أشارت ليليانا إلى سيرجي أن يقترب منها. لم تستطع أن تسمح لرونيل بالتورط في المتاعب، لكنها أيضًا لم تكن لتتهوّر وهي تحمل طفلًا في رحمها.
حدّقت في كيروكا ووبّخته بصرامة:
“مضايقة سيدة داخل القصر؟ أيُّ وقاحة هذه؟”
“مضايقة؟ كنتُ أتحدث معها فحسب.”
“حتى طفل صغير عابر كان سيلاحظ استياء السيدة رونيل.”
ارتبك كيروكا، والتفت إلى رونيل التي كان الغضبُ بادياً على ملامحها، وكبرياؤه مجروح. كان كيروكا يحمل ضغينة منذ أن سخر منه سيرجي في شجار سابق، والآن ازدادت غيرته لأن ذالك “العبدَ”، على حد وصفه، أصبح مخطوباً.
لو استسلمت خطيبته لي، لتمزق وجهه المتغطرس.
كانت أفكار كيروكا تنضح بالخبث، وهو يقترب من رونيل وكأنه يستمتع بضغطه عليها.
لكن ما إن حاولت رونيل التراجع، حتى أمسك كيروكا بذراعها بقوة، ثم ادّعا بوقاحه
اغتنمت رونيل الفرصة واختبأت خلف ظهر سيرجي، وارتجاف صوتها لا يخفي شجاعتها وهي تصرخ:
“سموك! لن أنسى هذه الوقاحة ما حييت!”
لقد كان خوفها واضحًا، لكنها تحدّثت بجرأة، كما يليق بامرأة خاطرت بحياتها من قبل لمعالجة الجنود في ساحة المعركة.
حدّق كيروكا فيها بعدم فهم وقال بفتور:
“آنسة رونيل، ألا تعرفين من أكون؟”
فقاطعتهم ليليانا بضحكة ساخرة:
“ألم تسمعها تناديك سموك؟ إنها تعرفك جيدًا، ومع ذلك لم تُعر مكانتك أي اعتبار.”
اشتدّ غضب كيروكا، وعضّ على أسنانه:
“سموكِ، هل يليق بكِ أن تتورطي في نزاع تافه كهذا مع شخص قد يرتقي يومًا إلى مراتب عليا؟”
تقدمت ليليانا بخطوات حازمة وقالت ببرود:
“مراتب عليا؟ تسمي هذا مغازلة وقحة علاقةً غرامية؟ السيدة رونيل لا تحمل أدنى مشاعر لك. وما يحدث هنا ليس سوى فضيحة. وبصفتي مضيفة هذه الوليمة، من واجبي إيقاف هذه المهزلة.”
تكسّر كبرياء كيروكا تحت وقع كلماتها، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد.
“أيها الأمير، اعتذر للسيدة رونيل فورًا. إن لم تفعل، فسأرفع الأمر إلى جلالة الإمبراطور، ولن يكون العقاب يسيرًا على من يُثير اضطرابًا في حفل يوم ميلاد الإمبراطورة الأرملة.”
كانت تعلم أنه حتى لو اعتذر كيروكا، فإنها ستُخبر هيليو على أي حال. لكن كما توقعت، لم يُبدِ كيروكا أي نية للاعتذار.
“هاه… يا آنسة رونيل. أعترف أنني اقتربتُ منكِ فجأة. كآنسة محترمة، من الطبيعي أن ترفضي الظهور في موقف مُحرج مع رجل نبيل. لكن يبدو أنكِ لا تعرفين الكثير عن خطيبكِ… كنت أحاول مساعدتكِ فقط.”
ثم أشار بإصبعه نحو سيرجي وأضاف بوقاحة:
“هل يبدو لكِ بطل الحرب المقرّب من الإمبراطور؟ هل يليق بالماركيز أن يبدو كعبدٍ مغسول ونظيف فحسب؟ إنه لا يملك سوى ماضيه الحقير!”
