لا يُعقل أن تنتشر شائعة في أرجاء القصر الإمبراطوري دون أن تصل إلى مسامع هيليو، ناهيك عن أنه كان يعلم حتى بأن صوفيا لم تمت.
ومع ذلك، لم يهدأ قلبه، ولم يستطع أن يبقى جالسًا في مكتبه ساكنًا. وبينما كان ينجز بعض المهام، لم يتمالك نفسه في النهاية، فانطلق قاصدًا قصر الزمرد.
اقترب تيرنز من الحرس الموكلين بحراسة قصر الزمرد، وأبلغهم بوصول الإمبراطور.
“لقد حضر جلالة الإمبراطور، فبلّغوا سموّ الملكة.”
وبما أن هذه لم تكن أول مرة يزور فيها هيليو القصر، فلا بد أن الحرس قد اعتادوا حضوره، ومع ذلك بدا عليهم الارتباك بشكل غريب. ثم جثا أحدهم على ركبة واحدة وقال:
“سمو الملكة غير موجودة حاليًا في قصر الزمرد.”
حينها، حرّك هيليو نظره الذي كان يحدّق بصمت في القصر، ونقله إلى الحارس. لم يكن الحارس معتادًا على أن يحدّق فيه الإمبراطور مباشرة، فخفض رأسه بسرعة.
سبق هيليو مرافقه بالكلام قبل أن يسأله:
“إلى أين ذهبت الملكة؟”
“دعتها جلالة الإمبراطورة الأم، فتوجّهت إلى قصرها.”
ضحك هيليو ضحكة قصيرة لا تصدّق، وكأنه استغرب الموقف. كان يدرك جيدًا قدرة ليليانا على أسر قلوب الناس، لكنه لم يتخيّل أن يكون هو ووالدته في مقدّمة هؤلاء. لا عجب، فالدم لا يُكذب.
على الأرجح، استدعتها الإمبراطورة الأم بدافع القلق، بعد أن تعرضت ليليانا للخيانة على يد وصيفتها المقرّبة.
أطلق هيليو تنهيدة عميقة، ورفع رأسه يتأمل قصر الزمرد.
“هل تنوي الذهاب إلى قصر الإمبراطورة الأم؟”
“أنا ما زلت أفكر، فلا تُكثر من اللغو.”
“ستذهب على أية حال، فلا تتردد. ودعني أنا وشأني، لدي الكثير من الأعمال. بسبب لعبك مع سمو الملكة، تضاعف عبئي!”
نظر هيليو إليه بنظرة حادّة قبل أن يدير ظهره فجأة:
“لستَ ضروريًا.”
وكان ذلك إذنًا ضمنيًّا له بالانصراف. فسلّم تيرنز الإمبراطور إلى أحد الخدم، ومضى في طريقه دون اكتراث.
حقًا، هو لا يتوقف عن التذمر، لكنه مدمن عمل لا يُضاهى.
أما هيليو، فقد نسي أمر مساعده المزعج، وانهمك في أمر آخر تمامًا.
كانت قدماه قد أخذتاه بالفعل نحو قصر الإمبراطورة الأم، فيما كانت أفكاره تدور حول ليليانا، تلك التي لا تجيد الكذب، وتخيل كم ستكون محرَجة أمام والدته الآن.
وحين وصل إلى القصر، همّ الحرس والخدم بأن يعلنوا قدومه، لكنه وضع سبابته على شفتيه إشارةً للصمت.
كانت الإمبراطورة الأم تعرف أن ليليانا تحب الغابة الصغيرة التابعة لقصرها، لذا كانت تستقبلها دومًا هناك عند دعوتها، حتى أن ليليانا باتت تزور قصر الإمبراطورة الأم أكثر من زيارتها لقصر الإمبراطور نفسه.
‘ هل أنا أقلّ جاذبية من أمي؟.’
تنهّد هيليو بضيق وهو يشق طريقه إلى الغابة.
كانت أغلب الحاشية قد انسحبت إلى الأطراف، في ما بدا أنه اجتماع سري. ومن هناك لمح ليليانا، فتوجّه نحوها بخطوات واثقة، ما لبثت أن قرّبته منها في لمح البصر.
وكلما اقترب من مؤخرة رأسها الزهرية، ازدادت سعادته الغريبة.
أراد لو يمدّ يده الآن ويمسح شعرها الناعم، ليراها تنتفض دهشة وتنظر إليه بتلك العينين النقيّتين.
