سعدت لِيليانا حقًّا برؤية وجه سيرجي الوضيء بعد كل هذا الغياب، لكنّ شعور الحرج غلب فرحتها.
“ماركيز ويليم، ما الأمر؟ أرجوك، انهض.”
بكلماتها تلك، نهض سيرجي بأدب، مستقيمًا في وقفته، غير أنّ عنقه ظلّ مُنحنيًا قليلًا، كأنّ وفاءه يتسرّب من كل حركة فيه.
لم يبدُ ربَّ أسرةٍ ولا أرستقراطيًا عريقًا بقدر ما بدا فارسًا يقف أمام سيّدته.
ابتسمت لِيليانا بخجل وقالت:
“لقب الماركيز مُنح لك من جلالة الإمبراطور نفسه. فلا يليق بك أن تظلّ منحنياً بهذه البساطة، بل عليك أن تتصرّف بما يُناسب مكانتك.”
احمرّ وجه سيرجي عند كلماتها، كما لو تذكّر أمرًا غفل عنه:
“أعتذر، جلالتك. ظننت أنّي تعلمت ما يكفي، لكن يبدو أنّي أفتقر بعدُ إلى اللياقة، فأقع في النسيان أحيانًا.”
هزّت رأسها بخفة:
“الأمر لا يستحق الاعتذار، ستتحسن مع الوقت. لكن، ما الذي جاء بك لرؤيتي اليوم؟”
“لقد عيّنني جلالته مرافقًا لجلالتك في حفل ميلاد الإمبراطورة الأرملة. جئت إلى قصر أريس لأُبلغك بالأمر.”
ارتفعت حاجباها دهشة:
“مرافق؟ تقصد الماركيز ويليم بنفسه؟”
“أجل، أنا.”
كانت لِيليانا قد أصرت على استضافة الحفل رغم معارضة العائلة المالكة بأكملها. فما دام هيليو قد اختارها إمبراطورة، لم يكن من المعقول أن يُسلَّم حفل إمبراطوري بحجم حفل الميلاد لشخصٍ آخر.
ظنّت أنّها أقنعت الجميع، غير أنّ هيليو لم يهدأ قلبه بعد.
بينما صمتت لِيليانا متورّدة الوجه، ازدادت ملامح القلق على وجه سيرجي. قال بجدية:
“إن كنتِ غير مرتاحة لوجودي حارسًا لكِ، يمكنني أن أُرشح من هو أنسب.”
أجابت بسرعة:
“لم أقصد ذلك. لكنّك بطل حربٍ وماركيز، لا مجرّد فارس.”
ارتبك هو، وخفض صوته:
“لا شأن لي بالألقاب. جلالتك هي سيّدتي، وبما أنّ جلالته قد اختارني فلن أبخل بجهدي على حمايتك.”
تردّدت لِيليانا: هل يليق حقًّا أن يكون بطلٌ عظيم كهذا مرافقًا لها؟
اقتربت أغرينا، وهمست بجانبها بحذر:
“لو رفضتِ الماركيز، سيضطر جلالته لإرسال فرسانٍ عديدين، وهذا سيُحوّل الحفل إلى مشهدٍ عسكري مشدود. من الأفضل أن تكتفي بالماركيز، حتى لو بدا الأمر مُرهقًا له، فهو يوم واحد فقط.”
تنهدت لِيليانا بعجز، ثم ابتسمت لسيرجي:
“إذن، سأقبل لطفك يا ماركيز. لكن اسمح لي أن أعتذر لطلب مثل هذه المهمة الصغيرة من بطلٍ مثلك. سأردّ لك هذا الجميل بطريقة ما في المستقبل.”
هزّ رأسه مبتسمًا:
“لا أطلب شيئًا في المقابل، جلالتك. لا تشغلي بالك.”
ظلّ كما كان دائمًا: رجلًا مستقيمًا لا يعرف المراوغة.
كانت تظن هيليو يُبالغ في حمايته لها، لكنها أدركت أنّ القدر قد يتطلّب منها بطل حربٍ بجوارها. قررت أن تجد وسيلةً لتحسين صورة سيرجي بين الناس خلال الحفل.
