ساد القاعة صمتٌ كأنّما صُبَّ عليها ماءٌ بارد، حتى ليُخيّل للمرء أن حادثةَ قتل أمامهم لن تحظى بمثل هذا الانتباه.
ذاك النبيل اليافع، حين تلاقَت عليه نظرات الصدمة والاستغراب، بدأ يدرك فداحة الموقف، فتغير لونه وراح العرق البارد يتصبّب من جبينه، لكنه لم يكن يبدو وكأنّه استوعب خطأه بعد.
وسط ذلك الصمت المميت، دوى صوت الطرق الخافت على مسند الذراعين… صوت لم يكن منبعثًا إلا من كرسي واحد يجلس عليه الإمبراطور هيليو. ومع هذا، لم يجرؤ أحد على التطلع نحوه.
كأنّما الموت نفسه متجسدٌ هناك، وأنّ من ينظر إلى عينيه، يُحكم عليه بالهلاك.
قال بهدوء قاتل:
“يوم تتويجي…”
ثمّ راح يحدّق في الفراغ، وكأنّه يستعرض شريطًا من الذكريات.
“أظنّني قطعت رؤوس والدي الإمبراطور وأخي في هذا التوقيت من العام.”
قالها بصوت هادئ، كأنّما يُلقي طرفةً، فما كان من ذلك النبيل الشاب إلا أن شهق و خرجت منه غصّة كالفواق من فرط التوتر.
أما من كانوا واقفين حوله من النبلاء، فقد تراجعوا خطوة أو اثنتين، خشية أن تصيبهم نيران هذا الموقف.
وهكذا، صار الطريق أمام هيليو مكشوفًا، فراح يحدّق في ذلك النبيل الشاب وشفته تلتفّ بابتسامة باردة، مرعبة.
“فكرة جيدة.”
قام الإمبراطور عن عرشه الذهبي، وتقدّم بخطى بطيئة. لكنه لم يتّجه نحو الشاب، بل نحو الدوق غابرييل.
“أكان الدوق هو من رشّحه لهذا المجلس؟”
“… نعم، جلالة الإمبراطور.”
قالها غابرييل بين أسنانه المطبقة، غيظًا. فوالد هذا الفتى كان من أوفى أتباعه، وقد ظنّ أن الابن لا بدّ أن يكون ناضجًا كأبيه، فضمّه إلى مجلس النبلاء… لم يكن يدري أن الولد أحمق لهذا الحد.
“لكن، جلالة الإمبراطور—”
هيليو لم يُعره أدنى انتباه، بل تحرّك مباشرة نحو ذلك النبيل الشاب.
“من أي بيتٍ أنت؟”
قالها بصوت هادئ تمامًا، بلا نبرة تهديد.
لكن الشاب شعر وكأنّه يُسأل عن اسمه قبيل تنفيذ الحكم عليه. فانكمش كتفاه، كأنّه يبحث عن مأوى خفي.
“…من بيت كَاميرون، جلالتك…”
“آه، إذن أنت الكونت الشاب من بيت كاميرون! أخبرني يا كونت، هل تُكنّ الاحترام للدوق غابرييل؟”
كان هيليو يبدو كمن يستمتع بالموقف.
الفتى أدار وجهه ليلقي نظرة على غابرييل، متمنّيًا نصيحة بعينيه، لكنه لم يجرؤ، فعيون الإمبراطور كانت تثقب وجهه بثبات. ما كان منه إلا أن خفض رأسه، عاجزًا عن النظر إلى أي أحد.
كان بين مطرقة ولائه للدوق، وسندان سخط الإمبراطور.
“… نعم، جلالتك.”
نطق بها أخيرًا، فابتسم هيليو ضاحكًا، ثم التفت إلى غابرييل مجددًا:
“دوق غابرييل، طالما أنّ هذا النبيل الشاب، الذي يكنّ لك الاحترام، قد اقترح هذا الاقتراح، أليس من واجبك أن تستجيب له؟”
قال غابرييل بصوت ثقيل:
“كنت أظنه شابًا ذكيًا، جلالتك.”
