حين استيقظت لِيليانا من نومها، وجدت أَغْرينا تغفو بجانب السرير، وقد غطّى التعب ملامحها. مدت لِيليانا يدها برفق لتقبض على يدها.
“آه! يا إلهي، سموّكِ. أعتذر.”
أفاقت أَغْرينا فزعة، معتدلة في جلستها. غير أنّ لِيليانا ضحكت بهدوء وهزّت رأسها.
“أرهقتِ كثيرًا بسببي، أليس كذلك؟ لمَ لا تذهبين لترتاحي قليلًا؟”
لكن أَغْرينا لوّحت بيديها نافية.
“لا، ليس سموّكِ سبب تعبي.”
كان في عبارتها ما أثار شكًّا في نفس لِيليانا، فلم تستطع أن تتركها تمرّ هكذا.
“إن لم يكن بسببي، فمَن إذًا؟ هل يجرؤ أحد على مضايقة وصيفة الملكة؟”
ارتسمت على وجهها ملامح العزم، وكأنها تستعدّ لتأديب المعتدي، غير أنّ أَغْرينا زفرت تنهيدة طويلة دالّة على أن الأمر أعقد مما تظن.
“إنه جلالتُه.”
“جلالته؟! أكان يضايقك وأنا نائمة؟”
“نعم. لقد استجوبني طويلًا عن حبوب منع الحمل الخاصة بسموّكِ.”
“حقًا؟ لقد عانيتِ إذًا.”
قالتها لِيليانا بصوتٍ مواسٍ، وإن لم يَخلُ من البرود. فهي، رغم علمها العقلي بمدى قسوة هيليو مع الآخرين، لم تستوعب ذلك تمامًا بقلبها.
أَغْرينا أطلقت تنهيدة أخرى، ثم نقلت ما أوصاها به الإمبراطور:
“جلالته أمرني أن أكتم خبر الحمل عن السيدة ريستون.”
“…لماذا؟”
“ألِمثل سموّكِ تسأل عن ذلك؟ لأن السيدة ريستون هي من تتولى توزيع حبوب منع الحمل، فيظنّ جلالته أنه ربما عبث أحدهم بها.”
“مستحيل أن تكون هي.”
قالتها لِيليانا بيقين، بينما بدا أنّ أَغْرينا لا تزال تميل للتحوّط.
“وأنا أيضًا أعتقد أن السيدة ريستون تحب سموّكِ. لكن لا تنسي أنها فقدت ابنتها بسبب دوق غابرييل، وهي امرأة تغلي بروح الانتقام. ثم إن حمل سموّكِ وأنتِ ملكة ليس أمرًا سيئًا بالضرورة…”
كانت لِيليانا وحدها من تعرف أنّ وجود وريث في ظلّ بقاء بيت غابرييل متماسكًا يزيد احتمالية فقدان الطفل. ومع ذلك، لم تُرد أن تصدّق أنّ السيدة ريستون، التي كانت لها كالأم، يمكن أن تخونها بتغيير الدواء من دون استشارتها.
خفضت رأسها، لكن أَغْرينا شدّت على يدها بثبات.
“سموّكِ، لا أحد يجزم بأنها المذنبة. إن تحقّقنا من كل دواء يصلنا منها بعد الآن، فسرعان ما ستُبرَّأ من الشبهة.”
“أهذا ما قاله جلالته؟”
“نعم.”
“حسنًا إذن. لنقل إننا نفعل ذلك فقط لطمأنته.”
لم يكن في قلب لِيليانا راحة، لكنها قررت أن تمتثل لرغبة هيليو مؤقتًا، ريثما يتضح الأمر. وما إن يُرفع الظنّ عن السيدة ريستون حتى تُبشَّر هي بخبر الحمل كما تستحقّ.
اعتدلت جالسة تحتضن وسادتها، وعيناها معلّقتان بنافذة تُطلّ على بستانٍ تتفتح فيه أزهار الربيع. راحت تتخيل ردّة فعل سيدتها العزيزة.