وما إن أنهى مهمته وهمَّ بالمغادرة، حتى استوقفته لِيليانا فجأة:
“على ذكر ذلك، لعل سؤالي متأخر… لكن ماذا جرى بعد مسابقة الصيد؟”
تلعثم سيرجي:
“ما–… ماذا تقصدين؟”
أجابته بفضول طفولي:
“أقصد السيدة رونيل. لقد سرقتَ الأضواء يومها، وكنتُ أشجعك من مقاعد الحضور. فهل حدث شيء بينكما بعدها؟”
اشتعل وجهه بحمرة محرجة:
“حسنًا… دعتني عائلتها للعشاء في منزل الكونت. وذلك كل ما جرى.”
انتظرت لِيليانا تتمةً لقصةٍ رومانسية، لكنه لزم الصمت كأنّ الكلمات علقت في حلقه. رفعت حاجبيها، مدهوشة:
“ألا يوجد أي تقدّم منذ ذلك الحين؟”
أومأ سيرجي ببطء، وقال بصوتٍ واهن:
“كيف… كيف أجرؤ؟ لا أظنها ترغب برجلٍ بائسٍ مثلي.”
تنهّدت لِيليانا بدهشة ممزوجة بأسف. ظنّت أن دعوات الزفاف ستُوزَّع قريبًا، فإذا به يُلقي بكلماتٍ مليئة بانعدام الثقة بالنفس.
بينما كانت تفكر، خطرت لها فكرة مُقلقة: في النص الأصلي لم يُذكر وقت زواج سيرجي ورونييل بوضوح، لكن الأحداث كانت تُشير إلى ارتباطٍ حتمي.
هل غيّرت ليليانا شيئًا حين كسرت مسار النص الأصلي؟
تذكّرت فجأة:
من الأحداث التي حادت عنها بإرادتها، الحرب مع مملكة ساجريدو.
سيرجي، بطل الحرب والمخلص، كان سيذهب للحرب بالطبع، ورونييل ستتطوع لمعالجة الجرحى. هناك كان لقاؤهما مقدَّرًا.
شهقت لِيليانا في سرّها:
‘ لا يعقل… إن لم تقع الحرب، فلن يُوجد البطل الثانوي!.’
والبطل الثانوي… كان حلقة لا غنى عنها في كسر العقبات.
كان ذلك لأجل حياةٍ هادئةٍ لِليليت، غير أنّ البطل الثانوي أدّى بدوره دورًا حاسمًا في الأزمات التي عصفت بالإمبراطورية.
أمسكت ليليانا بيد سيرجي وهمست:
“ماركيز ويليم، سأقف إلى جانبك.”
ارتبك وقال:
“هاه؟ عمّ تتحدثين؟”
فأجابته بحزم:
“هل ستتخلى عن مَن تُحب هكذا ببساطة؟”
خفض عينيه وقال بمرارة:
“لكنني لا أليق بها أبدًا… أنا…”
ابتسمت ليليانا بصرامة وأجابته:
“أنت البطل الذي أنقذ الإمبراطورية! وكذلك الآنسة رونيل! كيف يمكن لسيدةٍ شريفةٍ، اعتادت أن تمسح دماء وصديد الجنود في ساحة المعركة، أن تنظر إليك باحتقار؟ بل إن ذلك سيكون إهانةً بحقّها!”
لم يكن سيرجي قد فكّر بالأمر على هذا النحو، لكن كلماتها كانت دامغة.
“إهانة…؟” تمتم بدهشة، قبل أن يُدرك الحقيقة في كلامها.
ضغطت عليه ليليانا مرةً أخرى:
“بالطبع، الاحترام شيء والحب شيء آخر. فلنجرب من جديد. في حفل عيد الميلاد القادم، سأحتجّ بأن الحمل يُرهقني، وأتذرع بحاجتي إلى الراحة في الغرفة. ثم أدعو الآنسة رونيل بحجة أنني أرغب في التحدث إليها. ستكون فرصتك يا ماركيز، فلا تُهدرها. أتفهمني؟”
تصبب جبين سيرجي عرقًا باردًا، لكنه سرعان ما رفع رأسه بعزمٍ متأجّج:
“أجل… هذه المرة سأُفصح عن مشاعري.”
