراب بين الخدم، تمكن هيليو من استعادة هدوئه بسرعة، وعاد إلى مظهر الإمبراطور البارد كما كان عليه عادة.
عندما رأت الإمبراطورة الأم ذلك، تنفست بارتياح وأطلقت زفرة.
“لا تدع عائلة غابرييل تستمر في تصرفاتها بهذا الشكل ، دعهم يظلون يتصرفون بغرور وحماقة.”
نظر هيليو إلى الإمبراطورة الأم وهي تتحدث بلطف، ثم إبتسم بابتسامة قصيرة.
“أنتِ حقاً حماة رائعة.”
تعجبت الإمبراطورة الأم من كلماته للحظة، ثم إبتسمت إبتسامة خفيفة.
“بدلاً من أن أكون حماة لائقة، سأقوم بدور الحماة الطائشة نيابة عنك.”
أومأت الإمبراطورة الأم لخادمتها، التي كانت سريعة في فهم الإشارة، فحضرت شال الإمبراطورة وألبسته إياها.
بعد أن أكملت استعداداتها بهدوء، نظرت الإمبراطورة الأم مجددًا إلى هيليو وقالت:
“سأذهب إلى قصر الزمرد.”
غرق هيليو في تفكير عميق، وأخفض رأسه قليلاً.
ظنت الإمبراطورة الأم أنه كان قلقاً بشأن قصر الزمرد.
ولكن عندما قررت الإمبراطورة الأم الذهاب، بدا أن هيليو قد أزال جميع آثار الاضطراب التي كانت على وجهه سابقًا.
شعرت الإمبراطورة الأم بشيء غريب.
كانت هناك أيام أراد فيها هيليو أن يُظهر لها محبته، ولكن لم يكن هناك يوم واحد شعر فيه أنه يثق بها بشكل كامل.
لكن الآن، كان يبدو أنه يترك كل شيء يتعلق بـليلِيانا لها، متخليًا عن كل شيء آخر.
أدى ذلك إلى شعور غريب في قلب الإمبراطورة الأم، وكأن شيئًا مؤلماً قد بدأ يتسلل إلى داخلها. ولكن قبل أن تتمكن من التفكير في ذلك، رفع هيليو حاجبيه وقال شيئًا غير متوقع.
“في الواقع، هذا الشاي لا يناسب ذوقي.”
“ماذا؟”
“قومي بتجربته.”
كانت كلمات هيليو تحمل قوة غريبة، وكان من المستحيل أن تتجاهلها، حتى وإن كان مجرد حديث غير مهم. على الرغم من أنه كان إبنها، إلا أن حديثه كان له تأثير غير عادي.
إبتسمت الإمبراطورة الأم بينما غادرت القصر الإمبراطوري، تفكر في الحوار الذي دار، وأخذت نفسًا عميقًا ضاحكة.
كان هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها هيليو عن تفضيلاته بشكل صريح. في صغره، كان يتجنب إظهار مشاعره تجاهها، وعندما كبر، لم يعد هناك ما يتوقعه منها، وعندما أصبح شابًا، توقفت اللقاءات بينهما تمامًا.
والآن، كان يقول لها أن الشاي لا يناسبه.
كان الأمر بسيطًا، لكنه كان بالنسبة لها هدية ضخمة، جعلتها تشعر بشيء مختلف في قلبها.
توقف مشاعر الفرح لبضع لحظات قبل أن تتماسك نفسها.
لكن هذا الشعور لم يدم طويلاً.
كان الشخص الذي جعل العلاقة بين هيليو وبينها تتحسن كما هي الآن، أو حتى لو كانت هي ليلِيانا التي كانت بالفعل جميلة ومحبوبة بما يكفي.
صعدت الإمبراطورة الأم بسرعة إلى العربة.
“توجه إلى قصر الزمرد.”
❈❈❈
“لقد زينتِ الحديقة بشكل جيد.”
“آه، أنا سعيدة لأنها تعجبكِ، يا أميرة.”
“إنها تشبه تمامًا قرية الأرانب التي تظهر في القصص.”
هل كانت تسخر من حجم الحديقة؟ .
لكن بما أنني لا أستطيع أن أسألها ذلك، اكتفيتُ بالإبتسام بطريقة غير مريحة.
أنا فعلاً لا أفهم ما يحدث هنا.
عندما عدت من المكتبة إلى القصر الزمردي، كانت ڤيستي قد ركنت عربتها أمام الباب.
على الرغم من أنه في الوقت الحالي هناك علاقة بين الملكة والآنسة، إلا أن تلك الآنسة ستصبح الإمبراطورة في المستقبل، فهل كانت الملكة لترسلها بعيدًا؟.
و مع ذلك، ليس بينهما علاقة جيدة، لذا استقبلتُ ڤيستي بتعبير وجه غير مريح.
ما كان غريبًا هو تصرف ڤيستي.
على عكس ملامحها البريئة، كانت تتمتع بمظهر ناضج، وعندما إبتسمت، كانت تبدو راقية وجذابة للغاية.
فجأة، بدأت تظهر الفوارق الطبقية عندما اتخذت موقفًا رسميًا وأظهرت الإحترام، مما جعلني أشعر بالفارق الإجتماعي بشكل واضح.
‘ آه، هذه المرأة من أسرة نبيلة ذات سمعة عالية في الإمبراطورية.’
حتى عند إمالة رأسها، كان هناك تلميح من الرقي والغرور. كان ذلك نتيجة لتدريب طويل لا يمكن اكتسابه في فترة قصيرة.
وفي الحقيقة، كانت نظراتها التي رفعتها مباشرة تتطلع إليّ من الأعلى، وكانت ابتسامتها تحمل ثقةً بالنفس.
“يشرفني الإلتقاء بكِ، سمو الملكة.”
“مرحبًا أميرة ، ولكن ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”
الجميع يعرف أنه ليس بيننا حديث عادي، حتى فأر القصر يعلم بذلك. لذا، لم أُضيع الوقت في محاولة إجراء محادثة صعبة، وسألتها مباشرة.
كنت أظن بالطبع أن ڤيستي قد جاءت لتوبخني. ربما كانت تحاول تحذيري تحت ذريعة النصيحة.
“أنا سأصبح الإمبراطورة قريبًا، فلماذا تتصرفين هكذا معي؟”
لكن ڤيستي، بابتسامتها المغرورة، قالت شيئًا بريئًا تمامًا لا يمكن تصديقه.
“سنصبح عائلة قريبًا.”
كان هذا وحده مفاجئًا بما فيه الكفاية، ولكن ما قالته بعد ذلك كان أكثر إثارة للدهشة.
“فكرت أنه سيكون من الجيد أن نكون رفقاء حديث.”
“رفقاء حديث؟”
كنت أشك في أنني لم أسمع جيدًا، لكن ڤيستي كانت لا تزال مبتسمة بثقة، وكان الخدم في الجوار يظهر عليهم الإرتباك رغم أنهم حاولوا التظاهر بعدم المبالاة.
دخلت خادمة صغيرة القصر للتو، و فتحت فمها عن غير قصد من بعيد، ثم تراجعت بسرعة.
شعرت بالارتياح لأنني كنت الوحيدة التي لاحظت ذلك، ثم عدت إلى النظر إلى ڤيستي.
على الرغم من أنني لم أجب بنعم بعد، إلا أن ڤيستي، بثقة عالية، استدارت لتدخل داخل قصر الزمرد.
لذلك لم يكن أمامي سوى أن أقول هذه الكلمات بعد فوات الأوان.
“تفضلي بالدخول، سمو الأميرة.”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 28"