تقلّبت شفتا ليليانا بخيبة ظاهرة كأنها تجرّ ذيول الخيبة من كلماته الخاوية التي بدت عديمة الجدوى. لقد أحبّت هيليو… أحبّته كثيرًا.
أحبّته لدرجة أنها تخلّت عن رغبتها القديمة في أن تعيش كزوجة إمبراطور مجهولة في الظل، وقررت أن تصبح الإمبراطورة. فهل كان قلبه فارغًا إلى هذا الحد؟ لم يمنحها حتى ذرّة من مشاعره؟
لم تكن تتوقع الكثير، لم تبنِ الآمال على مقابلٍ لهذا الحب، لكنها لم تستطع كبح امتعاضها، فنفخت وجنتها في غيظ لم تحاول إخفاءه.
هيليو، وقد كان يراقبها بصمت، مدّ يده فجذبها من ذراعها برفق. كانت يده خشنة، عريضة، مليئة بالندوب، لكنها، منذ أن طلبت منه أن يرفق بها، بات يلمسها دومًا بلينٍ يحطِّم دفاعاتها.
ليته لم يكن لطيفًا إلى هذا الحد.
وقبل أن تتمكن ليليانا من توجيه نظرة معاتبة نحوه، كانت يد هيليو الباردة قد أمسكت بخدّها، واقترب وجهه الوسيم منها بهدوء.
حدث ما لم يحدث إلا في الليالي القليلة الخفية التي جمعتهما من قبل، والآن يتكرّر في حديقة مفتوحة تُطِلّ على السماء.
لكن ليليانا لم تشعر بالخجل، بل اختنقت كأن قلبها يُعتصر بقوة، فلم يعد لديها هواء تتنفّسه.
“أغمضي عينيك.”
قالها بصوت رقيق، لكنه لا يقبل الرفض. فأغلقت عينيها.
كانتا في البداية باردتين، ثم سرعان ما صارتا دافئتين.
بدأت فجأة، لكنها لم تعرف نهاية. وقفت على أطراف أصابعها المرتجفة، وكلّ ما استطاعت التركيز عليه كان تحركاته، وحده.
ثم، وسط ذلك، شعرت بابتسامة خفيفة تتسلّل من بين شفتيه، تلاها ذراعه التي أحكمت القبضة على خصرها بلطف.
شعرت كأنها تطفو في الهواء، كما لو أنّ العالم انكمش، ولم يبقَ فيه سوى هذا الرجل.
وعندما انتهت القبلة، لم يكن أحد في الجوار. لا وصيفات، لا خدم، لا حرس. لم تدرك حتى أنهم غادروا المكان ليمنحوهما الخلوة.
نظرت حولها ثم خفضت رأسها، إذ باتت أذناها الصغيرتان بلون الياقوت.
راقبها هيليو وهي تتورد، ولمس أذنيها برقة، كأنه يداعب زهرتين.
“لِمَ الآن… فجأة؟”
وحين همّت بالكلام، أحسّت أنها كانت تحبس أنفاسها طوال الوقت، فتنفّست بصوت مرتجف مرتبك.
أما هو، فلم يتغير تعبيره، وظلّ هادئًا كعادته، مما أشعرها بوخزٍ داخلي. تُراه لم يشعر بشيء؟ أما كانت هذه القبلة كافية لتُسقط السماء؟ أم أنّها وحدها من تأثرت إلى هذا الحد؟.
راحت تمسح شعرها الذي تبعثر قليلًا، محاوِلةً تهدئة قلبها البارد.
“إن كنتُ قد أزعجتك بإلحاحي، فإني أعتذر، جلالتك.”
“ماذا تقولين؟”
“كنتُ فقط… أردت أن أعلم إن كنتَ تكنّ لي شيئًا من المودّة. لكن بدا لي كأن الأمر صار عبئًا عليك، ولم يكن هذا قصدي.”
قبل لحظات كانت ليليانا كالزهرة المتفتحة في الربيع، والآن بدت كوردة ذابلة، منكسرة.
عيونها، بطبعها المنخفض الطرف، ازدادت هبوطًا حتى كادت تنطفئ.
