1
─────────────────────
🪻الفصل الأول🪻
─────────────────────
“أنا… لماذا أنا… لماذا أُنفَى أنا، بينما ذلك الوغد يتجولُ طليقًا، ينعمُ بظلاله الآمنة!”
كانت كلماتِ سو-نام تنهمرُ كالسّيل، مشتعلةً بالغضب، وهي تُفرغ كأس السّوجو في حلقها بنهمٍ يشبهُ العطش للعدالة.
“أليس من المُزري… أن تُطرد الضحيةُ بسببِ الجاني؟ أيّ منطق هذا؟ أي عقل يقبله؟ أنا… أنا الضحية الظاهرة كالشمس، فكيف يُسمح بهذا الظلم! كيف يُترك هكذا…”
أمسكت الكأس بأصابعَ مرتجفة، وكأنها تُمسك بقلبها المُمزق. ضربت بها الطاولة بقوة، فتردّد صدى الضربات كصرخاتٍ مكتومة. ثم ملأت الكأسَ مجددًا، وأفرغتها في جوفها، كأنها تسكب فيه غيظها المكبوت.
في المقعد المقابل، جلست سو-جين ودا-يون، عيناهما زائغتان كنجمتين خافتتين في سماءٍ عاصفة، تنظران إلى سو-نام بدهشةٍ ممزوجةٍ بالحرج.
كانت سو-نام دائمًا نجمة صداقتهما المشعة. فتاةٌ أضاءت دربها مبكرًا، إذ اجتازت امتحان الشرطة من الدرجة التاسعة فور تخرجها من الثانوية، فصارت رمزًا للفخر بين أقرانها.
سو-جين ودا-يون، تحديدًا، كانتا تُشاركانها فرحتها كأنها فرحتهما الخاصة، عندما رفرفت لافتةُ نجاحها على بوابة مدرستهما الريفية المتواضعة، التي لا يتجاوزُ طلابها المئة، وعندما نُقلت لأوّل مرة إلى مركز شرطة في مدينةٍ مترامية الأطراف.
لكن في هذه اللحظة، تحت وهجِ المصابيح الخافتة في الحانة، بدت سو-نام كظلٍ باهتٍ لنفسها، تُثير في صديقتيها شعورًا خفيًا بالخجل.
قبل دقائق معدودة، كانت كلماتها تنهمر كالسياط، مشحونة بشتائم لم يتخيلا يومًا أنها قد تنطق بها. كانتا تلتفتان بحذر، تخشيانِ أن تلتقط الأذن الغريبة صخبها.
“أنا… هيييك… لماذا يُصرّ القدر على خذلاني؟ هيييك… آه…”
تحولَ غضبها فجأة إلى موجةٍ من الحزن العميق، فانهمرت دموعها كمطرٍ خريفيّ، يغمرُ وجهها الشاحب.
“آه؟ ربّــاه! حقًّا؟ أحسنتِ يا يون سو-نام. بعد كل ما فعلتِه وأتقنتِه، بلغ بكِ الأمر إلى البكاء؟”
قالت دا-يون بنبرةٍ تهكمية، وهي تمدّ يدها بمنديل لتمسح دموع سو-نام، محاولةً أن تخفف من وطأةِ المشهد.
‘لو لم تكن صداقتنا متجذرةً بعشر سنوات، لتركتكِ وغادرتُ دون تردد!’
لكن معرفتهما العميقة بما عانتهُ سو-نام من ويلات جعلتها تصلُ إلى هذه الحالة، دفعتهما لاستحضارِ قوة الصداقة الطويلة، فتحملتا الفصلَ الثاني من انهيارها المُؤلم.
استمرت سو-نام في البكاء حتى تحول وجهها الأبيض إلى لوحةٍ قرمزية، وعيناها إلى بحيرتينِ متورمَتين. انتزعت منديلًا من علبةِ المناديل بعنف، ودسّته في جيبها كأنها تُخفي سرًا.
