لم تكن لِيليانا غاضبة من تصرف صوفيا المتهور فحسب، بل بدا أنها لا تشك بها قط. أجابت على كلام أغرينا وكأن الأمر بديهي:
“أنا أستطيع معرفة ما يدور في عيني صوفيا.”
“وكيف لكِ أن تعرفي فقط من النظر إلى عينيها؟! القصر الإمبراطوري مكان تمتلئ فيه الأكاذيب أكثر من الحقائق!”
كانت كلمات أغرينا منطقية، غير أن لِيليانا كانت واثقة تمامًا.
حتى لو تعلق الأمر بحياتها، ما كانت لتتردد. لو أن صوفيا خانتها، لعرفت الحقيقة من بريق عينيها وحده.
أول لقاء جمع لِيليانا بصوفيا كان حين كانت لِيليانا في السابعة من عمرها.
ظهرت صوفيا في القصر الإمبراطوري دون سابق إنذار. لم يعرف أحد من أنجبها، ولا متى تُركت، ولا كيف وجدت طريقها إلى هناك.
في أحد الأيام، ظهرت تلك الطفلة الصغيرة فجأة في الجناح المخصص لخادمات القصر. هل كانت ثمرةً غير شرعية لإحدى الخادمات فتم التخلي عنها خفية؟ أم أنها طفلة غير معترف بها لأحد النبلاء نتجت عن نزوة ليلية؟.
بعد بعض التردد، أخذتها الخادمات إلى المشرفة، التي منحتها صفة خادمة.
كان قرارًا من شأنه أن يثير غضب الفتيات اللاتي يُكافحن من أجل أن يصبحن خادمات، ولكن لا واحدة منهن كانت لتتمنى خدمة السيدة مارين أو الأميرة لِيليانا.
صوفيا، بشجاعتها، تقدمت لتقابل السيدة مارين.
“مرحبًا، سيدتي! أنا اسمي صوفيا! عمري سبع سنوات، وأجيد التنظيف!”
في ذلك الوقت، كانت السيدة مارين تغسل الملابس برفقة خادمة مسنّة. حدّقت في الطفلة التي ظهرت من العدم، ثم ابتسمت قائلة:
«نحن لا نحتاج إلى من ينظف. ولكننا بحاجة إلى صديقة لابنتي. هل تجيدين ذلك؟»
«بالطبع، سيدتي!»
دخلت صوفيا على الفور إلى الجناح المهجور. وهناك، كانت طفلة بشعر وردي تحدق بصمت إلى رفوف الكتب. نادت صوفيا بصوت جهوري:
«مرحبًا، صاحبة السمو الأميرة! أنا صوفيا، وقد كُلّفت بأن أكون صديقتكِ! أرجو أن تعتمدي علي!»
فزعت الطفلة ذات الشعر الوردي وارتعشت كتفاها قبل أن تلتفت بحذر إلى الخلف.
تلك اللحظة، حين التقت صوفيا بنظرات لِيليانا للمرة الأولى، حفرت في ذاكرتها كذكرى لا تُنسى. كانت فتاة فائقة الجمال.
عندما سمعت لِيليانا أن لصوفيا مهمة أن تكون صديقتها، رمشت بعينيها الكبيرتين، ثم انطلقت مبتسمة على اتساع وجهها.
فالحصول على أول صديقة في حياتها كان أعظم هدية تلقتها لِيليانا على الإطلاق.
صحيح أن العلاقة بينهما كانت بين أميرة وخادمتها، لكن في ليالي الشتاء الباردة، اعتادتا أن تتقاسما غطاءً واحدًا، متعانقتين.
لم يكن بينهما أسرار، وحتى إن تشاجرتا، لم يكن يمر يوم قبل أن تتسابقا للاعتذار.
عاشتا على هذا النحو لأكثر من عشر سنوات. لم يكن الكلام ضروريًا، فالنظر في العيون وحده يكفي ليعرف كلٌّ منهما ما يفكر فيه الآخر.
قالت لِيليانا وهي تنظر إلى أغرينا بثقة تفيض من عينيها:
“أغرينا، ثقي بي.”
وفوق هذا كله، عبّرت صوفيا لأغرينا عن امتنانها:
“لم أكن أعلم أن الآنسة أغرينا تأخذ الأمر بهذا القدر من الجدية. أشكركِ بصدق.”
