قصة جانبية خاصة – 5

عند هذه الكلمات، انفجرت ليليانا ضاحكة.

كان من المضحك والمحبّب في الوقت ذاته أن يطلق حاكم أقوى إمبراطورية في العالم على نفسه لقب «ضعيف».

واصلت ليليانا الضحك وهي تعانق رقبة هيليو.

“لا تكن سخيفًا، أنت الرجل المثالي بالنسبة لي.”

“أرأيتِ؟ كنتُ محقًا.”

“هل تُصغي إليّ أصلًا؟”

“أُصغي، أُصغي. أجمل امرأة في العالم تتخذ قراراتٍ غريبة، وحتى هذه اللحظة تُثبت ذلك.”

دفعت ليليانا كتف هيليو برفق وحدّقت به.

“أُخبرك، أنت المثالي.”

“وما هو المثالي فيّ تحديدًا؟ أنتِ المثالية هنا.”

“عن ماذا تتحدث؟ أنت أجمل رجلٍ في العالم.”

“هل أنتِ من النوع الذي يختار الأشخاص بناءً على المظهر؟”

“بل لأنك مسؤولٌ وعطوف.”

“أنا؟ الرجل الذي وُصف بأسوأ طاغية في التاريخ؟”

“من اللطيف كيف تبدو متغطرسًا بلا حدود، ومع ذلك تفتقر للثقة بشكلٍ مفاجئ.”

“هذه إهانة، هل تعتقدين أنني لا أميز السخرية حين تُقال بوجهٍ جميلٍ كهذا؟ يبدو أنكِ ترين أنني بلا قيمة، أليس كذلك؟”

“ولِمَ تستمر في وصف نفسك بأنه بلا قيمة؟ توقف عن هذا فورًا!”

اتسعت عينا ليليانا وحدّقت فيه قبل أن تشخر مستنكرة.

“وأنت؟ ما الذي يجعلك تظن أنني مثالية لهذه الدرجة؟”

عانق هيليو خصرها ونظر في وجهها مليًّا.

مرت السنوات، وأصبحت ليليانا أمًّا لصبيٍّ في الرابعة عشرة وفتاةٍ في الحادية عشرة، ومع ذلك ظلّت نقيةً وبريئة الملامح كما كانت يوم التقيا أول مرة.

لم تكن تلك البراءة نابعةً من جهلٍ بالعالم، بل على العكس، لقد نشأت وهي ترى قذارته أكثر من أي أحد.

ومع ذلك ظل قلبها، وهي تحدّق بالعالم، مفتوحًا على مصراعيه، وكلما استطاعت أن تمد يدها، فعلت لتداعبه برفق.

ولهذا السبب…

كانت عينا ليليانا الجميلتان لا تزالان نادرتين، متألقتين كجوهرتين من أندر ما يكون.

تمامًا كما كانتا عندما رآها هيليو أول مرة.

لم يستطع وصف جمالها بكلمات، فالكلمة الوحيدة التي بدت كافية كانت «مثالية».

ومع ذلك، فتح شفتيه أخيرًا وقال بهدوءٍ عميق:

“لأني أحبكِ.”

همست ليليانا وهي تداعب خده برفقٍ، وكأنها تعرف كل ما في قلبه.

“وأنا أيضًا أحبك، ولهذا نحن مثاليان لبعضنا.”

يا لهذا الكمال الغريب… شعر هيليو بثقةٍ مطمئنةٍ بأنه لن يفلت أبدًا من قبضتها. ضحك بخفةٍ وضرب جبهته بجبهتها.

“أشعر بالقلق… يبدو أن زوجكِ في النهاية نصّاب.”

حاول أن يبدو جذّابًا بطريقته الخاصة، لكن ردّ فعل ليليانا كان غريبًا.

حدّقت به في صمتٍ تام.

لم تبتسم، ولم تغضب.

وببطءٍ، بدأ الخوف يتسلّل إلى هيليو من زوجته.

 ناداها هيليو بصوتٍ حذر، وهو يمنحها تلك الابتسامة التي لطالما مدحتها:

“…ليلي؟”

“لا بأس.”

دفعت صدره برفق وابتعدت عن أحضانه.

أحاط خصرها بذراعه، كما لو حاول أن يستعيدها إليه، لكنه لم يستطع أن يعانقها حقًّا.

“ما الخطب؟ هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟”

“أنت حقًا لا تعرف؟”

“أنا آسف… حقًا لا أعرف.”

“كيف تجيب بهذه السرعة دون أن تفكر؟! لقد أخبرتك منذ البداية!”

ارتفع صوت ليليانا وقد بدا عليه الاضطراب والانزعاج.

شعر هيليو وكأن مطرقةً سقطت على رأسه، وحاول جاهدًا تذكّر ما قاله قبل قليل.

النساء المثاليات أحيانًا يتخذن قراراتٍ غريبة…

قال إنه يخشى أن تفعل ليليث الشيء نفسه، تمامًا كما فعلت ليليانا.

وليليانا…

“لماذا تُصرّ على مناداة نفسك بـالضعيف ؟ كفى!”

نعم، هذا ما قاله.

لكن… هل كان هذا حقًا سببًا كافيًا لتغضب بهذا الشكل؟

ضيّق هيليو عينيه وهو يتأمل ملامح ليليانا، متردّدًا، وكأن الخجل يمنعه من قول ما يدور في ذهنه.

“هل أنتِ منزعجة لأنني وصفت نفسي… بالضعيف؟”

رفعت ليليانا حاجبيها ببرود. “أنت في حيرة، أليس كذلك؟”

“ولماذا أكون في حيرة؟”

قالها هيليو بصوتٍ يحمل مسحة حزنٍ خافتة، لكن ليليانا لم تُصدّق نبرته تلك.

