وكما هو متوقّع، كان أوّل من ظهر هي وينديا، أي تشوتشو نفسها.
كانت تشوتشو قد كبرت كثيرًا عمّا كانت عليه من قبل، فاحتضنت لِيليانا بذراعين واسعتين. ولأنها روح، لم تكن ثقيلة، لكن المفاجأة أربكت لِيليانا قليلًا.
قالت لِيليانا وهي تمسح على ظهرها برفق:
“تشوتشو، ما الأمر؟ هل حدث شيء سيّئ؟”
ورغم أن طول تشوتشو تجاوز لِيليانا بوضوح، إلا أنها بدت لا تزال كطفلة بريئة. ربما لأن الأرواح هي الكائنات الأقرب إلى الطبيعة نفسها.
وبفضل تلك الطبيعة، كانت الأرواح قادرة على الإحساس بأشياء كثيرة لا يلاحظها البشر.
صرخت تشوتشو بصوت مرتجف وكأنها خائفة:
“الطفل في بطن لِيلي يريد أن يخرج!”
“ماذا؟!”
تفاجأت لِيليانا من كلماتها، حتى أغرينا التي كانت تقف إلى جوارها سألت بصدمة:
“السيدة وينديا، أحقًا هذا؟”
وضعت لِيليانا يدها على بطنها المستدير قليلاً، وقالت بحيرة:
“لكن… لا أشعر بأيّ علامات بعد.”
هزّت تشوتشو رأسها بعناد وهي تصيح:
“لا! أنا متأكدة!”
وما إن قالت ذلك حتى بدأت ملوك الأرواح الآخرين بالظهور واحدًا تلو الآخر. كانت غرفة النوم في قصر أريس واسعة، لكن وجود ستّ نساء طويلات القامة فيها جعلها تبدو صغيرة على غير العادة.
كانت ملكة أرواح النور، تيرييه، أول من تكلّم:
“ما قالته وينديا صحيح. خلال ساعات قليلة ستبدئين بالطلق. يجب أن نُعِدّ كل شيء.”
ولأن القائلة لم تكن مجرد روح عادية، بل تيرييه نفسها التي اعتادت التشبّه بالأطباء، صدّقتها لِيليانا فورًا.
أصدرت لِيليانا أوامرها إلى الوصيفات بالاستعداد للولادة. هرعت الخادمات والمساعدات في كل اتجاه، يحملن الماء الساخن والأقمشة النظيفة، لكن حتى ذلك الوقت لم تظهر أي علامة تدلّ على اقتراب الولادة.
تمتمت لِيليانا بقلق:
“الطبيبة قالت إنه ما يزال مبكرًا قليلًا…”
لكن الأرواح الستّ هزّت رؤوسها في انسجام وهي تصرخ:
“لا! هذا خطأ! سيولد الآن حتمًا!”
فتحت لِيليانا عينيها بدهشة، ثم أمسكت معصم أغرينا فجأة. كانت عيناها الزهريتان، اللتان كانتا هادئتين منذ لحظة، ترتجفان بشدّة.
رغم أن الطلق لم يبدأ بعد، إلا أن فكرة أن الولادة قريبة جدًا بدت مرعبة بالنسبة لها.
قالت بصوت خافت مرتجف:
“أغرينا… استدعي أمي… أريد أمي.”
“ليس جلالته؟”
أجابت لِيليانا وهي تهزّ رأسها بسرعة:
“لا، لا تدعيه يدخل. لو رأيتُه هناك واقفًا متوترًا بتلك البنية الضخمة، سأزداد خوفًا!”
تسعت عينا أغرينا بدهشة:
“جلالته… متوتر ويضرب الأرض بقدميه؟”
كان المشهد صعب التصوّر حقًا.
هزّت أغرينا رأسها عدة مرات، ثم أسرعت بإرسال أحدهم لإحضار السيدة ماريان بأسرع ما يمكن.
وما إن وصلت ماريان، التي كانت تقيم في الجناح المنفصل، حتى أمسكت بيد لِيليانا. في تلك اللحظة شعرت لِيليانا بحركة كبيرة داخل بطنها، فشهقت وأمسكت يد والدتها بقوة.
كانت تلك أول مرة تختبر فيها ألم المخاض، فارتبكت تمامًا وهي تتلفت في كل اتجاه بعينيها المذعورتين.
وفجأة، سُمع صوت هيليو من خلف الباب:
“أيعقل أن طفلي يولد الآن، ويُمنع والده من الدخول؟!”
حاول هيليو أن يتحدث بنبرة إمبراطور هادئة ومهيبة، لكن صوته خانَه. كان مرتجفًا قليلًا، وسرعته في الكلام تدلّ على توترٍ واضح.
