قد يكون الأمر مزعجًا بعض الشيء، لكنه لم يكن سيئًا للغاية. كان من المحتمل أن يكون الأمر جيدًا، خاصة عند رؤية وجهه وهو يحمر خجلًا وهو ينظر إليها.
أمسك هيليو بالبطانية التي كان قد غطى بها من قبل وامتدت يده لتعديلها. شعرت ليليانا بالتوتر، حيث انكمش كتفاها قليلاً، لكنها لم تتوقف.
سحب هيليو طرف البطانية حتى غطى ذقن ليليانا بإحكام. كان من اللطيف أن يرى عينيها الوردية ترتعش كما لو كانت قلقة.
“سيدي.”
“ماذا الآن؟”
“الطريقة التي تعاملني بها… إنها غريبة بعض الشيء.”
لم يكن هيليو يفهم ما تعنيه، فتغير تعبير وجهه وأصبح حائراً بعض الشيء. لكن ليليانا كانت في الحقيقة في حالة من الدهشة.
لم يكن هيليو طاغية أو محاربًا شرسًا، لكنه كان يُعتبر قاسيًا في أعين العامة. كان من الصعب على ليليانا، التي كانت تحت رعايته، أن تتخيل أن شخصًا مثله سيغطي بطانيتها.
بدلاً من أن يجيب على أسئلتها، استخدم هيليو عذرًا آخر.
“غدًا لن تضطرين لاستنشاق تلك الروائح الكريهة من الطعام.”
“آه…”
وجهت ليليانا برأسها مؤيدة لكلامه، كما لو كانت قد اقتنعت.
عند رؤيتها، ضحك هيليو بخفة.
“دائما ما يقال في كل مكان بأنني إبنٌ قاسي، لكن يبدو أنك لا تعتقدين ذلك، أليس كذلك؟”
“كيف لي أن أكرهك؟”
ضيق هيليو عينيه على إجابة ليليانا القصيرة.
بدا الأمر كما لو أن الشفرة قد تم شحذها لرؤية شيء ما.
“ألم تسمعي من والدتي؟ تقول أنها سردت لك قصتها بالكامل.”
أومأت ليليانا برأسها هذه المرة أيضًا.
“كانت قصة حزينة.”
كانت حقًا كذلك. كانت الإمبراطورة الشابة، التي كانت تتمنى العودة إلى وطنها، قد أُجبرت على البقاء في هذا الإمبراطورية رغم أنها كانت تنفذ جميع أوامرهم.
“لكن لماذا رفضت طلب والدتك؟”
نظر إليها هيليو بصمت. لم يكن جانبه المرح المعتاد مرئياً ، وكانت كلماته قاسية وحادة.
شعرت ليليانا أن الوقت لم يحن للإستلقاء.
لذا قررت أن تنهض وتجلس على ركبتيها على الأرض، لم يقل هيليو كلمة واحدة.
أصبح الجو ثقيلًا في لحظة، ورأس ليليانا إنخفض للأسفل وطأة الأجواء المشحونة. لكنها بقيت ثابتة في كلامها.
“أجرؤ على القول إنني شعرت بالحزن الشديد لما قالته الإمبراطورة الأم. لكن ذلك لا يعني أن كل أخطائها… يمكن تغطيتها.”
كانت كلماتها جريئة للغاية. على الرغم من إنها مجرد ملكة شابة، فإن الحديث عن أخطاء والدته كان من غير المعتاد، بل قد يُعتبر مجازفة. لكن ليليانا لم تتردد في قول ذلك.
كان هيليو في حالة لا يمكن للمزاح أو الكلمات السطحية التعامل معها.
كانت الكلمات الصادقه هو ما يمكن أن يقنعها.
“لا أحد في هذا العالم يمكنه أن يقول عنك بأنك إبن قاسي، لأن لا أحد منهم قد عاش ألمك مباشرة.”
عندما إنتهت ليليانا من حديثها، شعرت بالهواء البارد وكأنه يهمس على كتفيها، كما لو كان يخبرها بأن حياتها في خطر.
أغلق هيليو الكتاب، ثم نزل من السرير، وبدأ يقترب منها ببطء.
كلما اقترب، شعرت ليليانا أن رأسها ينخفض أكثر فأكثر حتى بدا وكأنها على وشك السقوط على الأرض. جلس هيليو بجانبها على ركبته، ورفع ذقنها.
تلاقت عيونهم، عيونها الوردية المرتعشة والعينين الزرقاوين اللامعتين، في مواجهة قريبة.
“هل تجرؤين على الشفقة عليّ؟”
كان صوته عميقًا، مظلمًا كظلام الفجر.
لم يكن هنالك أي مزاح أو رقة كانت تظهر على وجهه. كان يبدو كشخصًا آخر، لكن في الوقت نفسه، شعرت ليليانا أن هذا هو هيليو الحقيقي.
هل كانت حكمتها خاطئة؟ ربما كانت صادقة للغاية. ولكن ليليانا لم يكن لديها طريق للرجوع. لذا، قالت بصوت مرتجف.
