تلعثمت ليليث وأشاحت بنظرها بعيدًا، لا تدري ما تقول.
كان من الطبيعي أن تقول شيئًا كهذا، فإيان هو صديقها المقرّب.
لكنها، لسبب ما، لم تستطع التخلص من الإحساس بأن كلماته تلك لم تكن ودّية فحسب، بل كان خلفها شيءٌ آخر… شيء غريب وغامض.
(لا أريد أن أخطئ وأسبب الحرج مع إيان…)
رفعت ليليث رأسها وقد عقدت العزم على التصرف بعفوية.
“إذن، لاحقًا، ستأتي أنت أيضًا إلى القصر وتساعدني في عملي. مفهوم؟”
أومأ إيان موافقًا، فتنفّست ليليث الصعداء لأنها خرجت من الموقف بسلام.
“سموّكِ! سموّكِ!” جاء صوتٌ يائسٌ مُلِحّ.
بما أنّ لوسيا كانت قد غادرت القصر منذ زمن، كانت ليليث الوحيدة التي تُنادى بـ”صاحبة السمو الملكي”.
مدّت عنقها بسرعة لترى من صاح.
“تيرنز! ما الأمر؟ من يطاردك؟ هل وقع أبي أو أمي في مأزق؟”
كان تيرنز يلهث بشدّة، وقد بدا كمن ركض بكل ما يملك من طاقة.
لكن رغم تعبه، فتح فمه وقال:
“لستُ في مأزقٍ فحسب، لقد طُردت!”
على الرغم من نبرة تيرنز المُلِحّة، ابتسمت ليليث بسخرية خفيفة.
“أهذا جديد؟ أليست هذه عادة من يومين؟ هل أخطأ تيرنز ثانيةً؟ أم أن أمي غاضبة من جديد؟”
بدأ تيرنز يتكلم، لكنه تراجع فور أن لمح إيان واقفًا هناك.
شعر إيان بالحرج، وهمَّ بالابتعاد، غير أن ليليث أمسكت بيده بقوة.
“إيان لا يتكلم كثيرًا، يمكنك التحدث أمامه.”
كان من الطبيعي أن يتردد طفلٌ في الحديث، لكن تيرنز وثق بكلمات ليليث، التي كانت أكثر نضجًا وذكاءً من سائر الأطفال.
هزّ رأسه بقوة وقال:
” صاحبة الجلالة، والداك تشاجرا… نتشاجر!”
“ماذا؟! ما هذا بحق؟!”
مدّت ليليث رقبتها وصرخت، وقد بدت مدهوشة لدرجة أن خديها المستديرين، اللذين كانا دوماً يبدوان مرحين، شحبا فجأة.
“أبي وأمي يتشاجران؟ مستحيل! أليست أمي هي من تلاحقه دومًا؟!”
كانت ليليث تجهل تمامًا ما يعنيه “الشجار الزوجي”، لكن تيرنز أومأ مجددًا بحزم.
“بدأ الأمر هكذا فعلًا! لكن جلالته الآن غاضب جدًا!”
“هذا جنون! لا بد أن أبي قد تلبّسته روحٌ شريرة! عليّ أن أذهب إليه وأنقذه!”
أسرعت ليليث نحو العربة، لكنها توقفت فجأة حين أدركت أنها ما زالت تمسك بيد إيان.
“إيان! أنتَ…”
لو طلبت منه العودة إلى قصر أريس، لاضطرّت إلى انتظار عربة جديدة.
لكن الجو كان باردًا للغاية لتتركه وحيدًا في الخارج.
لم تطق فكرة أن يظل هذا الصبي الجميل في البرد طويلاً.
لكن لو أوصلته أولاً ثم ذهبت، ستتأخر عن القصر…
“أرجوكِ، خذيني معكِ. ربما أستطيع المساعدة.”
ابتسم إيان برفق وضغط على يدها، وكأن توسّله يقول: لا تتركيني.
ولم تستطع ليليث الرفض.
“حسنًا! فلنذهب سويًا!”
أخذت ليليث إيان معها إلى القصر الإمبراطوري. خدمها الخدم بحفاوة شديدة، لكن عيونهم لم تفارق إيان، تراقبه بنظرات جانبية مليئة بالفضول.
“من هذا الصبي الوسيم؟”
“غريب… عادةً، كل من يقف بجانب الآنسة ليليث ينتهي كحبار…”
كان عدد الصبية الذين نجوا من الوقوف إلى جانب ليليث قليلًا جدًا: شقيقها الأكبر كارل، والماركيز الصغير ويليم من كلاين.
لكن الآن، في هذه اللحظة، أُضيف اسم جديد إلى القائمة.
وللمرة الأولى، كانت ليليث تمسك بيد أحدهم وتقوده بنفسها.
وكأنها تعلن للجميع: هذا مُفضّلي.
تبادل الخدم النظرات سرًا، وقد غلبت عليهم الدهشة والفضول المكتوم.
“يبدو أن صاحبة السمو تُحبّه.”
“حقًّا؟ وهل هذا الصبي يُحبّ صاحبة السمو الأميرة أيضًا؟”
“بالتأكيد! أيّ صبيٍّ لا يُحبّ صاحبة السمو الأميرة؟”
كانت همسات الخدم بالكاد تُسمَع وهم يراقبون ليليث وإيان يمران، بينما كانت هي غافلة تمامًا عن نظراتهم ولم تدرك أنها لا تزال تمسك بيده حتى دخلت مكتب الإمبراطور دون استئذان.
