الأميرة لوسيا تولّت جميع الأعمال التي كان ينبغي على ليليانا إنجازها في بضعة أيّام. لقد فعلت ذلك بدافع المحبة، لتتيح لها قضاء وقت هادئ مع أمّها.
أرسلت ليليانا وصيفتها مرارًا ترجوهَا أن تعيد إليها المهام، لكنّ تصميم الأميرة لوسيا كان صلبًا، فما كان من ليليانا في النهاية إلّا أن تبعث لها هدية شكر متواضعة.
ولم يجرؤ أحد في القصر على أن يكدّر صفو أيّامها مع ماريين. حتى هيليو نفسه هدّد صراحة أن دخول قصر الزمرد، في تلك المدّة، لا يتمّ إلّا بإذنه.
وهكذا انقضت الأيّام المليئة بالسكون والدفء، حتى أطلّ آخر يوم لهما في قصر الزمرد. في الغد ستنتقل إقامتها إلى قصر أريس، وكان المكان قد بدأ يخلو وتعمّه حركة الرحيل.
سارت ليليانا ممسكةً بيد أمّها في رواق طويل، حتى وقفتا أمام نافذة أُحكم تزيينها بالزهور والستائر الملوّنة. هناك مرّرت أصابعها على حافة النافذة ،
“لقد أقامت هنا روح صغيرة فاتنة. وبسبب تقصيري ابتعدت عنّي، لكنني واثقة بأنني سألتقيها مجدّدًا.”
وراحت تروي لماريين قصة “تشو تشو”، الروح الذي أحبّتها. فضمّت الأم ابنتها إلى صدرها، تمسح ألمها بكلمات المواساة.
ثم تركت ليليانا على النافذة رسالة صغيرة: أخبرتها فيها أنها ستغادر إلى قصر أريس، وأنها متى شاءت يمكنها العودة إليها. وكانت الرسالة مرسومة بخريطة بسيطة كخربشات الأطفال، تفيض عذوبة ومرحًا.
❈❈❈
مضت خمسة عشر يومًا منذ أن استقرّت ليليانا في قصر أريس. وكانت كلّ يوم تمدّ يدها من النافذة، فتجمع شيئًا من نسيم الربيع الدافئ الذي بدأ يقترب، لعلّه يجلب إليها أرواح الرياح. وهكذا، ما إن تهزّ يدها حتى تهبط على راحتها أرواح لم ترها من قبل.
“مرحبًا. لقد مضى زمن طويل منذ التقيت بأرواح الرياح.”
ابتسمت وهي تحدّث روحًا يشبه “تشو تشو” لكنّه لم يكن هو.
تنهدت ليليانا وهي تغلق كفّها الفارغ، ثم أسندت ذقنها على النافذة. صحيح أنّ الربيع كان يبعث البهجة، لكنّها شعرت بالقلق من اقتراب موعد “حفل الظهور الأول للملكة”، أعظم مناسبات السنة في البلاط الإمبراطوري.
كان على الحفل أن يجمع بين الأبهة الملكية ورونق الربيع العذب. وفوق ذلك، تقرّر أن يُكشف فيه عن أخبار تخصّ الأراضي التي ستصبح سلة غذاء جديدة للإمبراطورية.
وكانت أعين “تجار رينيا” تتركّز الآن على “هوستلِن”، وهي منطقة بعيدة في الغرب. وقد أُغرقت أرضها بأحجار الأرواح لتُحيى بسرعة، حتى أزهرت باكرًا أولى زهور الربيع.
قرّرت ليليانا أن تبدأ بزراعة الذرة هناك. فهي نبات شديد التحمل، يصلح غذاءً للبشر والماشية معًا. ولهذا استقدمت جماعات من الفلّاحين ليستقرّوا في تلك الأنحاء ويهيّئوها للحرث.
أما الحقول الكبرى القائمة أصلًا، كإقليم “سيفر”، فكانت ملكًا لدوق غابرييل، وتقع شرق البلاد. وكان ذلك يرهق سكان الغرب، إذ يجبرهم على شراء القمح بأسعار مرتفعة. فإذا ما ازدهرت هوستلِن، واستُغلّت بأسعار عادلة، فلن تبقى حاجة للتعامل مع الشرق.