هزّت رأسها بصرامةٍ وتحدثت بنبرةٍ صريحةٍ قاطعة.

“لو قلتُ لك إنني امرأة تافهة ورقيقة القلب، ماذا كنت ستظن؟”

ضيّق هيليو عينيه أكثر، كما لو كان يسألها بنظراته: كيف يمكن أن تخرجي بمثل هذا الكلام؟

“ماذا تقصدين؟ كيف يمكن لامرأةٍ تمتلك قلبًا كهذا أن تقول إنها لا تملك شيئًا؟ وكيف تجرؤين على وصف رحمتكِ بأنها تافهة؟”

ابتسمت ليليانا ابتسامةً صغيرةً خاليةً من الفرح.

“أرأيت؟ أنت أيضًا منزعج.”

لم يفهم هيليو مغزى حديثها، وبدا العرق البارد يتجمّع على جبينه.

أخيرًا، زفرت ليليانا بضيقٍ واستدارت عنه.

“ليلي…”

“لا تتبعني! أنا منزعجة!”

“ليلي!”

ناداها هيليو بيأس، لكن ليليانا كانت قد صعدت إلى العربة برفقة صوفيا دون أن تلتفت إليه.

شعر هيليو بالعجز. رغب في اللحاق بها، لكنه لم يستطع، فوقف يراقب العربة وهي تبتعد شيئًا فشيئًا.

اقترب الحاجب الذي كان يراقب الموقف بصمت، وسأل بحذرٍ وهو يميل رأسه قليلًا:

“هل أُحضّر عربة جديدة، جلالتك؟ أم أستعير واحدة من صاحبة السمو الأميرة؟”

لم يكن هناك سوى عربةٍ واحدة، وبما أنّ ليليانا استقلّتها وحدها، فقد تُرك الإمبراطور بلا وسيلة نقل.

ضحك هيليو ضحكةً قصيرةً مُستسلمة، ثم رفع يده ليمسح شعره للخلف.

“لا داعي. بما أنّ الإمبراطورة غاضبة، سأقبل العقوبة عن طيب خاطر. سأعود إلى القصر الإمبراطوري سيرًا على الأقدام.”

أي خادم عادي كان ليعترض فورًا ويحاول تدبير عربةٍ من أي مكان، لكن هذا الرجل خدم هيليو طويلًا، وكان يعرفه كما يعرف ليليانا.

فابتسم بتفهّم، ثم تبع الإمبراطور بصمتٍ على الطريق.

❈❈❈

منذ زيارة إيان إلى القصر، كانت ليليث تعيش أيامًا مفعمةً بالمرح والسعادة.

كما وعدته، أخذته في جولةٍ شاملةٍ داخل قصر أريس، مرورًا بأجنحته وحدائقه وساحاته، لتُريه عظمة الإمبراطورية وتاريخها العريق.

كان إيان منبهرًا بشكلٍ خاص بقاعة التدريب، حيث كان فرسان القصر يتبارزون في عرضٍ مهيبٍ يخطف الأنفاس.

سألته ليليث بفخرٍ وهي تراقب وجهه المتورد من الحماس:

“هل كان رائعًا؟ من أعجبك أكثر؟”

“أظن أن الفارس ذا الشعر الأحمر كان الأروع. كان سريعًا وقويًّا جدًا، ومع ذلك يحمل وقارًا مهيبًا… بدا وكأنه فارسٌ حقيقي.”

تألقت عينا ليليث وقالت بحماسٍ طفولي:

“أعرف من تقصد! تتحدث عن ليون، أليس كذلك؟”

“ليون؟ أوه، تقصدين اللورد هيس الشهير؟”

“تمامًا!”

ضحكت ليليث بخفةٍ، متفاخرةً بإعجابه بليون.

“ليون في الأصل كان فارس الأميرة لوسيا، عمّتي. لكنها، بدافع القلق على والدتي، رشّحته ليكون حارسها الشخصي. لا بد أنك تعرف القصة، أليس كذلك؟”

أومأ إيان بإعجابٍ صادق، وعيناه الذهبيتان تلمعان بالعاطفة.

“أجل، إنها قصةٌ مشهورة. وأن أراه شخصيًا هكذا… شرفٌ كبيرٌ لي فعلًا.”

أشارت ليليث بيديها بحماسٍ طفولي.

“هل أخبرك بأمرٍ أروع؟ أمي قالت إنها ستمنح ليون لقب فارسٍ رسميٍّ قريبًا، وسيصبح فارسي الخاص! سيحميني كما يفعل في القصص!”

تألق بريقٌ جميلٌ في عيني إيان مع كل كلمةٍ تنطقها ليليث.

كل مرةٍ كانت رموشه الطويلة ترفرف فيها بخفّة، كانت ليليث تشعر بأن قلبها يخفق بطريقةٍ غريبةٍ لا تفهمها.

ابتسم إيان ابتسامةً رقيقةً تكاد تكون ملائكية.

“تمامًا كما قالت ليليث… هذا مذهل، وأنا أغار حقًا.”

أمالت ليليث رأسها بدهشةٍ صغيرة.

“أنت تغار؟ هل تحلم أن تصبح فارسًا أيضًا؟ يمكنك ذلك، أليس كذلك؟”

هز إيان رأسه بهدوء، وعيناه تتوهجان بلونٍ ذهبيٍّ عميق.

“لا.”

ثم أضاف بصوتٍ واثقٍ هادئ:

“لأن اللورد هيس يستطيع أن يكون بجانب ليليث دائمًا… ويحميها بفخر. أحسده على ذلك، لا أكثر.”

♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213 

حسابي على الواتباد: @Toro1316

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