كما قالت كارا، كان الكتالوجان مختلفين بالفعل. لم تكن الأغلفة وحدها ما يميزهما، بل المضمون أيضًا.
كانت الفساتين المعروضة في كتالوج فيسيل فاخرةً وجميلة، لكنها لم تضاهِ تلك التي ظهرت في كتالوج كارا. ففساتين كارا بدت وكأنها من إبداع فنانة، ينبض كل ثوبٍ منها بالحياة، واضحٌ أنه ليس مجرد عملٍ يدوي عادي.
“لماذا…؟”
عندما نظرت فيسيل إلى الكاتب، ابتسم ابتسامةً محرجة
“يستخدم متجرنا ثلاثة كتالوجات، وتُحدَّد الخيارات وفق ما يختاره الزبون عند الحجز.”
ثم أضاف أن المتجر لا يُفرِّق بين عملائه أبدًا.
لكن كارا أسندت ذقنها إلى يدها وقالت بنبرةٍ تحمل الشك:
“يا له من أمرٍ غريب! لا أجد سببًا يجعل صاحبة الجلالة الملكة ليليانا تختار كتالوجًا بهذا المستوى الرديء.”
في تلك اللحظة، احمرّ وجه فيسيل خجلًا، فيما ساد الصمت بين الحاضرين. ومع ذلك، كانت متأكدة من شيءٍ واحد ؛
‘ لقد أعطتني الإمبراطورة هذا الحجز، لكنها حولته عمدًا إلى كتالوجٍ رخيص… إنها تسخر مني. ‘
تحطّم في تلك اللحظة ما تبقى من أملٍ في أن ليليانا ما تزال تراها بعين الودّ القديم.
دفعت فيسيل الكتالوج بعيدًا، وارتجفت يداها من الغضب.
“يا إلهي، سموّكِ…”
وضعت كارا يدها على كتف فيسيل، وهمست بصوتٍ مفعمٍ بالشفقة:
“لا بد أنكِ متألمة للغاية. قطعتِ هذه المسافة لرؤية أختكِ، والآن بعد أن نالت هي السلطة، تخلّت عن صوابها سريعًا.”
صمتت فيسيل، لكن كارا واصلت كلامها، وزادت حِدّة كلماتها ضد ليليانا:
“ومع ذلك، فالجميع يدرك أن هذا تصرّفٌ تافه. يا له من عملٍ وقح.”
ثم تابعت وهي ترفع حاجبيها باستنكار:
“إنها ألفُ أمرٍ وأمر. تلك الأميرة التي أحبها جلالة ملك نيتا حبًّا صادقًا…”
أمسكت كارا بيد فيسيل، وقالت بنغمةٍ ناعمة ؛
“أستطيع أن أرى النبل في عينيكِ. أنتِ امرأةٌ من سلالةٍ رفيعة بحق، لا تُقارَن بنساء الطبقة الدنيا.”
ارتجفت عينا فيسيل بسرعة، إذ لامست كلمات كارا جرحها القديم.
“صاحبة السمو الأميرة، ألم تكوني أنتِ من أشفق على الملكة ليليانا عندما كانت صغيرة، وحرصتِ على تعليمها بصرامة؟”
“هذا صحيح، ولكن…”
اقتربت كارا أكثر، وهمست في أذنها:
“كثيرون مهتمون بتلك القصة. الجميع سيصغي بانتباه إلى صوتكِ، يا صاحبة السمو.”
جلست كارا إلى جانبها وتصفحت الكتالوج مع ابتسامةٍ ماكرة، حتى وصلت إلى الصفحة الأخيرة، ودفعتها باتجاه فيسيل.
ظهر فيها فستانٌ أحمر من الدانتيل الأسود، يشبه فساتين الملكات.
“أنتِ نبيلة بالطبع، وأنا لا أريد إضاعة وقتكِ الثمين. لكني أرى في هذا الثوب ما يليق بمقامكِ.”
بعد أسابيع قليلة من مهرجان الحصاد، قصدت فيسيل قصر أريس بعدما سمعت أن ليليانا تمرّ بحالةٍ من الكآبة بسبب اقتراب موعد ولادتها.
صعدت الدرج بقيادة أغرينا، لكن في منتصف الطريق، التقطت أذناها همساتٍ خافتة من بعيد..
“سمعتِ أن صاحبة الجلالة الملكة كانت تعيش في مكانٍ أسوأ من حظيرة خنازير عندما كانت صغيرة؟”
“يقولون إنها كانت تطبخ وتغسل وتخيط بنفسها!”