“الذرة…” همست ليليانا. “ليتَها تنمو كما أرجو.”
“أتشتهين أكل الذرة؟”
التفتت فزعة، لترى هيليو متكئًا على باب مفتوح، يتأمّلها بابتسامة.
“ما الذي يشغلك حتى لم تشعري بقدومي؟”
“ألستَ أنت من يتسلّل كالشبح؟”
“بل أنتِ من غرقتِ في أحلام الذرة.”
اقترب منها بخطوات هادئة، فانسحبت نحو الجدار بعينين متحفّزتين.
“لماذا تأتي هكذا فجأة كل مرّة؟”
“لأرى ما تفعلين حين أكون بعيدًا.”
“لكنّك تعلم كل شيء من تقارير مينيلي!”
“وهنا تكمن المشكلة. إنها تحكي عنك كل يوم، فأشتاق إلى أن أراك بعيني.”
كان بعد أن سمّى مشاعره “حبًّا”، أكثر جرأة من ذي قبل، إذ لم يعد يجد سببًا ليكبحها.
أما ليليانا فأشاحت وجهها تخفي حمرة وجنتيها.
“لكن… على الأقل أخبرني بقدومك مسبقًا، حتى أتهيأ… ربما أتجمّل قليلًا.”
“ولِمَ تتزيّنين أنتِ؟ ينبغي أن أفعل أنا ذلك.”
“ماذا تعني؟”
“ألا ترين؟ إنني أحاول أن أغويكِ. انظري إليّ جيّدًا.”
رفعت رأسها حياءً، فإذا به قد احاطها بين مكتبها والنافذة، مصرًّا أن يقف على مقربة منها. بدا مضحكًا، لكنه في الوقت نفسه شديد الوسامة، بوجهه المنحوت وشعره المصقول، وزرّين من قميصه تركهما عامدًا مفتوحين.
كان ينظر إليها بعينين تتلظّيان رجاءً. فما كان منها إلّا أن غلبها الضحك، فأطلقت ضحكة صغيرة لم تستطع كبحها. عبوس وجهه دلّ على أنّها لم تمنحه ردّ الفعل الذي أراد.
“لماذا أفشل في إغوائك كل مرة؟”
“بمَاذا؟”
“بأن أجعلكِ تقعين في حُبي.”
لكنّها كانت في الحقيقة قد وقعت في حُبه منذ زمن. عرفت الجواب ولم تنطق به، بل اكتفت بالابتسام.
“غيرك من النساء تكفي نظرة واحدة مني ليفقدن توازنهن. أمّا أنتِ، فتقولين في نفسك فقط: آه… إنّه وسيــم لا أكثر.”
“أنا؟!”
“أجل، وهنا عرفت السبب.”
“وما هو؟”
ابتسم بثقة
“لأنكِ أنتِ بنفسك جميلة. ومن يرى الجمال في مرآته لا يدهشه جمال غيره.”
فضحكت ليليانا كثيرًا حتى كادت تختنق من كتمان الضحك، واضطرت لتغطية وجهها بكفّيها. ثم استعاد كلّ منهما سكينته.
ابتسم هيليو وقال فجأة ؛
“ليلي… لنذهب في نزهة.”
“لكن الجو لا يزال باردًا.”
“سمعت أنّ الطقس أصبح ربيعًا في تنز.”
وبالفعل، إذا ما قارناه بالشتاء، فهو أقرب إلى الربيع، ومع ذلك، كان من المبكر جدًا القيام بنزهة.
كانت ليليانا تنوي أن تقول له: “عادةً لا نقوم بالنزهات إلّا في أبريل”، لكنّها لم تستطع رفضه حين لاحظت شوقه الخفي لذلك. فأومأت برأسها مضطرة.
“حسنًا، سيكون لفترة قصيرة فقط. لا نريد أن تصاب بالزكام.”
ابتسم هو مسرّبًا نظره ساخرًا: “ألا يبدو أنّك تتعاملين معي كطفل صغير؟”
ضحكت ليليانا، غمازتها العميقة تظهر على وجنتيها: “أحيانًا، نعم.”
سارت ليليانا وهي تضع يديها خلف ظهرها، ثم توقفت فجأة، ورفعت يدها لتداعب رأس هيليو برفق:
“آه، كم تبدو أنيقًا… لقد ارتديت اليوم ملابس جميلة حقًا.”
كانت كلماتها محاولة شجاعة منها، إذ شعرت بالخجل من قول شيء مثل “أنت رائع” أو “مهيب” أمامه مباشرة، لكنها أرادت أن يسمعها أخيرًا.
ابتسم هيليو باندهاش، ثم ضحك وكأنّه لا يصدق ما يسمع. بعد ذلك، مدّ ذراعيه بسرعة نحو ليليانا، وجذب خصرها إليه. فاضطرت ليليانا، وهي تواصل تدليك رأسه، إلى أن تمسك بكتفه.
انسحبت ليليانا من بين ذراعيه فورًا، وأمرت أغرينا بإعداد كل شيء للنزهة.
رغم رفضها الواضح لمقترح هيليو الماكر، كان قلبها لا يزال ينبض بسرعة.
‘لا، هناك الكثير من الأمور التي يجب إنجازها… أما مع حضرة الإمبراطور، فالليلة ستكون أصعب من أي نزهة.’
استدارت لتواجه هيليو، وإذا به يبدو رائعًا حتى في لحظة الرفض.
حاولت تهدئة قلبها المتلعثم، وقالت ببرود مصطنع:
“إذا لم تأتي، سأقوم بالأمر وحدي. أو يمكن استدعاء أمي أو حضرة الإمبراطورة.”
“مستحيل. لن أدع نساء البلاط يأخذنك عني.”
اقترب بخطوات واثقة ومدّ يده نحوها.
❈❈❈
كانت النزهة في ربيعٍ مبكر قصير ، إذ كان الجو باردًا ولم تستمر فترة جلوسهما طويلًا، حتى مع الشاي الدافئ، فقد برِد سريعًا. ومع ذلك، كان متعة النظر إلى هيليو وهو يجلس على قطعة القماش رافعًا حذائه تستحق كل شيء.
التقط هيليو قطعة من الكعك، وقال بتعليق جاف كما لو كان جنديًا قد تربّى على ميادين القتال منذ صغره:
“وجود جدران وسقف يجعل تناول الطعام بالخارج تصرفًا غريبًا.”
ضحكت ليليانا رغم برودة الشاي، فكانت كلماته تبدو مضحكة بطريقة لا إرادية.
ثم ألقى هيليو معطفه حول كتفها وأضاف بابتسامة صبيانية:
“الأغرب أنني لا أمانع ذلك.”
“معك كل شيء تقريبًا يصبح كذلك.”
حتى ولو لم يلاحظ أحد ما يجري بينهما، كانت ليليانا تعرف أنّه أحنّ الناس وأجملهم طريقةً في التعبير عن مشاعره.
لم تدم النزهة طويلاً، إذ حرص هيليو على صحتها. وعدا بأن يعاودا الأمر في وقت لاحق عندما يشتدّ الربيع.
وفي المساء، وجدت ليليانا على الطاولة أطباقًا مليئة بمأكولات مصنوعة من الذرة، فدهشت من تنوعها وفخامتها. لم تكن تعرف أنّ الذرة يمكن أن تتحول إلى أطباق راقية بهذه الطريقة.
بالرغم من دهشتها، لم يمنعها طعم الطعام اللذيذ من الاستسلام لبعض الغضب تجاه هيليو،
“…أنا لم أكن أرغب بتناول الذرة!”
لكن سرعان ما ذاب غضبها عند أول لقمة، إذ كان الطعم شهيًا لدرجة لم تسمح بالغضب.
وأيقنت أنّه يمكن تقديم الذرة بطرق تجعل الجميع، حتى الفلاحين، يستمتعون بها. فأخذت ليليانا تدوين الملاحظات، منشغلة بتناول الطعام وتحضير تقريرها في الوقت نفسه.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 115"