كانت لديه شكوك، لكنها لم تكن كافية لتحركه ولو خطوة واحدة.
دوق غابرييل همس له كشيطانٍ بغيض.
“صاحب السمو الأمير هيليو، اصعد إلى العرش.
هذا الدوق غابرييل سيُعين جلالتكم على بناء إمبراطورية مزدهرة.”
سأل هيليو، راغبًا في التأكد من نوايا دوق غابرييل:
“وكيف لي أن أثق بك؟ أستهم بإرسال ابنتك إليّ، مثلًا؟”
“بالطبع. ماذا لو أقمنا حفل خطوبة فخم بعد استقرار الإمبراطورية؟”
أجاب دوق غابرييل ببرودٍ وثقة، غير راغب في ترك أي دليل أو شاهد على حديثه.
فلو خارت قوى هيليو سريعًا، فعليه أن يكون مستعدًا للتخلّي عنه في أي لحظة.
ولن يُفرّط بورقة رابحة مثل ڤيستي.
حدّق هيليو في دوق غابرييل بعمق.
ربما، منذ البداية، هذا ما كان يريده حقًا.
كان أَدونيا مستقيمًا إلى درجة لا تسمح له بتقبّل رؤية رجلٍ دنيء مثل دوق غابرييل يزدهر في هذا العالم.
رفع هيليو رأسه نحو العرش الإمبراطوري.
لم يرغب به يومًا.
ولكن إن رفض الآن، فإن دوق غابرييل سيقود الرأي العام في أوساط النبلاء إلى اتهامه بقتل شقيقه، وسيدفع به إلى الموت باسم الفجور والخيانة.
لم يكن ذلك يخيفه كثيرًا.
لكنّ الإمبراطور التالي سيكون دميةً كاملة،
والعالم سيغدو تحت سيطرة دوق غابرييل.
وذلك وحده كان مقززًا بما يفوق الاحتمال.
بخطى ثابتة، سار هيليو نحو العرش،
ووضع التاج الإمبراطوري، الذي كان قد رفعه بنفسه، على رأسه.
‘ لا شكّ أنك كنت سترى أن الانتقام غير ضروري… لكنني لست قدّيسًا مثلك، يا أخي.’
في السابعة عشرة من عمره،
أصبح ابنٌ قاتل لأبيه وإخوته، إمبراطورًا جديدًا لإمبراطورية كارلو.
هل يمكن القول إن هيليو لم يكن له ذنب في مقتل شقيقه، فقط لأنه لم يغرس الخنجر في قلب أَدونيا بنفسه؟
لم يكن يستطيع أن يدّعي ذلك.
لو كان طفلًا عاديًا كما تمنى له أَدونيا،
ولو لم يكن يمتلك الجرأة على التفكير في قتل والده،
لما انزلق أَدونيا إلى حافة الهاوية.
وحتى إن كان من دفعه إلى تلك الهاوية هو دوق غابرييل،
إلا أن هيليو ظل يرى أنه يحمل جزءًا من الذنب كذلك.
بل إن هيليو لم يشعر بأي ذرة ندم حيال قتله لوالده، الإمبراطور الراحل.
كان يعرف أنه لن يكون أبدًا مثل أَدونيا.
مهمته، هو “الإمبراطور المزيّف”، هي أن يُسقط دوق غابرييل سقوطًا مدوّيًا،
ثم، بعد أن تستقر الإمبراطورية، يُجلس على العرش إمبراطورًا مستقيمًا مثل أَدونيا.
مع عودة الذكريات بعد غياب، عبس هيليو وشعر بألمٍ يخز رأسه.
رفع يده إلى جبينه وانحنى قليلًا.
“تَيرنز.”
“نعم، يا جلالتك.”
“ألا يوجد طفل خفي لأخي؟”
لم يكن هناك سوى شخصٍ واحد يمكن أن يسميه هيليو بـ”أخي”.
تردد تيرنز قليلًا ثم انحنى برأسه.
“أنت تعرف. لم يكن من ذلك النوع الذي يُنجب سرًا.”
“لِمَ كان مستقيمًا إلى هذا الحد…”
تنهّد هيليو بغيظ وضغط بأصابعه على ما بين حاجبيه.
لو كان أَدونيا فاسقًا بما يكفي ليمتلك طفلًا غير شرعي، لكان الأمر مريحًا.
كان ليمنحه وريثًا، يستطيع به أن يتنحّى عن العرش المقيت خلال بضع سنوات،
ولكانت لِيليانا كذلك…
عند ذكر اسم لِيليانا، رفع هيليو رأسه فجأة.
لم يسبق لاسم أحدٍ أن خطر له وسط هذه الهواجس العقيمة.
كان أمرًا غريبًا بحق.
لكن، لو أن لأخي طفلًا، لما كانت لِيليانا بحاجة للقلق بشأن مسألة الوريث.
وهي شديدة الخوف من تلك الأمور…
أطلق هيليو زفرةً طويلة لا تليق به.