ابتسمت ليليانا برضا وربّتت على ذراعه:
“حسنًا، ابذل قصارى جهدك. الآنسة رونيل قوية، لكن قلبها رقيق أمام الصدق.”
ارتسمت ابتسامة على شفتيها، واشتعل قلبها بنبضٍ مبهجٍ وهي تفكر في أنّها تُعين حبيبين من القصة الأصلية على التلاقي.
❈❈❈
جاء يوم حفل عيد الميلاد، وقد جُمع مع حفل الظهور الأول، لكنهما كانا نقيضين تمامًا. فحفل الظهور الأول كان كربيعٍ غضّ، أما عيد الميلاد فبدا كقصرٍ مرصّع بالذهب.
أضفت الستائر ومفارش المائدة المطرّزة بالخيوط الذهبية مسحةً فاخرة، بينما تدلت الثريا الضخمة من السقف، كل شمعةٍ فيها مرصعةٌ بحجرٍ سحري، تنثر أجواءً غامضةً تُشبه السحر.
كانت ليليانا قد تولّت العام الماضي حفل يوم ميلاد الإمبراطورة الأرملة دون خطأٍ يُذكر، لكن هذا الحفل تخطى التوقعات. حتى فيستي، التي اعتادت البحث عن الثغرات، آثرت الصمت.
حضر كيروكا أيضًا، مفعمًا بالحيوية، خلافًا لفيستي التي جلست متحفظة. مجرد دخوله بزيّه الملكي جعل الأجواء تبدو وكأنها تحت السيطرة.
لكن فيستي لم تحتمل، فتمتمت محذّرةً:
“أخي، لا تُكرّر مشاجرتك مع الماركيز ويليم. إنه بطل الحرب، وأحد المقرّبين من جلالته. لن يجلب لكِ اعتباره خصمًا أي فائدة.”
قهقه كيروكا ساخرًا:
“ومع ذلك، يبقى عبدًا سابقًا أُجبر على العمل. بصفتي وريث دوقات غابرييل، هل يجدر بي أن أنحني له وأدعوه بصاحب السعادة؟”
تنهّدت فيستي:
“أخي… الماركيز ويليم محبوب حتى بين النبلاء أنفسهم.”
تجهم كيروكا وحرّك كأسه باستهزاء. لكن كلمات فيستي كانت واضحة. لم يكن الموقف كما كان في السابق.
فالمجتمع الراقي تغيّر. سيدات الشاي بدأن يبتعدن عنها واحدة تلو الأخرى، بل حتى في حفل الظهور الأول، تجرأ الكونت يونغسيك نابورين على مغازلتها علنًا. منذ أن كُشفت وهي تحاول استمالة خادمة ليليانا، أصبحت سخريةَ المجتمع.
أدركت فيستي، التي لطالما رفعت رأسها كزهرةٍ ذهبية، أنّ عليها الحذر الآن.
“على أي حال، لا تعود لتهورك السابق. كما قال والدي، ابنِي صداقاتٍ مع الأسر النبيلة الأخرى.”
لوّح كيروكا بيده بازدراء:
“همف، سأدبر أمري. كفي عن ثرثرتكِ.”
لكن عينَيه سرعان ما تعلّقتا بشخصٍ يقف غير بعيد. كان سيرجي، يقف بجوار الإمبراطورة ليليانا، محاطًا بالسيدات النبيلات اللواتي احمرّت وجوههن خجلًا كلما رمقنه بنظراتٍ خاطفة.
عضّ كيروكا شفتيه. ذلك الماركيز ويليم المزعج… كيف لشخصٍ بالكاد نجا من الحرب أن يستحوذ على كل هذه الأضواء؟
ولمح أنّ عينَيه لا تلتقيان بنظرات السيدات، بل تُشيحان مرارًا نحو سيدةٍ تقف في الجهة الأخرى من القاعة. تبعت نظره، وهناك رآها
“ومن تلك المرأة؟” سأل بصوتٍ خافت.
أجابته فيستي بوجهٍ جادٍّ متألم:
“إنها السيدة رونيل، ابنة أسرة الكونت لويد… خطيبة الماركيز ويليم.”
ارتسمت ابتسامةٌ مُرة على شفتي كيروكا.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 133"