“ستفرح حتمًا… وإن كانت ستغمرني بالقلق أيضًا. تُرى، إن كانت المولودة فتاة أخرى، فهل أستطيع أن أسألها أن نسمّيها كارولين؟”
كانت تلك التصوّرات كافية لأن ترتسم على محياها ابتسامة يغلب فيها الشوق والبهجة على القلق.
❈❈❈
انتظر كيروكَا طويلًا خبرًا من بايِل، وانتظر حتى نفد صبره.
ذلك الحقير لم يكن يعنيه التحقيق أصلًا، بل يعبث فقط بفصيلته من الفرسان، حتى اضطر كيروكَا إلى استدعائه وكسر بعض القوارير أمامه، وحينها فقط جاء بالنتيجة.
‘ اللعنة، هذا الحثالة لا يفهم إلا بلغة القسوة كالوحوش.’
ارتجفت قدماه بعصبية وهو ينصت إلى شرح بايِل.
“يقولون إنّ الكونت إيرميل دفع ثلاثين مليون غولد لشركة رينيا التجارية ليستأجرَ ساحرًا روحيًّا.”
“ساحر أرواح؟ ولماذا يحتاج إليه؟”
“هل بلغ مسامعك أنّ أصغر بنات بيت إيرميل لم تخرج من القصر قط؟”
لم يكن كيروكَا قد سمع حتى باسم هذه العائلة إلّا مؤخرًا، لكن عماه عن مجتمع النبلاء كان عقدته، ولم يكن ليتحمل الاعتراف بجهله.
“وكيف أجهل ذلك؟”
“اتضح أنّ تلك الابنة مريضة بداءٍ غامض ألزمها الفراش. والكونت إيرميل، وقد سمع أنّ السحرة الروحيين قادرون على شفاء جميع العلل، قَبِل بالمقامرة. وأنت تعلم أنّ شركة رينيا مشهورة بخبرتها في الأرواح.”
“……ثم ماذا؟ هل نفع ذلك؟”
“لا أدري بدقة، لكن يقال إنّ ابنة الكونت ستظهر هذا العام لأول مرة في صالونات العاصمة. ربما لم تُشفَ تمامًا، لكنها باتت قادرة على مغادرة بيتها.”
ما إن سمع كيروكَا ذلك حتى لم يتمالك نفسه، فأخرج من ماله الخاص ثلاثين مليون غولد ودفعها لبايِل.
لم يكن المبلغ هينًا على رجل مثله، خامد في ركنه لا يحرك ساكنًا. ومع ذلك سلّمه طوعًا، إشارةٌ دامغة أنّه وقع في الشَّراكة.
ومع هذا، ظل بايِل صامتًا لا يوافيه بشيء فترةً طويلة، حتى أوشك كيروكَا أن يشكّ في تعرّضه للخداع، غير أنّه كتم خوفه من أن يُسخر منه لجهله بأمور الدنيا.
وأخيرًا جاء بايِل بالبشرى ، لقد أحضر الساحر الروحي. فقفز كيروكَا فرحًا.
“أدخِله فورًا! حالًا!”
قالها ممتلئًا بالطمأنينة والحبور.
وإذا بالساحر الذي أحضره هو نفسه الذي التقت به لِيليانا من قبل ، ساحر الظلام، أبرَا.
“هذا هو ساحر الظلام، أبرَا.”
حدّق كيروكَا فيه بإعجاب. كان بايِل قد وصفه بشيخٍ طاعن في السن يتجاوز الثمانين، لكنه بدا متماسكًا، أقرب في عمره إلى والد كيروكَا، دوق غابرييل.
“يُقال إنّ السحرة الأقوياء يُبطئون سير أعمارهم… أحسنت يا بايِل.”
ابتسم أبرَا ابتسامة وادعة وقال: “أرواح الظلام لا تتحرج من حمل أي دنس، ولذلك يمكنها أن تحتضن أمراض البشر وتنزعها.”
