عادت ليليانا إلى القصر الإمبراطوري بعد أن جاوز المساءُ عتبته قليلًا. كان الربيع في أوج ازدهاره، والنهار قد طال، لكن السماء الملبدة بالظلال أوحت لها أنّ الوقت قد تأخر أكثر مما ظنّت. وما اعتادت أن يبدأ وقت الإمبراطور والإمبراطورة إلّا من هذه الساعة فصاعدًا.
ما إن خطت إلى القصر حتى أصلحت من هيئتها في عجالة، ثم قصدت جناح الإمبراطور. لقد أنهكها التجوال طوال النهار، غير أنّ بشارة الحمل التي رغبت أن تهمس بها في أذن هيليو كانت كفيلة بأن تبعث في أوصالها حياة جديدة.
لكن ما واجهها كان على غير حسابها
“معذرة، جلالتك. إنّ جلالة الإمبراطور غير موجود في القصر الآن.”
تجمدت خطواتها. لم تسمع قطّ عن نية خروجه اليوم.
“ألم يُصرّح لكم بمكان ذهابه؟”
أجاب رئيس الخدم وهو ينحني بعمق: “أستميحك عذرًا، لم يخبرني بشيء.”
أيعقل أنّه خرج من القصر سرًّا؟ خطر لها خاطر، فتوقفت، ثم التفتت فجأة:
“هل استدعى اللورد فيرين؟”
كانت تسأل عن قائد الفيلق الثالث. ظهر على محيّا الخادم دهشة، لكنّه ما لبث أن طأطأ رأسه ثانية.
“نعم، لقد استدعاه مع الفجر… ثم سرعان ما صرفه.”
للوهلة الأولى، لم يكن في الأمر ما يثير الريبة، لكن قلب ليليانا استوثق: لا شك أنّ هيليو توجّه إلى السجن المخبّأ تحت الحديقة المهجورة.
“اليوم لا يسعفني الحظ…” همست، ثم وضعت كفها برفق على بطنها. لم ترغب أن تُدنّي جنينها، الذي لم يتكوّن له شكل بعد، من رطوبة الزنازين الكئيبة ولا من رهبتها. كما أنّ الانتظار لساعة متأخرة لم يعد ممكنًا.
اقتربت من رئيس الخدم وقالت بهدوء: “إذن، بلّغ جلالته أنني جئتُ للقائه… وأني أرغب أن أراه في أقرب وقت.”
“حتمًا، جلالتك. سيسعده سماع ذلك.”
ابتسمت ابتسامة رقيقة ثم توجهت إلى جناحها في قصر أريس. كانت تعلم أنّه سيغيب طويلًا؛ فزيارة ذلك المكان لا تكون إلا لأمر جلل، وغالب الظن أنّه لن يعود حتى الفجر. لذا لم يعد هناك رجاء لرؤيته الليلة.
“لقد أرهقني اليوم… عليّ أن أخلد للنوم.”
تناولت عشاءً خفيفًا، ثم استسلمت للفراش، وجاءها النوم سريعًا.
“يا للعجب… كتاب جميل!”
مدّت يدها تلتقط كتابًا كان يطفو أمامها في الفراغ. على غلافه صورة لطفلة بديعة الملامح كقطعة حلوى قطنية.
وبينما كانت تلامس الغلاف، اتسعت عيناها دهشة؛ إذ كان العنوان: < الأميرة الوردية لا تُترك أبدًا >
إنه ذات الكتاب الذي يشكّل نواة العالم الذي تكابد العيش فيه الآن!
شدّت خصلة من شعرها تتفحص لونها. كان ورديًّا بهيًّا كما عهدت، مما يعني أنها ما زالت ليليانا. لكن وجود هذا الكتاب بين يديها لم يكن إلا برهانًا على أنها تحلم.
“ما أغرب هذا الحلم.”
لمّا أدركت أنه حلم، تنبّهت إلى خواء ما حولها؛ فضاء أبيض، لا شيء فيه سوى هي والكتاب. لم يكن هناك ما يبعث على الخوف، لذا شرعت تقلّب صفحاته.
“همم… كلها بيضاء.”
كان ضخمًا، لكن أوراقه بيضاء قفراء. غير أنّها بين الحين والآخر تجد صفحة عليها كتابة.
「قيل إن أمي ماتت حين أنجبتني. كانت أميرة من مملكة صغيرة تُدعى نيتا. كان موكب جنازتها مهيبًا، غير أنّ أحدًا لم يذرف دمعة واحدة. فهل يُنتظر من ابنة إمبراطورة وحيدة كهذه أن تنال حظوة؟」
ابتسمت بخفوت: “إنها قصتي أنا.”
كان ذلك شرحًا لعالم القصة على لسان ليليت حين تجسدت فيها. عندها أدركت كم كانت تلك الطفلة منبوذة وهشة.
واصلت تقليب الصفحات حتى ظهرت حوارات قصيرة:
「 “والدي.” “كم مرة قلتُ لكِ أن تناديني بابا؟.”
“بابا… كيف كانت أمي؟”
“امرأة صغيرة وضعيفة… لكن عينيها لا تُنسى.”
“عينيها؟”
“نعم، كانتا مملوءتين بعزم لا يلين. أجل… هكذا كانت.”