“نعم، سيدي. أشعر بالحزن على طفولتك. على الأقل، أنا أفهم جيدًا كيف يشعر المرء عندما يتجاهله والداه تمامًا.”
لم يظهر هيليو أي رد فعل تجاه كلام ليليانا. ومع ذلك، بينما كانت ليليانا تزفر بتوتر، بدأ الضغط الذي كانت يده تمارسه على ذقنها يتراخى تدريجيًا.
في النهاية، ترك هيليو ذقن ليليانا الصغيرة تمامًا، ومد يده ليقوم بمساعدتها على النهوض.
“… شكرًا، سيدي.”
“عودي إلى الإستلقاء. لا يوجد شيء أكثر جنونًا من الركوع بجسدك المصاب.”
امتثلت ليليانا وجلست على السرير بشكل مطيع.
وجلس هيليو بجانبها على السرير.
“لم يكن والد الملكة يعرف حتى إسمك، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“هل يوجد شيء لااعرفهم عن تلك المملكة الصغيرة؟”
عاد صوت هيليو إلى نبرته المعتادة. بفضل ذلك، لم يعد الجو الثقيل الذي كان يملأ المكان موجودًا كما كان في السابق.
استرخت ليليانا تمامًا، واندفعت إلى الوراء على السرير. كانت خصلات شعرها الوردية تتألق بضوء الشمعة الخافت، مما جعلها تبدو وكأنها تتألق بلون مختلف عن المعتاد.
مد هيليو يده وأمسك ببعض من شعرها، ثم بدأ يلفه بين أصابعه.
لم تبدُ ليليانا قادرة على المقاومة، فظلت تراقب بصمت. قبل أن يسأل هيليو عن شيء، ابتسمت ليليانا ابتسامة ضعيفة.
“جلالتك.”
“ماذا هناك؟”
“إذا أنجبت طفلًا، من فضلك لا تهملني.”
كانت ليليانا ما تزال تنظر إلى يد هيليو، لذا لم تلاحظ التغير الذي أصاب تعبير وجهه.
“فكر في الأمر. إذا وُلِد طفل من شخصين نشآ في إهمال، ألن يكون من المحزن جدًا أن ينشأ في نفس الظروف؟”
بدأت نظرات ليليانا تبتعد وكأنها تنظر إلى مكان بعيد.
كانت ليليانا ستبذل قصارى جهدها لمنع نفسها من الحمل. لكن الأمور لم تكن بهذه السهولة.
لم تكن ليليانا تعرف كم من الوقت سيستغرق الأمر لكي تحصل صوفيا على حبوب منع الحمل، كما لم تكن تعلم متى سيقبل هيليو بتنازلها.
قد تصبح حاملاً، وتتعرض للإجهاض، ثم تحمل مجددًا… ربما يولد الطفل العظيم كما في الرواية. لكن هذا الطفل لن يكون له أم، بينما سيكون والده إمبراطورًا بعيدًا عنه.
كانت ليليانا تأمل أن يكون الطريق الذي سيواجهه الطفل أسهل قليلاً.
“العرش أو الملكية لاتهمني. فقط، من فضلك، لاتجعل طفلنا يشعر بالوحدة.”
مدت ليليانا يدها تجاه يد هيليو التي كانت تلعب بشعرها. غطت يدها ظهر يده بلطف، في إشارة واضحة للرجاء.
لم يكن هيليو قادرًا على مقاومة نفسه، فأجاب بسرعة.
“سافعل.”
لكن في أعماق قلبه، كان هناك شعور غريب.
‘لماذا تتحدث عن نفسها وكأنها ستختفي بعد أن تنجب الطفل؟’
كانت كلماتها ناعمة ومتأملة، كما لو كانت تفكر في شيء بعيد.
شعر هيليو بشيء مزعج، لكنه لم يكن يعرف مصدر هذا الشعور.
بعد سماع إجابة هيليو، ابتسمت ليليانا بخفة وغطت نفسها بالبطانية.
كانت تبدو وكأنها عادت إلى حالتها الطبيعية كما لو لم تقل شيئًا.
“لنذهب للنوم الآن، جلالتك. إذا قرأت المزيد من الكتب في وقت متأخر، سترهق عيونك.”
قالت ليليانا ذلك بنبرة مرحة، وقرر هيليو أن يلتزم بما قالت.
لم يكن لديه سبب واضح لذلك، بل ببساطة أراد أن يفعل ذلك.
❈❈❈
عندما استيقظت ليليانا في الصباح، كان أول ما رأته هو هيليو وهو يقرأ كتابًا. كان جالسًا بنفس الطريقة التي رآته بها البارحة، بلا أي تغيير.
من الواضح أنها نامت معه، لكن لم تكن تعرف متى استيقظ ليجلس بهذه الطريقة المستقيمة، كان الأمر محيرًا جدًا.
نظرت ليليانا إليه بسرعة، لكنه عاد ليركز على كتابه.
“أصبح صباح قصر الزمرد متأخرًا بعض الشيء.”
