3
إن طريقة حديثه العادية التي تبدو مُتلعثمة قليلًا، وشغفه الذي يتوقد عندما يتحدث عن أمور يُحبّها، تجعلانه يبدو بريئًا لدرجة تذيب أي حذر.
فالعادات والطباع، ونبرة الصوت والسلوكيات المتأصلة في المرء، تنساب بشكل طبيعي جدًا في كلامه وتصرفاته، فلا يلاحظها إلا من يمعن النظر.
وعلى النقيض، فإن أي سلوك غير لفظي مفتعل ومتعمد يكون مزعجًا جدًا للعين، لكنني لا أرى شيئًا من ذلك في هذا الشاب البسيط الذي أمامي.
إنه لا يُمثّل، هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها هايد على طبيعته، لكني أدرك جيدًا أن هذه هي هيئته المعتادة.
تجتاحني مشاعر قوية بأن هذه هي شخصيته، لكن هذا أمر لا يحتمل الحكم الخاطئ، فالعبء سيتزايد عندما يتم القبض عليه، بدأت أشك في مدى بصيرتي.
(تقصد موكا ان لو كان هايد شخصيته لطيفة راح يزيد العبء عليها وراح تتردد لما ينقبض عليه)
… هل هو ليس ‘هايد’ في الواقع؟
هل هو مجرد شخص يشبهه؟، هل ربما قد أخطأت؟، هل خانني بصري؟
لا، هذا مستحيل.
عيني لا تُخطئ.
الشاب الذي أمامي عنيد في رأيه، ولديه جانب صارم.
والأهم من ذلك…
“يمكنني أن أخبركِ بذلك مرارًا وتكرارًا، أيتها المتحرية، أنتِ امرأةً عظيمة.”
انظروا إلى عينيه كيف تبرقان بهذا الشكل!
إنه لا يفعل ذلك لمجرد إعجابه بمظهري.
بل لديه هدف يسعى إليه، ومقصد ينشده.
“أنتِ، أيتها المتحرية، أكثر من قابلتُ استحقاقًا لكلمة ‘متحرية’.”
لماذا يا تُرى؟
لأهدأ وأفكر.
الطرف الآخر ليس شخصًا عاديًا، إنه هايد، اللصّ المقنّع العظيم هايد.
بما أنني لا أستطيع حاليًا التمييز بين كذب وحقيقة المعلومات التي قدّمها، فلأفترض أنها حقيقة وأُفكر.
هل جاء لاستهدافي؟، هل أعجبته استنتاجاتي؟
لنُفكر في دوافع هايد.
هايد الآن يُثني عليّ، ويصفني بالمتحرية البارعة في العثور على الأشياء.
يقتبس الآن من قصص الروايات، قائلًا إنني قادرة على العثور على كنوز مخفية.
لطالما كان هايد يتعامل مع الأعمال الفنية المشهورة والمعروفة.
لكن هايد، الذي قابلته شخصيًا، يبدو أكثر اهتمامًا بالأشياء اللامعة التي لم تُكتشف قيمتها بعد.
إن إسهابه في الحديث عن الكنوز المخبأة في الآثار يوحي بأنه يميل إلى نبش القبور أكثر من السرقة.
(بمعنى ان هايد يسوي جرائم بس عشان قيمتها، مثلاً اللوحات الي كانت مسروقه سرقها هايد ما سرقها عشان يبيعها بل سرقها عشان يرجعها لاصحابها ويعلن للعالم قيمتها الحقيقية)
لو كنتُ هايد… كيف سأنظر إلى متحرية موهوبة بدأت للتو في ترسيخ نفسها؟
هل يخطط لإغرائي واستغلالي؟
هل استخدم هايد قبل قليل حرف عطف عند الحديث عن ‘الإعلان’؟، لقد شدّد على تلك الكلمات…
هل ينوي الانضمام كمساعد، لأجل ان يحصل على المعلومات بعمله كمساعد لمتحرية ليعثر على الأشياء التي يريد سرقتها…؟
“في الحقيقة، لدي أمر أريد إخباركِ به.”
إن وظيفة المساعد تمنحه منصب غير لافت للانتباه، وفي مكان يتيح له بالتدخل في القضايا بشكل طبيعي…
لأنه بهذه الطريقة، يمكنه العمل والتخطيط بفعالية أكبر ومع وجود متسع من الوقت، بدلًا من التخفي في هيئة لص مقنّع…
لا، ليس هذا هو الأمر، هذا الرجل يسرق ما يسرقه بكل إتقان، والأهم من ذلك، أنه يضع أنظار الناس على رأس أولوياته، إنه يحبّ التفاخر بظهوره.
ما يريد فعله بالعمل كمساعد لي، كما قال هو، هو سرقة الأشياء التي لم تطفُ على السطح بعد.*
(بمعنى لم يتم إيجادها بعد)
إذا كان هذا هو ما يسعى إليه، فالمعلومات التي سيُقدمها لي ستكون عن الكنوز المخفية التي يريد سرقتها.
