عضّت لِيليانا شفتها السفلى بقوة محاولةً كبح دموعها على عجل.
لكن الدموع التي بدأت تتجمّع تحت عينيها لم تحتمل ثقلها، فانسابت في النهاية على وجنتيها.
كانت صوفيا تضع اللمسات الأخيرة على خطتها للخروج من القصر الإمبراطوري مع فيرِن، ورغم انشغالها، لاحظت تلك الدموع كما لو كانت تملك حاسة سادسة.
زفرت ضاحكةً وكأنها كانت تتوقع هذا، ثم اقتربت من لِيليانا.
“آه، أميرتنا البكّاءة.”
نادتها صوفيا بصوت دافئ كما كانت تفعل في مملكة نيتا، ثم احتضنتها.
كان هذا التصرف مخالفًا لصورة الخادمة المنضبطة التي اعتادت الحفاظ عليها، وربما عُدّ تصرفًا غير لائق، لكن لم يتدخل أحد في هذا المشهد ولا طالب بتطبيق آداب البلاط.
مسحت لِيليانا دموعها بظهر يدها وهي تشهق بخفة.
“لستُ بكّاءة. لم أعد أبكي كثيرًا، فعلًا.”
“لكنّك تبكين الآن. من يراكِ سيظن أنني ذاهبة للموت.”
“لا تموتي…”
عينا لِيليانا الكبيرتان كانتا مبلّلتين لدرجة بدا وكأنهما قد تعكسان صورة من أمامهما كمرآة.
أومأت صوفيا كما لو كانت تقول “لا جدوى من الكلام”، ثم همست لها قريبةً من أذنها:
“إن لم أرحل، فلن يصدقوا ما قلت، وسيمسون بدواء جلالتكِ.”
لم يكن في كلام صوفيا أي خطأ.
ولهذا بالتحديد كانت لِيليانا أكثر حزنًا.
أمسكت صوفيا وجنتَي لِيليانا بين يديها ثم دقّت جبينها بجبهتها بلطف.
“سوف نلتقي كثيرًا. لسنا بعيدتين عن بعضنا في النهاية.”
لكن، ومنذ أن تعارفتا، لم يسبق لهما أن افترقتا بهذه المسافة.
حتى التوائم لا تمضي هذا الكم من الوقت معًا.
ابتسمت لِيليانا بصعوبة وقالت مودّعة:
“صوفيا، أفتقدكِ منذ الآن… لكنني سعيدة أيضًا بخروجكِ. لطالما كنتِ تحلمين بمغادرة القصر الإمبراطوري منذ أيام نييتا. أنتِ ذكية ومتّزنة، وبكل تأكيد ستتألّقين أكثر في دار التجارة مما تفعلين هنا.”
أغمضت لِيليانا عينيها بقوة لكبح دموعها، وحين فتحتهما، كانت صوفيا قد ابتعدت عنها قليلًا بهدوء.
عادت صوفيا في لحظة إلى هيئة الخادمة، واقفةً بوضعية رسمية، في حين استعادت لِيليانا بدورها وقار الملكة.
فالعلاقة بينهما كانت أدق من أن تُقاس، تفصلها شعرة بين السيّدة والصديقة، ومن السهل عليهما التنقّل بين الدورين.
نظرت صوفيا إلى أغرينا وقدّمت لها نصيحة:
“يا آنسة أغرينا، بما أن اللورد بايِل قد أصبح الابن بالتبنّي لدوق غابرييل، فلا تلتقي به لبعض الوقت. عليكِ أن تتصرّفي وكأنكِ تشعرين بالخيانة وقطعتِ صلتكِ به. فقط بهذه الطريقة ستتمكنين من البقاء بجوار جلالة الملكة دون أن يساورهم الشك.”
“… سأفعل ذلك. شكرًا على النصيحة.”
أمسكت صوفيا يدي أغرينا بقوة.
“أعتمد عليكِ.”
“لكن عودي إلينا. إن قلتِ إن الحياة خارج القصر أعجبتكِ واختفيتِ فجأة، فسيصعب عليّ أنا الخروج يومًا. على عكسك، لا أريد أن أقضي حياتي خادمة.”
أما لِيليانا، فظلت تنظر إلى صوفيا بوجه يفيض بالأسى، لكنها لم تكن لتبقى واقفةً إلى الأبد.
ظهر الفارس التابع وأدّى تقريره:
“جلالة الملكة، سيدي القائد، لقد انتهينا من معالجة أمر الخادمة.”
