بينما كان هيليو يستمع إلى قصة ليلِيَانا، همس لنفسه بصوت خافت:
‘ هل كانت والدتي كذلك؟ ‘
“ماذا؟”
“لا شيء، على أي حال، يبدو بأنكِ لا تفكرين في إنجاب وريث.”
“نعم… على الرغم من أنني قلتها بشكل مبالغ فيه، لكنني أردت أن أكون صادقة معك، فأنا أعتقد أن السلطة التي قد أكتسِبها بسبب طفل ستكون أقل مما سأخسره بسببه. أريد فقط أن أعيش حياة هادئة، كالميتة.”
ركّزت ليلِيَانا على عبارة “كالميتة” وكأنها تضع قلبها فيها. عند ذلك، قام هيليو بضربة خفيفة على جبهتها، كما لو كان غاضبًا.
“آه!”
“أنتِ لا تترددين في قول ما لا يمكن قوله أمام الإمبراطور.”
“لكن… كُنت قد قلت أنك تفضل عندما أتمرد على كل شيء.”
تمتمت ليلِيَانا بشكوى، لكنها سرعان ما بدأت تلاحظ ردة فعله.
لم تستطع التمييز ما إذا كانت خائفة من الإمبراطور أم لا.
كيف يمكن أن تكون جريئة إلى هذا الحد، وفي نفس الوقت حذرة بهذه الطريقة؟.
ظل هيليو يتفرج بعيون نصف مغلقة ، وهو يراقبها بينما كانت تتردد في الكلام.
بعد فترة، بدأت ليلِيَانا تتحرك ببطء، ثم سألته بحذر:
“لماذا لا تغضب؟”
“على ماذا بالظبط ؟ هل تقصدين لأنكِ قمت بتزييف حادث بقولك أنك لا تريد ضم الإمبراطور؟ أم لأنك قلتي بشكل وقح أنكِ لا تريدين أن تنجبي وريثاً أمام الإمبراطور؟ لا أدري أيهما يجب أن أغضب بسببه.”
“أنا أيضًا.”
ضحك هيليو بصوت عالٍ من جواب ليلِيَانا الواثق، بينما بدا أن ليلِيَانا شعرت ببعض الإحباط. ومع ذلك، إستمرت في الحديث.
“سمعت أنك كنت غاضبًا جداً، ولكن مرة أخرى، أنت تقبل كل ما أفعله، وهذا أمر وقح للغاية.”
كانت ليلِيَانا تدرك تمامًا أنها كانت وقحة. ومع ذلك، شعر هيليو بتوتر مفاجئ.
كان يتساءل عن السبب الذي يجعله يشعر بأن هذه الفتاة الجريئة ليست مزعجة بل على العكس ، بدت لطيفة.
تنهد هيليو وهو يرفع خصلات شعره الأشقر المتدلية عن جبينه.
“أولًا،”
عندما بدأ هيليو بالكلام، بدت ليلِيَانا بالتركيز بشدة، فأطبقت فكها بإحكام. وكان هذا أيضًا مشهدًا لطيفًا، مما جعل هيليو يتردد في مواصلة الحديث للحظة.
“السبب الذي جعلني غاضبًا كان في حقيقة الأمر بسبب المدير الذي لم يقم بإصلاح القصر الزمردي بشكل صحيح.”
“لكن ذلك…”
“نعم. لم يكن الخطأ من المدير، بل كان بسبب خطتك السيئة. لحسن الحظ، أدركت ذلك في الوقت المناسب، وقلت بأن المدير قد إرتكب خطأ، لذلك تم العفو عنه.”
“شكرًا لك.”
“لماذا تشكرينني؟”
“لو كان ذلك الشخص قد مات، لما تمكنت من تقويم قدمي عندما أنام”.
-تقصد بأنها مارح تقدر تنام براحه بسبب تأنيب ضميرها-
كانت تعابير وجه هيليو تظهر عدم فهمه لما قالته.
