رفعت لِيليَانا طرف فستانها برفق وانحنت قليلاً، بينما بدأت الأوركسترا بالعزف. وضع هيليو يده على خصر لِيليَانا النحيل وهو يسأل بهدوء.
“لماذا أنتِ متوترة هكذا؟”
سأل هيليو بينما كان يخطو بخطوات بطيئة وأنيقة.
كانت لِيليَانا ترغب في تحديقه بحدة، لكنها كانت تعلم أن هناك الكثير من الأعين تراقبهم. لذا لم تستطع قول شيء مثل أنها خائفة من نظرات بيستي.
“اليوم هو أول ظهور لي في مجتمع إمبراطورية كارلو. على الرغم من أنني لم أكن مستعدة، إلا أنني أرقص مع جلالتك في هذا اليوم
، لذلك من الطبيعي أن أشعر بالتوتر.”
عندما قالت لِيليَانا هذه الكلمات المجاملة، أطبق هيليو شفتيه وقال “أوه”، ثم ابتسم بخفة. كان يرقص وهو يبدو وكأنه يستمتع حقاً، وكان منظره يشبه لوحة فنية.
“أجل، يجب أن تجيدي قول مثل هذه الكلمات ، ستصبحين أم الملك.”
كان صوت هيليو واضحاً لدرجة أنه اخترق الموسيقى وملأ قاعة الاحتفالات.
رمشت لِيليَانا بدهشة. لم تكن هي فقط من تفاجأت، بل بدأ الجميع في القاعة يتحدثون همساً بعد أن سمعوا ما قاله هيليو.
كان قد طلب أن يكون إبنهم الثالث في ترتيب الخلافة لعرش مملكة نييتا، وهو أمر معروف.
ومع ذلك، كان ذلك بمثابة شرف فحسب، ولم يكن من المحتمل أن يتحقق.
كان من المرجح أن تكون رايلي الأميرة هي الملكة المقبلة لمملكة نييتا.
لكن هيليو كان يتحدث بطريقة مختلفة.
“طفلكِ سيكون هو ملك مملكة نييتا.”
وكان هيليو هو الشخص الذي يمكنه تحقيق ذلك.
لم تكن لِيليَانا تعرف ماذا تجيب. كانت تعلم أنه استخدم حق الخلافة السياسي لتحقيق أهدافه، لكن لم تكن تعتقد أنه كان يريد فعلاً أن يملك طفلاً يخلف العرش.
وبينما كان الجميع يراقبهم، لم تستطع لِيليَانا أن تسأله عن ذلك، واكتفت بالإبتسام بشكل غير مريح.
ثم أمسك هيليو خصريها ورفعها، وأدارها دورة كاملة.
رغم أنها تفاجأت، إلا أن قبضة يده كانت قوية لدرجة أنها لم تكن خائفة.
رأت لِيليَانا طرف فستانها وهو يرفرف في الهواء كالتموجات الأرجوانية، ثم استقرت قدمها على الأرض.
عندما انتهت الرقصة، كانت تصفيق الجمهور يبدو وكأنهم في حالة من الدهشة. لم يكن ذلك بسبب براعة الرقصة، بل بسبب حقيقة أن شريكته في الرقصة لم تكن مجرد ملكة عادية، بل قد تصبح أم الملك في المستقبل، وهو ما أثار الارتباك في القاعة.
‘هذا الرجل لا شك بأنه مجنون.‘
فكرت لِيليَانا بذلك مرة أخرى.
عندما انتهت الرقصة، توجهت لِيليَانا بسرعة نحو زاوية القاعة وكأنها تهرب.
لم تكن معتادة على ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي، وعندما رقصت بها، شعرت بحاجة للاستراحة.
“أيتها الملكة لِيليَانا.”
لكن بعد ما حدث للتو، كان من غير الممكن أن يتركها الناس في حالها.
ناداها أحدهم، فرفعت رأسها محاولة إخفاء تعبها.
كان هناك شعور غريب بأن هذه الصوت مألوف.
“آه، الأميرة جابرييل.”
تنهدت لِيليَانا بعمق وكادت تشعر برغبة في التنفس بصعوبة.
