كان يومًا صافياً، خالياً من الغيوم، دافئاً دون أن يعلوه أثرٌ للرطوبة.
تدفقت أشعة الشمس من النوافذ العالية حتى كادت تؤلم الرقبة من شدة ارتفاعها. رفعت لِيليانا رأسها نحو السماء، ثم أغمضت عينيها قليلاً لتتجنب الضوء، ورفعت يدها لتقي وجهها من وهج الشمس.
قالت أغرينا، التي كانت تراقبها وهي توبّخ الخادمات بلطف: “جلالتكِ، إن استمررتِ بالنظر هكذا، سيتلف مكياجك!”
تنهدت لِيليانا، وقد بدا عليها بعض الضجر. “ارفعي كتفيكِ، وانظري إليّ. هل تشعرين بأي انزعاج؟”
أجابت لِيليانا بعبوس خفيف: “كثير.”
ضحكت أغرينا بخفة: “الحمد لله. لو لم يكن هناك شيء مزعج، لكان في الأمر خطب.”
أطلقت لِيليانا تنهيدة طويلة وهزّت رأسها. “لحسن الحظ أننا أنجزنا هذا قبل حلول الصيف.”
ضحكت الخادمات اللواتي كنّ حولها بخفوت، متشاركات جو الدعابة الخفيف.
على الرغم من أن هذا اليوم كان يوم تتويج الإمبراطورة، إلا أن الجو لم يكن صارمًا أو ثقيلًا. فالكل كان يحبّ لِيليانا بصدق، والجميع كانوا يتسابقون لتزيينها بأبهى صورة ممكنة.
بعد أن نظرت أغرينا إلى الساعة، أخبرتها بلطف أن الوقت قد حان للخروج. فنهضت لِيليانا بمساعدة الخادمات، وسارت حتى وقفت أمام الأبواب الكبيرة المهيبة. من الخارج، دوّى صوت الحشود بالهتاف والفرح. كانوا جميعًا هناك للاحتفال بها.
كانت صوفيا، الواقفة بجوارها، تمسح دموعها وتبتسم بعينين دامعتين. “جلالتك، هل تعلمين؟ أنتِ أول من دعا عامة الشعب إلى مراسم التتويج! ولهذا كانت المراسم مفعمة بالحياة على هذا النحو!”
ابتسمت لِيليانا بصفاء وهزّت رأسها، وكأنها تقول: “أعلم.” فقد كان من الطبيعي أن تكون لهم يد في وصولها إلى هذا المقام، فقد نالت محبة الشعب كما نالت احترام القصر.
ثم فُتِحت الأبواب بإشارةٍ صغيرة، وانطلقت الألحان المهيبة تملأ الأرجاء. تحت السماء الزرقاء الخالية من الغيوم، امتدّ بساط أبيض ناصع كصفاء النهار.
“تحيا الإمبراطورة!” “السعادة لجلالتك!”
كانت الوجوه التي تراها لأول مرة تهتف باسمها، لكنها شعرت بصدق أمنياتهم. فردّت على حبهم بابتسامة مشرقة لم تفارق وجهها.
وعندما خطت بقدمها على السجادة البيضاء، كانت السيدة ماريين بانتظارها لاستقبالها. لكن الغريب أنّ يديها كانتا خاليتين، لا تمسكان بالتاج كما يقتضي البروتوكول.
قبل أن يتساءل الحاضرون، قالت لِيليانا بنبرةٍ رقيقة: “سَلَمان.”
وفي اللحظة ذاتها، اشتعلت ألسنة من اللهب في الهواء، تلتفّ على شكل وردةٍ نارية ضخمة، ثم امتدت كوشاحٍ مهيب. ومن داخل اللهب ظهرت رجلٌ بشعر طويل مرفوع للأعلى.
كان ذالك ملك أرواح النار، سَلَمان. ركع فورًا أمام لِيليانا وقال بصوتٍ يفيض ولاءً:
“سيبقى مجدي دومًا إلى جانب جلالتك.”
كان مشهد قسمه رائعًا كما في كل مرة، حتى إنّ لِيليانا لم تستطع إخفاء إعجابها. مدّت يدها إليه فقبّل سَلَمان ظهر يدها برقة، وانفجرت الجموع بالهتاف إعجابًا.
اقتربت ماريين ومدّت يديها نحو سَلَمان، الذي وضع بين كفيه كرةً صغيرة من اللهب. توهّجت تلك النار قليلاً، ثم تحولت تدريجيًا إلى تاجٍ فضّي تلمع عليه جواهر بديعة.
انحنى سَلَمان نحو لِيليانا وهمس بصوتٍ لا يسمعه سواها: “ردٌّ على هديتكِ القديمة.”
كان يشير إلى التاج الذهبي الذي أهدته لها لِيليانا منذ زمن بعيد، وقد بدا أنه أحبّه بحق. ابتسمت لِيليانا وأومأت امتنانًا.
