“لقد صُدمت.”
كانت ليلِيَانا تمسك بالأسياخ بهدوء، وعينيها ترتعشان.
كان هيليو يمضغ طرف السيخ وقال وهو يقيم الأمر:
“أعتقد أن لا بأس به.” ثم استجاب لحديث ليلِيَانا.
“من أي ناحية؟”
“من نواحٍ عديدة..”
بما أن هيليو أشار بيده وكأنه يقول لها أن تأكل، أخذت ليلِيَانا قضمة من السيخ. كان مالحًا للغاية وكان طعمه قويًا جدًا بالتوابل، لكنه لم يكن سيئًا.
في الواقع، كان يعجبها.
أخذت ليلِيَانا قضمة من السيخ وهي تهمهم بكلماتها دون أن تدرك، وقالت وهي في حالة من الشرود:
“أولاً، من حيث أن جلالتك….”
“أنتِ تقولين جلالتك مرارًا، لماذا لا تناديني باسمي فقط؟”
“كيف يمكنني فعل ذلك؟”
أخذ هيليو قضمة أخرى من السيخ، وأفرغ فمه، وقال بشكل غير مبالي.
كانت تصرفاته مريحة لدرجة أن ليلِيَانا بدأت تشعر بالتوتر.
“إذا سمع أحدهم في السوق هنا و أغشي عليه، هل ستأخذينه وتعيدينه إلى المنزل؟”
كان هذا كلامًا منطقيًا. فكرت ليلِيَانا أنها لا تستطيع فهم هذا الحديث، وبدأت تومض شفتيها.
بينما كانت تحاول إختيار بعض الألقاب التي قد تستخدم بين الأزواج، ولم تجد القدرة على قول كلمات محرجة، لذا تذكرت شيئًا بالكاد.
“إذن، سيدي..؟”
ضحك هيليو قليلاً من هذا اللقب لكنه لم يعترض.
بل، بدا وكأنه يريدها أن تكمل حديثها وهو يهز السيخ الذي كان ممسكًا به.
تكابدت ليلِيَانا مشاعرها الغاضبة، وضبطت نفسها قبل أن تذكر ما صدمها.
“كيف يمكنك تناول طعام كهذا يُباع في الشوارع، وكأنك لا تكترث؟ ومن أين جئت بهذه العملات، التي يبدو أنها تخص العامة؟”
“لقد ذهبت إلى ساحات المعركة عدة مرات، لذا كنت أتناول طعامًا أسوأ من هذا بكثير. أعتقد أن هذا الطعام جيد مقارنة بما مررت به.”
“أما بالنسبة للعملات؟”
“هل تظنين بأنني ساخرج إلى السوق وأنا أمسك بقطع من الذهب كالأحمق؟ ، لقد كنت مستعدًا لهذا القدر مسبقاً.”
فكرت ليلِيَانا أن هيليو يبدو أكثر تواضعًا مما توقعت.
بالطبع، هو من قاد الهجوم على مملكة نييَتا شخصيًا.
نظرًا لأنه كان الإمبراطور الراحل قد رباّه ليكون مستشارًا للوريث، فلا شك أنه كان يتنقل بين ساحات المعركة كما لو كانت بيته.
فكرت ليلِيَانا أنها قد تكون قد عاملته كما لو كان أحد النبلاء المترفين الذين يهتمون فقط بمظهرهم، مما جعلها تشعر بالخجل قليلاً.
بدلاً من أن يوبخها، أعاد هيليو السيخين اللذين أكلهما إلى التاجر، ثم بدأ يمسح يدي ليلِيَانا بعناية باستخدام منديل.
بينما كانت تراقب، فكرت:
‘ كما هو متوقع من أب في رواية رعاية الأطفال ، لديه جانب حنون.’
كانت تلك الأفعال مجرد نقاط جذب تُستخدم لجعل القارئ يشعر بالإثارة، وليس شيئًا ينبغي أن تفرح به.
ثم، ابتسم هيليو بابتسامة ساخرة وأعطاها المنديل.
“خذي.”
“نعم، سأغسله وأعيده لكِ.”
“خذي، وافتخري أمام الجميع قائلةً إن ‘السيد’ هو من منحك إياه.”
