2
الآن غادر المحقق، بعد أن عبث بشعره المنتفش كعش طائر الغرَاب، متذرعًا بأنه سيذهب لتدخّين سيجارة.
لعلّه سيخرج ليدخّن أكثر من سيجارة واحدة، ثم سيذهب إلى عمله مباشرةً.
أزلتُ بقايا لفافات الشطائر التي اقتسمناها، وفناجين الشاي الفارغة، ورتّبتُ الجريدة التي تركها خلفه.
وقد تزيّنت الصفحة الأولى بصورة للملكة وهي تضع يديها على فمها، تكبت صرخةً، بعد أن شاهدت ‘هايد’.
يبدو أن الملكة أيضًا من مُعجبي هايد، رغم تظاهرها بالعكس.
هل أرادت الملكة أيضًا رؤية هايد شخصيًا؟
الملكة، حتمًا، تعرف المكان الدقيق لتلك الجوهرة، أليس كذلك؟
ولهذا، عرضت نفسها وهي متزيّنة بها في حفل الاستقبال الماضي.
صحيح، هذا استدراج لهايد، وهو تم استدرَاجه، فهايد ربما يستمع لأخبار هذا البلد أيضًا.
هذا يعني إنه مواطن من هذا البلد.
همم…
لا، حضرة المحقق سيقوم بعمله ببراعة.
ليس لدي متسع للتفكير بهذا، يجب أن أستعد لفتح المكتب.
بالنسبة لشخص يعيش يومه بيومه* مثلي، فإن صيد القطط أهم من الإمساك باللصّ المقنَّع.
(تقصد بمعنى يعيش يومه بيومه انها شخص ما يفكر بالمستقبل بس تفكر باليوم الي تعيشه)
“عمل اليوم يشمل العثور على قطتين، والتحرّي عن زوج يُشتبه في خيانته مع زميلته، ومقابلة المتقدمين بطلب العمل بعد رؤية إعلان الوظيفة…”
بصراحة، أمنيتي أن أُساعد حضرة المحقق.
فهو مَن كان مسؤولًا عن قضية قتل والداي الراحلان، وهو مَن ساعدني، أنا الطالبة اليافعة آنذاك، لأشبّ على خير ما يرام.
وقدّم لي دعمًا كبيرًا لتأسيس مكتب التحريات هذا وترسيخه، ولذلك لا يقتصر الأمر على إحساني إليه في الخفاء، بل يغلي قلبي برغبة جامحة في ردّ الجميل علنًا، غير أن مصائبي تكاد تخنقني…
—ترينغ (صوت رنين جرس الباب.)
“مرحبًا، هل هذا مكتب تحريات ‘الحوت الصغير’؟، جئت لأجل وظيفة المساعد التي أعلنتم عنها…”
لماذا أشعر وكأن فرصة ردّ الجميل قد حانت…؟
* * *
اللصّ المقنّع هايد، يظهر دائمًا بزيّ موحّد:
شعرٌ محلوقٌ جزئيًا، ومعطف طويل مشقوق الذيل ملقى على كتفه.
قميص بأزرار مُغلقة حتى العنق، وربطة عنق مشدودة بإحكام.
صديري يُبرز تفاصيل الخصر، وحذاء لامع.
وقد اشتهر مظهره الأسود بالكامل شهرةً سريعةً.
لصّ صعد إلى النجومية في غضون ستة أشهر فقط…
على خلاف اللصوص المقنّعين الآخرين، يتمتّع بمفهوم غريب، إذ يُعيد المسروقات إلى مالكها الشرعي، ويكشف عن القيمة الحقيقية للشيء المسروق.
وقد اختارته مجلة ‘فان-سال’، التي تُدرّ أرباحًا طائلةً من جيل الشباب المُنتبه للموضة، ليكون أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في القرن العاشر، ويحظى باهتمام إعلامي واسع، ويُطلق عليه الناس لقب ‘ظل العدالة’ و’الغراب الذي يكشف العيوب’.
ولكن…
“…ما هو دافعك للتقدّم لوظيفة المساعد، لو سمحت لي بالسؤال؟”
“لحظة من فضلكِ، آه… أنا متوتر قليلًا…”
لماذا يُجري ‘هايد’ مقابلة عمل في مكتب التحريات الخاص بي؟
حبستُ تنهيدة طويلة وابتسمت بلطف.
“خذ وقتك بالتمهل في الحديث، لا بأس.”
“شكرًا لك، في الحقيقة… لطالما كنت مهتمًا بعمل المباحث، وعندما وجدت إعلان الوظيفة، تقدّمت، إذا أتيحت لي الفرصة، أتمنى أن أكتسب الخبرة وأتعلّم الكثير، بالطبع، تخصصي مختلف، لكن هناك تداخلات كثيرة يمكن الاستفادة منها…”
هززتُ رأسي وأنا أتفحص سيرته الذاتية.
لم أتصور أبدًا أن يكون هايد طالبًا جامعيًا، وكان طالبًا في قسم الموضة بجامعة مرموقة في هذه المنطقة.
بصراحة، يُثير الأمر الشك، فاسم العائلة المدوّن في السيرة الذاتية هو اسم نادر يرجع لدولة مندثرة، ممّا يُربك عقلي.
سواء كان الاسم مستعارًا أو حقيقيًا، فكلاهما يمثل مشكلة.
أوقفت تفكيري قليلًا وتمعنت في قائمة الجوائز التي تلت حقل الاسم، شهادة باريستا، شهادة فن البالونات، الفوز بمسابقة غلاف مجلة معمارية، الفوز بسباق الدراجات… قائمة إنجازات مفصّلة ومتنوعة ومذهلة.
كنتُ أجهد لأكتم صوت تفاجئي كلما قرأت بندًا.
زاد الأمر تعقيدًا حين رأيت أن العنوان المدوّن في السيرة الذاتية لا يبعد عن منزل حضرة المحقق إلا بمقدار كتلتين سكنيتين.
بالنظر إلى الأمر، فترة الإجازة الدراسية تتطابق مع فترة ظهور هايد…
“لقد أخذت إجازة دراسية طويلة نوعًا ما، أليس كذلك؟”
“نعم!، لدي الكثير لأتعلّمه وأفعله…”
وقال إنه عمل حتى الأسبوع الماضي في مقهى يقع أمام معبر المشاة القطري، على بعد عشر دقائق من هنا.
أليس هذا هو المقهى المفضل لحضرة المحقق؟
لا يجب أن أصدّق ما أقرأه، لا يمكن استبعاد احتمال تزوير هذه المعلومات.
ولكن هل سيُقدِم على كذبة سهلة الكشف كهذه؟
نظرت إلى السيرة الذاتية صامتة، كم شيء حقيقي مكتوب هنا؟، هل يعلم بعلاقتي بحضرة المحقق وجاء لهذا السبب؟، هل يخطط للوصول إليه من خلالي؟
لا، هذا تكلّف في الظن، فما هي السلوكيات التي أظهرها هايد في ظهوره الإعلامي حتى الآن؟، هايد لا يستهدف الأشخاص، بل لديه شغف بالاستعراض.
هو يستمتع بالجريمة في حد ذاتها، وربما يجد متعة في اختراق شبكة مراقبة الشرطة.
لا يوجد سبب مقنع لاستهدافه لحضرة المحقق، إذًا، لماذا…؟
فلأهدأ أولًا، يجب أن أهدأ.
ما الفائدة من اصطياد الزَبَد الطافي على السطح وأنا على مقربة من هذا الصيد الثمين*؟
(تقارن موكا بالزبد الطافي بأعمالها اليومية بمكتبها -ايجاد القطط المفقودة وكشف خيانة الأزواج- بالصيد الثمين -القبض على هايد-)
يجب ألا يتحول خيالي إلى هواجس.
“أعتذر… ربما أكون قليل الخبرة، لكنني سأبذل قصارى جهدي في أي عمل يُطلب مني.”
“لا، لا، ليس الأمر هكذا، إذا كنت ترغب في تعلّم مهنة التحري، فمن الأفضل أن تذهب إلى مكتب تحريات آخر غير ‘الحوت الصغير’.”
“…ولِمَ ذلك؟”
“هذا المكتب لم يترسخ بعد، ولا تزيد أعمالنا عن البحث عن أشياء مفقودة، أو صيد قطط هاربة، هل قرأت الإعلان عن مهام المساعد؟”
“نعم، أعمال مكتبية، مساعدة في التحري، والتسويق والإعلان.”
“هذا صحيح، هي مهام بسيطة وستجد مهام مشابهة في مكاتب أخرى، لكن ما ستراه هنا مختلف.”
“لا أظن ذلك…”
“ماذا؟”
مسح هايد على شعره الذي يغطي عينيه وكأنه يُهرشه*، وحين تنكشف عيناه بين خصلات الشعر، تتغير ملامحه الوديعة.
(عبارة مسح شعره وكأنه يهرشه هي حركة جسدية تعبّر عن توتر أو تردّد أو انزعاج خفيف)
كان هناك ظلٌ خفيفٌ على زاوية عينيه المرفوعتين بحدة.
إنه لا يحدق، فليس هناك شد في جفنيه أو حاجبيه، من الواضح أنه ينظر فقط، لكنني لا أستطيع أن أحوّل نظري عنه، شعرت وكأنني فريسة أمام مفترس.
(للي ما يعرف، التحديق بمعنى النظر لشيء بتركيز ولا يمكنك ابعاد عينيك عنه مثلا حدق بتركيز، لكن النظر بمعنى النظر لشيء لرؤيته فقط لفترة قصيرة، مثلاً ألقى نظره)
بالفعل، ملامحه ملامح لا يمكن أن تُنسى.
أريد أن أُجيب على أصوات أولئك الذين جزموا أنه وسيم، وأنه لا يمكن أن تكون صورته الظلية إلا لرجل بملامح جميلة.
لو رأى الناس وجه هايد الخالي من القناع، بعد أن تخيلوه من صورته الضبابية التي نشرتها الصحف والتلفزيون، ومن الجزء السفلي من وجهه الذي تركه القناع مكشوفًا، لأُغمي عليهم من روعته.
من الغريب كيف تُصبح ملامحه لطيفة بمجرد أن تُغطي خصلات شعره عينيه.
هل أطال شعره ليُخفي وجهه اللافت، بدلاً من ارتداء قناعًا؟
“أعتقد أن قدراتك كَمُتحرية ممتازة…”
“لا، لست كذلك، أنا متواضعة المهارة.”
“بل أنتِ كذلك، لديكِ موهبة فذّة بلا شك.”
“مهما بالغت في مديحي، فليس لدي ما أُقدمه لك سوى القهوة.”
“آه، أنا أحبّ القهوة.”
“تفضّل كوبًا آخر، لكن يبدو من حديثك أنك شاهدتني وأنا أعمل؟”
“هممم… نعم، هذا صحيح، في الواقع، لقد رأيتكِ تعملين، هل تذكرين حين عثرتِ على قلادة السيدة بومبوم الشهر الماضي؟”
“نعم، لقد كانت إرثًا من والدتها، ومذكورة في مستندات التركة، لكنها لم تستطع العثور عليها، ظنت أنها في القصر، لكنها مفقودة، فطلبت من مكتبنا المساعدة.”
“في الحقيقة، كنت ذاهبًا لشراء قماش لتعمل به السيدة بومبوم، وشاهدتكِ بالصدفة وأنتِ تجدين القلادة.”
“أوه، حقًا؟”
“نعم، عدت في ذلك اليوم، لكنني سمعت القصة من السيدة بومبوم فيما بعد، قالت إنكِ تفحّصتِ قائمة الأغراض، ثم كسرتِ بروش الفراشة الذي ورثته إلى نصفين، وعلّقتهما كعقارب للساعة في الرواق لتدويرها؟، كيف خطرت لكِ هذه الفكرة؟”
تحدّث هايد وكأنها براعة خارقة، مع أنها كانت استنتاجًا يمكن لأي شخص أن يتوصل إليه.
لقد اكتشفتُ خطأً في تسعيرة الأغراض، واكتشفت أن بروش الفراشة الذي يختلف جناحاه هو المفتاح، وبحثت عن النقش الموجود على الخاتم الذي قدّمه لها والدها مباشرةً.
“تدوير الساعة كان فكرة خطرت لي لأن السيدة بومبوم أخبرتني بالوصية التي تمنت فيها أن تعيش في عالم لا يحلّ فيه الليل، ومع ذلك، السيدة بومبوم هي من فتحت باب القبو بنفسها في النهاية، أليس كذلك؟”
“لأن اسم الدلع الخاص بها كان هو كلمة السر، لكن ألم يكن وجودكِ هو السبب في وصولها إلى هناك؟”
“لا، لو كان أي متحري آخر مكاني، لحلّ المشكلة، بل ربما كانوا سيتوصلون إلى الإجابة أسرع مني.”
“لكنهم ربما لم يتمكنوا من استدراج السيدة بومبوم للوصول إلى الإجابة، لو أنكِ وجدتِ القلادة فحسب، هل كانت السيدة بومبوم ستعرف أن والدتها الصارمة كانت تحبّها أكثر من أي شيئًا آخر؟”
أنهى هايد كلامه مؤكدًا أنني لم أكن لأفعل ذلك فحسب، وأضاف أنني أتمتع بموهبة خارقة في فهم نية الشخص الذي يخفي الكنز.
بدا أنه من أشد المعجبين بي، إذ احمرّ وجهه وهو يمسح على عنقه، قائلًا إنه تمنى مقابلتي حقًا.
وأضاف مجاملة، بصفته قارئًا مُحبًا للقصص البوليسية، بأنني أُشبه بطلة من بطلات الروايات الشهيرة.
بطلة تجد الكنوز المخفية، وصاحبة سرد مؤثر، شعرت بالحرج من هذا المديح، فغطّيت أذنيّ المُحمرتين وضحكت ضحكة مهذبة، لكن هايد قبض على كفّيه وشدّ عليهما، قائلًا إنه يجب عليّ أن أكون أكثر ثقة بنفسي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - الفصل الخامس منذ يومين
- 4 - الفصل الرابع منذ يومين
- 3 - الفصل الثالث منذ يومين
- 2 - الفصل الثاني منذ يومين
- 1 - الفصل الأول 2025-06-16
التعليقات لهذا الفصل " 2"