حسنًا، ربما كل هذا مجرد تمهيد لسرقة عظيمة…
“…هل تعلمين، أيتها المتحرية، من أين جاءت تلك القلادة؟”
إذًا، الأمر بالفعل هكذا.
أنا أبحث عن الشيء، وهو سيسرقه.
“لا، لم أسمع شيئًا آخر من السيدة بومبوم بعد ذلك.”
“لقد سمعت شيئًا.”
حنى هايد رأسه قليلًا، ووقع ظلًا على وجهه.
ترسم على شفتاه ابتسامةً، خالقًا جوًا خطيرًا.
هايد يبتسم عندما يكذب.
ويشرح هايد، لكن في الحقيقة، تلك القلادة معروفة لكل من له دراية.
لقد كانت تُعرف بأنها واحدة من سبع قطع مجوهرات اختفت بعد وفاة الصائغ الذي كان يدير ورشة شهيرة، لكن تلك القطع السبع هي في الواقع أعمال تلاميذ الورشة وليست من صنع الصائغ نفسه.
لا أعلم من أين أتى بهذه المعلومات… فالسيدة بومبوم لا تعرف مثل هذه التفاصيل، ولكن…
“يبدو إنها قصة تستحق أن يسعى إليها هايد.”
“أليس كذلك؟، لكنني لو كنت هايد، فلن أسعى إليها تحديدًا.”
“لِمَ؟، أرى أنها تستحق الجهد.”
“عندما رأيت السيدة تتباهى بها، لاحظتُ أن الختم المنقوش على القلادة كان ختم الورشة وليس ختم الصائغ.”
“يبدو أن المعلومات التي لديك كانت خاطئة قليلًا.”
“نعم، فلا ينبغي تصديق الإشاعات قبل التحقق منها.”
قول سديد.
للتأكد من صحة أي أمر، لا بد من مواجهته بشكل مباشر.
“انتظر للحظة، سآتي بالأوراق فورًا.”
“أهذا يعني…!”
“أنت تبدو متحمسًا، لكن لا تتخلَّ عن العمل إذا لم تجد الأمور ممتعة كما توقعت.”
“هذا مستحيل!، سأعمل بجد!”
حتى لو كانت نتيجة التحقق مختلفة عما توقعت.
يجب عليّ أن أمضي قُدمًا في خطتي.
خرجت من الباب الخلفي، نظرت حولي لأتأكد من أنني في مكان لا يمكن رؤيته من مكتبنا، وقلبت العملة المعدنية في يدي.
فتحت أقرب كابينة هاتف عمومي، وأدرت القرص.
“هل هذا هو الخط المباشر للمحقق ‘بون’ في قسم التحقيقات الثاني؟، نعم، هل يمكنني التحدث معه؟، نعم، صحيح، المحقق بون، ذلك الرجل الحاد، إذا قلت له ‘موكا ديل’، ف… أوه، حضرة المحقق!، نعم، مرحبًا بك مجددًا، أنا بخير، هاها… ليس بالأمر الجلل، لقد تركت شيئًا خلفك يا سيدي هذا الصباح، نعم، إنه شيء ضروري، وربما ستبحث عنه بيأس الآن، لقد وجدته، وسيكون من الجيد لو أتيت لأخذه.”
* * *
لقد أجريتُ الاتصال، بما أنني قلت إنني عثرت على شيء، فسوف يأتي المحقق لا محالة، بغض النظر عن سبب المكالمة.
إذا كان لديه بعض الحدس، فسيأتي ومعه عدد من رجال الشرطة الآخرين.
صعدت الدرج بخطوات مبهجة، المسافة من مركز الشرطة إلى المكتب لا تزيد عن عشر دقائق، لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، لذا سأبقى مُمسكة بهايد حتى وصول المحقق.
هذا أمر سهل، لا يوجد فيه أي صعوبة، خاصة وأن هايد واثق من أنني لم أكتشف هويته.
من البديهي أن الغفلة تجلب المتاعب، الناس لا يضعون استثناءات إلا في المواقف الاستثنائية.
بما أنه لم يُكتشف بهيئة هايد طوال هذه الفترة، وهو يكتفي بإطالة غرة شعره لتغطية عينيه، فقد استنتج تلقائيًا أنني لن أتمكن من معرفة هويته أيضًا.
لذلك، يمدحني بكل وقاحة، ويتحدث عن قلادة السيدة بومبوم.
ربما كان هايد ينوي سرقة قلادة السيدة بومبوم.
لو كان الختم عليها هو ختم الورشة، لكان قد انتظر حتى تُسلّط الأضواء على القلادة، ثم بحث عن فرصة لسرقتها.
أن يتحدث معي عن نيّته هذه بكل بساطة ودون إخفاء… أليس هذا تفكيرًا ساذجًا جدًا؟
بصراحة، أي شخص أولى هايد أدنى اهتمام وراقبه بتمعن، لا بد أنه سيكتشف أنه هو.