أبرز هيليو لفظ السيد وهو يبتسم.
وعندما نظرت إلى المنديل، اكتشفت أنه مزخرف بشعار العائلة المالكة.
كان ذلك تلميحًا لها لكي تتفاخر وتستعرض هذا في الحفلات القادمة أمام الجميع.
ثم، أشار هيليو إلى مكان في السوق حيث كان الناس يتجمعون، وقال:
“هناك شيء مثير للاهتمام.”
وبدلاً من أن يسأل عن رأي ليلِيَانا، جذب يدها وسحبها نحو المكان.
هناك كان يوجد شخص يقف ويطلق السهام، وكان الناس يحيطون به.
إذا أصاب الهدف، كان الناس يصفقون، وإذا أخطأ، كانوا يصرخون ويشتمون.
“واو، يبدو أن ذلك صعب جدًا.”
فكرت ليلِيَانا أنها بالتأكيد لا ترغب في المشاركة في شيء كهذا، وكانت على وشك أن تقترح عليه الذهاب إلى مكان آخر.
لكن لحظة، عندما سأل التاجر “هل يوجد أحد آخر يريد التحدي؟”، تغيرت مشاعرها. الآن، أرادت أن تضع هيليو في هذا الموقف المحرج.
فكرت أنها قد تشعر بالسعادة إذا شاهدته يتعرض لصفير الجمهور.
رفعت ليلِيَانا يدها التي كانت ممسكة بيد هيليو، وأشارت بها قائلةً:
“هنا! هذا الرجل!”
في تلك اللحظة، التفت هيليو فجأة لينظر إلى ليلِيَانا.
كانت عيناه الزرقاوان ضيقتين، لكن ليلِيَانا لم تشعر بالخوف. بدأت تدرك تدريجيًا أن شيئًا كهذا لن يتسبب في فقدان رأسها.
“أيها الرجل الطويل هناك! تفضل!”
عندما صرخ التاجر، ضرب هيليو جبهة ليلِيَانا بإصبعه برفق، ثم قال بجدية:
“اعلمي أنكِ ستعاقبين لاحقًا.”
رغم كلماته، بدأ هيليو يمشي بثبات نحو الحشد، دون تردد.
وعند تلك اللحظة، أدركت ليلِيَانا أن هيليو كان إمبراطورًا.
وهذا يعني أن نظرات المئة شخص أو أقل في هذا المكان لن تشكل له أي مشكلة.
عندما قدم له التاجر القوس، أخذ هيليو القوس بطريقة طبيعية تمامًا، كما لو كان يستلم قوسًا من خدمه في الصيد.
“ها! ها هو الرجل الوسيم الذي طالما انتظرناه! دعونا نرى إن كانت مهاراته في الرماية متناسبة مع طوله!”
أثار كلام التاجر الضحك والتصفيق من الحضور.
نظر هيليو إلى جهة ليلِيَانا، ثم ابتسم ابتسامة عريضة، وسحب القوس بكل ثقة.
كان هناك عشر سهام قدمها التاجر لهيليو. وكان نوع الجوائز يعتمد على عدد الأسهم التي تصيب الهدف من بين العشرة. في العادة، لا يحصل الكثيرون على أي جائزة سوى الخبرة.
لكن هيليو…
“سوط!”
كانت الأسهم التي أطلقها هيليو تصيب مركز الهدف تمامًا، واحدة تلو الأخرى. وكأن هناك ثقبًا أسود في وسط الهدف، و سحب السهام بكل قوة نحو المركز.
في البداية، كان الناس يصفقون ويصفون بأنفاسهم، لكن مع مرور الوقت، بدأوا يهتفون بصوت عالٍ، ويقفزون من أماكنهم في حماس.
أصبح الجو مشحونًا بالحماسة بشكل كبير.
وبسبب ذلك، كانت ليلِيَانا تتدافع بين الناس، وهي تُدفع يمينًا ويسارًا، لدرجة أنها أصبحت في حالة من الفوضى الذهنية.
‘ سأقع إذا استمر هذا! ‘
كانت ليلِيَانا على وشك أن تنادي الشخص الوحيد الذي يمكنه مساعدتها.
“س-سيد، سيدي!”
