“إهـيء~إهـيء”
“إهـيء~إهـيء”
إستفاقت لِيليانا من نومها بسبب صوت البكاء المروع الذي كان يبعث على الحزن بشكل شديد.
في البداية، ظنت أنه صوت بكاء والدتها في حلمها، فشعرت بالقلق. ولكن عندما إستمعت جيدًا، أدركت أن الصوت كان يافعاً جدًا ليكون صوت والدتها.
فتحت لِيليانا عينيها بحذر وحاولت أن تتحرك، لكنها توقفت عندما شعرت بألم شديد في جسدها، فصرخت بكل قوتها.
“آه!!”
“صاحبة السمو! هل أنتِ مستيقظة؟”
سمعت صوفيا أنين لِيليانا فركضت نحوها بسرعة.
وضعت يديها على جبين لِيليانا ففوجئت وصرخت فجأة.
“ما هذا العرق الغزير! إستدعوا الطبيب! إستدعوا الطبيب فورًا!”
سحبت لِيليانا يد صوفيا برفق وهزت رأسها.
“إنه مجرد كابوس.”
“ماذا؟”
“كما تعلمين ، كان كابوسًا عن فيشيل التي كانت تزعجني.”
قالت لِيليانا هذا الكلام وهي تبتسم كما لو لم يكن شيئًا مهمًا. لكن قلب صوفيا كان ينفطر وكأنها تتمزق إلى آلاف القطع.
لقد كانت فيشيل تزعج لِيليانا بشكل مروع. منذ ذلك اليوم الذي تعرضت فيه للضرب بالسوط بسبب إفتراء فشيل ، كانت لِيليانا تحلم أحيانًا بذلك الكابوس. كان شيئًا قاسيًا للغاية لطفلة في سنها.
جلست صوفيا بجانب لِيليانا وهي تمسك يدها بإحكام.
ورغم أنها كانت خادمة، إلا أنها كانت أيضًا الصديقة الوحيدة لـليليانا.
“صاحبة السمو، يجب أن تنسي ما حدث في ذلك اليوم. لن تلتقين بالأميرة فيشيل أبدًا مرةً أُخرى.”
“نعم..”
أغمضت لِيليانا عينيها وأومأت برأسها.
“لن ألتقي بوالدتي أيضًا.”
“جلالتكِ…”
لم تتمكن صوفيا من كبت مشاعرها، فسقطت دموعها.
“صاحبة السمو الملكي ليليانا، لقد أتى الطبيب.”
بسبب صراخ صوفيا السابق، دخلت رئيسة الخدم مع الطبيب إلى الغرفة.
جلس الطبيب بجانب لِيليانا وبدأ يفحص حالتها.
“لقد سقطت من ذالك الإرتفاعات، لكن مع هذه الحالة، يمكن القول بإنكِ محظوظة.”
بالطبع. بما أنها إستخدمت قوتها ، وإلا كان من الممكن أن تحدث الحادثة مروعة.
كُنت متأكدةً بأنني لن أموت أو أتعرض لإصابات خطيرة. لكن نظرًا لأن تشو تشو لم تكن قوية كما كنت أتوقع، فقد كان الألم شديدًا…
‘ آه! تشو تشو! ‘
رفعت لِيليانا رأسها فجأة.
والآن بعد التفكير في الأمر، تبين أن الصوت الذي كانت تسمعه منذ فترة كان صوت تشو تشو.
بما أن لِيليانا كانت تمسك بها أثناء سقوطها، فمن المؤكد أن تشو تشو لا تزال في موقع السقوط.
‘ آه، كيف يمكن هذا… لا أستطيع أن أطلب من أحد أن يحضرها. ‘
شعرت لِيليانا بصداع شديد، فأمسكت بجبهتها. وعندما لاحظ الطبيب ذلك، وصف لها دواءً للصداع قبل أن يغادر.
بعد ذلك، إقتربت رئيسة الخدم بحذر وقالت
“صاحبة السمو الملكي، لدي شيء لأخبرك به.”
“ماذا؟”
“الإمبراطور غاضب للغاية.”
عند سماع هذا، أضاءت عيون لِيليانا.
“حقًا؟ إذًا لن يزورني مجددًا؟”
“ماذا؟ سموك، هذا…”.
“سوف أكون ساكنهً لفترة طويلة ، أخبريه أنني سأعيش كالميتة، وأنني آسفة جدًا. أخبريه بذالك رجاءاً.”
لكن، كما هو الحال دائمًا، الحياة لا تسير كما نريد.
❈❈❈
” تبدين أفضل مما توقعت.”
لم تستطع لِيليانا فهم السبب الذي جعل الشخص الذي كان غاضبًا منها يأتي إلى قصر الزمرد شخصيًا. كانت مستغرقة في حيرة، مستلقيةً على السرير بوجه عبوس.
“أنه لشرف أن يزورني الإمبراطور ، شمس الإمبراطورية. أعتذر لعدم تمكني من تقديم تحية مناسبة بسبب حالتي الصحية.”
لكن، بغض النظر عن حالتها، لم تستطع لِيليانا أن تتخلص من طريقة تفكيرها التي إكتسبتها بعد عشر سنوات من العيش في المملكة. ألقت الكلمات بأدب كما لو كانت تقرأ نصً مكتوبةً أمامها.
جلس هيليو وهو يطوي ساقه، بدت عليه الدهشة.
“قالوا بإنكِ ستكونين سعيدةً للغاية إذا لم آتي.”
“من الذي تجرأ على قول ذلك؟”
“كلمة ‘تجرأ’، لمن هي موجهة؟ لخادماتكِ؟ أم لنفسكِ أنتِ؟”
أغلقت لِيليانا فمها بإحكام.
كانت قد تلقت تحذيرًا واضحًا من هيليو منذ البداية. فجميع الخادمات هنا يعملن كجواسيس.
بالتأكيد، كانت رئيسة الخادمات قد رأت فرحتها حين إعتقدت أن الإمبراطور لن يزورها ، ومن الواضح أنها من قامت بإبلاغه عن ذالك.
هل يجب أن أصف رئيسة الخادمات بأنها ذات ولاء عالٍ، أم أنها مجرد خائنة؟ على أي حال، كان لديها رغبة شديدة في طرد هذه الجاسوسة فورًا.
ولكن بما أن صاحب الجاسوسة هو إمبراطور الإمبراطورية، فكيف لها أن تفعل ذلك؟.
تمتمت لِيليانا وكأنها إستسلمت للأمر.
“لم أكن أهتم بنظرات الآخرين نحو قصري من قبل، لذلك توقفت.”
“كنت أعتقد بأنكِ كنتِ في وضع صعب في مملكة نييتا، لكن يبدو أنك عشت بحرية إلى حد ما؟”
“جلالتك ، أحيانًا قد يكون وضع الطعام البارد هو الذي يمنح شعوراً بالحرية. رغم أنه يُعامل بشكل غير لائق أحيانًا.”
-طعام بارد=تعبير مجازي عن وضعها الصعب أو المهش.-
حركت لِيليانا يديها في الهواء وكأنها ستلقي شيئاً ما. لكن سرعان ماتوقفت لأنها شعرت برعشة في عضلات ذراعيها. تنهدت لِيليانا بعمق ثم أنزلت ذراعيها بهدوء.
تنهد هيليو كما لو كان يقلد لِيليانا. كان تنهدًا طويلًا لدرجة أن نظرة لِيليانا التي كانت موجهة نحو السقف إنتقلت إليه تلقائيًا.
فقدت لِيليانا قدرتها على الرد. أولاً بسبب ثقته العالية، وثانيًا لأن كلامه كان منطقيًا إلى حد ما.
بينما كانت لِيليانا تراقب وجهه الذي أظهر ردة فعلٍ مفاجئة، إبتسم الإمبراطور بثقة.
” إذًا ربما ليس لهذا السبب. إذًا هل هي شخصيتي التي لا تعجبكِ؟ حسنًا، قابلتُ أشخاصًا كثيرين كهؤلاء، لكنني لا أظن أن هذا ينطبق عليكِ.”
“ما هذه الثقة…”
“من خلال الطريقة التي تردين بها، أستطيع أن أرى ذلك. عادةً، الناس يهربون أو يتجنبونني بسبب خوفهم مني أو لأنني شخص مكروه، لكنكِ…”
ظلت لِيليانا صامتةً مرة أخرى.
نعم، هي تعترف بذلك. لم يكن وجودها مع هيليو أمرًا مزعجًا لها.
كيف يمكن أن يكون مزعجًا؟ فهو شخص وسيم للغاية وتقضي وقتًا ممتعًا معه. علاوة على ذلك، بما أن لِيليانا لم يكن لديها أي أصدقاء بإستثناء صوفيا ، كانت تقدر وقتها معه كثيراً.
نظر هيليو إلى وجه لِيليانا الذي بدى عليه الإرتباك، ثم إستنتج شيئًا آخر.
“أعتقدت بأنكِ ستوافقين مرة أخرى. حسناً، ما هو السبب إذًا؟”
“كما قلت، ليس الأمر وكأنني أكره لقائك. ما حدث في ذلك اليوم كان حادثًا واضحاً. فكر في الأمر. حتى لو كُنت أرغب في تجنب لقائك، هل كان من الممكن أن أخاطر بحياتي فقط لأجل ذالك؟ خاصةً مع شخص مثل سموك، م-مثير للغاية…”
على الرغم من أنها تلعثمت قليلاً في آخر الجملة، لكنها كانت تعتقد أنها قد وضعت حججًا منطقية. بدت لِيليانا متأملة في رد فعل هيليو، الذي بدا وكأنه يفكر مليًا في ما قالت.
لكن بعد لحظة، طرق هيليو إبهامه وإصبعه الأوسط معًا، وأصدر صوتًا حادًا، فإنتبهت لِيليانا فجأة وأخذت تحدق فيه بعينين متسعتين.
“لا تحاولي خداعي ، يبدو أن ذلك مستحيل عليكِ.”
لماذا لا يريد أن يصدقها؟ أو كما قال من قبل، هل يوجد شيء مكتوب على جبهتها؟.
رفعت لِيليانا يدها بحذر لتغطي جبهتها.
ثم إنحنى هيليو قليلًا وضحك بصوت منخفض.
بدأت لِيليانا تدرك ببطء مدى سذاجتها، وأصبح وجهها أحمر مثل الطماطم.
وبعد فترة من الضحك، توقف هيليو أخيرًا، ثم طرح سؤالًا جادًا بنبرة هادئة.
“سأسأل مرةً أخرى، ما السبب الحقيقي وراء رفضكِ لقائي؟ الطفل سيكون مصدر قوة لكِ. و أنا أردت أن أقدم لكِ القوة بطريقتي الخاصة، وأتسرع في اللقاء لأنني لا أريد أن أراكِ في حالة ضعف، كما لو كنتِ مجبرة على أن تكوني ملكة.”
كان هيليو يحدق في عيني لِيليانا الورديتان، ثم وضع يده على السرير وأقترب قليلًا.
“م-ماذا! ل-لماذا! لماذا تفعل ذلك؟!!”
إرتبكت لِيليانا وحاولت التراجع، لكن بما أن جسدها لم يكن في أفضل حال، لم تجد مكانًا للهروب في هذا السرير الضيق.
لحسن الحظ، لم يقترب هيليو أكثر من المسافة التي كان يقف فيها.
“لقد فكرتُ طويلًا…”
“ماذا؟”
“في سبب رفضكِ لقائي.”
أظهرت لِيليانا تعبيرًا بريئًا كما لو كانت لا تفهم، لكن عيون هيليو الزرقاء كانت تحمل نوعًا من الإسترخاء، وكأنها تفحص كل شيء.
ثم إسترخى وجلس وهو يضع يديه على ركبتيه.
“كان الحادث في ذلك اليوم متعمدًا، أليس كذلك؟”
“لا، أبدًا ، كان حادثًا.”
قالت لِيليانا بصوت حازم وواضح للغاية.
“إذن كان متعمدًا.”
لم يصدق هيليو أي كلمة من كلام لِيليانا.
كان هيليو غارقًا في أفكاره و بدأ يفكر في عدة أسباب لرفضها اللقاء معه.
“هل أنا قبيح؟ لا أعتقد ذلك.”
“ما هذه الثقة…؟”
“أنا إمبراطور هذه البلاد. هل تفهمين ما يعني ذلك؟”
“لا أعرف جيدًا.”
ثم إستمر هيليو في حديثه بثقة عالية.
“في هذه البلاد، يجب أن يكون الشخص الأكثر وعيًا بمكانته هو أنا. لذالك أعتقد أنني وسيم جدًا. بل حتى أنه من الصعب العثور على شخص وسيم مثلي، حتى لو تجاوزنا حدود هذه الإمبراطورية وبحثنا في العالم كله.”
“أنا أعلم ذلك ، وأنا ممتنة لذلك حتى الآن.”
“أنتِ تعلمين؟ لكن لماذا إذًا ترفضينني؟.”
على الرغم من أنها كانت تسمع عن كون هيليو شخصاً عصبي ، إلا أن هيليو الذي أمام لِيليانا الآن لم يبدو غاضبًا على الإطلاق. بل كان يبدو فضولياً لمعرفة نواياها.
ترددت لِيليانا لبعض الوقت، ثم قررت أن تكون صادقةً معه.
“أنا لا أحتاج إلى القوة ، فقط أريد أن أعيش بهدوء.”
ضحك هيليو بسخرية من كلماتها، كما لو كان يستهزئ بها.
“القصر الإمبراطوري ليس مكاناً يمكنكِ العيش فيه بهدوء لمجرد أنكِ تريدين ذلك.”
“صحيح. ولكن ماذا لو كان لدي طفل ولاكنني لم أتمكن من الحصول على القوة اللازمة؟ في النهاية، سأكون مضطرة لأن أقول للطفل أن يتحمل الصفعات التي قد يتلقاها من أفراد العائلة المالكة الآخرين.”
كانت لِيليانا هادئة للغاية.
بدت كما لو كانت قد فكرت طويلاً في هذا الأمر وأخذته بجدية.
“حتى إذا مات الطفل، لن أستطيع حتى أن أنتقم. وعندما يحين الوقت لإرساله إلى بلد آخر للزواج، لن يكون بيدي فعل أي شيء.”
مثل والدتها.
لم تكمل لِيليانا كلامها، لكن هيليو كان قد فهم.
كانت لِيليانا تشير إلى نفسها ووالدتها.
قصة أمٍ ضعيفة أنجبت طفلًا من الملك، لكنها لم تتمكن من حماية ذلك الطفل.
“أنا لا أمانع أن أتحمل المعاناة بمفردي. يمكنني فعل ذلك بسهولة. لكنني لا أريد أن أخبر طفلي أن يتحمل مثلما تحملتُ. لقد بدا الأمر صعبًا للغاية.”
كانت لِيليانا تعرف هذا جيدًا، لأنها شاهدت أمها كل يوم وهي تعالج جروحها بدموع تكاد تسقط من عينيها. وفي تلك اللحظات، كانت لِيليانا تفكر.
“الطفل هو من يجعل أمه تعاني.”
_____________________________________________
•• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
التعليقات لهذا الفصل " 10"