“همم، أهذا يعني أنّك تراه الآن أحمقًا؟ تريدني أن أفهم أنّ اقتراحه—إحياء يوم التتويج الذي تجاهله الجميع طوال السنوات الماضية—هو ضربٌ من الحماقة؟”
اشتدّ الوريد في جبين الدوق، وأدرك المصيدة المنصوبة له.
لو قال نعم، فسينقلب عليه الرأي العام: كيف يتجاهل يوماً يخصّ الإمبراطور؟ وإن قال لا… فلن يجد جوابًا يُفلت به من مأزقه.
لم يكن لديه الوقت ليسأل مستشاريه. كلّ تفكيره يتجمّد تحت ضغط نظرة هيليو.
وعندما لا تكون أمامك إلا طريقٌ مفروشٌ بالأشواك، فلا خيار إلا سلوك الطريق الآخر، مهما كان ضبابيًّا.
“كلا، جلالتك. بل إن يوم تتويجك هو يومٌ عظيم، يحقّ للشعب أن يحتفل به. وإنّني أرى أن اقتراح الكونت الشاب سديد. ليُقَم احتفالٌ مهيب يجعل الأمة كلّها ترفع أبصارها إلى صاحب الجلالة!”
ابتسم هيليو، ويداه خلف ظهره، بابتسامة جميلة، تكاد تُربك الناظر… لكنها لا تخفي سُمّها.
ثم عاد إلى كرسيّه الذهبي بخطوات واثقة، وجلس واضعًا ساقًا فوق ساق.
كانت جلسته فجة، مترفعة، كأنّه يدوس على الجميع بنظره.
قال بنبرة ساخرة:
“دوق، أراك شاحب الوجه هذه الأيام، أرجو أن لا يكون المرض قد نال منك.”
وكان ذلك طبيعيًا، فحال غابرييل لا تُحسد.
منذ أن استقدم هيليو الأميرة من تلك المملكة الصغيرة، خسر الدوق أهم مصادر تمويله. والأسوأ أن العائلات التي كان يظنها في صفّه بدأت تنقلب وتنضمّ إلى جانب الإمبراطورة.
وفوق ذلك، تلقّى هزيمة نكراء في معركة نهر غاتيس مؤخرًا، فبات وكأنه يغرق ببطء في مستنقع لا قاع له.
لكنّه لم يكن ليسكت أو يتراجع بسهولة.
فأجاب بوجهٍ جامد، يُتقن به تمثيل الولاء:
“إنه التعب فقط، جلالتك. جسدٌ عجوز خدم الإمبراطورية طويلاً، ولم يعد يحتمل. أرجو أن تعذرني إن بدا منظري متعبًا.”
ضحك هيليو قائلاً:
“التعب؟ لا أظنّ. أعتقد أن غياب البهجة في حياتك هو ما أطفأ نور وجهك.”
ثم أضاف بابتسامة أعرض:
“لكن لا تقلق… إن لم يكن لديك مناسبة سعيدة، فسأمنحك واحدة.”
ثم نظر إليه نظرة عميقة، كأنّه يطعنه ببطء:
“قررت أن أوكلك شخصيًا بتنظيم احتفالي بمناسبة ذكرى تتويجي.”
رغم دهائه ومكره كراكونٍ عجوز، لم يستطع الدوق غابرييل هذه المرة أن يخفي تعابير وجهه تمامًا.
فما جرى كان مناسبةً إمبراطورية، لا يحق لأحد الإشراف عليها إلا أفراد العائلة المالكة أنفسهم. فما السبب إذن في منح ذلك الحق له؟
“جلالتك، هذا… شرف عظيم لا أستحقه…”
“لا تقل إنك لا تستحق. ارفعوا رؤوسكم جميعًا. هل من أحد يعارض أن يشرف الدوق على حفل تنصيبي؟”
وأي جمبري يود أن تنفجر أضلاعه في صراع الحيتان؟
ربما سيغضب الدوق ويهيج لاحقًا، لكنه، مهما علا شأنه، لن يجرؤ على قطع رؤوس الجميع هنا.