لكن…
“لهذا السبب تحديدًا، انتم تكرهون دوق غابرييل، أليس كذلك؟”
تجمّد وجه هيليو على الفور عند سماعه تلك الجملة العابرة من ليليانا.
اهتزت أطراف أصابعه، وانطلق بخطى متسارعة نحوهم.
وكانت لوسيا أول من رآه، فشحب لون وجهها ووقفت فورًا. ولحقت بها الإمبراطورة الأم ثم ليليانا التي أدركت بدورها من القادم.
لكن وجه ليليانا لم يكن كما تخيّله هيليو.
كانت نظراتها مضطربة، وفكّاها مشدودَين من التوتر، كأنما أُخذت على حين غرّة.
اشتعلت رغبة في صدره بأن يأخذها ويبعدها عن الباقين فورًا.
أي حديث كان هذا؟ كيف وصلوا إلى سبب كراهيته لدوق غابرييل؟.
لم يرغب أبدًا في أن تعرف ليليانا تفاصيل ما فعله بأخيه، ولا كيف قاده إلى الموت.
وفي الوقت ذاته، لم يكن يريد أن يتعامل معها بفظاظة، فهي بطبيعتها شديدة الحذر، ولن يغفر لنفسه لو زادها قلقًا.
ضغط على أسنانه بقوة، ثم نطق ببطء وهو يزن كل كلمة:
“من الطبيعي أن تجتمع أنبل نساء القصر ليتحدثن في أمر الإمبراطور. لكن من الضروري أن أعلم… ماذا قِلن؟”
“هيليو، لحظة فقط… الأمر ليس كما تظن.”
“وكيف لك أن تعرفي ما أظنه أصلًا؟”
حين يشحذ هيليو كلماته، يفقد الناس العاديون رباطة جأشهم، ولا يحسنون الحديث. غير أن لوسيا بقيت هادئة، وبدأت تشرح:
“بما أنني أكره دوق غابرييل إلى هذا الحد، فقد سألتني سمو الملكة عن السبب. ورأيت أنه من حقها أن تعرف بعض الأمور من الماضي، فأخبرتها كيف دمّر دوق غابرييل الإمبراطورية. لا أكثر، أُقسم بذلك.”
كانت لوسيا تُقسم بأنها لم تذكر شيئًا عن أدونيا.
حوَّل هيليو نظره عن لوسيا، التي كان يحملق فيها، إلى لِيليانا. كانت تنظر إليه بعينين تتوسّلان الإجابة.
يا له من أحمقٍ بائس…
لم يجد هيليو ما يقوله سوى لوم نفسه.
كما قالت لوسيا، لم تكن لِيليانا تُبدي أي ملامح تدل على أنها سمعت شيئًا.
لكن في هذه اللحظة بالذات، بردّة فعله الحادّة، أيقنت أن هناك ما هو أعمق من مجرد ما سمعته. كانت تدرك الآن أن هناك أمرًا خفيًّا، وراحت تتوق لمعرفته.
حين أعرض هيليو بنظره عن عينيها الملتمسة، أطرقت رأسها بخيبةٍ ظاهرة، لكن سرعان ما تداركت الأمر، فأمسكت بيده وابتسمت بلطفٍ يشي بالطمأنينة.
“جلالتكِ، أكثر من يعرف القصر الإمبراطوري… لا بد أن هيسدين لم يسمع إلا القشور، لذا حكى لي قصصًا مسلية كثيرة. قال إن الأمير غابرييل كان أسوأ من أخته بكثير. لكنه الآن طريح الفراش، لا يقوى على فعل شيء.”
راحت لِيليانا تثرثر وتُطلعه على كل ما دار من حديثٍ بينها وبين الأمير، وكان واضحًا أنها تفعل ذلك لتطمئنه.
“قيل إن الأميرة غابرييل زرعت جواسيس في قصر الزمرد. ولما ذكرتُ الأمر لجلالتكِ، غضبتِ بشدة، وشرعنا في اغتياب عائلة الدوق. كنتُ قلقة على هيبة العائلة الإمبراطورية، فأمرتُ بطرد الحرس والخادمات جميعًا. أحسنتُ التصرف، أليس كذلك؟”
“… أجل.”
ردّ هيليو بإيجاز، فارتسمت ابتسامةٌ عريضة في وجه لِيليانا وهي تضيق عينيها بمرح.