في الواقع، كان يمكن حلّ هذه المشكلة بأخذ إمبراطورةٍ أخرى.
ولو اختارها من عائلة تطيع لِيليانا، فلن تكون خطرًا عليها.
لكن…
هيليو لم يرغب في أي امرأةٍ أخرى.
قبل لقائه بلِيليانا، كان يظن أن لا بأس بأي فتاة طالما لم تكن من عائلة غابرييل،
لكن بعد لقائه بها، أدرك أنها وحدها تكفي.
نظر هيليو من النافذة، وابتسم بضعف.
“أنت لا تُعينني في شيء، أخي.”
كانت عيناه الزرقاوان، المثقلتان بالشوق،
تُشبهان بركةً ألقي فيها حجر،
لا تهدأ ولا تستقر.
❈❈❈
كانت ليلة باردة على نحوٍ غير معتاد. استيقظت أغرينا من نومها وقد تجمّدت قدماها العاريتان خارج الغطاء.
لكن السبب في عدم عودتها إلى النوم لم يكن البرد وحده، بل تلك الخطوات الحذرة التي كانت تتسلل عبر الممر.
أمسكت أغرينا بردائها وفتحت الباب بهدوء. وفي اللحظة التالية، رأت شخصًا ما يختفي نزولًا على الدرج وحده.
ارتاب قلبها بشدة، فوثبت نحو النافذة ولصقت وجهها بالزجاج، لتلمح بعد قليل امرأة مألوفة تظهر عند مدخل المبنى.
“…إنها صوفيا.”
كانت صوفيا قد خرجت مرتدية معطفًا سميكًا، وقد ضمّت أطرافه إلى صدرها، وهرولت مسرعةً نحو الظلام، تنظر حولها بحدّة كأنها تخشى أن يراها أحد.
ولم يكن تصرف صوفيا المريب هذا بالأمر الجديد. فقد بدأت مؤخرًا تغيب بشكل منتظم، ولم تعد ملازمة ليلّيانا كعادتها.
عضّت أغرينا شفتها السفلى. كانت تشعر بالقلق لأن ليلّيانا لم تعد تطلب صوفيا كثيرًا كما في السابق، فهل يمكن أن تكون صوفيا قد غيرت ولاءها فعلًا؟.
وبعد تردّد، قررت أغرينا أن تتوجه إلى غرفة نوم ليلّيانا. وما إن فُتح الباب حتى رفعت ليلّيانا جزعها من على السرير، ويبدو أنها استيقظت بالفعل.
“أغرينا؟ ما الأمر؟”
“أعتذر يا جلالتكِ على إزعاجك في هذا الوقت المتأخر.”
“لا بأس، يبدو أن الأمر عاجل.”
أزاحت ليلّيانا ساقيها من على السرير وأشارت إليها بأن تقترب.
اقتربت أغرينا من سيدتها ووقفت أمامها، وعلى وجهها تلك الجدية النادرة التي أزالت عنها كل ملامح المزاح المعتاد، مما دلّ على أن المسألة خطيرة بالفعل.
“ما الذي تنوين قوله بهذا التعبير؟”
“…كنت أتردد، لكن لن أستطيع النوم ما لم أُفصح عمّا في قلبي، لذا سأخبركِ بكل صراحة.”
“تحدثي بحرية.”
شبكت أغرينا يديها أسفل سرتها وأطلقت زفرة طويلة، ثم بدأت بالكلام بعد أن تماسكت.
“تصرفات صوفيا في الأيام الأخيرة تثير الريبة. لقد خرجت الليلة أيضًا من قصر الزمرد، ولم تكن تبدو واثقة بخروجها، بل حذرة كمن لا يريد أن يُكشف أمره.”
وما إن أنهت أغرينا كلماتها حتى نظرت إليها ليلّيانا بصمت، دون أن تظهر على ملامحها أي انفعال، لكن أغرينا أدركت أنها تزن كلامها وتفكر فيه بعمق.
ثم ابتسمت ليلّيانا أخيرًا وقالت:
“لابد أن الأمر تطلّب منك شجاعة.”
صحيح أن ليلّيانا لم تعد تطلب صوفيا مؤخرًا، إلا أن الأخيرة كانت أكثر خادميها ولاءً وقدمًا. وأغرينا لم تكن من أولئك الذين يتهمون الآخرين باستخفاف.
وضعت ليلّيانا يدها على ذقنها، غارقة في التفكير.
“أنا لا أظن أن صوفيا ستخونني. وإن فعلت، فأنا أظن أن السبب سيكون تقصيري معها. يعني أنني لست أهلًا للقيادة.”
“لكن…”
“لكن هذا لا يتعلق بحياتي وحدها، لذا يجب أن أكون حذرة. ويجب أن أطمئنك أيضًا.”
قالت ليلّيانا ذلك بنبرة هادئة كأنها تقرأ مشاعر أغرينا من أعماقها.
“حين تعود صوفيا، سأسألها بنفسي. هل ترغبين في الحضور أيضًا؟ إن أردتِ، فلن أذكر أنك من أخبرني.”