“على أي حال، لم أكن غاضبًا منكِ. لو كنت غاضباً منك ، لما جلبتكِ إلى هنا أصلاً. لقد رأيتكِ وأنتِ تهربين بعيني.”
قال هيليو ذلك وهو ينهض من مكانه. حاولت ليلِيَانا أن تنهض بتردد، لكن هيليو ضغط بإصبعه على كتفها، مما جعلها تقع مرة أخرى.
“لا تحاولي أن تظهري الإحترام بينما أنتِ متعبة بالفعل. عندما تتحسن صحتك، رجاءاً أبلغيني.”
نظر إليها هيليو بتمعن ثم بدأ يتحرك ببطء إلى الوراء.
كانت نظراته حادة كما لو كان يراقب فريسة قد تم الإمساك بها.
وفي لحظة معينة، التفت إلى الوراء، وإتجه نحو الباب الذي فتحته إحدى الخادمات مغادرًا بهدوء وكان يتنقل بكل أناقة مثل وحش مفترس من أعلى قمة.
وعندما غادر هيليو تمامًا، ركضت صوفيا إليها، صارخةً:
“جلالتكِ! هل جننت؟! كنتُ على وشك أن أسقط قلبي من مكانه! ماذا كنت تقولين أمام الإمبراطور؟! هل كان الحادث متعمدًا كما قلت؟!”
“آسفة، صوفيا.”
عندما إعتذرت بهدوء لصوفيا، جلست صوفيا على الأرض بتعب ظاهر، ثم رفعت عينيها نحو ليلِيَانا وكان في نظرتها مزيج من اللوم والغضب.
كانت ليلِيَانا تتوقع أن تنهال عليها بالنصائح والعتاب، لكن صوفيا تنهدت بعمق ، ثم قالت شيئًا واحدًا:
“سأساعدكِ.”
“ماذا؟”
نظرت ليلِيَانا إلى صوفيا بحيرة، بينما أغمضت صوفيا عينيها بإصرار وقالت بصوت جاد:
“حبوب منع الحمل ، سأحضرها لكِ.”
إنتشر صوتها الثابت في الغرفة، ليملأها بجو من العزم.
❈❈❈
بعد أن تحسنت حالتها قليلاً وأصبحت قادرة على السير ببطء، لم يزرها هيليو مرة واحدة.
تساءلت ليلِيَانا إن كان إهتمامه بالملكة الجريئة قد انتهى، لكن عندما كانت تتلقى الهدايا منه بين الحين والآخر، بدا أن ذلك ليس صحيحًا تمامًا.
شملت الهدايا مجموعة من الإكسسوارات، وفساتين، والأغرب من ذلك كان وجود سيف في إحدى الهدايا. كان يرافقه بطاقة صغيرة مكتوب عليها:
“ما الذي أعجبكِ من الهدايا؟”
أثار هذا المزيج الغريب من الهدايا في ليلِيَانا شعورًا بأن هيليو ربما كان يفكر في هذا الأمر بجدية، فابتسمت دون أن تشعر.
بعد تفكير طويل، قررت أن ترد عليه برسالة قصيرة:
“الطعام لذيذ ، بالمناسبة، لم أتعافَ تمامًا بعد.”
في اليوم التالي، وصل طاهٍ جديد إلى قصر الزمرد، وكان ماهرًا لدرجة أن حتى السَلطات الصغيرة كانت مختلفة في مذاقها. كان من المدهش أن يرسل هيليو طاهٍ بهذه المهارة، وشعرت ليلِيَانا أنه كان يفعل ذلك بطريقته الخاصة.
“اليوم، أريد الخروج للتنزه.”
قالت ليلِيَانا ذالك، لكن الخادمات أصررن على معارضتها. ومع ذلك، شعرت ليلِيَانا بأنها بحاجة إلى إستجماع قوتها من الرياح العاصفة في الخارج وهو ما دفعها للإصرار.
