طاغية إمبراطورية كارلو. مجنون الحروب. العاق الذي قتل والده وإخوته. عديم الرحمة الذي سلب حرية والدته.
ذلك الذي يحمل هذه الألقاب المرعبة، كان الآن يهزّ بيده لعبة الطفل الصغيرة.
في البداية لم يُحسن التحكم في قوّته، فاهتزّت اللعبة بعنف، لكنه ما لبث أن اعتاد الأمر حتى جذب اهتمام ابنه سريعًا.
حين رمق الطفل اللعبة بنظراته الغريبة الممتلئة بالفضول، ارتسمت على شفتي هيليو ابتسامة خفيفة.
“إنه لطيف.”
كانت لِيليانا تحتسي الشاي بجانبه، لكنها ما لبثت أن ضحكت. كان منظر الرجل الجاد الذي يهزّ اللعبة بوجه صارم وهو يقول “لطيف” مضحكًا… ومحببًا أيضًا.
وضعت لِيليانا فنجانها على الطاولة وتمتمت متذمرة بخفة:
“كنت أعلم أن هذا سيحدث.”
“أيّ شيء؟”
“أنك بعد ولادة الطفل، ستتجاهلني تمامًا وتقضي يومك كله منشغلًا به.”
عندما أخرجت شفتيها بتذمر، وضع هيليو اللعبة بسرعة وجلس بجانبها، متوترًا.
“ليس الأمر كذلك.”
“بل هو كذلك! لم تعد تهتم بي إطلاقًا، أليس كذلك؟”
كانت لِيليانا تقول ذلك بمرح، مستمتعة بتوتره وهي تراه يتصبب عرقًا. من الطريف أن الرجل الذي يقرأ نوايا النبلاء من نظراتهم يُخدع بكلماتها بهذه السهولة.
طوّقها هيليو بذراعه وسألها برفق:
“هل تضايقتِ؟”
“نعم! تضايقت!”
لكن الصوت الذي أجاب لم يكن صوتها.
رفع هيليو رأسه بوجه منزعج، ليجد تيرنز واقفًا عند الباب وهو يلهث غضبًا.
“ما الأمر؟”
“ما الأمر؟! أنا مستشار جلالتك الوحيد!”
زفر هيليو بضجر، كأنه يود لو يتجاهله، وقال ببرود:
“من بين زوجتي الوحيدة، وابني الوحيد، ومستشاري الوحيد، من الأقل فائدة؟”
“طبعًا المستشار!” أجاب تيرنز بصوت عالٍ ثم انهار أرضًا باكيًا دون أي اعتبار لكرامته.
“إنه موسم الوفرة يا جلالتك! كم من الأعمال تنتظر توقيعك! إن بقيتَ في قصر أريس طوال اليوم، من سيتولى شؤون الإمبراطورية؟! أحقًا تنوي أن تصبح طاغية بالمعنى الحرفي؟!”
“الجميع ينادونني طاغية بالفعل، فما الفرق إن أصبحت كذلك رسميًا؟”
“آه يا إلهي!”
ظلّ تيرنز يضرب الأرض بيديه يائسًا، فيما بدت لِيليانا وكأنها تشاهد مسرحية مضحكة.
كان مبالغًا في ردود فعله كما هي عادته، لكنه لم يكن يبالغ تمامًا هذه المرة.
منذ ولادة كارل، صار هيليو يقيم فعليًا في قصر أريس.
ينام هناك، يتناول فطوره، يعمل قليلًا، ثم يلهو مع لِيليانا التي تستيقظ متأخرة، ثم يتناول الغداء معها، وبعده يلعب مع كارل، ثم يتعشى، ويقضي ليلتهما هناك أيضًا.
أما تيرنز، فقد تُرك وحيدًا في القصر الإمبراطوري.
صحيح أن هيليو أصبح يؤدي مهامه بكفاءة مدهشة، لكنه رغم ذلك، كان مشغولًا جدًا.