لكن صوت رونيل شق الأجواء فجأة:
“بل أنت الحقير والوقح!”
اندهش الجميع، حتى ليليانا نفسها لم تتوقع منه هذه الجرأة.
تابعت رونيل بصوت ثابت، رغم أن يديها كانتا ترتجفان:
“حتى لو كان بملابس رثة، فصاحب السعادة الماركيز أنبل من أي أمير. كلما ازداد عدد أمثالك، ازداد فساد هذا العالم، وكلما ازداد عدد أمثال الماركيز، ازداد الأمل فيه.”
اقتربت ليليانا من رونيل، وأمسكت بيدها المرتعشة وربّتت عليها، فاستمدّت منها الطمأنينة. ثم واجهت كيروكا ببرود قاطع:
“أيها الأمير، لم تكتفِ بمضايقة آنسة في المأدبة الإمبراطورية، بل تحاول الآن تشويه سمعة رعية مُخلصة للإمبراطورية. حتى الدوق غابرييل سيشعر بالخزي إن علم بما تفعل. لن أمرّر هذا بسهولة.”
ثم استدارت لتغادر دون أن تلتفت إلى أنفاس كيروكا اللاهثة من شدة الغضب. كان صوته أشبه بفحيح أفعى، دلالة على أن جسده مثقل بمنشطات ديوسون. لقد أصبح أضحوكة يختنق بسمّه.
التفتت ليليانا برفق إلى رونيل:
“آنسة رونيل، هل أنت بخير؟”
“أنا بخير، جلالتك… شكرًا جزيلًا لكِ. لا أدري كيف أرد لكِ هذا الجميل.”
“بل أنا من يجب أن أعتذر.”
“أ… تعتذرين لي، جلالتك؟”
همست ليليانا في سرّها: كنت أرجو فقط أن تُشوّه كيروكا سمعة الدوقية بطيشها، لكن لم أتوقع منها أن تنحدر إلى هذا الدرك الشنيع.
شعرت ليليانا أن على عاتقها بعض المسؤولية.
ارتجفت ساقا رونيل وهي تحاول التماسك، وقد خفت وطأة ارتجافه قليلًا.
“ماركيز، ساعد آنسة رونيل على النهوض. يجب أن تعود إلى غرفتها وتستريح.”
كانت تخشى أن يتردد سيرجي، لكنه مدّ يده فورًا، وقلقٌ صريح يطفو في عينيه.
قال لها بخجلٍ صادق:
“آنسة رونيل… إن لم يكن الأمر مزعجًا، هل لي أن أحملكِ؟”
تسارعت أنفاس رونيل، واحمرّ وجهها من الدهشة، ثم أومأت بخجل.
“نحن مخطوبان… أجل من فضلك.”
ارتبك سيرجي هو الآخر حين ذكرت الخطوبة، لكنه مع ذلك حملها برفق كما لو أنها كنز هشّ.
صفّقت ليليانا بفرحٍ غافل للحظة عن خطورة الموقف:
“هيا بنا إلى غرفتي. لطالما رغبتُ في التعرف على آنسة رونيل عن قرب. لنسترح ونتحادث معًا.”
ابتسمت رونيل شاكرة:
“شكرًا لكِ، يا صاحبة السمو.”
وأجابها سيرجي: “وأنا ممتن كذلك.”
قرروا المرور من الباب الخلفي للقاعة، إذ لم يجرؤ سيرجي على الظهور وهو يحمل خطيبته بين ذراعيه كأميرة، لئلا تصبح القاعة كلّها مسرحًا للثرثرة.
لكن بينما كانوا يسيرون، قطعت الطريق عليهم سيدة مألوفة الصوت:
“صاحبة السمو، الإمبراطورة ليليانا.”
توقفت ليليانا بخطوات متيبسة. لم يكن بوسعها أن تخطئ في صوتها.
