فتح الحرّاس المنتظرون عند المدخل الأبواب الضخمة في اللحظة المناسبة تمامًا. من الباب المزخرف عند المدخل، وصولًا إلى الأبواب الداخلية، كانت جميعها مشرعة أمامنا لنمر بسهولة.
كم بابًا يملك هذا القصر بالضبط؟
وأنا أسير خلف ريشت، كانت عيناي تتنقلان بكل اتجاه. زخارف القصر المبهرة، وهيبة الساكنين فيه، كلها جذبت نظري.
التوتر الذي شعرت به قبل نزولي من العربة اختفى منذ زمن.
بدأ الأمر وكأنني دخلت بالكامل إلى عالم الرواية—بالمعنى الحرفي.
هل أنا مرتاحة أكثر من اللازم؟
لم يعد وعيي إليّ إلا عندما وصلنا إلى ممر طويل، وفي نهايته بابٌ مهيب بلون البرونز مغلق تمامًا.
نُقش عليه شعار الإمبراطورية—تنين ضخم يبعث على الرهبة. غريزتي وحدها قالت إن هذا هو المكان الذي ينبغي أن أتوتر فيه بالفعل.
توقف كلٌّ من ريشت وأنا أمام الباب.
وببطء، ومع صرير ثقيل، بدأ الباب الهائل بالانفتاح.
“واو!”
لو لم أغادر البرج، لما كنت شاهدت هذا المشهد في حياتي.
قاعة عظيمة تمتد أمامي، سجادة حمراء طويلة تقود إلى عرش مرتفع في المنتصف. وعلى جانبي العرش، وقفت امرأة شقراء ورجلٌ مُسنّ بوقار.
نهض الرجل، الذي لوّن الشيبُ شعره الرمادي الداكن، من مكانه وكأنه كان ينتظرنا.
إنه الإمبراطور إيرغو غلاسيس لودنسا—حاكم الإمبراطورية الحالي.
أما المرأة الشقراء الجميلة فهي…
الشريرة.
توقعت أن تكون إمبراطورة في منتصف العمر بما أنها والدة الأمير الثاني في الرواية. لكن المرأة أمامي بدت شابة بشكل يصعب تصديقه—جمالها لافت، وبشرتها متوهجة، وتاج يزين شعرها الأشقر اللامع.
لا تبدو إطلاقًا كشخصية أمرت بمحاولة اغتيال ريشت عبر استئجار ساحرٍ من البرج. مظهرها كله لطف وأناقة.
“أقل رهبة بكثير من الرواية.”
مرّت لحظة صمت قصيرة، ثم تقدم الإمبراطور نحو ريشت بخطوات ثابتة.
“ريشت، يا بني…”
“أبي.”
في الرواية، صُوّر الإمبراطور كأب محب دون تفاصيل كثيرة. عيناه الزرقاوان وشعره الفضي المرتب للخلف كانا يحملان آثار الزمن، لكن ملامحه الآن كانت غارقة بالعاطفة.
توقّف لوهلة، وعيناه تلمعان بالدموع دون أن تسقط، وكان الفرح يشع من جسده كله.
وبالمقارنة… بطل الرواية ما زال جافًا كالعادة.
انحنى ريشت بركبتَيه ثم اقترب من الإمبراطور.
“ريشت.”
“لقد أقلقتك يا أبي.”
احتضن الإمبراطور ريشت—عناق طويل وعميق.
“لا بأس… الآن وقد عدت بهذه الحالة.”
هكذا يكون اجتماع العائلة!
لو كان هذا مسلسلًا، لكنت أخرجت منديلًا وبدأت بالبكاء. لكنني الآن لا أستطيع الاستمتاع بالمشهد براحة. إذ تقدّمت الإمبراطورة إليسيا نحونا.
“لقد عانيت كثيرًا يا ريشت.”
”…أمي.”
“كنت واثقة أنك ستعود قويًا وسليمًا هكذا.”
يا الهي… من يرى هذا، يظنهم يغرقون في مشاعرهم حقًا!
الحرس الواقفون في القاعة بدت أعينهم محمرة—المشهد كان مقنعًا للغاية.
في الرواية، كانت بارعة جدًا في لعب دور الإمبراطورة الحنونة، خاصة أمام العامة.
أمسكت الإمبراطورة يدي ريشت بحنان في مشهد مثالي يصلح للّوحات الفنية.
“بفضل اهتمام جلالتك، استطعت العودة سالمًا.”
تحت ابتسامتها، بدا ريشت متماسكًا، بل سعيدًا.
مشهد يجمع أمًا جميلة وابنًا أكثر جمالًا—كان براقًا. لكنه أيضًا… يسبب القلق.
كنت سأُخدع تمامًا لولا أنني أعرف حقيقة الرواية.
ريشت لم يبدُ متفاجئًا، وكأنه معتاد تمامًا على هذا الوجه الودود الزائف. كان يرد عليها بذات اللطف. ما الذي تخفيه الابتسامات؟ الله وحده أعلم.
لهذا السبب لم أرد القدوم للقصر أساسًا!
كنت أريد حياة هادئة بعد خروجي من البرج، أبحث فيها عن عمل… لكن يبدو أن خططي بدأت تنحرف مبكرًا.
انتهت التحيات أخيرًا. ساد صمت قصير، حتى النفس صار ثقيلًا.
نظر إليّ ريشت نظرة موجزة—إشارة واضحة بأن دوري قد حان.
“تلقيتُ إخطارًا مسبقًا، لكن سحري ما يزال غير مستقر.”
تركزت أنظار الجميع على ريشت… أو بالأحرى عليّ، وأنا أقف خلفه. توترت كتفاي رغم محاولة الاختباء.
“ولهذا أرسل دوق إيفرغرين تلميذته، الساحرة إديل، لتراقب حالتي عن قرب.”
“لا مشكلة طالما الدوق هو من اختارها.”
تقدّمت خطوة وانحنيت، وسحبت الغطاء عن رأسي لتأدية التحية كما ينبغي.
“الساحرة إديل من برج السحر، تقدّم تحيتها لشمس القمر ونجوم الإمبراطورية.”
هل قلتها بشكل صحيح؟ رددت التحية بصوت منخفض داخليًا وأنا غير واثقة.
“ساحرة البرج، ارفعي رأسك.”
أمرني الإمبراطور، فتقدّم ناحيتي ووضع يده على كتفي.
“قلتِ إن اسمك إيديل؟”
أومأت فورًا، وفضّلت إبقاء رأسي منخفضًا. لا يصح التحديق مباشرة بعينيه.
“نعم يا جلالة الإمبراطور.”
“اعتني بريشت جيدًا.”
اشتد ضغط يده على كتفي—ورغم صوته اللطيف، الرسالة كانت واضحة: أي تقصير… وستتم إزالتك من الوجود بسهولة.
وماذا عساني أن أفعل يا جلالة الإمبراطور؟
أنا مجرد موظفة مجهولة الهوية—والعمل تحت الضغط هو هوايتي أصلًا.
“نعم، سأبذل كل جهدي!”
ما الذي يمكن قوله غير ذلك؟
أشعر بهم… جميعهم يحدقون.
حتى دون أن ألتفت، استطعت الإحساس بنظرة الإمبراطورة الحادة تخترقني.
أنا… مجرد كومبارس يا صاحبة الجلالة!
رجوت أن عدم امتلاكي لقدرة الضوء يجعلهم أقل حذرًا مني. لكن نظرة الإمبراطورة كانت غريبة، حادة… متفحصة.
هل يشكون بأي شخص يقترب من ريشت؟
من انهيار الحاجز الحامي إلى هجوم المارقين… مجرد التفكير جعلني أرتجف. نهايتي قد تكون على يد أي أحد هنا.
لا أريد موتًا جديدًا في حياتي الثانية! المجيء إلى القصر كان غلطة كبرى!
لكن الهروب؟ غير ممكن الآن. لن أغادر إلا إذا قال ريشت إنه لم يعد يحتاجني. وحتى ذلك الحين… أنا عالقة هنا.
لا خيار أمامي سوى الالتصاق بالجدران والتظاهر بأنني غير موجودة.
ثم تذكرت هدفي الحقيقي:
أنا هنا لأجد بطلة الرواية “سيفينا”! سواء كان لديّ قدرة النور أم لا، إذا وجدتها… ستمشي الأمور، صحيح؟
وبصراحة، إيجادها في القصر أسهل بكثير منه في برج السحر، فهنا الجميع على صلة بالمعابد.
وبينما تدور أفكاري كقطار ملاهي، كان ريشت بجواري هادئًا بشكل مزعج. نظرت إليه بامتعاض، لكنه اكتفى بإعادتي بنظرة باردة وكأنه لا يفهم شيئًا.
وفجأة، وكأنه تذكر، قال للإمبراطور:
“بما أن الساحرة قد قطعت هذا الطريق الطويل، فلا بد أنها متعبة. ربما علينا العودة إلى قصر الأمير.”
لم يكن هذا ما عنيته، لكنني لن أقول لا.
جسدي منهك من الرحلة، والاهتزاز عند عبور البوابة كان كالسقوط من لعبة ملاهٍ.
ولماذا هذا العالم لا يملك حبوبًا للدوار؟
الحمد لله… فقط أريد أن أكون وحدي.
“نعم، لا بد أنها مرهقة. يمكنكما التوجه إلى قصر الأمير.”
وأخيرًا، كلمة تعني أننا سنفترق قليلًا.
“صحيح…”
وبمشاعر مختلطة، منحهم الإمبراطور الإذن، وتمكّنا أخيرًا من مغادرة القاعة الكبرى.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"