في تلك اللحظة، امتدت يد قوية وأمسكت بخصر ليلِيَانا بقوة، ثم جذبها من بين الحشد.
لم تستطع ليلِيَانا إلا أن تغلق عينيها بإحكام، معتمدة على الشخص الذي حملها.
وبينما كانت على وشك أن تُداس من قبل الناس، فتحت عينيها ببطء، وتفاجأت عندما سمعت صوتًا مألوفًا من فوق رأسها.
“ليلي.”
كان ذلك اللقب الحنون الذي كانت تسمعه من والدتها أو تشو تشو (اسم دلالي). كان الصوت واللقب يحملان مشاعر مألوفة، ورغم أنها كانت مرتبكة بسبب هذه المفاجأة، إلا أن الوجه الذي رأته بعد فتح عينيها كان وجه هيليو بلا شك.
لقد فحص هيليو جسدها من الأعلى إلى الأسفل، ثم تململ في فمه وأصدر صوتًا غير راضٍ.
“كنتِ في الصف الأمامي، ألم أخبرك أنني أخشى أن تضيعين لأنكِ صغيرة جدًا؟”
ثم وضعها هيليو في الصف الأمامي بين الحشد، وأعاد قبضته على القوس. عندما سحب السهم الأخير، حدث صوت مدوٍّ من الهدف، وبدأ الناس يهتفون مرة أخرى. أما ليلِيَانا، فقد كانت في حالة من الذهول، فتبعته وصفقت مع بقية الحضور.
كانت ليلِيَانا تعرف أن هيليو يعتبرها موضوعًا مثيرًا للاهتمام.
فهو إمبراطور الإمبراطورية، ومن الطبيعي أن يكون لديه قلة من الأشخاص الذين يتبادلون المزاح معه، مما قد يجعل حياته مملة.
لكن تصرفه بشكل خاص واهتمامه المستمر بها، وتكراره في التأكيد على أنه لن يسمح لها بالضياع، بدا غريبًا بعض الشيء.
“هل لأنني يجب أن أنجب ملك نيِيتا؟ هل ذلك بسبب الأهمية السياسية؟”
وصلت ليلِيَانا إلى استنتاجها الخاص، لكن سرعان ما اقتحمت فكرة أخرى رأسها.
“لكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أخرجني إلى مكان خطر كهذا؟”
عندما أصاب هيليو هدفه بكل سهام العشرة في المركز تمامًا، بدأ الناس يهتفون بشدة: “مرة أخرى! مرة أخرى!”
ومع تصاعد الحماس، أصبح التاجر عاجزًا عن إيقاف الحشد، واضطر هيليو إلى إطلاق عشرين سهمًا آخر. كل واحد من تلك الأسهم أصاب هدفه، مما جعل التاجر يبدو شاحبًا.
اقترب التاجر من هيليو ووجهه مليء بالخوف وقال بتردد:
“سيدي… أعتذر، لكن الجوائز من الدرجة الأولى قد نفدت. لا أستطيع أن أقدم المزيد…”
عند سماع ذلك، بدأ الناس يطلقون صيحات استهجان. كانت الجائزة الأولى عبارة عن زينة ذهبية، والتي كانت بالتأكيد شيئًا يفوق قدرة تاجر في السوق على تقديمه.
اقتربت ليلِيَانا من هيليو وسحبته من كـُمه.
“سيدي، كفاك الآن ، لا تأخذ الجائزة.”
فوجئ هيليو بحركتها، فرفع حاجبيه في تساؤل.
“لماذا؟”
“لأنك لا تحتاج إلى تلك الأشياء.”
أعتقد أن هناك جواهر أغلى بكثير مليئة في كل خزائن القصر. فلماذا تأخذ شيئًا كهذا؟.
عندما سمع كلمات ليلِيَانا، بدأ التاجر يضع يديه معًا بتوسل، وبدأت عيناه تتألقان. ربما كانت حركة الرجل البالغ في العمر قريبة من التصرفات الطفولية، لكنها جعلت ليلِيَانا تشعر أنه من الأفضل ترك الجائزة.
ومع ذلك، شعر هيليو بعدم الرضا وكأن شيئًا لم يعجبه، فرفع كتفيه.
“كنت سأعطيكِ إياها.”