“لن أرهق نفسي. فقط أمام القصر.”
وبعد الكثير من الإلحاح، بدأت صوفيا توافق تدريجيًا. ومع موافقة صوفيا لها، خرجت ليلِيَانا أخيرًا نحو الجزء الأمامي من القصر.
وجدت تشو تشو ليلِيَانا، ورفعت وجهها الصغير المبلل بالدموع، وفتحت عينيها على وسعهما ثم عادت لتبكي بغزارة.
“ليلي!”
“تشو تشو….”
عندما اقتربت ليلِيَانا من تشو تشو، جلست على الأرض وكأنها كانت تشكو من آلام في جسدها. وعندما مدّت يدها كأنها تمسك بالأرض، أمسكت تشو تشو بإحكام بإصبعها.
“ليلي! كنت أفتقدكِ! هل أنتِ بخير؟ هل تحسنت حالتكِ؟”
رفعت ليلِيَانا تشو تشو الصغيرة معها، وبدأت تنهض ببطء.
بدلاً من الإجابة على بكاء تشو تشو المتلهف، أومأت برأسها قليلاً مبتسمة. إذا تحدثت مع تشو تشو أمام الخادمات، فسيُعرف أنها تملك مهارات في التعامل مع الجنيات، ولم تكن تريد أن تثير الإنتباه بلا داعٍ.
لحسن الحظ، بدا أن تشو تشو فهمت إشارة ليلِيَانا، فأحاطت إصبعها بإحكام.
“الحمد لله! أعتقدت بأنكِ ستموتين بسببّي! أنا آسفة! حقًا آسفة!”
ربّتت ليلِيَانا على رأس تشو تشو بإصبع الإبهام لتواسيها. ثم أخذت تشو تشو في يدها الصغيرة وبدأت تمشي ببطء حول قصر الزمرد.
بسبب حضور هيلّيو في حفل تنصيب ليلِيَانا كملكة، وعلى ما يبدو زيارته المفاجئة لقصر الزمرد في نفس اليوم، جعل سلوك الخدم أكثر تهذيبًا في الخارج.
“هكذا هو القصر…”
فكرت ليلِيَانا بذلك، وجلسَت على مقعد بجانب بحيرة صغيرة داخل القصر. ورغم أن المقعد كان في الخارج، بدا أنه مُعتنى به جيدًا، إذ لم يكن هناك أي غبار عليه وكان نظيفًا تمامًا.
وضعت ليلِيَانا تشو تشو على ركبتيها، وضغطت بإصبعها على جسدها بلطف، فتغير مزاج تشو تشو قليلًا وبدأت تضحك وتلعب مع إصبع ليلِيَانا.
إبتسمت ليلِيَانا لرؤية تشو تشو تلعب، وأخذت تنظر عبر البحيرة بهدوء.
كانت البحيرة نقية جدًا لدرجة أن الأسماك التي تعيش فيها كانت واضحة تمامًا. كانت الصخور حول البحيرة قد تم إختيارها بعناية، مما جعلها جميلة ونظيفة.
“أشعر بأني في حالة جيدة.”
أخذت ليلِيَانا نفسًا عميقًا من هواء الخارج، وظهرت على وجهها إبتسامة رضا. أثناء نظرتها حولها، بدأت ترى مجموعة من الأشخاص يقتربون.
في البداية، تساءلت ليلِيَانا عن من يكون هؤلاء، لكن عندما رأت الرجل الطويل ذو الشعر الأشقر في المقدمة، كادت أن تقف فجأة من مكانها.
لو كانت في حالتها الطبيعية، لفعلت ذلك بلا شك.
بدلاً من النهوض، نظرت ليلِيَانا مباشرة إلى الأمام. ومع ذلك، كانت خصلات شعرها الوردي ظاهرة ولا يمكن إخفاؤها. بالطبع، إكتشف هيلّيو وجودها قرب البحيرة.