صاحب الصوت لم يكن سوى بيستي. قامت لِيليَانا بإخفاء وجهها بالمروحة وأظهرت آدابها في الحفل.
“تشرفت بلقائكِ بعد طول غياب، لقد أصبحتِ أكثر جمالاً.”
“أنا لم أتغير بتاتاً!؟”
كانت تعني ذلك بهذه الطريقة، لكن وجه بيستي امتلأ بالسخرية.
هل كنت قد أطلت الحديث معها لدرجة أنني نسيت مكانتي؟ كانت لِيليَانا تفكر بذلك بينما تدير عينيها، وأيضاً لاحظت أن النساء النبيلات الواقفات حول بيستي بدا عليهن الارتباك.
أشاحت بيستي برأسها ثم تنهدت بعمق.
“هل تجدينني مزعجة، أيتها الإمراطورة؟”
“مستحيل. أنا سعيدة بلقائكِ مجددًا.”
“لكن لماذا…؟”
رسمت بيستي دائرة صغيرة بالقرب من وجهها بإصبعها، ثم التفتت وضحكت بخفة.
“أنتِ تخفين وجهك بالمروحة أثناء الحديث… لو رآك أحدهم، لربما فكر في أمر آخر ، كيف تخفين هذا الوجه الجميل؟”
شعرت لِيليَانا وكأن علامة استفهام ظهرت فوق رأسها.
في مملكة نييتا، كان من الأدب أن يُخفي المرء وجهه بالمروحة أثناء التحدث عن قرب في الحفلات. كانت لِيليَانا تتصرف وفقًا لهذه العادة، فكيف جاءت هذه السخرية إذًا؟.
“هل من الصعب عليكِ الحديث بصراحة؟”
أعادت لِيليَانا التفكير ببطء في الحوار الذي يحدث الآن.
ومع مرور الوقت، بدأت تدرك شيئًا تدريجيًا.
على عكس مملكة نييتا، كان في إمبراطورية كارلو يُعتبر إخفاء الوجه بالمروحة أثناء الحديث تصرفًا غير مهذب ويعكس قلة ثقة بالنفس.
لم تكن لِيليَانا قد انتبهت لهذا الفرق لأنها لم تكن قد أمضت وقتًا طويلاً في الإمبراطورية. أما بيستي، فقد أدركت ذلك وسخرت منها.
اقتربت بيستي خطوة من لِيليَانا وهمست في أذنها.
“بالطبع، قد تشعرين بالخجل ، فأنتِ في موقع لا يجب أن تكوني فيه، وقد استحوذت عليه.”
كان صوتها خافتًا إلى حد أن من حولهم بالكاد سمعوه.
ولم يكن بإمكان النساء النبيلات اللواتي جاءوا مع بيستي أن يضحكن على لِيليَانا بحرية أو يدافعن عنها، لأنهن كن يترددون في الوقوف إلى جانب أي من الطرفين.
كان الوضع معقدًا بالنسبة لهن، خاصة بين الآنسة التي ستصبح إمبراطورة في المستقبل والملكة الحالية التي كانت محبوبة من الإمبراطور.
أغلقت لِيليَانا المروحة بعنف فأصدر ذلك صوتًا مدويًا.
عندها ظهرت ملامح وجهها الجميل بوضوح، فبدت أكثر اناقةً و جمالًا من بعيد، لكن من هذا القرب، كانت تبدو أجمل وأكثر رقة.
كانت بيستي ترغب في ضرب خدي لِيليَانا مجددًا، لكن لم يعد بإمكانها فعل ذلك. ففي الماضي كانت مجرد ملكة المهجورة، أما الآن فقد أصبحت الملكة المفضلة للإمبراطور ، مما جعلها تتردد.
لم تستطع لِيليَانا أن تنظر إلى بيستي مباشرة، فأمسكت خديها كما لو كانت قد تلقت صفعة لتوها، وأظهرت تعبيرًا بائسًا وكأنها قد تعرضت للصفع.
“هل تريدين صفعي مرة أخرى؟”
لمعت الدموع في عيني لِيليَانا، ورفعت عينيها الجميلتين إلى بيستي.
عند ذلك، طرحت إحدى النساء النبيلات التي كانت قريبة سؤالًا بحذر.