“حفل موسم الوفرة، هل يجب أن أشارك فيه حقًا؟ ماذا لو خرجتُ في الصيد وتلقّيت سهمًا طائشًا؟ من سيهتم بالطفل حينها؟”
“هاه؟!”
تجمّد تيرنز مذهولًا، «هذا هو الرجل الذي العام الماضي فقط كان يتلهّف للذهاب للحرب!»
كان هيليو منذ أن كان في الحادية عشرة لا يعرف الخوف من الموت، والآن، بعدما صار أبًا، أصبح فجأة شديد الحرص على حياته!
نظرت لِيليانا إلى تيرنز بعينين تملؤهما الشفقة والامتنان، ثم تنهدت بابتسامة خفيفة. يبدو أن الوقت حان لتتدخل بنفسها.
“السير تيرنز، أيمكنك أن تتركنا قليلًا؟”
تألقت عينا تيرنز فرحًا وكأنه فهم نيتها فورًا.
“أجل، يا جلالتك! بالطبع! يمكنني الانتظار خارجًا طوال اليوم إن لزم الأمر!”
أومأت لِيليانا ثم التفتت إلى المُربية التي كانت بجانب الطفل.
“مُربية، هلّا أخذتِ كارل إلى غرفة الأطفال؟ أود التحدث مع جلالته على انفراد.”
“نعم، يا جلالة الإمبراطورة.”
احمرّت أذنا لِيليانا قليلًا عند سماع اللقب، لكنها تظاهرت بالتماسك وجلست باعتدال.
بعد أن خرج الجميع، بقي الاثنان وحدهما.
وضعت لِيليانا كفها فوق يده وهمست برقة:
“يا جلالتك، يجب إقامة حفل موسم الوفرة.”
“ليُقم من دوننا إذًا.”
يبدو أنه كان جادًا. حقًا، لا أحد كان يجرؤ على الاعتراض. حتى لو غاب الإمبراطور، فالأميرة لوسيا يمكنها إدارة الحفل باقتدار.
وفي النهاية، من يجرؤ على التذمر من غياب هيليو؟ حتى دوق غابرييل صار يتجنب المواجهة، والعالم كله اليوم تحت سيطرته.
“ما زال جسدك في طور التعافي، فلنبقَ هنا ونرتاح قليلًا.”
إذن فكل هذا التهرب لم يكن كسلًا… بل كان من أجلها.
“كان الأمر بسببي إذن؟”
“أيّ أمر؟”
“إقامتك في قصر أريس طوال اليوم… ظننتُ أنك تفعل ذلك من أجل كارل فقط.”
رغم أن وجه لِيليانا احمرّ خجلًا، إلا أنها لم تتوقف عن طرح الأسئلة.
إن كان هناك ما تود سماعه، فالأفضل أن تسأل مباشرة.
وكما توقعت، منحها هيليو الجواب الذي كانت تتوق إليه.
“بالطبع، أشتاق إلى كارل أيضًا…لكن أظن أن السبب الأكبر هو أنتِ.”
“لكنني أتمتع بحماية ملك الأرواح، لستُ مريضة كغيري.”
“المشاعر أمرٌ مختلف، يا لِيليانا.”
كان صوته حازمًا.
“بركة ملك الأرواح قد تقي الجسد من الألم، لكنها لا تضمن راحة القلب.
قرأت في أحد الكتب أن المرء إن أراد أن يُحَب طويلًا، فعليه ألا يندم على ما لم يفعله في هذا الوقت.”
ابتسم هيليو بخفة، وكأن النور انسكب على ملامحه الوسيمة.
رجل يقول بصراحة إنه يريد أن تحبه طويلاً — كيف يمكن ألا تقع في حبه؟
لذلك ضمّته لِيليانا إلى صدرها بقوة.
هي الأخرى كانت تتمنى أن تدوم هذه الطمأنينة الكاملة إلى الأبد،
حتى إن كان ذلك حلمًا مستحيلًا.
“لكنني سأذهب إلى حفل موسم الوفرة. وأريدك أن ترافقني يا جلالتك.”
