5
ومع ذلك، لا يستطيع المرء أن يخفي براعته؛ فـهايد تمكّن من تتبّع القطط شديدة الحذر والإمساك بها دون أن تنتبه إليه، وبالرغم من أنه أفلت بعضها لعدم إتقانه صيد القطط، إلا أن أداءه كان مدهشًا.
كيف له أن يخطو على أرض مغطاة بأوراق الشجر المتراكمة دون أن يُصدر أي صوت؟، لا أدري.
“لا، لم أفعل شيئًا يُذكر، كل ما حدث هو أنني تعرّضت للخدش من القطط…”
كيف يمكنه أن يقول هذا بكل هدوء.
“في النهاية، أنتِ أيّتها المتحرية من أمسكت بجميع القطط الهاربة، أشعر بالأسف لأنني تسببتُ في زيادة عملك.”
“لا، لا، بل على العكس تمامًا، بفضلك يا يوجين أصبح العمل أسهل بكثير، نعم، كان الفضل لك يا يوجين لأنك تمكّنت مباشرةً من تجميع القطط الهاربة في مكان واحد، لقد دهشتُ حقًا، ليس فقط لأنك لم تُصدر صوتًا أثناء السير، بل كيف تمكنت من معرفة وجهة القطط على الفور؟”
“آه، أنا بطبعي أتمتع بوعي مكاني جيد، أما خطاي… فقد أتقنتُها بالتدريب.”
هكذا إذًا، لقد أتقنها بالتدريب.
إنه لأمرٌ مدهش حقًا.
لا أدري كيف نمّى هذه القدرة، حقًا…
طلبتُ منه أن ينتظر قليلًا ريثما أُسلّم القطتين داخل القفص إلى العميلة.
أومأ هايد بالموافقة وتوجّه إلى مقعد قريب.
كان وقت الموعد مع العميلة وشيكًا، فأسرعتُ إلى برج الساعة.
هايد يتمتع بقدرات بدنية عالية، فهو لم يسر في السماء أو يختفِ ويظهر فجأة كما ذكرت الصحف، ولكنه كان رشيقًا وخفيف الحركة.
يبدو أنه يحاول أن يضبط نفسه، ولكنه يتمتع بمهارات أساسية عالية لدرجة يصعب إخفاؤها.
أُقرّ بموهبته، لولا هايد، لما تمكنتُ من الإمساك بالقطط اليوم.
كانت المهمة صعبة لدرجة تبرر فشل مكاتب التحري الأخرى التي طلبت العميلة مساعدتها سابقًا، كما ذكرت.
كنّا على وشك أن نُفلت القطة الأخيرة لولا أن ألقى هايد بنفسه أرضًا، متحمّلًا العض والخدش في كل مكان للإمساك بها.
“مرحبًا… أيتها العميلة؟”
“آه، أيتها المتحرية!، آه!”
“تفضّلي، القطتان اللتان طلبتهما، تشيزي وماكريل، أرجو أن تحرصي على إغلاق الأبواب جيدًا في المرات القادمة.”
“نعم، نعم، بالطبع، شكرًا لكِ، يا إلهي…”
هايد موهوب، لعلّه ماهر بيده أيضًا، ويُجيد أي شيء يفعله.
بصراحة، قد يكون توظيف موهبته الفطرية كـلصّ في عمل التحريات أمرًا مُحبطًا لمعجبيه، لكنه ذو فائدة كبيرة لي.
على الرغم من مرور يوم واحد فقط، إلا أنه أظهر حماسًا كبيرًا لهذا العمل.
“أيتها المتحرية، كيف تمكنتِ من التعرف على وجه طفليّ؟، المتحريين الآخرون لم يتمكنوا من ذلك لأن مظهرهما شائع جدًا.”
“أنا أُجيد ملاحظة الملامح، تشيزي لديه عينان ساحرتان، مع نقطة فوق إحدى عينيه، وماكريل لديه أنف مستدير، وفم مستدير، وعينان مستديرتان، هاها، إنهما حقًا رائعان، أحسدكِ أيتها العميلة عليهما.”
“…”
“أيتها العميلة؟”
“آه، يا إلهي، هذه الابتسامة… لا، آه، أيتها المتحرية، تفضّلي أجر المهمة، أضفتُ مبلغًا إضافيًا لأنني أعلم أنكِ عانيتِ، شكرًا لكِ، شكرًا جزيلًا.”
على أي حال، هايد… يوجين فيدين هو مساعدي.
هايد الذي أعرفه شخص صارم، من غير المرجح أن يُسرب أدلة تثبت هويته كهايد وهو متنكر، سيستغرق الأمر وقتًا للعثور على أدلة.
قد أحصل على دليل واحد بصعوبة بالغة، وكأنني أختلقه، لكنني أريد دليلًا قاطعًا لا يحتمل الجدل.
لقد سرق هايد بالأمس، لا بد أنه يحتاج وقتًا للتفكير فيما سيسرقه لاحقًا.
سيظل يتردد ويتحسس الأمور حتى ذلك الحين.
إذا كان ينوي كسب ودّ المحقق وتكوين صداقة معي لترسيخ نفسه، فلا بد أنه ينظر إلى الأمر على المدى الطويل، نعم، لن أراه فقط ليوم أو يومين.
“أيتها العميلة، هل…”
“نعم، أيتها المتحرية.”
“…هل تلقى أطفالكِ* لقاح داء الكَلَب؟”
(تقصد القطاوة)
“يا إلهي، نعم، لقد تلقوه، لكن… هل تعرضتِ لعضّة سيئة في مكان ما؟”
“لا، ليست أنا، بل مساعدي… آه، لم تكن عضّة سيئة.”
“هذا مريح، اسمحي لي أن أدفع لكِ ثمن الدواء على الأقل…”
“لا، لا بأس، ما داموا قد تلقوا اللقاح، فالأمر جيد، رائحة أفواههم لم تكن كريهة، لذا لا بأس، إذا حدث شيء غريب، فسنذهب إلى المستشفى… حسنًا، إذًا، كانت معكم موكا ديل من مكتب تحريات ‘الحوت الصغير’، تفضّلي بزيارتنا مرة أخرى.”
“نعم، شكرًا لكِ وأعتذر.”
بعد أن ودعتُ العميلة، اتجهت إلى الصيدلية المجاورة، اشتريتُ مضادات حيوية ومواد أخرى.
ما دمتُ سأوظفه، فيجب أن أستفيد منه بشكل جيد، يجب أن أُعطيه أجرًا مناسبًا وتأمينًا، وأمنحه الفرصة لإظهار قدراته.
أنا أنوي إبقاء يوجين فيدين كمساعد لي حتى أجد دليلًا لا لبس فيه على أنه هايد، وحتى ذلك الحين، يجب أن أُحسن استخدام الموظف الذي وظّفته.
بما أنه يُجيد العمل كما زعم، فأنا راضية، قد أضطر إلى إعادة النظر في الأمر لاحقًا إذا بدأ بتقديم طلبات غريبة أو يتحدث بأمور عجيبة، لكن في الوقت الحالي، يبدو أنه سيؤدي عمله على أكمل وجه.
عدتُ مسرعة إلى المكان الذي تم فيه الإمساك بالقطط، كان يوجين جالسًا على مقعد، يدوّن شيئًا في مفكرته بتركيز شديد.
توقعتُ أن يرفع رأسه فور شعوره بوجودي، لكنه لم ينتبه على الإطلاق.
ظل هادئًا حتى عندما راقبته عن كثب، ومر الوقت دون جدوى.
تعمّدتُ إحداث صوت أثناء اقترابي منه، لكنه لم يلاحظني حتى عندما وقفت أمامه مباشرة.
خفتُ أن يستمر على هذه الحالة، فأمسكت بكتفه.
“يوجين.”
“آه، أيتها المحققة.”
“أحسنت صنعًا، سأضع لك الدواء.”
“شكرًا لكِ…”
رفع يوجين كُم قميصه، بالنظر إلى أن القطط عضته وخدشته بشراسة قاتلة، كانت ذراعه سليمة نسبيًا، لكنها ‘نسبيًا’.
انتفخت المنطقة المصابة واحمرّت، لحسن الحظ أن القطط كانت من النوع المنزلي الذي يُعتنى به، لو كانت قططًا برية، لكان عليه الذهاب إلى المستشفى فورًا.
من حسن حظه أنه سحب يده بسرعة بسبب ردة فعله السريعة، لم تكن الجروح عميقة، لكنها ستترك علامات لبعض الوقت، لا بد أنها مؤلمة جدًا، لكنه لم يُظهر أي تذمر.
فتحتُ الغطاء، ووضعتُ الدواء برفق ثم لصقتُ الضمادة.
“كم عمركِ، أيتها المتحرية؟”
“أنت في الثانية والعشرين، أليس كذلك يا يوجين؟، أنا أكبر منك بأربع سنوات.”
“هكذا إذًا، تبدين شابة، لكنكِ ناجحة في هذا السن… أنتِ رائعة حقًا، هل درستِ للحصول على الشهادة بشكل منفصل؟”
“نعم، كنتُ أُفكر في أن أصبح شرطية وأعمل تحت إشراف المحقق، لكنه عارض بشدة.”
“عمل الشرطة صعب حقًا، عليهم العمل لوقت متأخر دائمًا، وقد يتورطون في أمور خطيرة…”
“هاها، كلامك يشبه كلام حضرة المحقق، لكنني اخترت عمل التحري لأنه يناسبني أكثر من حيث القدرة على تنظيم جدولي واختيار القضايا التي أعمل عليها، هل يمكنني رؤية وجهك قليلًا؟”
رمش يوجين بعينيه، ثم رفع رأسه، انزلق شعره بشكل طبيعي على جانبي وجهه، وضعتُ يدي على ذقنه لأثبّت وجهه وتفحصتُه ببطء.
كانت هناك علامة خدش واحدة بالقرب من فمه، وواحدة على جسر أنفه.
“أعتقد أنكِ اخترتِ الخيار الصحيح، أنتِ تتمتعين بموهبة فذّة، وتبذلين قصارى جهدكِ في جميع القضايا، اليوم، على سبيل المثال، ضيَّقتِ شبكة البحث وحققتِ بتمعن لتحديد مكان القطط، من وجهة نظري، كان أداءكِ ممتازًا حقًا.”
“يسعدني أنك تراه هكذا، لكن عمل التحري لم يكن سهلًا في البداية كما تصورت، فأنا لم أدرك أن الحصول على القضايا نفسها هو البداية، بغض النظر عن قدراتي، بعد افتتاح المكتب، لم يزرني عملاء لفترة طويلة، وعانيتُ حقًا.”
“إذًا، هل ندمتِ يومًا على اختياركِ لمهنة التحري؟”
“بصرف النظر عن الصعوبات التي واجهتها، أنا لا أندم على اختياري لهذا العمل، الشعور بالإنجاز والسعادة التي تأتي مع حل قضايا العملاء وتلقي الشكر لا يمكن وصفها بالكلمات.”
“…”
“هذا بالطبع حديث شخص نجح في ترسيخ نفسه الآن.”
“…”
“على أي حال، انتهى العلاج، أحسنت صنعًا في مهمة هذا الصباح.”
“وأنتِ كذلك، أيّتها المتحرية.”
سلمته ما تبقى من الضمادات والدواء، وفركت الجزء اللاصق من الضمادة التي وضعتها لضمان ثباتها، أعاد هايد رأسه إلى الخلف ورفع كتفه قليلًا.
قمتُ بقياس وتحديد النطاق المسموح به والمدرك لديه بعيني.
(تقصد انها فحصت المسافة الي مخليها بينهم جسديًا بنظرها)
يبدو أنه لا يُبالي إذا حدث تلامس جسدي مباشر بيننا، حيث إنه لم يهتم عندما ضغطتُ بلطف على الضمادة ثم أزلتُ يدي دون ترك أثر ملموس…
“لماذا قررتَ أخذ إجازة دراسية، يا يوجين؟”
“لم يكن لدي هدف محدد، وكما قلت لكِ، أردتُ أن أكتسب خبرات مختلفة، كلما زادت الخبرات، زاد الإلهام الذي أحصل عليه.”
“أتطلع إلى الأزياء التي ستصممها يا يوجين، آه، هل يمكنك أن تُريني شيئًا صممته؟، بدا وكأنك ترسم شيئًا في المفكرة الآن.”
“ماذا؟، إذًا، لقد رأيتيني…”
“نعم، لقد كان تركيزكِ مذهلًا حقًا، كنتَ مركزًا لدرجة انك لم تسمح لي بمقاطعتك بسهولة، أأنا محقة؟”
“أنا من النوع الذي إذا انغمس في شيء، يصعب عليه الخروج منه…”
“هذا دليل على شغفك به، يبدو أنك ماهر جدًا، ألست كذلك؟”
“آه…”
مدّ يوجين المفكرة، وقال إنه يشعر بالحرج لكنه سعيد.
كنتُ أظن أنه سيرفضني مرة واحدة على الأقل، لكن لماذا كان الأمر بهذه السهولة؟، هل لا يبالي بأن يُكشف أمره؟
لا يمكنني التخمين، هل هو من النوع الذي يسمح بكل شيء طالما أنني لا أتجاوز الخط الأحمر؟
حسنًا، بما أنه يُريني إياها بهذه الطريقة الهادئة، فليس هناك معلومات مهمة مدونة فيها…
“أليس هذا هو القناع الذي يرتديه هايد؟”
“هذا صحيح، لم يتم الكشف بعد عن النقوش أو التصميم الحقيقي، لذا حاولتُ تصميم عدة أشكال من مخيلتي، ما رأيكِ؟”
“إنه رائع، لديك مهارة جيدة، يا يوجين…”
Chapters
Comments
- 5 - الفصل الخامس 2025-10-12
- 4 - الفصل الرابع 2025-10-12
- 3 - الفصل الثالث 2025-10-12
- 2 - الفصل الثاني 2025-10-12
- 1 - الفصل الأول 2025-06-16
التعليقات لهذا الفصل " 5"