“صفع؟”
حتى لو كانت إبنة الدوق غابرييل الغنية، لم يكن من حقها توبيخ الملكة.
مهما حدث، تظل الملكة جزءًا من العائلة الحاكمة.
كانت بيستي على وشك الرد، لكن لِيليَانا، وهي تبدو أكثر ضعفًا، أظهرت تعبيرًا حزينًا وأجابتها بحذر.
“لقد أخطأت في المرة السابقة، وقد قدمت لي الأميرة غابرييل نصيحة… وأشعر وكأنني ارتكبت خطأ آخر.”
بصوت منخفض، مدّت لِيليَانا يدها بسرعة وامسكت بيد بيستي بشدة، ثم قالت بتوسل:
“يبدو بأنكِ غاضبة، هل فعلتُ شيئًا خاطئًا مجددًا؟”
“أيتها الملكة لِيليَانا!”
صرخت بيستي بدهشة، ففكت لِيليَانا قبضتها على يدها بسرعة وغطت خديها. كأنها كانت تتوقع أن تصفعها بيستي على خدها.
وكان هذا التصرف يثير خيال الحضور.
“أعتقد أن الأميرة غابرييل قد صفعت خد الملكة لِيليَانا منذ فترة…”
سمع صوت همسات من بعيد.
“حتى لو كانت من عائلة دوق غابرييل، أليس من غير اللائق الإسائة لفرد من العائلة المالكة بهذا الشكل؟”
وكان هناك صوت آخر مليء بالاستياء.
“إذا كانت تتصرف هكذا الآن، فما الذي سيحدث إذا أصبحت إمبراطورة؟ ستكون متعالية للغاية… حقًا، لا أستطيع التعاطف إلى مع الملكة لِيليَانا.”
وكان هناك أيضًا من تحدث بتعاطف مع لِيليَانا.
أغلقت لِيليَانا المروحة مرة أخرى لإخفاء وجهها.
إذا كان هذا التصرف في إمبراطورية كارلو يعني القلق وقلة الثقة، فقد كان بإمكانها الاستمرار في استخدامه بهذه الطريقة.
وفي اللحظة التي ابتسمت فيها لِيليَانا وراء المروحة، اقترب منها أحدهم.
” الملكة لِيليَانا؟”
كانت هناك شخصان فقط في هذا المكان يستطيعان مخاطبتها بـ”الملكة” بدلاً من “صاحبة الجلالة”؛ الإمبراطور هيليو والإمبراطورة الأم. وبما أن هيليو لا يتدخل عادة في محادثات النساء، فالشخص المتبقي كان الإمبراطورة الأم.
عندما استدارت لِيليَانا، رأت الإمبراطورة الأم مبتسمة بلطف.
“تشرفت بلقائكِ، الإمبراطورة الأم.”
“هل استرحتِ بعد الرقصة أولى ثم توقفت على الفور؟”
“نعم، الإمبراطورة الأم ، كنت بحاجة لبعض الراحة. شعرت أنه سيكون من الجيد أيضًا قضاء بعض الوقت مع النبلاء الآخرين.”
“آه، هذا جيد أيضًا.”
ابتسمت الإمبراطورة الأم وهي تلتفت ببطء ثم قالت وكأنها اكتشفت شيئًا للتو:
“أليست هذه الأميرة غابرييل؟ مر وقتٌ طويل.”
رغم أن بيستي شعرت وكأنها جرحت كرامتها، إلا أن الشخص الذي تحدثت إليه كان الإمبراطورة الأم، التي ستصبح في المستقبل حماتها. لذا لم تستطع التصرف مع لِيليَانا بالطريقة نفسها.
رفعت بيستي طرف فستانها وأدت التحية بأدب.
“تشرفت بلقائكِ، الإمبراطورة الأم-
“هل صحيح أنكِ قمتِ بتوبيخ الملكة لِيليَانا؟”
اتسعت عيون الجميع في القاعة بدهشة.
كانت الإمبراطورة الأم لا تزال تحمل تعبيرًا لطيفًا على وجهها، لكن قطعها لكلام بيستي كان واضحًا للغاية.