ثم انحنت برشاقة وفقًا للأعراف الإمبراطورية أمام ماريين، التي وضعت التاج الفضّي بعناية على رأسها. ومع كل حركة من رأسها، أطلقت الياقوتات الزرقاء والماس بريقًا أخّاذًا يملأ القاعة.
ضحكت لِيليانا بخجل: “أوه، يا أمّاه… ليس زواجًا كما تظنين…”
لكنها لم تكمل جملتها، إذ التفتت إلى الأمام واتسعت عيناها. ففي نهاية السجادة البيضاء، كان هيليو واقفًا هناك.
شَعره الذهبي يتماوج تحت نسيمٍ لطيف، وعيناه الزرقاوان تلمعان بنظرةٍ لا تتجه إلا إليها. كان يرتدي بذلة بيضاء أنيقة، يحمل في يده باقة وردٍ وردية، كعريسٍ في ربيعٍ أبدي.
ابتسمت لِيليانا وسط دموعها، وسارت نحوه بخطواتٍ بطيئة، وكل نبضة من قلبها تردد اسمه.
وقبل أن تصل إليه تمامًا، لم يتمالك هيليو نفسه وتقدم نحوها بخطواتٍ سريعة.
قالت لِيليانا مازحةً، وعيناها تلمعان بالعاطفة: “أتعلم؟ سيتذكر الناس أنني خالفت البروتوكول في تتويجي.”
ابتسم هيليو بثقةٍ وقال: “لم نخالف شيئًا. كل شيء جرى كما يجب.”
ثم مدّ نحوها باقة الورد. مدّت لِيليانا يدها المرتجفة، أخذتها وضمّتها إلى صدرها. عندها انحنى هيليو وقبّل خدّها برقة.
“ستُذكَرين كأكثر إمبراطورةٍ محبوبَة في التاريخ.”
“وكأكثر إمبراطورةٍ سعادةً أيضًا.”
ضحكا معًا، وكانت ابتسامتهما كفيلة بأن تجعل قلوب الحاضرين تخفق.
مدّ هيليو ذراعه، فشبكت لِيليانا ذراعها بذراعه، وسارا معًا بخطواتٍ متناغمة بين الحشود. وعندما انتهت مراسم التتويج، عانقها هيليو وقبّلها أمام الجميع دون تردّد.
في تلك اللحظة، لم تستطع الإمبراطورة الأرملة تمالك دموعها، فناولتها لوسيا منديلًا وهي تبتسم. كان واضحًا للجميع أن كلاهما يبارك هذا الاتحاد من أعماق قلبيهما.
وفي الأعلى، كانت ملكة أرواح الأرض “ماريكه” تطوف في السماء، تنثر بتلات الزهور التي تساقطت على رأسي هيليو ولِيليانا.
وبينما يزيلان البتلات عن بعضهما ويضحكان، تبادلا قبلةً جديدة تحت وابلٍ من الأزهار المتساقطة.
هكذا، وُلد في إمبراطورية كارلو أعظم زوجين في التاريخ، الزوجان اللذان أحبّهما الجميع.
في المهد الأبيض الصغير، ارتفعت قبضةٌ صغيرةٌ بيضاء، ثم أصدرت الطفلة صوتًا خفيفًا:
“أُو!”
حاولت أن ترفع جسدها الصغير مجددًا لكنها لم تستطع، فعبست بوجهٍ متضايق بدل أن تبكي.
كان ذلك المشهد غريبًا؛ فالرضع عادةً يبكون، أما هي فبدت وكأنها سيدةٌ عجوزٌ في جسد طفلة.
كانت تلك الطفلة “ليليث” —ذات الخمس القرون التي عقدت يومًا المواثيق مع ملوك الأرواح الستّة.
أطلقت تنهيدةً صغيرة وقالت في نفسها: ‘ هل… وُلدتُ مجددًا؟ لماذا؟.’
لقد كانت متأكدة أنها قدّمت عمرها قربانًا لملوك الأرواح كي يعيدوا الزمن إلى الوراء. لم تظن أن لها نصيبًا في حياةٍ أخرى.
‘ ظننت أنني لن أولد أصلًا بعد أن هربت أمي في الماضي…’
لكن يبدو أن القدر رسم طريقًا آخر.
تأملت السقف بدهشةٍ — إنه ليس سقف قصر الزمرد حيث وُلدت أول مرة، بل سقف قصر “أريس”!
ابتسمت لِيليانا وهي تهدهد المهد ببطء، ثم همست بأغنيةٍ هادئةٍ تشبه الصلاة:
“يا نسيم الرياح، حرّك المهد برفقٍ، كي لا تستيقظ صغيرتي وأنا بعيدة. وإن ركلت غطاءها، فغطِّ بطنها بدفءٍ، كي لا يُصيبها البرد في غيابي. إلى أن نلتقي ثانيةً بابتسامةٍ، يا ريح، حرّك المهد برفقٍ…”
وأسدلت الستارة على الحكاية.
<نهاية –القصة الرئيسية >
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 170"