“أريدُ الذهاب إلى الحمام!”
‘ما الذي تتفاخرين به لتصرخي بهذا الصوت!’
أمسكت دا-يون جبهتها، مذهولةً من صراخ سو-نام، ونهضت من مقعدها.
“يــا! انتظريني، سأذهب معكِ.”
لكن سو-نام هزّت يدها بعنف، كأنها تطردُ شبحًا.
“ابقي مكانكِ، ابقي مكانكِ.”
“سو-نام، إذن، هل أرافقكِ أنا؟”
أضافت سو-جين بنبرةٍ قلقة.
“يــا، هل تعتقدانِ أنني عاجزة عن الذهاب إلى الحمام بمفردي؟ اجلسا، اجلسا.”
وضعت سو-نام قائمةَ الطعام أمام صديقتيها، مفتوحة ككتابٍ مقدس.
“سأعود من الحمام، فاختارا بعض المقبلات. أما أنا…”
تحرك إصبعها السبابة على القائمة بحركةٍ متعرجة، كأنها تبحث عن ضالتها في متاهة.
“أنا… سأطلبُ السمكَ المجفف! سأتخيله ذلك الوغد، وسأمضغه حتى يتفتّت! لنرى من سينهار أولًا، لحمهُ… أم أسناني!”
كانت عيناها تلتمعان بنارٍ متّقدة، وصوتها يحملُ زئيرًا خافتًا كأسدٍ جريح.
بعد عودتها من حمام المبنى، لم تُعاود سو-نام الدخول إلى الحانة.
خرجت إلى الخارج، حيث هبّت نسمةٌ ليليةٍ قارسة، كأنها سكينٌ يمزقُ صدرها. وقفت وحيدةً تحت وهج أضواء الشوارع المتلألئة، تستنشقُ الهواء البارد كمحاولةٍ لتهدئة قلبها المضطرب. ثم استدارت أخيرًا، متجهةً نحو الحانة حيث تنتظرها صديقتاها.
فجأةً، خطف أذنيها صوتٌ غريب، أنينٌ خافتٌ يشبه همس العشاق.
“آه… أممم…”
التفتت بحدسٍ غريزيّ نحو مصدر الصوت. في زقاقٍ ضيقٍ ملاصق للمبنى، رأت ثنائيًا متشابكين كعجينةٍ طرية، يتلويان في رقصةٍ حميمة تحت ظلال الظلام.
‘ربّــاه، ألا يشعران بالبرد؟ لماذا لا يستأجرانِ غرفة؟’
في البداية، ظنّت أنهما مجردُ مخمورينِ يتصرفان بتهور. لكن صوت المرأة الرقيق قطع أفكارها كالبرق.
“لا، جاي وو-سسي.”
عند هذا الرفض الواضح، استيقظت حواسُ سو-نام كأنّ الخمر تبخر من عروقها. اندفعت غريزتها الشرطية، فاختبأت خلفَ صندوقِ الكهرباء، تراقب الثنائي بعيونٍ متيقظة.
كان الرجلُ يرتدي بدلةً داكنةً أنيقة، متكئًا على الحائط بمظهرٍ ينضحُ بالجاذبية. حتى تحتَ ضوء القمر الباهت، بدا كتمثالٍ منحوت، طويلُ القامة، بجسدٍ رشيق خالٍ من الزوائد، وقميصٍ ضيّق يكشف عن تناسقٍ بدنيٍ مثالي. جبهته المكشوفة وأنفه المستقيم كانا يتألقانِ بجمالٍ يتحدّى الظلال.
دون وعي، راحت عيناها تتفحصانهِ من قمةِ رأسه إلى أخمصِ قدميه، كأنها ترسمُ لوحةً دقيقة. لكن صوتُ المرأة أعادها إلى الواقع.