حاولت بيستي أن تبقي ابتسامتها، وقالت بصوت هادئ:
“لقد ظننتُ أن الملكة لِيليَانا لم تكن تعرف بعض قوانين الإمبراطورية، لذا أردتُ فقط إخبارها بذلك.”
“آه، فهمت.”
أومأت الإمبراطورة الأم برأسها كما لو أنها لم تشعر بأي شيء غير عادي، لكن السؤال الذي طرحته بعد ذلك كان أكثر من مجرد من استفسار عادي.
“إذاً، ما الهدف من صفع الملكة لِيليَانا على خدها؟”
“ذلك…”
“أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن تتعلمي قواعد الإمبراطورية بعد أن تصبحين في موضع أعلى من الملكة.”
تصلب جسد بيستي عند سماع هذه الكلمات.
كانت هذا تحذيرًا واضحًا.
رغم أن الإمبراطورة الأم كانت والدة الإمبراطور، لم يكن يُنظر إليها بشكل كبير في البلاط. كان يُعتقد أنها مجرد شخص كبير في السن لا يهتم بأمور العالم ويعيش بعيدًا عن الأحداث. ومع ذلك، كان من الواضح الآن أنها تقف إلى جانب لِيليَانا.
“حتى الإمبراطور نفسه يدعمها…” فكرت بيستي وهي تضغط قبضتها بشدة، لكنها كانت تعلم أن هناك الكثير من العيون التي تراقبها في تلك اللحظة. رغم أنها كانت تشعر بالغضب، إلا أنها ابتسمت وأشارت إلى لِيليَانا.
“أيتها الإمبراطورة، يبدو أن هنالك شائعات مشوهة تتداول ، هل يمكنكِ توضيح الأمر؟”
لكن بالنسبة إلى لِيليَانا، كان الأمر يبدو كتهديد خفي.
“هل ستظلين تتصرفين هكذا عندما ستصبحين خاضعة لي قريبًا؟”
كانت لِيليَانا في حالة حيرة.
إذا قالت هنا أن كل ما يحدث هو مجرد سوء فهم، فإن ذلك سيجعل الإمبراطورة الأم تبدو في موقف محرج بعد أن تدخلت لمساعدتها.
ومن ناحية أخرى، إذا استمرت في التعمق في القضية، كانت تخشى أن تترتب على ذلك عواقب غير محمودة.
في تلك اللحظة، جاء أحد الخدم لينقذ لِيليَانا من هذا المأزق.
“أعتذر عن المقاطعة في هذه المحادثة الممتعة. ولكن سيدي يطلب منكِ، أيتها الملكة لِيليَانا، أن تلتقي به للحظة.”
لم يكن وجود هذا الزائر غير المدعو في هذه اللحظة محط ترحيب من بيستي.
“بإسم من تجرؤ على المجيء لطلب صاحبة الجلالة الملكة؟ “
سألت بيستي بغضب، لكن الخادم أجاب بثقة دون أن يظهر أي تردد.
“باسم دوق فيلوم ، قدّم لنا سؤالًا هامًا يتعلق بموارد مملكة نييتا، ويرغب في التحدث عن الأمر في مكان هادئ بعيد عن الأنظار. وقد طلب منا أن نُبلغكم دون إزعاجكم.”
كانت لِيليَانا على دراية بهذا الاسم.
في العادة، كان من الممكن ألا تعرفه، لكن دوق فيلوم كان شخصية مهمة جدًا في القصة الأصلية.
كان دوق بيلوم شخصًا ظهر فجأة ككوكب نجمي في المجتمع، وكان هو نفسه مؤسس عائلته. كان معروفًا بأن الإمبراطور هيليو هو من منحه اللقب، لكن لا أحد كان يعرف عن ماضيه أو ما كان يفعله قبل أن يظهر في الساحة.
“في الأصل كان عبداً في الحرب. لكن هيليو اكتشف موهبته وأحضره إلى المجتمع الأرستقراطي. وفي المستقبل، سيكون هو مساعد إبنتي، بينما إبنه سيكون أحد الشخصيات الثانوية في القصة.”
نظرًا لأهمية هذه الشخصية، كان من الطبيعي أن تعرف لِيليَانا اسمه.
“لكن لماذا قد يطلب مني شخص مثل هذا مُقابلته؟”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 17"