يبدو أنه لم يُكشف أمره حتى الآن لأنه لا أحد يهتم برجل وجوده باهت، لكنه سقط في شباكي أنا الآن.
لقد برقت عيناه لدرجة أزالت أي شك كان لدي بمجرد أن تحدثت معه ونظرت في عينيه، فكيف يمكنه أن يخدعني؟
لذا استسلم بهدوء، يا هايد، ودعهم يمسكون بك.
“آسفة على التأخير، كل ما عليك فعله هو ملء المعلومات في الأجزاء التي وضعتُ تحتها خط من الأعلى، أوه، هل كنت تقرأ الجريدة؟”
“آه، أنا آسف لأنني نظرت فيها دون إذن.”
“لا، بل من الطبيعي أن يقرأ المرء ما يراه من كلمات وصور، هل أنت مهتم بهايد؟”
“هايد… بصراحة، إنه مثير للإعجاب…”
يبدو أن هايد لديه قدر لا بأس به من النرجسية…
“هل أنتِ أيضًا تطاردين هايد، أيتها المتحرية؟”
“إذا سنحت لي الفرصة فسأقبض عليه، لكن لدي عملي الخاص.”
“إذا سنحت لكِ الفرصة فستقبضين عليه؟”
“إذا سنحت لي الفرصة، فسأقبض عليه… أليس كذلك؟”
(ترددت موكا لما سألها هايد للمرة الثانية وكأنه يؤكد على كلامها)
“حسنًا؟، ما رأيكِ بهايد، أيتها المتحرية؟”
“…أعتقد أنه مجرم مُخطط جيدًا، هايد لديه مسارات إجرامية واضحة عند السرقة، ألا يتجنب ببساطة مواقع الشرطة والفخاخ وهو يعرفها مسبقًا؟”
من البديهي أنه ذكي، بارع في التنكر، ويتمتع بلياقة بدنية ممتازة، من المؤكد أنه يتسلل إلى الموقع قبل الجريمة ليرسم خريطة، أو يستكشف الطريق.
لا بد أنه يقوم بمحاكاة للجريمة عدة مرات قبل أن يسرق كنزًا واحدًا.
“للتسلل، سيتنكر بهيئة شرطي بدلًا من مواطن عادي، ورغم أن الشرطة تقوم بتعداد وإدارة الأفراد مسبقًا، إلا أنه لا يمكنهم فحص من يتغيرون باستمرار…”
“…”
“هل هناك خطبًا ما بك؟”
“آه، لقد اندمجت مع كلامكِ…”
وقال هايد فجأة إنه يشعر بالحر رغم عدم تشغيل جهاز التدفئة، وبدأ يهوّي على نفسه بيده.
هل فهم كلامي كمديح؟، يبدو سعيدًا كطفل مدحته بطلته المفضلة.
يمكنني رؤية زوايا فمه ترتفع وتنخفض وهو يحاول منع نفسه من الأبتسام من بين يديه اللتين تغطيان وجهه، هل ينوي إخفاء ابتسامته أم لا؟، فإذا كانت بهذا الوضوح، سيكون من الغريب عدم ملاحظتها.
سلّمني هايد الأوراق المليئة بالمعلومات الشخصية، قائلًا إنه انتهى من ملئها.
تأكدتُ من خلوها من أي اختلافات، فوجدتها لا تختلف عن المعلومات المدونة في السيرة الذاتية.
إنها وثيقة التأمين وعقد العمل القياسي الذي ينص على العمل لمدة ستة أشهر على الأقل، لا شيء غريب، لكن الشك لا يزال يراودني.
لا يمكن أن يكون قد استخدم هوية مزورة في الوثائق التي ستُقدم إلى البلدية، أليس كذلك…؟
“إذًا، هل يمكنك البدء في العمل اليوم؟”
“نعم!، بالطبع، ليس لدي أي خطط اليوم.”
“سأدفع لك تكاليف وجباتك إذا احتجت، لكن بصفتك مساعدي فسنتناول الغداء معًا في العادة، أخبرني بأي طعام تحبّه أو ترغب في تناوله… لن تكون هناك فترة تدريبية منفصلة*، سيتم دفع الراتب في اليوم الأول من كل شهر، هل تفضّل إيداعه في حسابك البنكي، أم نقديًا؟”
(في الشركات او اغلب الوظائف لما يتوظف شخص جديد يكون متدرب، والمتدربين بالغالب ما يحصلون على راتب، وموكا تقول لهايد إنه ما في فترة تدريبية هذا يعني ان هايد مهو متدرب بل موظف عندها)
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - الفصل الخامس منذ يومين
- 4 - الفصل الرابع منذ يومين
- 3 - الفصل الثالث منذ يومين
- 2 - الفصل الثاني منذ يومين
- 1 - الفصل الأول 2025-06-16
التعليقات لهذا الفصل " 3"