“ولِمَ لا؟ رغم أنها أميرة، فهي ليست من سلالةٍ نقية.”
تبادلت النساء ضحكاتٍ مكتومة. عندها، ارتسمت على شفتي فيسيل ابتسامةٌ راضية. يبدو أن السيدات النبيلات اللواتي عرّفتهن عليها كارا بدأن ينشرن تلك الأحاديث كما أرادت.
لم يكن القصر الذي أقامت فيه ليليانا في الماضي سوى منزلٍ متواضع، ومع خادمتين فقط، لم تكن حياتها سهلة، لكنها لم تكن أيضًا حظيرة خنازير كما ادعين. ومع ذلك، لم تشأ فيسيل أن تستدعيهن لتوبيخهن أو تصحيح كلامهن…
بل تركتهن يقلن ما يشأن.
ارتفع مزاج فيسيل قليلًا بفضل ثرثرة الخادمات، لكنه انهار تمامًا لحظة دخولها غرفة نوم قصر أريس.
كانت غرفة النوم تلك دليلاً حيًّا على مدى قوة ليليانا ونفوذها.
وقف أمامها ثلاثة من رجال البلاط الإمبراطوري، وجوههم معروفة في العاصمة، وأعمالهم الفنية الشهيرة تُعرض هناك كأنها مجرد زينة في القصر.
تحت مظلةٍ مذهلة تتلألأ كدرب التبانة، ظهرت صورة ليليانا الظلية بوقارٍ لا يُضاهى.
قالت ليليانا بصوتٍ هادئ:
“أختي… اقتربي.”
ارتجفت فيسيل وقد خالطها شعورٌ بالنقص والمرارة. كم كان مُهينًا أن تتكبّد هذا العناء في سبيل ليليانا، لتجدها الآن غارقةً في رفاهٍ لا تليق بمن كانت بالأمس فتاةً متواضعة الأصل.
دخلت فيسيل إلى المظلة دون أن تُخفي ملامح وجهها الغاضبة، وهمّت بالكلام، لكنها سكتت ما إن وقعت عيناها على وجه أختها.
كانت ليليانا شاحبة، تبدو عليها الكآبة بوضوحٍ لا يُخفى.
وضعت ليليانا يديها على بطنها المستدير قليلًا ؛
“أختي… أخبريني بصراحة.”
كان المنظر كافيًا ليوقظ في فيسيل مزيجًا من الغيرة والشفقة والحسد.
“أنتِ تتصرفين بشفقةٍ مجددًا، أليس كذلك؟”
ضحكت فيسيل بمرارة:
“تتظاهرين بأنكِ مثيرةٌ للشفقة؟ أنتِ فقط تجعلينني أبدو أنا كذلك.”
قالت ليليانا بحزن:
“أنا؟ كيف يمكن أن أكون جلالة الملكة النبيلة وأُتّهم بهذا؟”
ثم أجهشت بالبكاء، وانهمرت دموعها الصافية من عينيها الواسعتين.
“الناس يتحدثون عني بسخرية. يقولون إنني أميرة نشأت في حظيرة خنازير، أميرة جاهلة لا تعرف القراءة… بالتأكيد لم تكوني أنتِ من نشر هذه الشائعة، أليس كذلك؟”
قهقهت فيسيل باستهزاء:
“هاه! الجميع يعلم الأمر حتى من دوني، فلماذا ألوم نفسي؟”
غطّت ليليانا فمها مندهشة من قسوة كلمات أختها.
قالت ليليانا بصوتٍ حزين وهي تمسك بكمّ فيسيل:
“أختي، هل التقيتِ بآنسة كورني؟ لقد توسّلتُ إليك ألا تفعلي ذلك… كنتُ أرجو منك معروفًا صغيرًا فقط.”
“أجل، من الطبيعي أن ترفضي. فأنتِ لا تعتبرينني أختكِ أصلًا.”
عند رؤية ذلك المشهد البائس، أدركت فيسيل أن حديث ليليانا عن كارا لم يكن فخًّا، بل كان نابعًا من يأسٍ حقيقي.
“من غيركِ المسؤولة عن افتقاركِ إلى الفضيلة؟ لو كنتِ أهلًا للإمبراطورية، لعرف الخدم والخادمات قيمتكِ منذ زمن.”
“كيف يمكنكِ أن تقولي شيئًا كهذا…”
ابتسمت فيسيل بسخريةٍ أكبر؛
“هل تظنين أنني لم أعلم بأنكِ سرقتِ كتالوجي؟ لا تقلقي، فقد قررت السيدة كارا أن تهديني فستانًا لحفلة الشاي القادمة. قالت إنها لفتة بسيطة.”
