من البديهي أنّ عقدًا مع ملك الأرواح لم يكن يومًا أمرًا يسيرًا.
فكم من البشر يستطيع أن يعرف موضع ملك الأرواح؟ بل وإن عَرَفه، هل يقدر على لقائه؟ إن أراد ملك الأرواح أن يختفي عن أعين الناس، فلن يجد صعوبة في ذلك.
لكن ليليانا كانت تعرف أسرار الرواية الأصلية، وتعلم كيف عقدت ليليت عهدها مع ملكي الضوء والنار.
أما ملك النار، فقد كان لقاؤه ثمرة عزم ليليت، إذ قطعت البحر وبلغت الأرض التي يفور فيها البركان حتى أبرمت العقد معه. المكان معروف، غير أنّ مقام الإمبراطورة يقيّدها ويجعل بلوغه عسيرًا.
وأما ملك الضوء، فكان مقيمًا داخل حدود الإمبراطورية، لذا وجب أن تُوجّه بصرها نحوه. غير أنّ المشكلة أنّه كان مختفيًا……
ما طلبته لم يكن عسيرًا؛ أن ينقل ليون التمثال الذي استُعمل في مسابقة الصيد العام الماضي ـ تمثال ملك الضوء ـ إلى غابة كيريوس، ثم يضع أمامه كل يوم رسالة مكتوبة بخط ليليانا.
إذ إن ملك الضوء كان يقيم هناك حقًا، وقد فعلت ليليت الأمر نفسه لتستميله إليها. غير أنها استخدمت تمثالًا صغيرًا، لا ذلك التمثال الضخم الذي أرادت ليليانا استغلاله.
“كلّما كبر التمثال كان أوضح للعيون، أليس كذلك؟” قالت ليليانا بخفة، وإن كانت تعلم أن الحجم لا يعني شيئًا لملك الأرواح. ولكن إذا وُجد التمثال، فَلِمَ لا يُستفاد منه؟المهم هو الرسائل.
ملك الضوء كان قد ضاق ذرعًا بالبشر الذين يغرونه بالذهب والجواهر، أو يطاردونه بهوس كالعبّاد. لكن حين جاءته ليليت برسائلها الصغيرة، المكتوبة بخط طفوليّ عذب، أثارت فيه الفضول بلا شك.
أما ليليانا، فلم تكن تثق بقدرتها على كتابة رسائل بريئة كالتي كتبتها ليليت. غير أنّها كانت متيقنة أنّ ملك الضوء، مثل أريا، ما زال يذكر ليليت. وهذا وحده يكفي لتوقظ الحنين في قلبه.
“وما الضير إن جربنا ملك النار كذلك؟” تمتمت.
لم تكن هي ليليت، فلا ضمان أن يستجيب لها ملك الضوء. لذلك بدأت أيضًا بجمع المرتزقة سرًا للرحلة نحو أرض الحمم حيث يقيم ملك النار.
غير أنّ الأمر لم يظل خافيًا طويلًا، فانتشرت الأقاويل:
“لماذا تبحث جلالة الملكة عن ملوك الأرواح؟ أما كانت على صلة وثيقة بملك الماء؟”
“أيعقل أنّها تسعى لأكثر من ذلك؟”
“عقدٌ مع ملكين من ملوك الأرواح! لم أسمع بمثل هذا قط!”
“بل كان يحدث قبل مئات السنين.”
“إذن نحن سعداء الحظ أن وُجدت مثل هذه السيدة في إمبراطوريتنا!”
وتناقل آخرون: “أتدرون؟ لقد ظهر حديثًا مجمع تجاري أنشأ أكاديمية جديدة، تقبل الطلبة دون اعتبار لنسبهم. ومن وُلد وفيه بذرة الأرواح، فدراسته تكون مجّانًا!”
جلست ليليانا في مكتبها، تتابع كل شائعة تصلها، حتى تلك التي في صحف العامة الرخيصة. فهي تنفع في مثل هذا، إذ تكشف عمّا يهتم به الناس ويغضبهم ويفرحهم.
وكانت أمواج الرأي العام تتجه إليها شيئًا فشيئًا. فمنذ أن أُهين الدوق غابرييل علنًا، قلّ نفوذُه حتى بين النبلاء. كثير منهم تخلوا عن مشاريعه وسعوا بدلًا من ذلك إلى عرض مشاريع جديدة على ليليانا.
