بعد عودتها من قصر الماركيزة ريستون، لم تغادر ليليانا القصر الرئيسي لقصر أريس طيلة خمسة أيام كاملة.
وفي المقابل، ظلّ الضيوف يتوافدون. لم يكن الأمر مقتصرًا على زيارة هيليو اليومية، بل إن الإمبراطورة الأرملة ولوسيا جاؤوا إلى قصر أريس لتفقدها.
أحيانًا يكون الألم النفسي أشدّ وقعًا من العلّة الجسدية، لكن ليليانا تماسكت وصمدت.
وفي اليوم السادس، خرجت أخيرًا من القصر الرئيسي، متعللةً برغبتها في استنشاق هواء الحدائق. ساد بين رجال الحاشية الذين كانوا يتخوفون على سيدتهم شعورٌ بالارتياح حين رأوها.
وصل الخبر إلى القصر الإمبراطوري، فتنفّس هيليو الصعداء، وبدت على وجهه علامات الراحة. ومع ذلك، لم يرضَ قلبه تمامًا، فتوجّه على الفور إلى قصر أريس.
كانت ليليانا جالسةً في الحديقة، والورود تحيط بها من كل جانب. وما إن لمحها تتأرجح بخفة على أرجوحة الزهور، حتى أدرك أنها ما زالت تتحلى بقدرٍ من التماسك.
اقترب منها هيليو، ووضع يده على الحبل برفق. التفتت إليه ليليانا بابتسامة هادئة.
“متى وصلتَ؟”
“الآن.”
“ألم تطلب من الخادمات كتمان الأمر؟ لماذا تبدو جادًا هكذا؟”
كان يميل أحيانًا إلى المزاح معها، لكنه في تلك اللحظة أراد الاطمئنان على حالها حقًا. كان يعلم أنها أمامه دائمًا تتظاهر بأنها بخير.
ومع أن ليليانا بدت مرحة، إلا أن قلب هيليو كان يخشى أن تكون مثل كرةٍ زجاجية هشّة، قابلة للكسر في أي لحظة. أخفى قلقه بابتسامة ساخرة:
“هل أدفعكِ على الأرجوحة؟ سمعت أنّ الأطفال يحبونها.”
“لا. لا أظن أنك ستدفعني برفق.”
“أهكذا تسيئين الظنّ بي؟”
“أجل. جلالتك لا يُحسن كبح قوته.”
رفعت ليليانا بصرها إليه، ثم نهضت من مقعدها. على الفور مدّ هيليو ذراعه لمساندتها، لكن ليليانا شبكت ذراعها بذراعه بإحكام، وأسندت رأسها على كتفه.
“لنتمشَّ في الحديقة. لقد وبّخني طبيب القصر على بقائي في غرفتي طويلًا.”
“هذا مقلق.”
“لا أحد بجانبي.”
قالتها كأنها تمزح، رغم أن الحقيقة أن الجميع تردّدوا في الاقتراب منها خشية أن يؤلموها بسؤال.
“الجميع يخشون سؤالي عمّا إذا كنت بخير.”
كان الأمر كذلك بالنسبة لهيليو أيضًا. لكنها التفتت إليه وضحكت قائلة:
كان انهيار علاقتها بالماركيزة ريستون قد ترك في قلبها فراغًا موحشًا، لكنها كانت محاطة بأناس يمدّون لها يد العزاء.
حتى الإمبراطورة الأرملة ولوسيا، وسيدات قصر الغزال الفضي، اهتممن لأمرها. أمها، السيدة مارين، أشفقت عليها ونصحتها ألا تحمل نفسها الذنب.
بايِل أيضًا أرسل إليها سرًّا رسالة تعزية، وجاء بعض أعضاء النظام الثالث، ومنهم فيرين، لتقديم واجبهم. أما صوفيا، التي لم تستطع زيارتها، فقد بعثت برسالة مطوّلة.
لم يكن كثيرون يعلمون بالعلاقة التي جمعتها بالماركيزة ريستون، لكنهم شعروا جميعًا بالحزن العميق الذي ألمّ بليليانا، فأرادوا التخفيف عنها.
ابتسمت ليليانا وقالت بهدوء:
“هناك كثيرون يهتمون بي. لا أريد أن أضيع وقتي في الحنين إلى شخص لم يكن صادقًا معي.”
كان صوتها هذه المرة واثقًا، لا محاولة لتهدئة نفسها بل إعلانًا لإرادتها.
عندها فقط سألها هيليو بصوت منخفض:
“هل تريدين أن أعاقب الماركيزة ريستون؟”
ارتجفت ليليانا، وأبعدت رأسها عن كتفه.
“بأي ذريعة؟”
“سيُعرف السبب. ما عليكِ سوى أن تقرري.”
في تلك اللحظة لم يكن هيليو مجرد رجل، بل كان الإمبراطور. ابتسمت ليليانا كأنها تعلم أنه لا يمكن إيقافه، ثم سارت إلى الأمام. تبعها هيليو، مواكبًا خطاها.
“لا بأس. دعها وشأنها.”
“لكنها آذتكِ. في الحقيقة، أنا من يغلي صدره رغبةً في معاقبتها.”
ضحكت ليليانا بخفة، ثم وضعت يدها في يده، قائلة بمودة:
“أخبرتك من قبل، يا جلالة الإمبراطور، أن الحياة وإن لم تكن مثالية، فإن الخير دائمًا يحدث. عشتُ حياتي مؤمنةً بذلك. لكن هذه التجربة علّمتني أنّ حتى وسط السعادة قد تتسلل مرارة الألم.”