ومع ذلك، فإن سماع ذلك الصوت الأحمق على نحوٍ غريب، جعل الخوف في قلب لِيليانا يهدأ بعض الشيء.
كانت تحدّق نحو الباب بذهول عندما طارت تشوتشو إلى جوارها وقالت بنبرة حازمة:
“لا تقلقي يا لِيلي، لن يؤلمك كثيرًا! لا، بل لن تشعري بأيّ ألم! سأحرص على ذلك!”
وأضافت تيرييه بثقة:
“صحيح. ما دمنا معك، فلا داعي للخوف.”
أومأت لِيليانا برأسها موافقة، ثم التفتت إلى أجرينا وقالت:
“أغرينا، أخبري جلالته بما قالته ملوك الأرواح. قولي له ألا يقلق، ولينتظر بهدوء في الخارج.”
“أمركِ، يا صاحبة الجلالة.”
وبعد أن غادرت أغرينا الغرفة، بدأ الطلق الحقيقي. كان شعورًا غريبًا، وكأن جسدها يُعاد تشكيله بالكامل.
لكن لحسن الحظ، ربما بفضل ملوك الأرواح، كان الألم شبه معدوم.
رغم ذلك، كان إخراج الطفل يتطلب جهدًا عظيمًا، حتى بدأت قطرات العرق تتصبب من جبين لِيليانا وجسدها كله.
قالوا إن ألم الولادة لا يُقارن بأي شيء في الدنيا، وحتى الآن وقد اختبرت جزءًا بسيطًا منه، كانت تشعر أن وجهها صار شاحبًا كالثلج.
صرخت القابلات يحثثنها على الدفع بقوة أكبر، فأغمضت عينيها بإصرار.
‘ لولا ملوك الأرواح… لكنتُ متّ الآن حقًا…’
تكرّر هذا الفكر في ذهنها مرارًا حتى مضت ساعات عدة.
ثم، وسط ضبابٍ خفيف في رؤيتها، سُمِع صوت بكاءٍ ناعمٍ يملأ الغرفة.
لهثت لِيليانا تحاول رفع رأسها لكنها لم تملك القوة. لحسن الحظ، أخذت القابلة الطفل، ولفّته بقطعة قماش بيضاء ناعمة، ثم قرّبته منها قائلةً بابتسامة واسعة:
“إنه أميرٌ سليم، جلالتكِ!”
من النظرة الأولى فقط، كان واضحًا أن هذا الطفل الصغير يشبه هيليو.
من بين جفنيه الصغيرين اللذين لم يستطيعا أن ينفتحا تمامًا، تلألأت عينان زرقاوان كالسّماء.
انحدرت دمعة واحدة على وجنة لِيليانا وهي تحدّق في طفلها بصمتٍ مفعم بالدهشة.
“إذن… كان فتى.”
كان ذلك الطفل الذي لم يُولد في الماضي.
لم تستطع تذكّر كل شيء بوضوح، لكنها تذكرت جيدًا أنها فقدته، وأنها عاشت بعده وحيدةً، خائفةً، ومُنهارة تمامًا.
كم يا تُرى كان خائفًا هو أيضًا، حين ترك أحشاء أمه قبل أن يرى ضوء العالم؟
“فتى… وبهذا الجمال…”
رغم أن بصرها كان يضطرب من الإرهاق، إلا أن لِيليانا حاولت جهدها أن تُبقي عينيها مفتوحتين لترى طفلها أكثر.
أما الطفل، فكان لا يهدأ لحظة واحدة، متأثرًا بضوء الحياة الأول الذي أضاء أمامه.
وفي اللحظة التي وضعت فيها لِيليانا يدها على صدر طفلها، انفتح باب الغرفة بعنف.
“ليلي!”
لم يحتمل هيليو أكثر بعد أن سمع بكاء الطفل، فاندفع بخطوات واسعة إلى داخل الغرفة.
“أين… هل تأذيتِ في مكانٍ ما؟!”
كان وجهه أكثر شحوبًا من وجه لِيليانا نفسها، رغم أنها قضت ساعاتٍ في المخاض.
توقف أمام السرير ينظر إليها فقط، ثم التفت إلى الطفل الذي يصدر صوتًا خافتًا، فجمُد وجهه لحظة، ثم ابتسم كالأبله، ثم عاد فتجمّد ثانية.
تبدلت ملامحه بين الصدمة والفرح، بين القلق والسكينة. ولم تستطع لِيليانا إلا أن تضحك من قلبها.
أمسكت بيده، فأمسك هو بها بقوة أكبر، وكأنها نجاته الوحيدة.