“لماذا تفعلُ هذا، جاي وو-سسي؟ هل ستستمرّ في إحباطي هكذا؟”
كانت نبرتها حاسمةً في البداية، لكنها سرعان ما تحولت إلى دلالٍ ناعم وهي تلفّ ربطةَ عنقه بأصابعها، كأنها تنسجُ خيوطًا من الحرير.
“أوه… لقد انتظرتكَ أنتَ وحدكَ، جاي وو-سسي. إن واصلت التصرف بلا مبالاة، سأتوقف حقًا عن رؤيتكَ من الغد!”
هــاه؟
في البداية، تلاشت فجأةً نظرات سو-نام المشدوهة، تلكَ العينان المتيقظتان اللتان كانتا ترصدان الثنائي كما لو أنهما على وشكّ ارتكاب فعلٍ محظورٍ تحت وطأةِ الإكراه، حين انطلقت كلمةُ “لا” من فمِ المرأة كسهمٍ يمزق ستار التوتر.
كل خليةٍ في كيانها، التي كانت قد استنفرت للحظاتٍ وجيزة كجيشٍ يستعد للمعركة، انطفأت فجأة كنجومٍ خمدت تحت وطأة كلمات المرأة الأخيرة، تاركةً إياها غارقةً في بحرٍ من الخيبة، خاليةً من أيّ نبضٍ للطاقة.
أسندت سو-نام ظهرها إلى صندوقِ الكهرباء البارد، وهوت جالسة القرفصاء على الأرض، كأنها ورقة خريفية تهاوت من غصنها. عندها فقط، لمحت وهجَ لافتةِ النّيون المبهرة، التي تتألقُ كمنارةٍ متوهجة، بارزةً من جدارِ المبنى المجاور، كأنها تهمسُ بأسرارٍ لم تُكتشف بعد.
-نادي ستيكس- للنّساء فقط.
آه… إذن، هو يعمل هنا.
تأملتُ وجه الرجل الأملس، ثمّ اللافتة، بنظرةٍ متفحصة. كانت المرأةُ تذوب شوقًا، بينما كان وجههُ يحملُ برودة الجليد.
يا لكَ من مسكين، تعملُ مع امرأة تبدو في سنّ عمتكَ الصغرى…
“… آه!”
ألقت المرأةُ بنفسها عليه، متشبثة به كأنها غصنٌ يتعلق بشجرة. راحت تصدرُ أصواتًا ناعمة، ملتصقةً به.
وعندما ظلّ الرجل صامتًا كتمثالٍ من الرخام، غامرت يد المرأة هذه المرة بالتسلل إلى صدره تحت أناقة بذلته الداكنة، كأنها تبحث عن نبضٍ مخفي. كانت أصابعها، المتلهفة كالفراشاتِ الجائعة، تستكشفُ صلابة صدرهِ بنهمٍ لا يُضاهى، ثم غاصت يدها عميقًا داخل السترة، كمن يغوصُ في بحرٍ مجهول. وبحركةٍ ناعمة كهمسةِ الريح، ألصقت خدّها بصدره، تداعبهُ بنعومةٍ محمومة، كأنها تسعى لاستنشاقِ روحه ذاتها.
“جاي وو-سسي…”
كانت نبرتها مفعمةً بالتوسّل، ثم وقفت على أطرافِ أصابعها، مقربةً وجهها من شفتيه. لكنهُ أدار رأسهُ بسرعة.
“يبدو أنكِ أفرطتِ في الشرابِ الليلة.”
كان صوتهُ عميقًا، يتردّد كلحنٍ يأسرُ الأذن.
ربّــاه… بوجهٍ يسرقُ أنفاس النجوم، وصوتٍ يتردد كأنشودةٍ سماوية… لو كنتُ مكانه لكنتُ نجمةً تتلألأ في سماء الشهرة.
“سيدتي المديرة، إن تصرفاتكِ هذه تُغرقني في بحرٍ من الحرج.”
رغم رفضهِ الصّريح، استمرّت المرأة، غارقة في رغبتها، تُقبل ذقنهُ وعنقه، ملطخةً إياهُ بأحمرِ شفاهٍ قرمزي.
“ما الذي يُحرجكَ؟ لا بأس، ثِق بي فقط، حسنًا؟”
ضحك الرجل ضحكةً خافتة، كأن شيئًا مضحكًا عابرًا لامس قلبه. هذا شجّع المرأة، فتحرّكت يدها من صدره نحو سحّاب بنطالِه. ابتلعت سو-نام ريقها دونَ وعي.
“همم، جاي وو-سسي…”
توقفت المرأة لحظة، كأنها وجدت كنزًا، ثم فتحت فمها بدهشةٍ وتعلّقت به أكثر.
“توقّفي، سيّدتي المديرة.”
على الرغم من أدبه الظاهريّ، كانت عيناهُ تحملان سخريةً باردة، كأنهُ يحتقرُ تهوّرها. أمسكَ معصمها بلطفٍ حازم، مانعًا يدها من التّمادي. ثم اقتربَ من أذُنها، وهمس بشيء.
في تلكَ اللّحظة، تمنّت سو-نام لو أنّ أذنيها تمتدان كعصا تصويرٍ لتسمعَ كلامه.
تجمدت المرأة فجأة، كأن صفعةً أصابت وجهها. ظلّت واقفةً جامدة، ثم استدارت وغادرت الزقاقَ بخطواتٍ متعجلة. تحت ضوءُ النيون، بدا وجهها كقناعٍ جليدي، بعيدًا عن الشغفِ الذي كان يغمُرها.
ألصقت سو-نام ظهرها بصندوقِ الكهرباء، حريصةً على إخفاء نفسها.
‘ماذا قالَ لها لتتغيرَ هكذا؟ ما الذي يحدُث؟’
بقيَ الرجلُ وحيدًا، متّكئًا على الحائط، ذراعاهُ مطويتان بنفس الوضعية المائلة.
بدا وجههُ الوسيم مزعجًا لسو-نام، كأنّه يتحدّى العالمَ بجماله.
تحت وهجِ المشهد الذي شاهدتهُ دون قصد، شعرت بالخمرِ يتصاعد مجددًا، رغمَ البردِ القارس.
عندما غادرتِ المرأة، تغيّر وجهُ الرجل، كأنّه خلع قناعًا. اختفى الأدب الذي رفضَ به تقدّماتها، وظهرت ابتسامةٌ ساخرة، كأن الموقف يُضحكه. مرّر إبهامه على شفتيه، ثم ضحكَ بخفة واستقام، مستعدًا للرحيل.
فجأة، التقطت عيناهُ امرأةً تختبئُ في زاوية الزقاق، تحدقُ به. رفع حاجبًا بتعجب.
‘ما هذا؟’
كانت جالسةً القرفصاء بوضعيةٍ غير متناسقة، عيناها متورّمتان، ووجهها شاحبٌ من بردِ الليل، يتصاعدُ من فمِها بخارٌ أبيض.
بدت لهُ كـ…
كرةِ عجينٍ بيضاء طازجة، كأنها خرجت من قدرٍ ساخنٍ للتّو.
حتى عندما التقت عيناهما، لم تحوّل بصرها، ممّا أثار دهشته.
“هل تعرفينني؟”
فتحت تلك الكرة البيضاء فمها، وهي تحدق به بعينين متورمتين:
“يا لكَ… من وغد.”
─────────────────────
🪻شروحــات🪻
لقبُ سسي (씨):
هو صيغة احترام شائعة في الكورية، تُستخدم بعد الاسم الأول أو الاسم الكامل عند مخاطبة الآخرين بشكل مهذب. يُقابلها في العربية قول “السيد” أو “الآنسة”، لكنها لا تُترجم حرفيًا عادة، بل يُكتفى بالاسم مع الحفاظ على نبرة الاحترام في السياق.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"