نظرت ليليانا إليها بعينين دامعتين وقالت بصوتٍ مرتجف:
“هل حقًّا بعتِ قصتي مقابل فستان؟”
ضحكت فيسيل بخفة:
“فستان كهذا يستحق الثمن الباهظ الذي دفعته.”
ثم استدارت وغادرت الغرفة، تشعر بانتصارٍ لاذع، وكأنها سددت إلى صدر ليليانا طعنةً موجعة.
لم يعد بوسعها معاقبة ليليانا رسميًّا، لكن لو فقدت الأخيرة مكانتها أمام الإمبراطور، فستسقط مجددًا في قبضتها.
وبينما كانت تغادر القصر، كان أنفها مرفوعًا أعلى من أي وقتٍ مضى.
“هل ذهبت؟”
سألت ليليانا وهي تُخرج رأسها قليلًا من تحت المظلة.
أومأت أغرينا، التي كانت تراقب الباب، قائلة:
“لقد رحلت، يا جلالتك. يا إلهي، عليّ أن أشعل بعض البخور، فكلما تكلّمتُ عنها شعرتُ وكأن الأفاعي السامة تزحف في حلقي. كيف لإنسانة كهذه أن تكون أخت جلالتكِ؟”
قهقهت ليليانا بخفة، فيما تابعت أغرينا باستياء:
“ألا تشعرين بالإهانة؟ لقد تحدثت كما لو كانت هي الأعلى شأنًا! كدتُ أن أقتلع شعرها بيدي!”
“لا تفعلي ذلك… ستفهمين لاحقًا.”
كانت ملامحها مطمئنة، كأن شيئًا مما جرى لم يُثر قلقها.
فكل ما رأته فيسيل في ذلك اليوم داخل قصر أريس لم يكن إلا مشهدًا تمثيليًا محكمًا.
كانت الخادمتان اللتان تحدثتا عن ماضي ليليانا تفعلان ذلك بناءً على أوامرها، وكل جرحٍ بدت عليه كان مجرّد زيفٍ متقن.
قالت ليليانا وهي تميل إلى أغرينا:
“هل ورد أي خبرٍ من الآنسة كارا؟”
أجابت أغرينا وهي ترتب الفراش:
“آخر رسالةٍ أرسلتها كانت الأخيرة. يبدو أن إغاظة فيسيل تُمتعها. لو لم تكن من النبلاء، لأصبحت بالتأكيد ممثلة.”
ضحكت ليليانا بخفةٍ صادقة.
فكارا، التي اقتربت من فيسيل، لم تكن سوى بيدقٍ في مخطط ليليانا.
كانت عائلة ماركيز كورني من العائلات القليلة التي لم تتحالف بعد مع الإمبراطورة، ومع ذلك، كانت كارا صديقةً مقربة لأغرينا، ما جعلها الخيار الأمثل لتلعب دور المتظاهرة بالعداء لليليانا.
وبطلبٍ من الملكة نفسها، أدّت كارا دورها بإتقان، فأوهمت فيسيل ودعتها إلى حفل الشاي، حيث كان جميع الحضور من أتباعها الخفيين.
وبينما كانت فيسيل غارقة في المسرحية، كانت ليليانا تبتسم بهدوء خلف الستار.
ورغم أن فيسيل تفوّهت بكلماتٍ جارحة بحق الملكة في ذلك الحفل، فإن الشائعات لم تنتشر في المجتمع النبيل كما توقعت.
قالت أغرينا وهي ترفع الغطاء عن السرير:
“أفهم أن الأميرة فيسيل حمقاء، لكن ماذا لو تمادت في حماقتها وبدأت بنشر حديثٍ عن ماضي جلالتكِ بنفسها؟”
ابتسمت ليليانا بسكينةٍ تامة، وقد أشرقت على وجهها ملامح رضاٍ لا تُخطئها العين:
“لا تقلقي، فقط اجعليهم لا يجرؤون حتى على فتح أفواههم.”
ثم استلقت براحةٍ تامة على الوسادة الوثيرة، وبدأت تقرأ القصص المصوّرة لطفلها الذي لم يولد بعد.
قضت وقتًا هادئًا ولطيفًا، إلى أن ظهر فجأة ملوك الأرواح بأعدادٍ كبيرة، مسببين فوضى عارمة في أنحاء الغرفة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 155"