“ألم أقل لك إن كل شيء سيكون بخير؟ كل شيء بخير فعلًا، أليس كذلك؟”
ثم تابعت بابتسامة باهتة:
“لقد حميته بنفسي… وسأحميه بعد اليوم أيضًا. لذا لا تخف.”
هذه المرة، لم تفقد شيئًا كما فقدت من قبل.
بل على العكس، استعادَت أشياء كثيرة كانت تظن أنها لن تعود أبدًا.
التقت بأمّها التي كانت تظنّ أنها لن تراها مجددًا،
وحظيت بأشخاصٍ وقفوا في صفّها بإخلاص،
والآن… التقت بطفلها الذي كانت مجبرة على فقده في حياةٍ سابقة.
وفوق كل ذلك—
“أجل… لا أحد أقوى منكِ.”
لقد التقت به هو.
ذلك الرجل المتناقض، البارد لكنه رقيق، القوي لكنه هشّ، المتغطرس لكنه نادم.
ومن خلاله، عرفت شعورًا لا يمكن أن يكون متناقضًا أبدًا—الحب.
ركع هيليو بجانب السرير، يتفحّص وجه لِيليانا ووجه الطفل بالتناوب، ونظراته مليئة بالعشق الخالص.
شعرت لِيليانا بفيضٍ من الدفء يتسلل إلى صدرها حتى امتلأ قلبها.
لقد تمسكت بالحياة حتى النهاية، ولهذا كانت الآن أكثر سعادةً من أي شخصٍ في العالم.
.
.
.
انتشر خبر ولادة الأمير الأول للإمبراطورية الكارلية في أرجاء القارة بأسرها.
وأعلن هيليو رسميًا أنه سيمنح لِيليانا لقب “الإمبراطورة”، مؤكدًا أن حفل التنصيب سيُقام بعد أن تتعافى تمامًا.
كان من المعتاد أن تبقى قرينة الإمبراطور تحمل لقب “الإمبراطورة القرينة” إلى أن يُقام الاحتفال الرسمي،لكنّ إصرار هيليو كان صارمًا لدرجة أن أحدًا لم يجرؤ على الاعتراض.
ولم يكن هناك من يملك أصلًا سببًا وجيهًا لرفض ذلك.
وفي مكانٍ آخر، في ظلمة الزنزانة الباردة، علمت ڤيستي بالخبر.
لقد أدركت ذلك حين وُضِع أمامها طعامٌ شهي على غير العادة داخل الزنزانة الحديدية.
حتى الحارس الذي ناولها الطعام لم يتمالك نفسه من التذمّر قائلًا:
“عجيب! أكثر من أذاق الإمبراطورة المعاناة… تأكل اليوم مائدة فاخرة بفضلها!”
وبمجرد سماعها ذلك، اندفعت ڤيستي إلى قضبان الزنزانة، تحاول أن تمد يدها لتقبض على كاحل الحارس.
لكن الحارس ركل يدها ببرود، فصرخت من الألم وانكمشت على نفسها.
ورغم الألم، سألت بصوتٍ متقطّع مرتجف:
“هي… هل تلك المرأة… أنجبت طفل جلالته؟!”
رمقها الحارس بازدراء وهو يقول:
“تلك المرأة؟! إنها الإمبراطورة يا حمقاء! وما زلتِ تتحدثين عنها هكذا؟!”
لم يُنكر كلامها، بل نظر إليها كمن راوده خاطرٌ خبيث، فابتسم بسخرية وقال:
“أيعني ذلك شيئًا غير واضح؟ الإمبراطورة لم تنسَ بعدُ حقد عرّابتها القديمة.”
كارل.
ولو أن لِيليانا أنجبت فتاةً بدلًا من فتى، لكان اسمها حتمًا “كارولين”.
الجميع فهم ما الذي يعنيه هذا الاسم.
تذكرت ڤيستي بوضوح منظر كيروكا وهو يُعدم علنًا في الساحة الكبرى، في مشهدٍ مهينٍ لا يُنسى.
كانت تعلم أن لِيليانا ليست امرأةً ساذجة.
إن أرادت الانتقام، فلن يكون هناك أحد أكثر حسمًا منها.
انهارت على الأرض الباردة، وراحت ترتجف وهي تهمس بصوتٍ مبحوح:
“كيف… كيف انتهى بي الأمر إلى هذا؟”
كان المجد كلّه يومًا لها…
لكنه الآن تبخر تمامًا.
ومن أعماق السجن، انطلقت صرخةٌ خافتة تشبه عواء الوحش الجريح.
صرخةٌ مملوءة بالعزلة واليأس…
لم يُعرها أحد اهتمامًا.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 156"