فركت ليليانا عينيها بيدها اليسرى وتثاءبت قليلاً.
“لا يوجد شيء يستحق الإستيقاظ من أجله. إذا لم يكن اليوم هو اليوم الذي أذهب فيه إلى الإمبراطورة الأم، فلن يقول أحد شيئًا حتى لو نمت لفترة أطول.”
“إذا كنت تنامين هكذا، فلماذا لايزداد طولك؟”
فوجئت ليليانا بتعليق هيليو الساخر، فنظرت إليه بغضب.
كان يبدو في مزاج جيد منذ الصباح، وابتسم بخفة.
‘هل يشعر بالسعادة لأنه لا يتلقى طعام الإمبراطورة الأم منذ الصباح…؟’
فكرت ليليانا بذلك بينما كانت تسحب الغطاء عن جسدها.
عادةً ما كانت تستغرق وقتًا أطول في النهوض، لكنها اليوم كانت بحاجة لأن تكون جاهزة، خاصة مع وجود هيليو. على الرغم من كونها ملكة شابة تكره الإستيقاظ مبكرًا، كان من غير المناسب أن تتجاهل حضور الإمبراطور.
فجأة، سُمع صوت طرق على الباب، ودخلت رئيسة الخدم وصوفيا.
“سنخدم جلالتك الآن، لذا من فضلك استعدي.”
ردت رئيسة الخدم بكل احترام، وكان من المتوقع أن تخرج فورًا، لكن وجهها بدا غريبًا. كانت تبدو وكأنها تريد قول شيء آخر، لكنها تردد في قول ذلك.
كانت صوفيا تقف بجانبها تحمل صينية بها طبق صغير لم تره ليليانا من قبل.
“ما الأمر؟”
سألت ليليانا بقلق، وفي تلك اللحظة،
<طَق.!>
أغلق هيليو الكتاب بعنف.
رفع رأسه ونظر إلى رئيسة الخدم.
“هل وصل الطعام إلى قصر الزمرد؟”
تجمدت ليليانا من الدهشة عند سماع هذا السؤال، قبل أن تسأله عن المعنى، أجابت رئيسة الخدم بصوت مرتعش.
“نعم، سموك. الطعام جاء من قصر الإمبراطورة الأم. طعام أعدته الإمبراطورة الأم بنفسها…”
“كفى.”
قال هيليو ذلك بلهجة غاضبة بينما كان يرفع يده ليمسح شعره.
نهضت ليليانا بسرعة من السرير واقتربت من الصينية.
كان الحساء لا يزال يتصاعد منه البخار الساخن، ويبدو أنه يحتوي على مكونات فاخرة من جميع الأنواع.
“وااا…”
لم تستطع لِليانا إلا أن تُعبر عن إعجابها بصدق.
كانت رائحة الطعام رائعة للغاية. ولكنها أدركت بعد أن أطلقت تعبير الإعجاب أنه ليس الوقت المناسب لذلك.
على الفور، أغلقت فمها بسرعة ونظرت إلى هيليو. كان هيليو يحدق بها بعينيه الزرقاوين الغاضبتين. عضت شفتها السفلى بحزم ثم اعتذرت بخجل.
“أعتذر، جلالة الإمبراطور.”
“هااا…”
تنهد هيليو بعمق وألقى بالكتاب الذي كان يحمله على الطاولة. يبدو أنه غضب مرة أخرى بعد أن هدأته بالأمس فقط.
بدأت ليلِيانا تفكر في كيفية التعامل مع الموقف. ولكن الكلمات التي خرجت من فم هيليو كانت مختلفة تمامًا.
“إن كنتِ ترين الطعام لذيذًا هكذا، فتناولي منه.”
“ماذا؟”
“إن كان يبدو لذيذًا هكذا، فالتأكلي منه.”
‘هل هذا نوع من التهديد؟’
بدت ليلِيانا وكأنها لا تريد تناول الطعام، أو على الأرجح لم تهتم به على الإطلاق. وقفت مستقية وحرصت على تحريك يديها بعيدًا بإصرار.
“أنا حقًا لا أريد أن آكل. أنا لا أتناول الفطور بشكل جيد. وأيضًا، إذا تناولت طعامًا فخمًا هكذا منذ الصباح… أعني، سأشعر بالعسر الهضمي.”
حينما كانت ليلِيانا تُحاول التبرير، تحدث هيليو كما لو أنه لم يسمع تبريرها.
“تناولي الطعام.”
تجمدت ليلِيانا في مكانها بدهشة. وأمامها، رفع هيليو إصبعه السبابة وقال بوضوح:
“يجب أن تأكليه. ثم إذهبي إلى القصر الإمبراطوري وأخبري تلك المرأة المجنونة، أنكِ تناولت الطعام.”
“ماذا؟”
“من الآن فصاعدًا، سأرسل لك الطعام في كل مرة، لذا اخبريها بذلك!”
شعرت ليلِيانا وكأن كل شيء حولها أصبح غامقًا.
‘ لماذا، لماذا تجعلونني أشارك في خصامكما؟! ‘
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 14"