كلها أخبار سارّة، ومع ذلك لم يكن وجهها بشوشًا.
ففي الرواية الأصلية، ما إن مرّ عشرة أيام على رسائل ليليت حتى ظهر أمام التمثال خطاب ذهبي من ملك الضوء. أمّا الآن، فلم تصل ليليانا أي إجابة.
فسألت أَغْرينا بابتسامة متكلفة: “أليس عند ليون أي خبر آخر؟”
“لا يا جلالتك. لكنه رجل صادق، وإن وجد خبرًا سارًا سيبلغنا في الحال.”
“صحيح، هذا مطمئن.”
وكان فريق المرتزقة الذاهب إلى أرض الحمم قد أوشك على الاكتمال، فلم يزل لديها أمل.
ومع ذلك، لم يرضها أن تقبع في انتظار عقيم. فقامت لتتفقد قصر “أريس” الذي شارف على الاكتمال، ولم يبقَ سوى إتمام الزخارف الداخلية.
لكن ما إن همّت بالذهاب، حتى دوّى في أذنها وقع كعوبٍ مسرعة في الممر. اجتاحها شعور مشؤوم.
طرق الباب، ودخلت مينيلي مسرعة، وجهها مضطرب، ولسانها متردّد لا يجد سبيلًا إلى الكلام.
“ما الأمر؟”
“إنه… الأمر أنّ…”
“تكلّمي! صمتكِ يزيد خوفي.”
اشتدّ وجه ليليانا، فقد تعلّمت أنّ المصائب تأتي مجتمعة. بعد أن فُقد تشوتشو، ماذا يمكن أن يحدث بعد؟
ابتلعت مينيلي ريقها وقالت بحذر: “كما تعلمين، غادرت الكونتيسة ماريين بالأمس إلى إمبراطورية كارلو. لكنها ما كادت تبتعد حتى هاجمها قطاع الطرق.”
شحب وجه ليليانا حتى غدا كالجليد، وترنحت وقد أثقلتها الأنباء، فقد أنهكها بحثها المتواصل في أمر ملوك الأرواح.
“جلالتك! انتبهي!”
سارعت أَغْرينا إلى إسناد ليليانا حين اضطرب جسدها، غير أنّ الأخيرة هزّت رأسها رافضة، ثم اعتدلت في وقفتها بثبات.
“أمي…… هل أصيبت السيّدة إصابة بالغة؟”
فأتمّت مينيلي تقريرها، وعلى وجهها قلق لا يخفى: “لقد جُرحت بالفعل، لكنها اتجهت فورًا إلى مملكة نييتا لتتلقى العلاج. المسافة ليست بعيدة، لذا قالوا إن الأمر لن يكون خطيرًا. كما أنها وعدت باستئناف رحلتها بعد أيام قليلة.”
فصاحت ليليانا، غضبًا ووجلًا معًا: “كيف تفكر في متابعة الرحلة بجسد جريح إلى ذلك البعد!”
“إنّ عزيمتها صلبة، يا جلالتكِ. الكونتيسة تصرّ على أن تأتي.”
لم يكن الشوق وليد قلب ليليانا وحدها؛ بل إنّ الكونتيسة ماريين أيضًا كانت متلهفة للقائها، حتى وهي مثخنة بالجراح، مصممة على المضي في الطريق.
غطّت ليليانا جبينها بكفّها، تغرق في أفكارها السوداء. قبل أيام فقط، لمّا بلغها خبر قدوم أمها، شعرت أنّ الدنيا لا تسع فرحتها. فلماذا إذن ينقلب كل شيء خرابًا؟ ألن تلتقي بها إلى الأبد؟ وإن أصاب أمها مكروه كذلك……؟
بدأت الظنون المظلمة تخنق عقلها.
“جلالتكِ… هل أنتي بخير؟” جاء صوت أَغْرينا مرتجفًا بالقلق. لم يكن لها نفع مباشر من أمر والدتها الكونتيسة، لكنها مع ذلك أظهرت حرصًا صادقًا.
وحين التفتت ليليانا، رأت أنّ ملامح مينيلي لا تقل قلقًا.
“ما الذي أفعله بي أنا الآن…….” تمتمت بابتسامة ساخرة، ثم فجأة رفعت رأسها وصفعت خديها بكلتا راحتيها حتى دوّى الصوت.
“جلالتك!” صاحت مينيلي مذعورة.