أراد هيليو مواساتها، ففتح شفتيه وقال:
“قيل لي من قبل إنني لا أجيد تسمية مشاعري.”
“هاه؟”
“أنا أستمتع بالوقت الذي أقضيه معك، لذا ربما هذا يُسمّى مودة. لكنني، أيضًا، عندما أراك، أرغب في تقبيلك أحيانًا. ولا أظن أن هذا يُعدّ ‘مودة إنسانية’ فقط. أعتقد أنني أنجذب إليك جسديًا أيضًا.”
رمشت ليليانا بدهشة، ثم ظهرت على وجهها ابتسامة خفيفة كأنها ستذوب في الهواء من خفة وقعها.
وسرعان ما تفتّحت هذه الابتسامة الباهتة إلى ضحكة مشرقة، كما اعتادت دومًا، تلك التي تملأ المكان نورًا.
أمسكت بيده برفق، وهمست بسعادة:
“إذاً، أنت تُحبني… إلى حدٍّ لا بأس به.”
وهكذا، أطلقت ليليانا على مشاعره اسمًا.
ربما لم تستخدم كلمات عظيمة مثل “حب”، “هيام”، أو “ولع”، لكنها كانت أول من صاغ لمشاعره تعريفًا واضحًا.
“…هل هذا صحيح؟”
“نعم!”
سمع هيليو ردّها الواثق، ولم يشعر بأي رغبة في الرفض. بل كان قلبه يردد: “نعم، ما تقوليه صحيح.”
ابتسمت ليليانا وهي تجد في كلماتها الطمأنينة التي كانت تبحث عنها، وسحبت يده بخفة لتواصل جولتها في أنحاء قصر آريس.
رأت الخدم يقتربون بخفّة وقد أدركوا أن عرض الحب الملكي قد انتهى، فضحكت بخجل.
وكان هيليو، الذي كان يتأمل وجهها المشرق، يتساءل:
‘ وماذا عنكِ؟ أنتِ، كيف تنظرين إليّ؟ كيف أُسمّي مشاعركِ تلك؟.’
❈❈❈
في ذلك اليوم، بعد عودته من زيارة قصر “آريس”، لم يمرّ هيليو على القصر الإمبراطوري، بل توجه مباشرة إلى قصر الزمرد.
ولحسن الحظ، كانت أغرينا قد استقلّت العربة في الوقت المناسب، بعد أن تسلّمت حبوب منع الحمل من صوفيا.
كانت تلك الليلة مختلفة عن سائر الليالي.
فهيليو، الذي كان دائم الحرص على ألا يُرهب ليليانا أو يُشعرها بالضغط، بدا في تلك الليلة مُصرًّا، مُلحًّا، على نحوٍ لم يُعهَد منه.
ورغم أن ذلك الجانب منه لم يكن مكروهًا لديها… إلا أنّه يبدو أنّ الأمر كان مرهِقًا بحق.
وعندما فتحت عينيها في اليوم التالي، كان قرص الشمس قد تجاوز كبد السماء وبدأ يميل نحو المغيب.
“…يا إلهي.”
همست بها وهي تحاول أن تحصي كم من الوقت قضته نائمة، لكن صوتها خرج مبحوحًا، غارقًا في أثر السكون الطويل.
ضغطت ليليانا على عنقها بخفة، ثم شدّت حبل الجرس. وحين دخلت أغرينا، أطلقت ليليانا زفرة خفيفة.
“لمَ لم توقظيني؟”
أجابت أغرينا ببساطة:
“جلالته أمر بعدم إيقاظكِ.”
وحين يُقال مثل هذا، فلا مجال للجدال. يبدو أن هيليو كان مدركًا لذالك.
تناولت ليليانا كأس الماء الدافئ الذي ناولتها إياه أغرينا، ثم بلّلت حنجرتها وسألت:
“ما جدول اليوم؟”
“كنتِ قد نوَيتِ التحضير لحفل الشاي.”
“آه، أجل… صحيح.”
وضعت ليليانا كفّها على جبينها، تفكر.