تقدّمت بضع خطوات ثم التفتت إليه، ووجهها الشاحب تزينه ابتسامة مضيئة، ابتسامة من انتصر على حزنه.
“لطالما سعيتُ لأعيش بسعادة. وعندما وقعت الأحداث السيئة، أدركتُ كم كنتُ سعيدة. أستطيع أن أبكي وأصرخ، ويبتسم الناس لرؤيتي. حينها فكرت: حسنًا، عليّ أن أحمي هذه السعادة. عليّ أن أتجاوز السيئ سريعًا… وأُمسك بما يجعلني سعيدة.”
قبل عام، تسللت لِيليانا من حفل عيد ميلاد الإمبراطورة الأرملة، لتتأمل الألعاب النارية التي أضاءت السماء بألوانٍ ساحرة، وقالت: “حتى وإن لم تكن الحياة مثالية، فإن اللحظات الجميلة لا تكف عن الحدوث.”
هذه المرأة، المشرقة على نحوٍ لا يُصدَّق، لم تفقد تفاؤلها حتى حين غمرتها السعادة، بل ازداد بريقها.
هل وُجدت امرأة أخرى بهذا النقاء؟
جثا هيليو عند قدميها.
“جلالتك؟”
شهقت لِيليانا، وأمسكت بيده محاولة رفعه، لكنه لم يتحرك.
طبع شفتيه على ظهر يدها، قبلة لم تكن خفيفة كرفرفة طائر، ولا رقيقة كلمسة فراشة، بل مهيبة كعهد فارس أمام ملكته.
رفع هيليو بصره إليها، وصوته يزداد جدية أكثر من أي وقت مضى:
“لِيليانا، لن ألتقي بامرأة تملك قوتكِ وحكمتكِ مجددًا. أجرؤ أن أطلب منكِ أن تكوني رفيقتي.”
حتى أنبل الرجال لا يعلون على امرأة يتملكهم حبها.
وأدركت لِيليانا عندها أن قلب هيليو كان أعظم وأغزر مما ظنت. شعرت أن اتساع ذلك القلب يفيض ليغمر كيانها كله.
ابتسمت، وفي تلك اللحظة أصبحت أسعد امرأة في الدنيا.
“بكل سرور.”
قالتها وهي تشد على يده. فنهض هيليو كأنه ينهض بها، ثم فجأة رفعها بين ذراعيه. انفجرت ضاحكة، وعانقته بشدة.
“ماذا لو أفزعنا الطفل؟”
ارتبك هيليو، وأعادها سريعًا إلى الأرض.
“هل سيفزع؟”
قهقهت لِيليانا من ملامحه القلقة على غير عادته.
“لو كان مثلي، لأغمي عليّ من الصدمة. لكن بما أنه ابن جلالتك، فسيكون جريئًا.”
ابتسم هيليو بارتباك:
“هراء، لو كان مثلكِ، فسيكون جريئًا لدرجة أن يلعب فوق رأسي.”
لم تستطع منع قلبها من الخفقان حين تخيلت طفلها يمرح يومًا فوق كتفيه.
رفعت شعره الأشقر وقبّلته بخفة، فاتسعت عيناه ثم طوق خصرها بعناقٍ حار. لكنه ما لبث أن تصلّب، ملامحه تفيض قلقًا رقيقًا، قلقًا لم يزده إلا وسامة.
طبع قبلة رقيقة على جبينها وهمس:
“بما أنكِ قبلتِ، سأبدأ التحضير لتتويجك. لن أجعل الأمر ناقصًا، لكن من الصعب احتمال مراسم عظيمة وأنتِ تحملين طفلنا. لذلك سنقيم التتويج الرسمي بعد الولادة.”
كان واثقًا أن الطفل سيولد سالمًا. وهي أيضًا لم تفكر يومًا في خسارته، فأومأت برأسها.
“سأعلن للناس أنكِ إمبراطورة منذ الآن. لأكمم أفواه من يتهمونني بالإفراط في حبكِ.”
ثم تردّد، وسأل باضطراب:
“هل قسوتُ بكلامي على الطفل؟”
ابتسمت:
“ربما قليلًا؟”
تنهد مبتسمًا، وكأن الفرح يفيض من عينيه، فقد كان واضحًا أنه ينتظر الطفل بشغفٍ يتجاوز مجرد وريث.
رفعها بحذر بين ذراعيه،
“أتمنى أن يأتي قريبًا، لا أريدكِ أن تتألمي طويلًا، وأريد أن أرحب بكِ كإمبراطورة قلبي في أقرب وقت.”
لم تستطع إخفاء ابتسامتها وهي تعانقه، وأسندت رأسها على صدره وهمست
“أنا بالفعل رفيقتك يا جلالتك… فلا تتعجل.”
شعرت أن هذا اليوم سيُحفر في قلبها إلى الأبد.
السماء صافية، والهواء معتدل، وهو، بجمال إشراق الشمس، واقف بين الورود المتفتحة. لن تنسى لِيليانا أبدًا تلك القبلة التي نقش بها عهدًا على ظهر يدها.
لكنها كانت تدرك أيضًا أن معركتها مع القدر بدأت للتو.
بعد أيام قليلة، أعلن هيليو رسميًا أن لِيليانا ستكون إمبراطورة. وكما توقّع، أثار الأمر ضجة، لكن بما أن الدوق لم يعترض، خمدت المعارضة.
تدفقت العائلات معلنة ولاءها لها، غير أن سيرجي كان الأشد إزعاجًا.
فقد جاء مسرعًا إلى قصر أريس، وجثا أمامها قائلًا:
“سيرجي ويليم، يحيي جلالة الإمبراطورة.”
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 132"