كانت عازمة على طرد الروح الشريرة التي تلبّست والدها، كما ظنّت، لكن ردّ فعله لم يكن كما توقّعت.
“لي… ليليث. ما الذي تحملينه في يدك؟”
رفع هيليو سبابته المرتجفة وأشار نحوها، وجهه شاحب كالثلج.
نظرت ليليث إلى جانبها باستغراب، فهي لم ترَ والدها بذلك التعبير المذعور من قبل.
“هاه؟ هذا إيان. صديقي.”
زمّ هيليو شفتيه وقال ببطء:
“حتى لو كنتما صديقين… أليست الآنسة التي تمسك بيد رجلٍ نبيل أمرًا غير لائق؟”
“أوه، صحيح…”
بدت ليليث وكأنها أدركت فجأة ما فعله، فأطلقت يد إيان بهدوء.
أغمض هيليو عينيه وأخذ نفسًا عميقًا، محاولًا التماسك، فرؤية ابنته الصغيرة تتصرّف بتلك الحذر واللطف جعلته غير قادرٍ على الغضب.
لم يرد أن يكون ذلك الأب السخيف المتطفل الذي يتدخّل في كل ما يخص ابنته.
أراد أن يكون أبًا متفهمًا، ناضجًا، يستطيع الحديث عن الحب بعقلٍ مفتوح.
لكن ما إن لمح ابنته ذات الأحد عشر عامًا تمسك بيد صبيٍّ في مثل عمرها، حتى شعر أن رأسه يكاد ينفجر.
‘ ما الذي يعجبكِ فيه؟ طوله؟ وجهه الجميل؟.’
حين فكّر بالأمر، تذكّر أن ليليانا كثيرًا ما كانت تقول إنها أحبت وسامته يومًا ما.
هل يُعقل أن ابنته ورثت ذوق أمّها؟
من الطبيعي أن تُعجب المرأة برجلٍ وسيم، لكن التفكير المنطقي لم يكن حاضرًا لدى هيليو تلك اللحظة.
ومع ذلك، منذ أن تركت ليليث يد إيان، بدأ يعود تدريجيًا إلى هدوئه الإمبراطوري.
“حسنًا، اجلسا.” قال بنبرة أكثر اتزانًا.
ثم أضاف إيان بانحناءة مهذبة:
“إنه لشرفٌ عظيم أن ألتقي بجلالتك. إيان أستيرون في خدمتك.”
“أستيرون؟ آه، نعم. سمعت عنك من الإمبراطورة. قالت إنك موهوب جدًا في المبارزة، موهبة نادرة في هذا العمر.”
ابتسم إيان بأدب وقال:
“تشرفت كثيرًا بعطف جلالتها عليّ، رغم أن مهاراتي لا ترقى إلى الثناء. أعتبره فضلًا كبيرًا منها.”
أخذ هيليو يتأمل ملامح الصبي دون وعي، لكنه ما لبث أن فوجئ بليليث وهي تتقدّم بخطوة لتقف أمام إيان مباشرة، مانعةً والدها من النظر نحوه.
“أبي! الناس العاديون يخافون إذا نظر إليهم الإمبراطور هكذا!”
“ماذا؟”
رفع حاجبيه بدهشة، لكن حين نظر مجددًا إلى الصبي خلفها، لاحظ أنه لم يبدُ خائفًا على الإطلاق.
بل إن إيان ظل واقفًا بثباتٍ وهدوء، مما أثار فضول هيليو أكثر.
غير أن ليليث لم تُمهله لتفكيرٍ أطول، إذ انقضّت عليه بحماس.
“أبي! لماذا تشاجرت مع أمي؟ هل تشاجرتما حقًا؟ أم أن أمي وبّختك فقط، وسمّوه شجارًا بالخطأ؟ إن كنتما تشاجرتما فعلًا، فسأستدعي تيري وسلمان ليطردا الروح الشريرة التي بداخلك!”
“مهلًا… أي روحٍ شريرة؟!”
وضعت ليليث يديها على خصرها وقالت بثقة طفولية:
“إذا تشاجر أبي حقًا مع أمي، فبالتأكيد هذا ليس أبي الحقيقي!”
ضحك هيليو بخفوتٍ وهو يضع يده على جبينه.
هل وصل الأمر بابنته إلى الاعتقاد بأن فكرة شجارٍ بينه وبين ليليانا مستحيلة؟
ربما كانت هذه قلة كرامة، لكنه شعر بالرضا الغريب يغمُره.
ففي النهاية، ليليانا وحدها كانت تستحق أن تكون إمبراطورة بجانبه.
لكن هذا بالتحديد ما جعله غير قادرٍ على التهاون معها في هذا الخلاف.
قال بنبرةٍ هادئة:
“قالت والدتك إنه سيكون من الأفضل لو قارنا إيجابيات وسلبيات زواجنا.”
رمشت ليليث عدة مرات، وبدت الصدمة على وجهها المستدير.
كانت تعرف أن زواج والديها كان في الأصل زواج مصلحةٍ سياسيّ، ثم تحوّل مع الوقت إلى ارتباطٍ مليءٍ بالحب والمودة.
في نظرها، كانا المثال الأجمل على “زواج المصلحة الرومانسي”، حيث العاطفة تسبق الكلمات.
“لكن… لماذا قالت ذلك؟”
“يبدو أنها غاضبة لأنني نعت نفسي بالضعيف!”
رمشت ليليث باستغراب وسألت بجدية مطلقة:
“لماذا قلت ذالك إذاً؟”
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 184"