“ولِمَ تتعبين نفسك؟ لستِ مضطرة إلى ذلك لمجرد أنك أصبحتِ الإمبراطورة.”
بدت على وجهه علامات التردد، لكن لِيليانا هزّت رأسها بإصرار.
لم يكن ذلك تكلّفًا منها، بل واجبًا لا بدّ أن تؤديه.
“أريد أن أنهي الماضي، وأرضى بالحاضر، وأستعدّ للمستقبل.”
كانت كلماتها صافية وثابتة.
نظر إليها هيليو مطولًا، ثم ابتسم أخيرًا، مستسلِمًا لعزيمتها.
مدّ يده وربت على رأسها برفق قائلاً بفخر:
“أن تصيدي ثلاث أرانب في يوم واحد…حقًا، لقد حظيت الإمبراطورية بإمبراطورة رائعة، وهذا شرف لي.”
“يمكنك أن تتوقع الكثير مني يا جلالتك.”
قالتها بجرأة. كان إرضاء هيليو أمرًا صعبًا، لكنها كانت واثقة من نفسها.
كانت عيناها الورديتان المتلألئتان وابتسامتها المشرقة الخالية من الخوف كفيلتين بجعل قلبه يخفق بقوة.
ثم احتواها بين ذراعيه وسقطا معًا على السرير.
تشنّجت لِيليانا بخفة، تمسكت بكتفيه ثم انفجرت ضاحكة كطفلة.
“ما هذا؟ لستَ طفلًا لتفعل هذا!”
تناثرت خصلات شعرها الطويل، لكن لم يهتما لذلك.
نظر إليها هيليو بمكر وسألها بنبرة خافتة:
“نحن وحدنا، فلماذا ما زلتِ تنادينني بـ«جلالتك»؟
ألا ترين أن هذا مؤلم لقلبي؟”
لم يكن وجهه يوحي بالأسى أبدًا، ومع ذلك تجمّدت لِيليانا قليلًا.
عضّت شفتها السفلى وقالت بصوت خافت مرتبك:
“المناداة بالاسم… فقط في الخارج…”
“لكننا أصبحنا زوجين حقيقيين الآن، أليس كذلك؟”
“لكن حفل التتويج لم يُقم بعد…”
كانت ترغب فعلًا في مناداته باسمه،لكن أن تنطق باسم الإمبراطور وسط القصر لم يكن أمرًا سهلًا.
بحسب البروتوكول، لم يكن للطبيب أن يتحدث حتى يُستدعى.
لكنه، وقد غمره القلق، تنحنح خافتًا متعمدًا:
“أهممم…”
لكنها لم تلتفت، بل أطلقت تنهيدة أخرى طويلة.
‘أريد فحصها فورًا، ولكن…’
أخيرًا، لم يستطع الاحتمال أكثر، فتنحنح بصوت أعلى قليلًا.
حينها فقط رفعت لِيليانا رأسها فجأة وقالت معتذرة:
“آه، السير زايس! عذرًا، هل انتظرت طويلًا؟”
“لا أبدًا، يا جلالة الإمبراطورة.”
تمتمت وهي تبتسم بخجل:
“لا أشعر بأي ألم، ومع ذلك يبالغ جلالته في القلق عليّ…لابد أنك متضايق من زياراتي المتكررة.”
“أبدًا، مطلقًا، جلالتك!”
“تؤكد هذا بشدة لدرجة أنني أكاد أصدق العكس.”
قالتها بمزاح لتخفف الأجواء، فابتسم زايس بتوتر.
وخلال فحصه لها، كانت شاردة الفكر تمامًا،
حتى إنها لم تلحظ ما كان يفعله.
ثم تنهدت مرة أخرى، طويلة وعميقة.
اهتز كتفا زايس فزعًا، لكنه لم ينبس بكلمة.
كانت لِيليانا غارقة في فكرة واحدة فقط،
تدور في رأسها منذ الليلة الماضية:
‘ لماذا توقف جلالته… في منتصف الأمر؟.’
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 157"