في لحظةٍ واحدة، تلاشت الحدة والجمود الذين كانا يكسوان هيليو، بتلك الابتسامة فحسب.
لم تستطع الإمبراطورة الأم ولا لوسيا أن تُخفيَا انبهارهما. فمهما حاول المرء أن يصف هيليو، فلن يجد “اللين” ضمن مفرداته.
ومع ذلك، فإن لمسة يده التي مرّ بها فوق شعر لِيليانا، وهو يتنهّد، لم يكن لها إلا أن توصف بالرقة الخالصة.
أما لِيليانا، فوقفت تتوهج خجلًا من هذا الاتصال الجسدي أمام أفراد العائلة الإمبراطورية، حتى احمرّ وجهها حتى الأذنين.
ولإنقاذها من هذا الموقف الحرج، وكذلك لكسر هذا الجمود، فتحت لوسيا فمها بابتسامةٍ مرحة:
“همم، لقد جئتُ في وقتٍ مناسب. كنتُ أودّ أن أعرّفك بفارسٍ يا جلالتك. هيليو، أرني إن كنتَ ترى أن مهارته في القتال تستحق الثناء.”
اغتنمت لِيليانا الفرصة لتبتعد خطوة عن هيليو، وتتقرّب من لوسيا.
“حقًّا؟! أنا لا أفهم كثيرًا في تدريبات الفرسان، مهما راقبتهم لا أستوعب شيئًا.”
لاحظت لوسيا كيف ضمّ هيليو أصابعه ببطءٍ ثم بسطها، وكأنه يأسف على ابتعادها، لكنها تجاهلت ذلك وقالت للِيليانا بودّ:
“لكن سمعتُ أنكِ بارعة في الرماية.”
“أبدًا، لا إطلاقًا! في مسابقة الصيد لم أصب سوى أرنبٍ واحد، وكان ذلك من ضربة حظ. حتى مع فارس الماركيز فيلهلم، بالكاد تمكنت من إصابته.”
عندها قاطعهم هيليو بنبرة قاطعة قطعت مجرى الحديث:
“فارس؟ أهو رجل؟”
ربما لم يكن ذلك قطعًا في نظره، بل امتدادًا منطقيًّا للتفكير.
فمنذ سمع أن سيرجي فيلهلم قد علّم لِيليانا كيف تصوّب السهم خطوة بخطوة، صار يحرص على ألا تلتقي به قط.
مع أنه يعلم جيدًا أنه من غير الممكن أن تلتقي الملكة بأي رجلٍ كُثرًا، كما أن سيرجي نفسه مخطوب، ولا يمكن أن يُعجب بامرأةٍ أخرى… لكن فكرة أنهما أصبحا مقرّبين في غضون ساعات قليلة لم تكن تعجبه.
على أي حال، هذا كله لم يكن معروفًا إلا له، أما الثلاثة الآخرون، فلم يدركوا شيئًا من هذا الغليان الداخلي.
ضحكت الإمبراطورة الأم خفية، تجد أن ابنها يفرط في ردّات فعله تجاه فارسٍ بسيط.
أما لوسيا، فوضعت يديها على خصرها وقالت بنبرة توبيخ:
“الفارس وظيفته أن يحمي سيده، فما شأن جنسه؟! حتى سائق العربة الخاص بجلالة الملكة رجل. هل تنوي طرده لاحقًا أيضًا؟”
“فكرة جيدة.”
“أحمق لا يُجاريه أحد! جلالتكِ فائقة الجمال وودودة الطبع، لا عجب أن يقع في حبها الرجال والنساء على حدٍ سواء. ولو حدثت واقعة كهذه، هل ستطرد جميع الخادمات أيضًا؟”
“يبدو ذلك ضروريًّا.”
وبينما كان هيليو ولوسيا يتشاجران كالعادة، كانت لِيليانا تدير رأسها من جانبٍ لآخر، تنظر إلى هذا حين يتحدث، وإلى تلك حين ترد.
ثم ما لبثت أن انفجرت ضاحكة، تغطي فمها بقبضتها الصغيرة محاولة كتم الضحك، لكن عبثًا.
“هاها، لا أستطيع التوقف عن الضحك! ما هذه النكات السخيفة التي تتبادلونها؟”
التفت إليها هيليو ولوسيا في الوقت ذاته، وكأنما يقولان في نفسيهما:
نحن لا نمزح….
غالبًا… لم تكن نكاتًا.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 104"