التفت فيرِن نحو لِيليانا، فهزّت رأسها موافقة.
قدّمت لِيليانا العربة العادية التي جُهّزت مسبقًا، واتجه الثلاثة — فيرِن، الفارس التابع، وصوفيا — نحوها.
كان الفارس يحمل على كتفه كيسًا بحجم إنسان.
ولأنّ كل من في المكان كان يعلم ما أو من بداخل ذلك الكيس، خيّم الصمت الجاد على الجو.
لن أسمح لأحد بأن يجعل رجالي ينتهون هكذا.
قالت لِيليانا ذلك في نفسها بينما كانت تستدير.
لم تستطع توديعهم علنًا.
فالناس يظنون أنها تعاقب خادمةً خانتها، وإذا رآها أحد تودّعهم، قد تنهار كلّ الخطة.
صعدت لِيليانا إلى غرفتها، ووقفت عند النافذة تحمل تشوتشو على راحتها، تراقب الخارج.
لمحت العربة تشق طريقها عبر الظلام وتبتعد شيئًا فشيئًا حتى اختفت،
وحينها، كانت لِيليانا قد اختفت هي الأخرى عن النافذة.
❈❈❈
بسبب ما أرهقها من التفكير طوال الليل، غفت ليليانا متأخرة جدًا، ولم تستيقظ في الصباح التالي إلا حين هزّتها أغرينا لتوقظها.
كانت أغرينا تعلم أن من غير اللائق أن تهزّ الوصيفة سيدتها، لكن تعبير وجهها القلق أوحى بأن الأمر خطير ويستحق.
قالت ليليانا، وهي تفرك عينيها:
“ما الأمر؟”
فأجابت أغرينا معتذرة:
“أعتذر يا جلالتكِ، لكن جلالة الإمبراطورة الأم تطلب رؤيتك.”
تسارعت دقات قلب ليليانا عند سماع اسم الإمبراطورة الأم، فنهضت على عجل وغسلت وجهها بالماء، فيما شرعت أغرينا تُفصّل لها ما جرى:
“يبدو أن الضجة التي حدثت البارحة قد وصلت إلى العاصمة بالفعل. الآنسة غابرييل تُثير الجلبة وتقول إن خادمتها كانت قد دخلت إلى القصر فقط لتقديم هدية إلى جلالتك، ولم تعد بعدها، وتزعم أن شيئًا مريبًا قد حدث.”
ضحكت ليليانا بسخرية وقالت:
“في مثل ذاك الوقت من الليل؟”
“تقول الآنسة إن الجارية تقدّمت بطلب الدخول في وقت الظهيرة، على كل حال، الآن يدور الحديث في القصر والعاصمة عن مصيرها، والأسوأ أن هناك إشاعة انتشرت بأن السيدة صوفيا قد ماتت. علينا الإسراع في التعامل مع الجاسوس الذي تحدّثت عنه صوفيا داخل القصر.”
قالت ليليانا بنبرة يملؤها الحذر:
“يقال إن أسرع ما في العالم هو لسان الإنسان… أخشى ما فكّرت فيه جلالة الإمبراطورة الأم بعد سماعها بهذه الأحاديث.”
هل ستظنّ أنني قتلت خادمتين دفعةً واحدة بوحشية؟
أم تراها ستوبخني لأن القصر يعجّ بالهمسات ولم أُحسن إخمادها؟
رغم أن ليليانا كانت واثقة من حبّ الإمبراطورة الأم لها، إلا أن خوفها كان كبيرًا، فقد كانت ترتجف لمجرد تخيّل تلك المرأة التي لطالما ابتسمت لها بحنوّ، وهي تنظر إليها بوجه بارد خالٍ من العاطفة.
قالت ليليانا وهي تستعد:
“لنُسرع، لا يمكن أن نُبقي سيدة القصر تنتظر.”
“أمرك، جلالتكِ.”
اغتسلت ليليانا سريعًا وارتدت ثيابها الرسمية، ثم ذهبت إلى قصر الإمبراطورة الأم.
دخلت ليليانا المكان بابتسامة مشرقة، متظاهرة بالطمأنينة. كانت تعتقد أن سبب انزعاج الإمبراطورة الأم لن يكون لكونها قاسية، بل لأنها لم تُحسن إخفاء الأمر.
وفي الحديقة الصغيرة التي قالت ليليانا سابقًا إنها تحبها، كانت الإمبراطورة الأم تنتظر، وقد نُصب أمامها طاولة شاي صغيرة. لكن المفاجأة الكبرى كانت أن لوسيا كانت تجلس هناك أيضًا.