لقد انقسم النبلاء حاليًا إلى أربع فئات: أتباع دوق غابرييل، وأتباع ليليانا، والمتذبذبون بين الجانبين، ثم أولئك الذين لا يرغبون بالتورط في السياسة.
وكانت ليليانا قد عقدت العزم على استمالة الفئة الثالثة — أولئك الذين لم ينضووا بعد تحت جناح دوق غابرييل. وكان السبيل الأقرب إلى قلوبهم هو دعوة سيدات تلك الأسر إلى حفلات شاي.
“هل تجلبين لي الكتالوج؟ أحببت المتجر الذي تعاملنا معه في حفل نهاية العام.”
“…أمرُك، سموّكِ.”
رفعت ليليانا نظرها نحو أغرينا. لم يكن في تصرّفها ما يُعيب، بل على العكس، إلا أن هذا الهدوء المفرط أثار قلقها.
كانت أغرينا، بطبيعتها، حيوية لا تَسكت، دومًا تضيف جملة أو تعليقًا. أما الآن، فكانت تؤدي المطلوب منها فحسب، بلا زيادة.
نادتها ليليانا بلطف:
“أغرينا… هل ثمّة أمرٌ يزعجكِ؟”
“كلا يا جلالتكِ.”
“أم أنكِ ترغبين في قول شيء لي؟”
ترددت أغرينا للحظة، ثم أومأت برأسها وقالت:
“سموكِ… أودّ أن أطرح سؤالًا، إن سُمِح لي.”
وعندما تتحدث أغرينا بتلك الجدية، فلا بد أن يكون الأمر مهمًّا. نظرت إليها ليليانا نظرة صامتة تحثّها على المضي قدمًا.
تقدّمت أغرينا بعد أن فتحت الباب لتتأكد من خلو الممر، ثم اقتربت من ليليانا وهمست بصوت خافت:
“الدواء الذي عهدتْه إليّ صوفيا… ما هو بالضبط؟”
سرعان ما انطفأت نظرات القلق في عيني ليليانا، لتحلّ محلها الصرامة.
كانت أغرينا تدرك منذ البداية حساسية هذا الموضوع، لكن ردّة فعل ليليانا جعلتها أكثر حذرًا.
قالت ليليانا بهدوء:
“افعلي فقط كما قالت لكِ صوفيا.”
“لكن جلالتكِ… إن يُؤمر بوضع الدواء في الشاي كلما زار الإمبراطور قصر الزمرد، فلابد أن الأمر لا يخلو من أحد احتمالين.”
إما أنه دواء لتعزيز الحمل… أو دواء لمنع الحمل.
“وفي كلتا الحالتين، إن كُشف الأمر، فلن تكون العواقب طيبة على سمعتكِ، بل ستكون خطيرة.”
كان وجه أغرينا يشي بقلق حقيقي، وهو أمر نادر منها. وصوفيا أيضًا، حين أحضرت الدواء، كادت تُضحي بروحها.
قالت ليليانا، وقد خفّضت صوتها:
“أعلم كل هذا. لكن… لم يحن الوقت بعد.”
كان ذلك كافيًا لتتحوّل شكوك أغرينا إلى يقين: ليليانا تتناول دواءً لمنع الحمل.
“لكن يا ملكة… أنا حقًّا لا أستطيع أن أفهم…”
قاطعتها ليليانا بنبرة ثابتة:
“أغرينا، افعلي ما أقول.”
نظرت إليها بثبات لا يلين، ثم أضافت:
“أنا لا أفكر فقط في أهدافي، بل في أهدافكِ أنتِ وأخيكِ أيضًا. لن أسمح لشيء أن يُدمر كل ما بنيناه. لذا، ثقي بي. ولو لوقت قصير.”
تنهدت أغرينا، وقالت في نفسها: لو قال هذا أي شخص آخر، لغادرتُ الغرفة فورًا.
لكنها كانت ليليانا. والمرأة التي تعرفها أغرينا كانت وفيةً لدرجة السذاجة أحيانًا، مخلصةً في وعودها حتى النهاية.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 106"