فبدلًا من المقامرة برفع الأيدي، كان من الحكمة أن يتظاهروا بالخرس.
وهكذا، لم يعارض أحد، وظفر الدوق غابرييل بشرف الإشراف على مراسم التنصيب.
ما إن انتهى الاجتماع، حتى غادر هيليو القاعة بخفة دون تردد.
أما الدوق غابرييل، فقد أطلق نظراته الحادة على النبلاء من حوله، ثم التفت إلى سكرتيره وسأله:
“ما الذي يريده الإمبراطور من وراء هذا؟”
“إنه موقف لا يحسد عليه. فمراسم القصر ليست بالأمر الهين ولا يجوز الاستهانة بها. ولكن جلالة الإمبراطور سيتعامل معها بخفة واستخفاف، لذا كلما أجدتَ تنظيمها، زادت سخرية الموقف.”
ضغط الدوق على جبهته وأطلق تأوّهًا مكتومًا.
في أيام مضت، كان ليضغط على هيليو ليمنح تلك المسؤولية لابنته ڤيستي.
لكن الحال لم يعد كما كان.
فالفضيحة التي تفشت حول ڤيستي — عن كونها أغوت إحدى خادمات قصر الزمرد وأغرتها بخيانة سيدتها — كانت مشينة.
ولم يكن ذاك بسلوك يليق بسيدة إمبراطورية عظيمة.
في أوقات كهذه، كان لا بد من عزل ڤيستي في جناح الدوقية بحجة التأمل والندم.
“لا شيء يسير كما أريد… لا شيء!”
صرخ الدوق غاضبًا وخرج من القاعة وهو يلهث من الغيظ.
حين وصلت أنباء ما جرى في مجلس النبلاء إلى لِيليانا، لم تعرف أتبكي أم تضحك.
لكن لِيليانا، رغم ابتسامتها، شعرت في قلبها أن ما جرى لحظة تنصيب هيليو لم يكن سهلًا، بل كان يخفي ما لا يُقال.
وإذ لم تتغير ملامح لِيليانا، هزّت أغرينا كتفيها وقالت:
“حسنًا، أفهم ما يدور في بالك.”
“وما الذي يدور في بالي؟”
“إنها مناسبة ضخمة يشرف عليها الدوق بنفسه. هو غبي، نعم، لكنه يعرف كيف يوازن بين الربح والخسارة. أعتقد أنه يخطط للحصول على شيء في المقابل… ربما الرقصة الأولى؟”
“تقصدين الرقصة الأولى بين جلالته وابنته؟”
“نعم. يقيم الدوق حفلًا مهيبًا يجعل من المستحيل على الإمبراطور ألا يُكافئه، ثم يطلب منه رقصة الشرف الأولى لابنته.”
“هذا ممكن.”
أسندت لِيليانا ذقنها على كفها وسرحت في التفكير.
لو حدث ذلك فعلًا، فبعض النبلاء قد يظنون أن الكفة مالت من جديد لصالح الدوق.
وكان عليها أن تتعامل بحذر، فالتوازن السياسي لا يحتمل الميل مرة أخرى.
وفي خضم تفكيرها، طرقت مينيلي الباب ودخلت.
“جلالتكِ، جلالة الإمبراطور طلب أن أُسلمكِ هذا.”
“أحضريه.”
دخلت مينيلي تحمل صندوقًا كبيرًا وضعته أمام لِيليانا، وما إن فتحته، حتى وجدت بداخله رداءً دافئًا ورسالة قصيرة.
لم يكن الرداء سميكًا، لكن خفته تلك منحت راحة فاخرة، ودفئًا ملحوظًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 107"