تنهدت أغرينا، وهي تمرر يدها بين خصلات شعرها التي لم تُصفف بعد استيقاظها:
“لا أعلم إن كان ذلك مديحًا أم إهانة.”
ضحكت لِيليانا وهي تغطي فمها، كأنها تستمتع بتذمّر أغرينا.
وفي النهاية، قررت أغرينا أن تمنح صوفيا ثقتها. فالفتاة التي عرفتها حتى الآن كانت جديرة بالولاء، ومدام أن لِيليانا بهذه الدرجة من اليقين، فلا بأس في اتباع أمر سيدتها.
“وماذا ستفعلين الآن؟ هل ستواصلين دوركِ كجاسوسة للأميرة غابرييل؟”
هزّت صوفيا رأسها نافية.
“كنت أفكر في التوقف قريبًا على أي حال. ولهذا، يا صاحبة السمو، لا أظن أنه يمكنني البقاء في القصر أكثر.”
توقعت أغرينا أن تُصدم لِيليانا بشدة، لكنها فقط أومأت برأسها بابتسامة مريرة.
“أجل… لا بد أن الأمر كذلك.”
“لأن الأميرة غابرييل لن تلتزم الصمت إن اكتشفت أن كل هذا كان مسرحية، أليس كذلك؟”
“ليست حياتي هي ما أخشاه. لقد أعطيت الأميرة غابرييل معلومات زائفة بالفعل. وإن اكتشفت أنني ما زلت من جانب جلالة الملكة، فستبدأ في الشك بكل ما قدمته لها.”
تابعت صوفيا حديثها بصوت هادئ:
“الأميرة غابرييل زرعت بالفعل بعض الأشخاص في قصر الزمرد. ومن خلالهم، اكتشفت أن جلالة الملكة تتناول دواءً دوريًّا. لقد اقتربت مني لتعرف ما هو ذاك الدواء. وسألتني إن كان دواءً لتحفيز الحمل.”
“وماذا أخبرتها؟”
“قلت لها إنه دواء تجميلي أُحضر من مملكة نييتا. فعّال لكنه غير صحي، ولا يليق بمقام العائلة الإمبراطورية، لذا يتم تناوله سرًّا. قالت إحدى خادمات الأميرة إنها تريد التحقق منه، لذا لم يتبقَ وقت كثير.”
نظرت صوفيا بهدوء إلى أغرينا، التي تنهدت بعمق وهي تُطأطئ رأسها.
حين رفعت أغيرينا رأسها مجددًا، كانت ملامحها تنطق بالقبول.
قالت بصوت هادئ:
“ما الذي تريدين مني أن أفعله؟”
❈❈❈
خلال الليلة مظلمة، وقفت صوفيا في ركن لا تصل إليه أضواء المصابيح الحجرية.
على بُعد عشرة خطوات تقريبًا منها، كان كل من أغيرينا وقائد الكتيبة الثالثة من فرسان القصر، “فرين”، يتربصان في الظلام أكثر عمقًا، يراقبان الموقف بصمت.
ما لبث أن ظهر شخصٌ يقترب خفية في الظلام وكأنما التوقيت كان محددًا بدقة. صوفيا عرفت من تكون فورًا، فانحنت بتحية مهذبة:
“طال الغياب.”
ردّت الخادمة المُلتحفة بالرداء دون اكتراث:
“وفّري تحيتك. أين الشيء؟”
قالت صوفيا بثقة:
“بالطبع جلبته، ولكن أرغب باستلام المقابل أولًا.”
ضحكت خادمة ڤيستي بسخرية، وغمغمت بازدراء:
“هكذا هم الجشعون، لا يُعوّل عليهم… يخونون أسيادهم من أجل حفنة من المال.”
ردّت صوفيا بنبرة باردة، دون أن يرمش لها جفن:
“سيدتي هي الأميرة فقط.”
أخرجت الخادمة من ردائها كيسًا صغيرًا، وحين تأكدت صوفيا من محتواه، مدت يدها لتُخرج شيئًا من ثوبها. في تلك اللحظة، تقدّمت أغيرينا فجأة وهتفت:
“ما هذا الذي يحدث هنا؟!”
تظاهرت صوفيا بالارتباك وحاولت الفرار، لكن فرين انقضّ عليها وأمسك بها بقبضة فولاذية. رغم تظاهرها بالمقاومة، كانت تعلم تمامًا أن هذا جزء من الخطة، لذا مثلت جيدًا دور الفتاة المذعورة.