عندما نظرت ليلِيَانا خلفها مرة أخرى، كانت قد رأت هيلّيو يقترب من الجهة التي كانت تجلس فيها.
‘لقد قلتُ إنني لم أتعافَ بعد!’
رؤية هيلّيو يقترب بينما هي في حالة غير جيدة قد تؤدي بها إلى تلقي ضربة على جبينها. مجرد التفكير في ذلك جعل جبينها يؤلمها.
بينما كانت تتساءل عما إذا كانت ستفر أو تبقى، كانت تراقب كل شيء حولها بتوتر. في تلك اللحظة، كان هيلّيو يقترب أكثر فأكثر.
‘ آه، ماذا أفعل؟ ‘
ركلت ليلِيَانا الأرض بقدميها ولفت نظرها مرة أخرى إلى الوراء. ولكن الغريب أن هيلّيو توقف فجأة في مكانه. لم يكن ينظر إليها، بل كان يلتفت كما لو كان ينظر إلى شيء بجانبها.
ثم، سرعان ما أستدار وبدأ يمشي في الإتجاه الذي كان متوجهًا إليه منذ البداية، مما جعل ليلِيَانا تشعر بالحيرة.
“ماذا يعني هذا…؟”
قالت ليلِيَانا، وكأنها تتساءل بصوت منخفض.
“يبدو أنكِ تحاولين الهروب مني.”
فزعَت ليلِيَانا عندما سمعت صوتًا ناعماً يقترب منها. رفعت رأسها لتجد نفسها أمام الإمبراطورة الأم، التي كانت تشبه هيلّيو كثيرًا.
عندما أرادت ليلِيَانا النهوض من مكانها فورًا، وضعت الإمبراطورة الأم يدها برفق على كتفها. جلست ليلِيَانا على المقعد مرة أخرى، وأخفضت رأسها.
نظرت الإمبراطورة الأم إليها بابتسامة رقيقة.
“ابقِ جالسة. سمعت عن الحادث، يبدو أنك أصبحت أفضل قليلاً.”
“شكرًا لك، جلالتك.”
“لا داعي للشكر. بل أنا من يجب أن يشكرك.”
قالت الإمبراطورة الأم ذلك وجلست بجانب ليلِيَانا. حتى من نظرة سريعة، كان مظهرها أنيقًا ورائعًا.
كان مظهرها جميلًا ولكنه أيضًا كان مؤلمًا. كان ذلك دليلًا على كم من الجهد بذلته لتنجو في قصر الإمبراطور.
“لم أفعل شيئًا مميزًا.”
“لكنِّكِ تتعاملين مع إبني جيدًا.”
“جلالتكِ إنه يشفق عليّ فقط…”
إبتسمت الإمبراطورة الأم ابتسامة واضحة على كلمات ليلِيَانا المتواضعة. لكنها لم تضحك بصوت عالٍ أبدًا.
“ابني ليس شخصًا يشفق على الآخرين. لأنه يعلم أن تلك المشاعر ليست ذات جدوى.”
كانت ليلِيَانا تريد أن تسأل ماذا تعني تلك الكلمات، لكنها كانت أمام الإمبراطورة الأم. كانت تعلم أن الإمبراطورة ليست شخصًا يمكنها الرد عليه بحزم أو أنها ستتجاهل ذلك بإبتسامة ساخرة. لذلك، اكتفت ليلِيَانا بإغلاق قبضتها المرتجفة قليلاً، وأبتسمت ببساطة.
“هل تعرفين لماذا يعتقد الإمبراطور ذلك؟”
“أنا لست على علم بذلك.”
“لأن السبب في ذلك هو أنا.”
كانت كلمات الإمبراطورة الأم مليئة بالندم. لم تستطع ليلِيَانا أن ترد بسهولة.
“هو شعر بالشفقة نحوي. لكن، لم يحصل على شيء مقابل ذلك.”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 11"