أدركت ليليانا أن أفراد القصر جميعًا مهتمون بهذه الحادثة، فحبست ارتجاف قلبها وتقدّمت بخطى هادئة، وانحنت قائلة:
“أحيّي جلالتكِ ، يا سيدة القصر.”
ثم مالت برأسها قليلًا تحيةً للوسيا، دون أن تنبس بكلمة.
“ما هذا، وجهك الجميل لم يعد كما كان! وجهك الجميل يبدو شاحبًا جدًا!”
وقفت من مكانها واقتربت من ليليانا، تتأملها عن كثب بعينين مملوءتين بالقلق والحنان.
لم تتوقّع ليليانا مثل هذا الاستقبال، فتوسّعت عيناها دهشة، ثم انحنت باحترام وقالت:
“لا بأس، لا شيء يستدعي الحزن يا جلالتك.”
ردّت الإمبراطورة الأم:
“كيف لا؟ لقد خانتك أقرب خادمة إليك، أليس من الطبيعي أن تنكسر النفس؟!”
وتدخّلت لوسيا غاضبة، عاقدة ذراعيها:
“جلالتكِ، تقولين إنه لا شيء! هذا غريب فعلًا!”
أخذت الإمبراطورة يد ليليانا وربّتت على ظهر كفها بلطف وقالت:
“ليس الجميع يدرك المعروف حين يُمنح. هذه ليست غلطتكِ، فلا تُحمّلي نفسك عبئًا لا ذنب لكِ فيه.”
قالت لوسيا مؤيدة:
“صحيح، هناك خادمات كثيرات، سأرسل لك بعضًا من الفتيات الطيّبات اللواتي أثق بهن.”
ظلت ليليانا ترمش بعينيها بصمت، وكانتا تنظران إليها بشفقة متزايدة.
قالت أخيرًا، بصوت خفيض:
“لقد جئتُ لأعترف بتقصيري، فقد فشلتُ في ضبط الأمور، وسبّبتُ هذه البلبلة في القصر.”
صاحت لوسيا، وقفت من مكانها:
“ما هذا الكلام؟! من أين جئتِ بهذه الفكرة الغريبة؟! تلك الغابرييل سرقت خادمتكِ! كان ينبغي عليكِ أن تُظهري الشدّة وتعاقبيها علنًا! هل ستعيشين دومًا بهذا القلب الرقيق؟!”
تردّدت ليليانا:
“لكنني…”
فقاطعتها لوسيا بانفعال:
“لا تقولي لي أنكِ أبقيتِ على حياة تلك الخادمة… صوفيا! يجب أن تكون هناك جثتان، كما تقضي الشائعات!”
ضحكت الإمبراطورة الأم بخفة وقالت:
“إن لم تنجحي في ذلك، قولي لي فقط، وسأتدبّر الأمر بنفسي.”
قالت لوسيا حازمة:
“كلا، يا جلالتك، دعيني أنا أتولّى الأمر! فقط أخبريني، هل لا تزال تلك الخادمة حيّة؟ لن أُعاقبها، فقط أخبريني!”
نظرت الإمبراطورة الأم إلى لوسيا بلطف، وكأنها تواسي قطًّا صغيرًا مذعورًا:
“لوسيا، لا ترفعي صوتكِ، ستخيفينها.”
أدركت لوسيا مغزى الكلام، فتنحنحت لتضبط نبرتها.
كانت ليليانا تعلم أن لوسيا تكنّ لها الامتنان بعد انتهاء الحرب مع مملكة ساجريدو، لكن لم تتخيّل أن مشاعرها بلغت هذا الحد.
لكن، كما قالت لوسيا… الجثة كانت واحدة فقط.
ولم تنوِ ليليانا أن تخبر بذلك أحدًا خارج من كانوا في قصر الزمرد في تلك الليلة.
لكن مع هذا القلق الكبير من الإمبراطورة الأم ولوسيا، لم تعد تحتمل الكذب أكثر.
أمسكت بيدي كل واحدة منهما، وقادتهما إلى طاولة الشاي.
قالت بهدوء:
“جلالتك، أيمكن أن تصرفي من حولنا؟ هناك أمر أود أن أُطلعكما عليه، وحدكما.”
ورغم تعجّب الإمبراطورة الأم من الطلب، إلا أنها وافقت.
وعند إشارة منها، ابتعد الخدم عن المكان.
حينها، بدأت ليليانا تتحدث بحذر:
“في الحقيقة… صوفيا لم تخنّي.”
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 103"