في الوقت ذاته، حاولت خادمة ڤيستي الهروب، لكنها وقعت في قبضة أحد فرسان فرين، الذي قيدها بسرعة.
صرخت صوفيا:
“دعني! دعني أذهب!!”
وكانت تصرخ وكأنها بالفعل تحاول النجاة.
تفاجأت خادمة ڤيستي من هذا المشهد، وشحب وجهها وهي تحدّق في صوفيا، ثم انفجرت بالصراخ:
“اللعنة عليكِ! كل هذا بسبب غبائك!”
لكن صوفيا ردّت بحدة:
“بل بسببك أنت! اخترتِ مكان اللقاء بشكل أحمق!”
أغيرينا بالكاد استطاعت كتم ضحكتها، فقد كانت صوفيا متقنة جدًا لدورها. أي شخص يعرفها جيدًا كان سيدرك أنها لا تصرخ هكذا في مثل هذه الظروف، لكنها أبدعت في التمثيل.
صرخت أغيرينا بنبرة تأنيب:
“تجرؤان على التآمر خلف ظهر صاحبة الجلالة! يا للوقاحة! سيدي القائد، لنسرع بإيصال هؤلاء الأوغاد إلى قصر الزمرد. يجب أن تُعرض أفعالهم أمام جلالتها!”
أومأ فرين بعزم، ثم حمل صوفيا على كتفه وانطلق في عتمة الليل. أما الفارس الآخر، فقد شدّ وثاق الخادمة وسحبها جريًا، مجبرًا إياها على مواكبة خطاه الثقيلة، حتى كادت تتعثر من التعب.
سارت أغيرينا خلفهم بخطًى هادئة وثابتة.
وعند وصولها إلى قصر الزمرد، وجدت أن توقّعاتها كانت صحيحة؛ خادمة ڤيستي كانت شبه مغشيّ عليها.
أُجبرت على الوقوف وسُحبت إلى غرفة ضيّقة، في حين نزلت صوفيا عن كتف فرين، وقد احمرّ وجهها قليلًا.
قالت ممتعضة:
“لم يخبرني أحد أنه سيلقيني على كتفه هكذا.”
فرين، وهو يحكّ مؤخرة عنقه بيده الضخمة، اعتذر قائلًا:
“عذرًا، خفتُ أن ينكشف التمثيل لو حملتُك بطريقة أرقى.”
وفي تلك الفوضى، ظهرت ليليانا ترافقها “مينيلي”، وهي تصفّق بيديها.
التفت الجميع إليها فورًا كما لو كانوا طلابًا بانتظار تقييم معلمتهم.
قالت ليليانا بابتسامة دافئة:
“الحمد لله أنكم عدتم سالمين. هل أصيب أحدكم بأذى؟”
هزّ الجميع رؤوسهم نفيًا.
قالت صوفيا بنبرة جادة:
“ماذا سنفعل بتلك الخادمة؟ مثل هذه الأمور لا تؤمَن لها، لهذا واصلتُ تمثيل دوري أمامها حتى النهاية، لكن… أظن أن قتلها سيكون الحل الأفضل.”
ردّت ليليانا وكأن القرار كان محسومًا سلفًا:
“بالطبع ستُقتل. وفي الوقت نفسه، سنُدبّر موتك معها. أليس كذلك، سيدي فرين؟”
أومأ الفارس بكل احترام، ورفع ذراعه بتحية عسكرية:
“بالطبع، سأكون على أتمّ الاستعداد.”
كانت ليليانا قد أعدّت كل شيء لرحيل صوفيا مسبقًا. جهّزت لها الذهب الكافي، ورتّبت لها عملًا آمنًا داخل “رُنيا”، حيث ستُسهم في إدارة القسم التجاري من دون أن يُعرف هويتها.
كانت صوفيا دومًا تحلم بالخروج من القصر، والحياة في الخارج، كما أنها فتاة ذكية قادرة على قيادة أي عمل بنجاح.
“نعم، كان هذا هو الخيار الأنسب.”
قالت ليليانا في نفسها بثقة.
لكن…
عندما رأت صوفيا تستعد للرحيل أخيرًا، ارتعشت دمعة في مقلتيها، رغماً عنها.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 102"