“لا، إن كانت صوفيا مخلصة حقًا، فستتفهم موقفي.”
“إذًا، لنحضر معًا.”
توجهت ليلّيانا إلى الكرسي لتقرأ كتابًا بانتظار عودة صوفيا. أما أغرينا فأضاءت المكان من حولها، وأعدّت لها كوبًا من الشاي الدافئ.
أغرينا لم تكن ذات طبع حنون في الظاهر، لكنها كانت دافئة القلب في الخفاء. سواء حين كانت تثور لأجل أخيها، أو الآن حين أبلغت عن صوفيا، وقد بدت عليها مشاعر الذنب رغم محاولتها إخفاءها.
وقفت أغرينا بجوار النافذة تترقّب عودة صوفيا بينما كانت ليلّيانا تقرأ بهدوء.
ومضى الوقت حتى ألصقت أغرينا جبينها بالنافذة ثم رفعت رأسها فجأة.
“هل عادت صوفيا؟”
“نعم، جلالتكِ.”
“استدعيها.”
أومأت أغرينا برأسها وخرجت. وبعد لحظات، سُمِع صوت الطرق على الباب، ثم دخلت ومعها صوفيا.
كانت عينا صوفيا ثابتتين لا تهتزّان، ولم تظهر عليها علامات الارتباك أو الاضطراب.
وضعت ليلّيانا كوب الشاي جانبًا وحدّقت بها. وقد غاب ذلك الدفء المعتاد في عينيها، فتحوّل الجو إلى جليدي، فخنقت أنفاس الحاضرات.
“صوفيا، من هو الشخص الذي التقيتِ به في هذا الوقت المتأخر؟”
“……”
“لن تُجيبي؟”
أعادت ليلّيانا السؤال، لكن صوفيا تردّدت في الرد.
فتحدثت ليلّيانا، مستندةً بذقنها إلى يدها، وملامحها متجمدة:
“أنا أقدّرك أكثر من أي أحد. ولهذا، لا أريد إيذاءك. لكن إن حملتِ أسرارًا تخفينها عن سيدتك، فلا بد أن أتصرف كالسيدة العادلة. لا يمكنني قيادة هذا القصر إذا لم أُعاقب حين تستدعي الأمور العقوبة. صوفيا، هل تريدينني أن أتحوّل إلى سيّدة قاسية؟”
كان صوتها صارمًا، لكن كل من في الغرفة شعر أن هذا لم يكن تهديدًا، بل توسّلًا. توسّل من صديقة قديمة لا تريد أن تُنزل العقاب على من كانت يومًا كأختها.
فما كان من صوفيا إلا أن خفضت رأسها وقالت:
“كنت ألتقي بخادمة الآنسة غابرييل.”
” صوفيا!”
صاحت أغرينا، وقد علت نبرتها بالغضب والدهشة. لكن صوفيا حافظت على هدوئها، ولم تبدُ على ليلّيانا علامات الارتباك كذلك.
“ولِمَ فعلتِ ذلك؟”
“حين حاولت الآنسة غابرييل الاقتراب مني مرة، أيقنت أنها إن لم تنجح، ستلجأ إلى خادمةٍ أخرى. ربما فعلت ذلك فعلًا. لذا رغبت في التأكد بنفسي من الداخل.”
أجابت ليلّيانا بنبرة عتاب:
“لكن لماذا اتخذتِ هذا القرار الخطير دون استشارتي؟”
“الآنسة غابرييل متغطرسة وتتصرف دون تفكير، لكن خادمتها ذكية ويقظة. اعتقدت أن إظهاري نية الخداع أمامها سيجعلني أكثر تصديقًا.”
“وماذا لو قررت غابرييل التخلص منكِ بعد أن انتهى دورك؟ من كنتِ ستلجئين إليه حينها؟”
لم تكن نبرة ليلّيانا حادة، لكنها لم تكن تسأل بخفة. وفجأة، سالت دموعها.
“…لو أنني لم أكن منشغلة دومًا، لما اقتربت منكِ ڤيستي من البداية.”
اقتربت صوفيا مذعورة، وجلست على ركبتيها عند قدمي ليلّيانا، تهز رأسها نفيًا بقوة.
“هذا ليس صحيحًا.! صحيح أنني أفتقد أيام الطفولة التي كنا فيها كالأخوات، لكن كل ما فعلته كان لأجلكِ. أقسم أنني لم أشعر يومًا بالخذلان منكِ، ولا للحظة واحدة.”
كانت أغرينا تراقب المشهد وقد شبكت يديها بقوة. كانت تعلم أن العلاقة بين ليلّيانا وصوفيا أقوى من أن تنكسر بسهولة.
لكنها، وقد نشأت في أوساط النبلاء، رأت الكثير من الخيانات، ولهذا لم تستطع أن تطمئن تمامًا.
“يجب التأكد أكثر. لا يمكن التغاضي عن هذه المسألة بهذه البساطة.”
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"