توقفت ليلِيَانا في مكانها عندما سمعت تلك الكلمات.
بدأ الناس الذين كانوا يستمعون لهذه المحادثة يهمسون بتعليقات أخرى.
“يبدو أن أحد النبلاء والخدم قد هربا معًا.”
بدأ أحدهم في التحدث، وكان يبدو أن اللقب هو ما أثار تساؤلهم.
شعرت ليلِيَانا بالحرج، فشدت رداءها حولها وأسرعت تهمس في أذن هيليو.
“لقد أعطيتني الكثير بالفعل، لماذا تعطي المزيد؟”
“على ما يبدو، هذه هي أول مرة نخرج فيها بهذه الطريقة.”
“صحيح، لكن…”
بينما كانت ليلِيَانا تتأمل في كلامه، نظرت سريعًا إلى البضائع أمامها، ثم ركضت سريعًا لتمسك بإحدى الأساور اللامعة. رفعتها أمام التاجر وأخذت تهزها له.
“هل يمكنني أخذ هذا؟”
فتحت عيني التاجر على مصراعيها، وأومأ برأسه بسرعة، وكأن قلبه كان يصرخ طلبًا لذلك.
أخذت ليلِيَانا السوار ووضعت على يد هيليو، قائلة:
“خذ هذا. ماذا ستفعل بتلك القطعة الذهبية الضخمة؟ إذا كان الأمر يتعلق بالذكرى، فالأشياء الجميلة هي ما يناسب ذلك، أليس كذلك؟”
عندما تحدثت ليلِيَانا بتفاخر، ضحك هيليو ضحكة خفيفة.
ثم أمسك بمعصمها برفق وأخذ يضع السوار في يدها.
كان السوار مرصعًا بحجر أزرق يناسب بشرتها البيضاء تمامًا.
على الرغم من أنه لم يكن يبدو كجوهرة حقيقية، إلا أنه كان مناسبًا للنظر إليه.
ثم أمسك هيليو يد ليلِيَانا مرة أخرى. لم يكن ذلك التصرف من حبيب الحنون، بل بدا وكأنه يخشى أن تضيع منه، لكن في النهاية، كان ذلك إهتمامًا وعاطفة.
تمكن الاثنان من الخروج من بين الحشود التي كانت تضحك، وصعدا إلى العربة بصعوبة.
أثناء عودة العربة إلى القصر الإمبراطوري، استمرت ليلِيَانا في التلاعب بالسوار والنظر إليه.
“إنه مزيف.”
قال هيليو ذلك باستخفاف، وكأنها لم تكترث. كان ذلك التصرف يجعل ليلِيَانا غاضبة قليلاً، فرفعت رأسها بتفاخر.
“أنا أعرف ذلك.”
“هل تدققين في كل شيء هكذا؟ الجواهر التي قدمتها لكِ من المؤكد أنها موجودة في قصر الزمرد، فهل تقفين لتفحصينها واحدة تلو الأخرى؟”
“لا.”
أجابت ليلِيَانا على الفور، ثم رفعت معصمها مرة أخرى وركزت على السوار.
مع اقتراب السوار من الضوء، أصبح من الواضح أنه ليس حقيقيًا، لكن ليلِيَانا كانت ما زالت تبتسم وتدندن لنفسها بأغنية.
“يبدو أن الجائزة الأولى كانت حقيقية، لكن لماذا تختارين سوارًا رخيصًا كهذا وتفرحين به؟”
لاحظ هيليو أنها كانت تفضل هذا السوار على الجائزة الأولى الثمينة.
كانت ليلِيَانا تمسك بمعصمها وكأنها لا تريد أن يأخذ أحد السوار منها.
ثم ابتسمت ابتسامة مشرقة، لدرجة أن المحيط أصبحت مشرقاً بسبب ابتسامتها.
“هذه هي المرة الأولى التي أتلقى فيها شيئًا كهذا من شخص آخر غير أمي. ليست هدية تُعطى من أحد، ولا شيء يتم توزيعه حسب الرتبة أو المنصب.”
ثم سحبت معصمها بالقرب من قلبها وضحكت بخجل.
“آه، لقد كانت تلكَ هي اللحظة التي رأيت فيها وجهها بابتسامة حقيقية.”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 19"