أما بايِل فظلّ بارد الملامح، لكنه أُعجب في سرّه بلباقة أبرَا.
“وبالأخص أمراضك، أيها السيّد، التي لم يجد لها الأطباء تفسيرًا… كثيرًا ما تكون بقايا من عالَم الأرواح التصقت بالجسد. لذا فالظلام وحده قادر على اجتثاثها.”
“عالَم الأرواح؟”
“أجل. ليس هذا العالم وحده قائمًا، بل عوالم عدة. والأرواح المولودة في ذلك العالَم تجوب كل الأكوان.”
“هممم… لعلّي سمعت بمثل ذلك.”
وبينما كان أبرَا يمزج الحق بالباطل بدهاء، انقاد كيروكَا إلى تصديقه شيئًا فشيئًا.
ثم استدعى أبرَا روحًا مظلمة ليُجرّبها على جسد كيروكَا.
“……كأنّ طنين أذني قد خفّ فعلًا. لكن لا أكثر.”
“وكيف ينفصل ما التصق طويلًا دفعةً واحدة؟ واظب على لقائي، وتناول هذا الدواء، وستنهض معافًى قريبًا.”
“وما هذا الدواء؟”
“قوة الظلام مضغوطة في شكل حبوب. تدخل جسدك فتمتص كل ما يضرك.”
رمق كيروكَا القارورة بلمحة، ثم ابتلع حبّة دون تردد.
ولم يبدُ أثر فوري. فتأفف قليلًا، غير أنّه رأى في ذلك بصيص رجاء، على الأقل أفضل من عبث الأطباء السالفين.
“هل سأُشفى تمامًا؟”
“ذلك رهن بإرادتك.”
“الإرادة! هراء. إرادتي تُقاس بالمال. إن شُفيتُ، منحتك ثلاثين مليون غولد أخرى، فوق نصيبك هذا.”
اكتفى أبرَا بابتسامة هادئة: “ممتنّ لك، يا سيّدي. ألقاك لاحقًا.”
وغادر كما جاء، بلا طمع ولا تلهّف، فازداد قلق كيروكَا.
وما إن همّ بالكلام، حتى شعر بوضوح مفاجئ في بصره وكأنّ الدواء يؤتي أُكله. فنهض يذرع الغرفة ضاحكًا بصوتٍ عالٍ.
“يا للعجب! إنّه فعّال حقًا!”
قبض على القارورة ضاحكًا ضحكات مهووسة.
“لم يقل إن عليّ الاكتفاء بحبّة واحدة… والمال وفير!”
فابتلع أخرى، وفاضت الحيوية في جسده.
“اللعنة! لم أشعر بهذه الفحولة منذ دهر! هاتوا الشراب!”
فهرعت الخادمات بالخمور، بينما كان أبرَا يتأمل من بعيد متمتمًا: “ليس هذا ممن يستحق الشفقة.”
فأجابه بايِل: “الظلام يضمّ كل شيء. وحين يموت هذا، لن يعود يقترف الإثم، وسيساعده ملك الظلام على التكفير… إلى الأبد.”
“ذاك جيد.”
ثم صرف بايِل أبرَا وكتب إلى لِيليانا سرًّا:
[ كيروكَا يثق بأبرَا ثقةً عمياء. كما أنّ الدواء الذي أوصلتيه قد نال رضاه، وسيتناوله دوريًّا. على هذا النحو، فلن يعجز عن حضور حفلك. ]
كان ما أعدّته لِيليانا في الحقيقة ليس دواءً، بل “ديويسِن” ــ منبّه يُستعمل طبيًّا، لكنه يتحول إلى سمّ قاتل عند سوء الاستخدام.
لا يشفي الداء، بل يخدّر الألم، ويستنزف ما تبقّى من طاقة الجسد حتى يتوهّم صاحبه أنّه تعافى.
وهكذا، كان هجوم لِيليانا الأوّل ، ضرب أوهن مواضع بيت غابرييل، رويدًا رويدًا.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 123"