إنها السيدة رِيستون
كانت ترتدي ثوبًا أنيقًا، لكن وجهها بدا شاحبًا مرهقًا أكثر من أي وقت مضى. للحظةٍ راود ليليانا شعور باللين، غير أن ملامحها تصلّبت مجددًا.
همست بصرامة:
“لنسلك طريقًا آخر.”
لكن صوت السيدة رِيستون المرتجف ناداها:
“صاحبة السمو… انتظري! أرجوكِ، حدّثيني ولو للحظة.”
تجمدت ليليانا، ثم ردت ببرود قاتل:
“ليس لدي ما أقوله لكِ. لا تهاجميني بعد الآن.”
“مرة واحدة فقط… أرجوكِ.”
ثم، فجأة، جثت السيدة رِيستون على الأرض أمامها، والدموع تغسل وجهها:
“مرة واحدة فقط، أرجوكِ.”
تصلّبت ملامح ليليانا أكثر:
“فرصة؟ أية فرصة؟ هل لتجدي بديلًا آخر لكارولين؟”
شهقت السيدة رِيستون بصوت متقطع، كأن روحها تتشقق. لكن قبل أن تتمكن من الرد، ارتجّ المكان بصوت رهيب.
“صاحبة السمو!”
صرخت السيدة رِيستون بحرقة، وفي اللحظة ذاتها، تدحرجت صخرة ضخمة من الأعلى.
تجمدت أطراف ليليانا، لم تستطع الحركة. لكن ذراعين أحاطتا بها فجأة، وغطّتا رأسها في عناقٍ حامٍ.
حتى في تلك اللحظة الخاطفة، تردّد في أنفها عطرٌ مألوف.
إنها رائحة عرابتي.
ثم دوّى صوت قعقعة ثقيلة. شعرت كأن شيئًا ضربها في مؤخرة رأسها، وفجأة وجدت نفسها تسقط أرضًا، لتصطدم بجسد آخر سقط بجوارها.
رفعت يد السيدة رِيستون المرتعشة، ومسّت وجه ليليانا بابتسامة هزيلة:
“يا جلالة الإمبراطورة… هل أنتِ بخير؟”
اختنق صوت ليليانا:
“أنا بخير… لكنكِ تنزفين… عرابتي، إنكِ تنزفين!”
ارتجفت أنفاسها، وهي لا تدري ما تفعل.
لماذا؟
لماذا انهارت عرابتها؟
لماذا كل هذا الدم؟
داعبت السيدة رِيستون خدها بلمسة واهنة وقالت:
“…كنت قلقة… لأنكِ أطلتِ البقاء بعيدًا عن القاعة.”
“عرابتي، لا تتكلمي! أرجوكِ!”
لكن السيدة رِيستون همست بضعفٍ متقطع:
“ظننت أنني وصلت… في الوقت المناسب…”
غطّت ليليانا الجرح بيديها، لكن الدم ظل يتدفق، يغمر أصابعها بلا رحمة. صرخت بانفعالٍ يائس:
“لماذا فعلتِ ذلك؟! أنا لست كارولين! لقد قلتِ إنني مجرد بديلة!”
ابتسمت السيدة رِيستون ابتسامة واهنة، لكنها خالية من الزيف:
“في البداية، نعم… ابتسامتكِ كانت مثل ابتسامتها، حتى خُيّل إليّ أنها عادت… لكن لاحقًا… لم يعد الأمر كذلك. من الذي يخشى فقدان مجرد بديلة؟ وحدها الأم الحمقاء تدرك متأخرة أنها كانت قد أحبت.”
انهارت دموع ليليانا، غزيرة لا تعرف إن كانت غضبًا أو حزنًا. لم يكن في كلمات السيدة رِيستون ذرة كذب حين قالت: ابنتي.
همست ليليانا بشفاه مختنقة، لكنها لم تستطع النطق.
بينما كانت السيدة رِيستون تبتسم، والدموع تبلل وجنتيها.
فقدت السيدة رِيستون ما تبقّى من قوتها، حركت شفتيها بصمت.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات