─────────────────────
🪻الفصل الثاني🪻
─────────────────────
ممممممممم.
صوتٌ حادٌ يطنّ في الأذن، كأنه يخترق الروح من مسافةٍ قريبة.
كان من المفترض أن تَلمح مصدره الآن، لكن حتى بعد أن تسلّقت سو-نام السلّم حتى نهايته تقريبًا، لم يظهر ذلك الزيزُ سوى صوته الصاخب، دون أن يُبدي حتى طرف جناحه.
مدّت يدها نحو مصدرِ الصوت، تلوّح بشبكةِ الصيد بعزمٍ محموم، لكنها لم تجِد سوى الهواء.
آه…
تحت حرارة الشمس اللّافحة، وبعد عشرينَ دقيقة من المصارعةِ مع زيزٍ خفيّ، كان قميصُها الرسميّ قد غرقَ في العرَق، كأنّها استحمّت بماءِ الإرهاق.
في قرية بيسان-ميون، كان الجدّ أوكتشون، الذي يسكنُ البيت ذا البوابة الزرقاء عند مدخل القرية، معروفًا بكثرة شكاواه.
ليلاً، يشتكي من رائحةِ دخانٍ مجهول، ونهارًا، يزعجهُ هدير الجرارات الزراعية. ليل نهار، كان يتنقلُ بشكاواه بين الجهات، حتى أصابَ موظفي بيسان-ميون بالصداع المزمن. بل وصلَ به الأمر ذات مرة إلى الاتّصال بخدمة الطوارئ 119 عندَ الفجر ليطلبَ منهم وضع لصاقةٍ طبية على ظهره!
اليوم، كانت شكواهُ عن ضجيجِ الزّيز، الذي قال إنهُ يكاد يُفجّر رأسه.
لم تفهم سو-نام لماذا يتعينُ على شرطيةٍ مثلها التعاملُ مع مثل هذه الأمور. منذُ نقلها إلى مركز بيسان-ميون قبل ستّة أشهر، كانت مهامها تدور حولَ مثل هذه الشّكاوى البسيطةِ وصيانةِ الأمن في القرية، بعيدًا عن أجواءِ مركز الشرطةِ الحضريّ.
رأى رئيسُ المركز تذمّرها المرسوم على وجهها، فهدّأها قائلاً إن الجدّ أوكتشون يفعل ذلك من وحشةِ الوِحدة، وإنّ عليها فقط أن تُظهر بعضَ الجُهد في محاولةِ صيد الزّيز، وتتبادلَ معه بضعَ كلمات لترضيه، ثمّ تعود.
كان الجدّ أوكتشون يرتدي قميصًا داخليًا مترهلاً، يهوّي بنفسه بمروحةٍ يدويّة، وهو يرمقها بنظرةٍ مُتفحصة.
“ها، هل اصطدتِ شيئًا؟”
مسحت سو-نام العرق الذي يقطرُ على جبينها، وأجابت بنبرةٍ متعبة:
“لا، مهما نظَرت، لا أعرفُ من أين يأتي هذا الصّوت.”
“إذن، عليكِ أن تتسلّقي أعلى! لم تصلي حتّى إلى نصفِ الشجرة، فكيف تظنّين أنكِ ستصطادينَ شيئًا؟”
“…..”
ضربَ الجدّ الأرض بمروحته، كأنّ الإحباطَ يمزقه.
“يا لهم من أوغاد، لا أحد منهُم يُرضيني. ألم أتّصل أيضًا بمكتب الإدارة المحلية؟”
“هل اشتكيتَ إلى مكتب الإدارة أيضًا؟”
طبعًا، كيف له أن يكتفي بجهةٍ واحدة.
“اتصلتُ بهم وقلتُ لهم أن يأتوا ويصطادوه بسرعة، لكنهم قالوا إن هناك موعدًا محددًا لرشّ المبيدات. أخبريني، هل الزيزُ ينتظر موعدهم المقدّس ليظهر؟”
أرجوكم، ليُغلق أحدٌ فمَ هذا الرجل العجوز…
ضغطت سو-نام على أسنانها حتّى كادت تتكسّر، وأخذت تدفعُ شبكة الصّيد بعنفٍ في الشجرة.
“أنا أدفعُ الضرائب التي تُصرف على رواتبكم، ومع ذلك لا تعملُون! الشبابُ هذه الأيام، يريدونَ كلّ شيءٍ بسهولة، هذا لا يصحّ!”
ممممممممممم…
في البداية، كان صوت الزيز يخترقُ أذنيها كإبرة. لكن الآن، بدا ذلك الصوتُ كصديقٍ عزيز يغطّي على نقيق الجدّ أوكتشون المزعج.
لم أُصبح شرطية، ولم أجتز ذلك الامتحان المرهق، لأقضي يومي في مثل هذه المهام.
بينما كان أقرانها يغرقون في دراسةِ امتحانات القبول الجامعي، كانت سو-نام تُحكم قبضتها على أسنانها، تُعدّ نفسها لامتحان الشرطة. الجامعةُ كانت رفاهيةً بعيدةً عن متناولها، فهي التي عاشت مع جدتها وحدهما. كان حلمها الوحيد هو الخروج إلى العالم مبكرًا، كسب المال، ورد الجميل لجدتها التي ربتها بمفردها.
جهُودها أثمرت، فنجحت بجدارة، وحصلت على لقب “أصغر ناجحة”، ومع مظهرها الأنيق، أصبحت وجهًا إعلاميًا بارزًا في المنظمة.
لكن ذلك التألقُ الواعد تبخر حين تقدمت بشكوى ضدّ زميل في مركزِ الشرطة بتهمة التحرّش الجنسي.
كان من المفترض أن تنتهي القضية بمعاقبة الجاني، الذي عُلّق من عمله. لكن بعد ثلاثة أشهر، عاد ذلك الوغد إلى وظيفته كأنّ شيئًا لم يكن، بينما نُقلت سو-نام إلى مركز بيسان-ميون النائيّ، كأنّها هي المذنبة. المنظمةُ التي أحبتها بشدة عاملتها كما لو كانت مجرد ذبابةً مزعجة.
من نجمةٍ صاعدةٍ إلى شرطيةٍ مبتدئةٍ في عامها الرابع، لا تزالُ عالقة في أدنى الرّتب.
كان الوضعُ ظالمًا وغير منطقي، لكنه واقعٌ لا مفر منه. لم يكن بإمكانها أن تتقدم باستقالتها بجرأةٍ مُبهرة كما تفعل بطلات المسلسلات، حيث تُلقي بأوراقها في وجه الجميع وتغادر بثقةٍ ساحرة. لا، الحياة ليست بهذه البساطة.
كيف أفعلُ ذلك، وقد كلّفني هذا المكان الكثير…
لا تزال تتذكرُ فرحة جدتها يوم أصبحت شرطية. كانت جدّتها أعزّ عليها من روحها، ولو ماتت، لما حزِنت بهذا الشّكل.
بعد ظهرٍ طويلٍ من العذاب تحت وطأة شكاوى الجد أوكتشون، تحررت سو-نام أخيرًا.
كان جسدها وعقلها منهكينِ من محاولاتِ إرضاء الرجل العجوز ومن تمسّكها بالسّلم المرتعش. جلست على مقعدٍ أمام متجر صغير، عازمةً على تدليل نفسها بآيس كريم منعش.
عندما قضمت أولَ قضمة، ذابَ الإرهاقُ في حلاوةِ الطعم البارد، كأنّ نسمةً خفيفةً نفثت في رُوحها حياةً جديدة.
كانت الشمس، التي كانت تتوهجُ بحرارة، قد خفتَ وهجها، تاركةً أُفقًا يتلألأ بلونٍ برتقاليّ ناعم.
فجأة، ظهرت دراجةٌ هوائيةٌ من الجهةِ المقابلة للشارع، متجهةً نحو سو-نام.
كانت سونغ جي-آي، الشرطيةُ ذات الرتبة الأعلى التي تعمل معها.
“عزيزتي!”
لوّحت سونغ جي-آي بيدها بحماس، حتى كادت الدّراجة تتمايل. رغم أنهما قضتا ثلاثَ ساعاتٍ معًا في المكتب قبل قليل، كانت ابتسامتها المتوهّجة، التي تكشفُ عن أسنانها البارزة، كأنّها تراها لأول مرةً اليوم.
“آه، الجوّ حارٌ جدًا! اليومُ حقًا لا يُطاق!”
“هل عدتِ من الدورية؟”
“نعم، بسببِ نبات الخشخاش.”
“مرة أخرى؟”
في قريةٍ هادئة مثل بيسان-ميون، حيث تمرّ الأيّام عادةً دون أحداث، كان المركزُ قد أصبحَ مؤخرًا مضطربًا بسببِ قضايا تتعلقُ بزراعةِ الخشخَاش.
“عزيزتي، كم زيزًا اصطدتِ؟”
“اصطدتِ؟ لا شيء، فقط قضيتِ وقتي أستمعُ إلى هراء الجد أوكتشون.”
“هههه، كما توقعت. يبدو أنكِ تعبتِ كثيرًا اليوم.”
“نعم، نوعًا ما.”
“لا عليكِ، هيّا، اركبي! سأقلكِ إلى المركز بأمان.”
أشارت سونغ جي-آي إلى المقعد الخلفيّ للدراجة.
رغم أن الجلوسَ هناك قد يجعلُ أردافها تؤلمها طوالَ اليوم، لم تستطع سو-نام مقاومةَ لطف سونغ جي-آي. قفزت إلى المقعدِ الخلفي، رافعةً ساقيها بسرعة.
“سينباي، انطلقي!”
“حسنًا!”
تمايلت الدّراجة، التي تحملُ سو-نام وسونغ جي-آي، كأنها تحملُ عبئًا ثقيلًا، وانطلقت عبرَ الطّريق الريفي.
توقفت الدراجة لحظةً عند تقاطعِ الطّريق الرئيسي.
في تلك اللحظة، مرّت دراجةٌ نارية بسرعة، متجاهلةً الإشارة الحمراء بوقاحة، أمام عينيّ الشرطيتينِ مباشرة. حتى لو كانت دراجة توصيل تعتمد على السرعة، فالخطأ خطأ. تبادلت سو-نام وسونغ جي-إيه نظرةً حادة.
“سينباي، انطلقي!”
“حسنًا!”
بدأت سونغ جي-آي تدوسُ الدواسات بقوة، لكن الدّراجة الصغيرة، التي تحمل سو-نام وتجري منذُ فترة، لم تستطع مواكبة السرعة.
“سنفقده هكذا! أسرعي!”
“آه… آه… ربّــاه يا عزيزتي، ساقايَ ستنفجران.”
في لحظة يأس، قفزت سو-نام من الدراجة، مدورةً ساقها بحركةٍ واسعة، وبدأت تركضُ خلف الدراجة النارية.
رغم مظهرها النحيف، كانت سو-نام رشيقةً بشكلٍ مدهش، فقد اجتازت اختبار اللياقةِ البدنية في الجري لمسافة مئة متر بنتيجةٍ كاملة.
لكن مهما كانت سُرعتها، لا يمكن لإنسانٍ أن يتفوق على دراجةٍ نارية.
هل سأفقده حقًا؟ فكرت، لكن لحسنِ الحظ، توقفت الدراجة الناريةُ عند إشارة أخرى، حيث سدّت شاحنةٌ كبيرة الطريق.
اندفعت سو-نام وأمسكت بكتفِ السائق.
“س-سيدي… آه… لقد… هاه… خرقتَ الإشارة… آه…”
مالَ السائقُ برأسه متعجبًا.
آه…
ستّة أشهر من العيش كالمنبوذةِ في بيسان-ميون، دون تمارين رياضية، جعلتها في هذه الحالة البائسة.
لم تفكر في فرضِ الغرامة، بل أرادت فقط أن تستلقي على الأرض.
في تلك اللحظة، وصلت سونغ جي-آي على درّاجتها، وهي تلهث.
“آه، ساقاي. ربّــاه… سيدي! لقد خرقتَ الإشارة عند تقاطعِ البنك الزراعي، أليس كذلك؟”
“خرقتُ إشارة؟”
“نعم، نعم.”
“أنا؟”
“نعم، نعم، أنتَ يا سيّدي.”
“متى؟”
“قبل قليل، عند تقاطع البنكِ الزراعي.”
“يبدو أنكما بذلتما جهدًا كبيرًا للحاق بي، إذن ربما فعلتُ.”
“نعم، نعم، لقد فعلتَ.”
بينما كانت سونغ جي-آي تتجادل مع السائق، بدأت سو-نام تستعيد أنفاسها.
مهلًا لحظة…
هذا الصوتُ مألوفٌ بشكلٍ غريب.
أخذت سو-نام نفسًا عميقًا، محاولةً استعادة رباطةِ جأشها، ثم وجّهت كلامها إلى سائق الدراجة النارية بنبرةٍ حازمة لكن مرهقة:
“سيدي، لقد خالفتَ المادة الخامسة من قانون المرور. أرني رخصة قيادتك، من فضلك. أوه، وانزع خوذتك أيضًا.”
خلع السائق خوذته.
رفعت سو-نام رأسها لتتأكد من وجهه، وهي تُخرج جهاز إصدار المخالفات.
هـــاه؟
في اللحظة التي التقت فيها عيناها بعينيه الطويلتين الناعستينِ، تدفقت ذكرى.
“هاه… بـا…؟”
أغلقت فمي بسرعة، محاولةً كبح الكلمات التي انزلقت دون وعي. لكن متأخرًا جدًا؛ حاجبُ الرجل الأيسر كان قد ارتفع بتعبيرٍ متعجب، كأن عينيه الناعستين تخفيان سؤالًا لم يُنطق.
ألقيتُ نظرة سريعة على الرخصة التي ناولني إياها.
آن سيو-جون.
واصلت سونام حديثها، عيناها مثبتتان على وجهه، كأنها تبحث عن شيءٍ خفيٍ في ملامحه.
“سيدي، بناءً على المادة الخامسة من قانون المرور، ستُفرض غرامة قدرها أربعون ألف وون وخصم خمس عشرة درجة من رخصتك.”
“ها…”
زفرَ الرجلُ بضيق، عابسًا، فتطايرت خصلةٌ من شعره الأمامي.
اقتربت سونغ جي-آي منه.
“سيدي، يبدو أنك كنتَ مستعجلاً بسبب التوصيل. لكن يجب أن تُعطي الأولوية للسلامة. نعم، نعم.”
تسلمَ الرجل إشعارَ الغرامةِ ورخصتهُ، وهزّ رأسهُ قليلاً، ثم أعادَ ارتداء خوذته.
“نعم، نعم، سيدي، انطلق في طريقكَ. لا تنسَى، قُد بحذر! انتبه للإشارات!”
شغّل الرجلُ دراجته النارية وسط توديعِ سونغ جي-آي الحماسي، جاهزًا للانطلاق، لكن توقف فجأة، كأنّ شيئًا غامضًا كبحه في اللحظة الأخيرة.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات