4
“نقدًا.”
“حسنًا، إذًا سأشرح لك مهام اليوم باختصار، لنبدأ العمل فورًا، سأجهز لك جدول الأعمال لما بعد اليوم وأُسلّمه لك بعد انتهاء الدوام، وسأكون شاكرة لو اطّلعت عليه…”
بُوم – بُوم – بُوم –
أصوات خطوات غاضبة سُمعت في ارجاء الطابق.
انفتح الباب بعنف، حاولتُ جاهدًا إخفاء علامات الارتياح على وجهي.
“ديل*، ما الأمر؟”
(ديل هو اسم عائلة موكا)
“حضرة المحقق.”
لأرَ، هل يبدو على هايد أي قلق أو ارتباك؟، لا بد أنه أجرى تحريات عني قبل التقدم للوظيفة، أليس كذلك؟
“حضرة المحقق… من هذا؟”
صحيح، لقد فعلها، لقد عرفه على الفور، لقد جاء وهو يعلم أنني على صلة بالمحقق.
“هذا صديقي، المحقق ديديل بون، حضرة المحقق، هذا هو مساعدي الجديد، يوجين، كما أخبرتك.”
“…آه، هكذا إذًا، لقد قلتِ إنكِ ستوظفين شخصًا اليوم، سعيد بلقائك، أنا ديديل بون.”
نهض هايد على عجل، وقال “أنا يوجين فيدين، ويُسعدني لقاؤك جدًا”، ثم تصافحا.
تراءت في ذهني صورة المحقق وهو يصب القهوة متمتمًا بالشتائم في كل صباح، وصورته وهو لا يكاد يتناول طعامه من قلة الشهية، ويكتفي بالتذمر من هايد ليل نهار.
هذه هي اللحظة التي طالما تمناها المحقق.
تخيلتُ الصحف التي ستُزيَّن بعناوين مثل:
{المحقق ديديل بون، رئيس قسم التحقيقات الثاني والمسؤول عن قضية هايد، ينجح أخيرًا في الإمساك به.}
سيضع المحقق الأصفاد في معصمي هايد كما حلم دائمًا.
سيحاول هايد الذكي والسريع الهرب، لكنه لن ينجح لأن المسافة قد ضاقت بالفعل، وسيقبض عليه المحقق بهدوء ويقتاده إلى مركز الشرطة.
بعد ذلك، ستكون مهمة البلاد، وسيقف هايد أمام المحكمة.
سيُحاسب هناك على الجرائم التي أحدثت ضجة في المجتمع.
وبمجرد التأكد من هويته، سيتلقى سيولًا من الدعاوى المدنية من الأشخاص الذين سرق منهم.
نعم، لا شك أن هذا ما يجب أن يحدث…
لكن لماذا يكتفي المحقق بهزّ يده مع هايد بضع مرات ثم يتركها؟
“حضرة المحقق، هذا هو الشيء الذي تركته خلفك.”
“موكا، لا أعرف عن أي شيء تتحدثين.”
“معطفك، تفقد جيوبك جيدًا أيضًا.”
يحمل المحقق أصفاده ومسدسه في جيوبه الخارجية، لذا تعمّدتُ إعطاءه تلميحًا.
“آه، يبدو أنني نسيت أن أحافظ على أغراضي مرة أخرى.”
تفحص المحقق جيوبه بلامبالاة، وطلبتُ منه أن ينظر جيدًا مرة أخرى.
تنهّد المحقق بألم، أخرج الأغراض وتفحصها ثم أعادها إلى مكانها.
شعرت بالنفاد الصبر، وتظاهرت بالتذكر فأحضرت قلم المحقق ومفكرته وأشياء أخرى كنت قد احتفظت بها له من الخزانة وقدمتها إليه.
أخذها المحقق ووضعها في جيبه، وانتفخ جيبه الكبير بضخامة.
أحضرت قبعته المتروكة، أحضرت وشاحه، أحضرت قسائم المقهى الذي يتردد عليه.
خيط تنظيف الأسنان الإضافي، والسجائر، وغليون التدخين، والمناديل، والمظلة، واللبان، والمحفظة، وحتى القفازات.
“آه، نعم، شكرًا لكِ يا موكا، لكن…”
“حضرة المحقق، يجب أن تعتني بأشيائك، أنت رجل يقوم بعمل مهم تتوقف عليه اللحظات، ماذا كنت ستفعل لو كنت بحاجة إلى احد هذه الأشياء ولم تجدها؟”
“موكا.”
“الأشياء التي في الداخل مهمة جدًا لعملك أيضًا!، حتى لو كان هذا المكتب صغيرًا، فالناس يدخلون ويخرجون، أليس من المحتمل أن تحدث كارثة إذا حصل عليها شخص ما عن طريق الخطأ؟”
“لا.”
“لقد أخبرتك في المرة الماضية، يأتي الأطفال الصغار غالبًا لطلب المساعدة.”
“هذا صحيح… لقد أهملتُ العناية بها… صحيح، قد يتلاعب بها الأطفال وقد تحدث كارثة كما تقولين…”
إنها كارثة حقيقية، إنه لا يلاحظ أي شيء على الإطلاق، لا يبدو أنه جاء وهو متنبه للأمر.
لماذا لا يتعرف عليه؟
إنه ليس رجلاً قد رأى هايد بشكل عابر، فألم يلتقيا وجهاً لوجه؟
ومع ذلك، لماذا لا يتعرف على هايد؟
أليس هو المحقق المسؤول عنه؟
أليس هو الشخص الأكثر احتكاكًا بهايد في هذا البلد؟
إذا كان لا يستطيع التعرف عليه، فهذا يعني…
“أنت، يوجين، أليس كذلك؟، أنا لست كثير النسيان هكذا كل يوم…”
“أوه، لا!، هذا يحدث لأغلبيتنا، أنا أيضًا أنسى كثيرًا، لقد خرجت من المنزل ذات مرة دون أن أغلق الباب!”
“هل دخل اللصوص لمنزلك؟”
“لا.”
“إذًا هذا جيد.”
“صحيح، هاها.”
“أنت… همم… رجل ودود حقًا.”
“شكرًا لك.”
آه، إذًا أنا الوحيدة التي تعرفت عليه، من الطبيعي أن لا يكتشفه الناس حتى لو تبادلوا معه الحديث.
لقد كان جريئًا جدًا لأن الناس لم يستطيعوا كشف هويته كما فعلت أنا.
“حضرة المحقق.”
“أجل، موكا، سأكون حريصًا في المرة القادمة.”
“لا…”
لقد كنت حمقاء.
شعرت بالأسف تجاه المحقق، ما كان يجب عليّ أن ألومه وأنتقد تصرفاته، طالبة منه الانتباه، الأغراض الصغيرة، أو حتى المعطف، كان يمكنني ترتيبها.
هدأتُ المحقق المنكسر، وقلت له إنني كنت قلقة عليه، ثم نظرتُ إلى هايد بتمعن.
كانت عيناه تبرقان، وهو يحدق في المحقق وكأن الموقف مثير للاهتمام.
بمجرد أن شعر بنظري، أراح تعابير وجهه على الفور، وهذا أيضًا رأيته أنا فقط.
أدار المحقق رأسه متأخرًا، فالتقطت عيناه عيني هايد.
عندها، وكأنما كان ينتظر هذه اللحظة، مدح هايد المحقق، قائلًا إنه سعيد بلقاء شخصًا مشهورًا، وكما فعل معي تمامًا، شعر المحقق بالحرج وسعل.
“لقد قرأت مقال الأمس، وكان رائعًا!”
“لم تكن النتيجة جيدة، لذا أشعر بالخجل…”
“آه، لا، على أي حال، حضرة المحقق، ستتمكن يومًا ما من الإمساك بهايد بالتأكيد، إذا اعتبرت هذا جزءًا من عملية جني الثمرة، فلن تكون هذه هزيمة، فالكحول لا يُشرب إلا بعد الانتهاء من العمل…”
“سأنتظر اليوم الذي نرفع فيه نخب النصر، شكرًا لك.”
طلب هايد توقيع المحقق، وقال إنه مُعجب به حقًا، وإنه يُسعده رؤيته يعمل بجد دائمًا، وقع المحقق توقيعًا كبيرًا جدًا في المفكرة التي مدّها هايد إليه، بقلب ممتلئ بالفخر.
هذا تضليل وخداع، كيف يمكنه أن يقول مثل هذا الكلام دون أن يطرف له جفن؟
هل لهذا السبب يُقال إنه يجب الابتعاد عن الأشخاص الذين لا يقولون إلا الكلام الجميل…؟
“موكا، أنا سعيد لأنكِ وجدتِ مساعدًا جيدًا.”
“…نعم، وأنا كذلك.”
“حسنًا، إذن، أتمنى لكِ يومًا جيدًا، وإلى اللقاء في المساء، إذا أمكن.”
“نعم، حضرة المحقق، لا تنسَ تناول طعامك.”
“حسنًا.”
“لا تنسَ، وتناول ولو قطعة خبز.”
“حسنًا!”
نظرتُ إلى الباب المغلق بتفكير عميق.
ماذا عليّ أن أفعل؟، عقلي في حالة فوضى.
لا يوجد دليل، هايد ليس مجرمًا معروف الوجه في الأساس.
إذا لم يتعرف عليه المحقق المسؤول عن قضيته، فلن يستمع إليّ أحد مهما جادلت.
مجرد ادعائي بأن هذا الرجل هو هايد هو مجرد شبهة، فأنا لم أقبض على هايد متنكرًا وأنزع قناعه.
علاوة على ذلك، فإن القواسم المشتركة الوحيدة التي يمكنني اعتبارها دليلًا هي حجم جسده وشعره الأسود.
لا يمكنني أن أصر على أنه هايد دون دليل قاطع، أليس كذلك؟
إذا أنكر، فلن يكون لدي ما أقوله.
نظر هايد إلى توقيع المحقق بفرح.
يبدو أنه يجد المتعة والغرابة في مواجهة شخص اعتاد رؤيته ولكنه لم يتبادل معه الحديث من قبل.
أنا في حيرة، فهو لقد حصل على موقع مثالي من وجهة نظره.
تعرف على المحقق، ومهّد لذلك بأنه مُعجب به.
إذا استمر في العمل هنا، فستكون لديه فرص كبيرة للتقرب مني ومن المحقق.
وإذا سارت الأمور جيدًا، فسيمكنه أن يُدلي برأيه في القضايا المتعلقة بهايد.
الوضع ممتاز ليلعب لعبته.
لا يمكنني أن أقف مكتوفة الأيدي، ولا يمكنني أن أراقبه.
يجب أن أُعدّل خطتي.
“آسفة، آمل إنه حضرة المحقق لم يزعجك؟”
“لا، أنا فقط لم أتوقع أبدًا أن ألتقي بالمحقق المسؤول عن قضية هايد، لقد شعرت بتوتر شديد لأنها المرة الأولى التي ألتقي فيها بشخصًا مشهور… حقًا…”
يجب أن أعرف دوافعه، دوافع هايد في ارتكاب الجرائم واضحة، لكن السبب وراء هذه الدوافع غير معلوم.
لو كان مجرمًا يمكن الإمساك به بسهولة، لما احتجت إلى معرفة ذلك، لكن هذا اللص المقنّع المخادع ليس من النوع التافه.
يجب أن أقرأ دوافعه، وأفهمها، وأستخرج كل شيء: من شرارة بدايته للجريمة، إلى أسبابه، لأتمكن من الحصول على دليل قاطع وحقيقة لا يمكن إنكارها للجريمة.
“…حسنًا، أتمنى أن نتقابل كثيرًا في المستقبل، اسمي موكا ديل.”
مددتُ يدي.
كنتُ أخطط لتناول فطائر البانكيك بسعادة، متخيلة هايد خلف القضبان، لكن الخطة تغيرت.
“آه، أنا يوجين فيدين.”
لذا أولاً، سأقدّم ‘الحلوى’ للكبار كما أقدمها للأطفال.
فالحلوى تُحسّن مزاج الناس.
“حسنًا، يوجين، ما رأيك في تناول فطائر البانكيك على الغداء؟”
الشخص ذو المزاج الجيد يسهل التقرب منه، وعندما ينفتح القلب، تنطلق الكلمات.
“…مع القهوة؟”
“مع القهوة.”
ابتسمتُ وهززتُ يده لمصافحته.
* * *
القضيّة رقم 1 | القمر والفتاة | فصل المشكلة.
* * *
“صيد القطط أصعب مما توقعت.”
“سيصبح الأمر أسهل مع اكتساب الخبرة، بالطبع، يختلف الأمر بناءً على مزاج القطط.”
“هل كنا محظوظين اليوم؟”
“لا، كان الأمر اليوم أشبه بالتعرض لعاصفة ممطرة عنيفة في يوم خرجت فيه دون مظلة.”
“آه… لا عجب في شراستهم…”
“لكنّك قمت بعمل جيد في المرة الأولى.”
لم يكن الأمر جيدًا فحسب لقد كان رائعًا، رغم أنني أدركتُ الأمر عندما أخبرتني مالكة القطط أنها هربت فجأة، إلا أن حالتها كانت أسوأ مما توقعت.
نعم، كانت القطط الهاربة بسبب موسم التزاوج شديدة الشراسة.
Chapters
Comments
- 5 - الفصل الخامس 2025-10-12
- 4 - الفصل الرابع 2025-10-12
- 3 - الفصل الثالث 2025-10-12
- 2 - الفصل الثاني 2025-10-12
- 1 - الفصل الأول 2025-06-16
التعليقات لهذا الفصل " 4"