لكن ليليانا انتصبت شامخة، وأطلقت ضحكة متكلفة، وقالت بصوتٍ مملوء بالإصرار: “أنا بخير. مسؤوليتي عن الناس كثيرة، ولا يليق بي أن أنهزم أمام بضع نوازل.”
أخذت نفسًا عميقًا، وأطلقت زفيرًا طويلًا، ثم قالت: “أمي ضيفة القصر الإمبراطوري، ولها حق الأمان. عليّ أن أطلب من جلالته أن يعيرني جزءًا من الفرقة الثالثة من الفرسان. سيرافقون ليون إلى مملكة نييتا ليحرسوا أمي.”
“وماذا عن غابة كيريوس إذن؟”
“سأذهب بنفسي.”
لقد تبيّن لها أن ملك الضوء لن يظهر برسائل تُلقى أمام تمثال، وربما كان قد أدرك حيلتها في إثارة ذكريات ليليت.
لذا أسرعت إلى هيليو، تطلب منه أن يعهد إلى الفرقة الثالثة بحماية الكونتيسة. ولم يكن يهمها إن حصلت على الفرقة كاملة أو على جزء صغير منها، فما دام موكبها يحمل راية الإمبراطورية، فلن يجسر لصّ على اعتراضه.
وبفضل تعاون هيليو، حصلت على بعض من رجال الفرقة، ثم تهيأت بنفسها للذهاب إلى غابة كيريوس.
لكن قبل أن تبدأ رحلتها، عاد ليون ـ الذي كان قد وعد بالعودة اليوم ـ وجثا على ركبتيه أمامها، وقدّم إليها رسالة ذهبية.
“لقد وُجدت أمام تمثال ملك الضوء.”
أمسكتها ليليانا على الفور، يملؤها الأمل أن تجد فيها موعدًا ومكانًا للقائه. فتحتها مسرعة، فإذا بالسطور تقول:
「إن ساعدتُك، فسيغضب مني الماء والظلام. وأنا ضعيف لا أقوى على ذلك. لكن لا تقلقي، سأحرص على أن تبقى روحكِ الصغيرة سالمةً مطمئنة.」
اشتعل قلبها غيظًا حتى كادت تلقي الرسالة أرضًا. لكنها ما لبثت أن تلاشت بين يديها، تتحول إلى غبار ذهبي يذروه الهواء.
“لقد نسيت كم هو مدلّل، ملك الضوء ذاك.” قالت في سخرية يائسة، تحدّق بكفيها الفارغتين. ثم رفعت رأسها بغتة، الصراخ:
“ما من شيء يجري كما أريد!”
ومع ذلك، كانت ثمة راحة خفية في صدرها ، فقد وعد ملك الضوء أن يحمي روحها تشو تشو. إلا أنّها لم ولن تتخلى عنها.
“وماذا عن المرتزقة المتجهين إلى ملك النار؟”
فأجابت مينيلي: “التجمع أوشك على الاكتمال. صورتك بين العامة في أوجهها هذه الأيام، ولذلك أسرع الناس إلى التطوع.”
“جيد. وماذا عن المصنوعات النفيسة التي طلبتُها؟”
كان ملك النار أصلًا لفرسان الإمبراطورية، رجلًا متصلّب الطبع عسير الإقناع. غير أنّه يقدّر التحف التي يصنعها الحرفيون بأرواحهم. ولذلك أوصت على أجودها عند السيدة ريستون والكونت راكل.
فابتسمت أَغْرينا بثقة وقدمت صندوقًا صغيرًا: “وصلت الآن، جلالتك. جربي النظر إليها بنفسك.”
فتحت ليليانا الصندوق بحذر، فإذا فيه تاج متقن من ذهب مرصّع بالياقوت الأحمر، يضاهي في هيبته التيجان الملكية أكثر مما يشبه التيجان الصغيرة. ارتسمت على وجهها ابتسامة رضاء.
“رائع… حتى وإن تشدّد ملك النار، فلن يطيق أن يترك هذا بين يدي غيره.”
وإذ استعادت عزمها، راحت تتحرك بين أرجاء القصر، فتنفّس الخدم الصعداء، وعادوا إلى العمل بنشاط، يطيعون أوامرها بدقة.
ومضت الأيام…… حتى وصلت الكونتيسة ماريين أخيرًا إلى العاصمة الإمبراطورية لكارلو.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 113"