وعندما استعاد ذكراها، بدت عيناه خاويتين، كأن الوحدة أطبقت عليه. لم أظن قطّ أنّ أمي كان لها موضع في قلبه، فإذا بي أكتشف العكس.」
تمتمت ليليانا بدهشة: “أكان هذا موجودًا أصلًا؟”
فقد كانت تعتقد أن ذكر والدة ليليت في القصة أمر ثانوي لا يؤبه له، وأن هيليو الأصلي لم يكن ليحفظ شيئًا عن ليليانا.
لكن ما نفع ذلك؟ فالـليليانا التي في الأصل ماتت، ولم تترك أثرًا في حياتهم.
أكملت تقليب الصفحات، لكنها لم تجد سوى فراغ أبيض بعدها. بدا أن الكتاب يسرد فقط ما يخص ليليانا في القصة الأصلية، وكم كان حضورها ضئيلًا!
“ها قد بلغتُ الصفحة الأخيرة.”
أطبقت الكتاب دفعة واحدة، صدى الصوت يتردد في الفراغ. راودها شعور بأنها تود الاستيقاظ من هذا الحلم العقيم…
“أتظنين حقًا أن هذه هي النهاية؟”
رنّ صوت طفولي رقيق فوق رأسها. رفعت وجهها مرتاعة؛ إذ لم يكن يفترض أن يكون معها أحد.
هناك، أمام عينيها، وقفت طفلة لا يشوبها سوى الجمال… وكان شعرها وعيناها باللون الوردي ذاته الذي يميز ليليانا.
“أنتِ…”
لم يكن بإمكان لِيليانا ألا تعرف تلك الطفلة. كانت نسخة مصغّرة من طفولتها، تشبهها حدَّ الذهول، ومع ذلك لم تكن مطابقة تمامًا.
“ليليت.”
ابتسمت ليليت ابتسامة صغيرة كأنها تؤكد صواب ما قالته لِيليانا. كان منظرها، وهي تضم يديها خلف ظهرها، طفوليًّا بديعًا، وفي الوقت نفسه، يفيض وقارًا وكأنها تحمل سرًّا أزليًا. ذلك التناقض جعلها تبدو بالفعل بطلةً في حكاية تنشئةٍ مؤثرة.
وأمام ارتباك لِيليانا، لم تفعل ليليت سوى أن رفعت إصبعها الصغير مشيرةً إلى الكتاب.
“تلك ليست النهاية.”
خفضت لِيليانا رأسها نحو الكتاب.
“لكن، حسبما أعلم، هذه هي النهاية.”
في خاتمة ذلك الكتاب، تحيا ليليت سعادة خالصة. تتجاوز كل المحن برفقة من تحب ومن يحبّها. يُسلِّم هيليو العرش من أجل ابنته العزيزة، ويبايعها البطل الوسيم الذكي حبًّا ووفاءً ليكون سندها الأقوى.
هكذا ينتهي كل شيء… نهاية سعيدة.
لكن ليليت هزّت رأسها نفيًا.
“فكِّري جيدًا. أنا عشتُ بعد ذلك أيضًا. كوَّنت صداقات جديدة، وكابدت معاناة حين اشتعلت الحروب. حين وُلد طفلي الأول بكيتُ من الفرح، وحين فارق أبي الحياة بكيتُ من الحزن. هكذا واصلتُ… واصلتُ العيش حتى آخر أنفاسي.”
كانت عيناها الدافئتان تشعّان حنينًا وهي تسترجع ذكرياتها.
“رغم كل شيء، كانت حياةً سعيدة. سعيدة لدرجة أنني شعرت أنني أسعد إنسانة في الدنيا. لذا، قبل أن تنتهي سنواتي، توسّلت إلى الأرواح.”
“أي توسّل…؟ أيمكن أن تكوني تمنيّتِ أن تعيشي تلك الحياة مجددًا؟”
هل هذا سبب إعادة تكرار أحداث الكتاب؟ إن كانت ليليت قد أحبت حياتها إلى حد استعارة قوة الأرواح لإرجاع الزمن، فالأمر يبدو معقولًا.
لِيليانا، وقد استبدّ بها الفضول، حدّقت إلى ابنتها بشوق تنتظر الجواب.
لكن لِيريت لم تُجب، بل ارتمت على صدرها واحتضنتها بقوة.
“أمّي… شكرًا لأنكِ أنجبتِني. ثم…”
لم تكمل. إذ فجأةً بدأ فضاء الحلم يتداعى من حولهما.
“ليليت! انتظري، ليليت!”
صرخت لِيليانا بمرارة، لكن ابتسامة لِيريت الموشّحة بالضباب أخذت تبتعد شيئًا فشيئًا. مدّت يدها محاولةً الإمساك بيد ابنتها الصغيرة.
غير أنّ يدًا كبيرة أمسكت بمعصمها وأوقفتها. وفي اللحظة التالية، تلاشت ليليت في ضوءٍ ساطع.
“لِيل… ليليت…”
نادتها لِيليانا من جديد بقلبٍ منكسر، لكن لم يكن لذلك أثر.
تنفست بعمق وقد أثقلها الخذلان، وإذا باليد الكبيرة التي تمسك يدها تشدّ قبضتها أكثر، وتتشابك أصابعها بأصابعها في إحكام.
“ليلي.”
ليلي… لم يكن هناك سوى رجلٍ واحدٍ يناديها بهذا اللقب.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 121"