<استيلاءٌ على جسدٍ آخر>
مرت عدة أيام منذ أن وجدت نيرسا نفسها في جسدٍ جديد.
قررت أن تبدأ بوضع خططٍ لحياتها الحالية.
فلا يصح أن تظل مجرد ضيفة تعيش على كرم عائلة فيسبادن.
إذا بلغت سن الرشد، فمن الطبيعي أن تكسب قوت يومها بيديها.
علاوة على ذلك، فإن العيش عالة على عائلة فيسبادن بهذه الطريقة لن يمكنها من إكمال مهمتها الرئيسية:
إحياء حياتها السابقة.
كان الهدف النهائي لحياتها الجديدة هو إعادة إحياء حياتها الواقعية، التي كانت لا تزال غارقةً في غيبوبة.
ستثبت لذلك الصوت الغامض أنها تستحق أن تعيش من جديد، وذلك بتحقيق نهاية سعيدة رائعة.
قررت نيريسا أولًا رفض التقاليد السائدة في عالم الرواية هذا.
ففي هذا العالم، كان من المتعارف عليه أن تجهيز الشابات النبيلات عند بلوغهن سن الرشد في المجتمع، لينخرطن بعدها في “سوق الزواج”.
لكن نيرسا لم تستطع تقبل فكرة عيش حياة النبيلة العادية بسلاسة.
فهي في حياتها السابقة لم تتزوج بل حتى لم تخض علاقة حب حقيقية، فكيف لها أن تقبل بقرار مصيري كهذا هنا فجأة؟!
على أي حال، ومن أجل عيش حياة صادقة وصالحة، كان على نيرسا اتخاذ قرار جديد حاسم.
***
اتجهت نيرسا إلى مكتب وصيها، دوق فيسبادن.
وعندما طرقت الباب بحذر، سمعت ردًا من الداخل.
“تَفضَّلي.”
فتحت نيرسا الباب بسرعة ودخلت.
“سمو الدوق، هذه أنا نيرسا.”
“آه، إنها أنتِ.”
وضع الدوق الأوراق التي كان يقرؤها وخلع نظارته.
كانت إشارة على استعداده للحديث.
اقتربت نيريسا من مكتب الدوق بخطوات هادئة.
ثم انحنت برفق بخصرها للتحية.
“أشكرك بصدق على رعايتكَ لي حتى بلوغي سن الرشد لذا، أعتقد أن الوقت قد حان لأبدأ الاستعداد للاعتماد على نفسي.”
“أوه، لقد كنت أنوي أيضًا البحث عن عائلة مناسبة لكِ للزواج.”
رد الدوق بترحاب.
لكن نيرسا ابتسمت ابتسامةً مريرةً في داخلها.
فالفكرة القائلة بأن الاستقلال يعني الزواج حتى دوق فيسبادن لم يكن بمنأى عن هذه العقليات السائدة في هذا العالم.
“لستُ أدري كيف أرد جميل عنايتك بي ولكنني أرغب في التعرف على العالم أكثر. وأود تأجيل موضوع الزواج.”
بدا الدوق محرجًا بعض الشيء وهو يفرك ذقنه.
“همم… أفهم وجهة نظركِ ولكن تأخر فتاة نبيلة عن سن الزواج قد يعتبر عيبًا.”
“نعم، أنا مستعدة لذلك ولهذا السبب أتيتُ لأطلب منك شيئًا آخر بدلًا من ترتيب زواجي.”
واصلت نيريسا كلامها بثقة.
نظر إليها الدوق بفضول وسأل:
“شيءٌ ترغبين في تجربتهِ تقصدين؟”
“نعم، أرجوك مكني من إقامة ورشة عمل لصناعة الأشياء وأريدك أن توظف لي عدة حرفيين أناسٍ ماهرين قادرين على تنفيذ الأفكار التي خطرت لي.”
لم يكن لدى نيرسا أدنى نية لسلوك طريق الشريرة كما في القصة الأصلية.
فذلك لا يتوافق مع ميولها فحسب، بل إنها لا ترى في حياة شريرة كهذه أي قيمة تُذكر.
بدلًا من ذلك، قررت نيرسا استخدام موهبتها لمساعدة هذا العالم.
إذا استطاعت أن تحقق وتكيّف بعض وسائل الراحة الحديثة التي تمتعت بها في حياتها السابقة، ألن يجعل ذلك حياة الناس هنا أسهل؟ بالإضافة إلى ذلك، إذا قامت بالعديد من “الأعمال الصالحة” بهذه الطريقة، فستتراكم كلها كفضائل تساعدها في النهاية على إحياء حياتها السابقة.
“همم…”
قطّب دوق فيسبادن حاجبيه.
بدا أنه لم يفهم تمامًا مقصد نيرسا.
فحاولت نيرسا إقناعه بمزيد من الحماس:
“أشعر أن هذه قد تكون فرصتي الوحيدة فقد بلغت سن الرشد لتوي، ولا يزال لديّ متسع من الوقت قبل أن يصبح موضوع زواجي ملحًا.”
“إممم…”
“وسيكون ذلك أكثر فائدة لكم، سمو الدوق، من مجرد زواجي من عائلة جيدة يمكنك مراقبة الأمر لفترة، وإذا لم يرق لك، فسأتوقف فورًا دون تردد.”
عندما ذكرت عبارة “دون تردد”، استسلم الدوق أخيرًا ووافق.
“حسنًا، أفهم رغبتكِ في تجربة شيء ما قبل الزواج وبما أن لديكِ متسعًا من الوقت قبل أن يصبح سنكِ مشكلة، كما قلتِ، فسأوافق على طلبكِ.”
“شكرًا جزيلاً لك!”
انحنت نيرسا ممتنةً وهي تفيض فرحًا.
ضحك الدوق ضحكة خفيفة.
“سأبحث قريبًا عن مكان مناسب لإقامة ورشة العمل إذا كانت لديكِ أي متطلبات محددة، فأخبريني بها مسبقًا.”
لم تترك نيرسا الفرصة تضيع، وسردت أفكارها المخطط لها بطلاقة.
كان هذا الأمر بسيطًا لمصممة محترفة اعتادت على تقديم العروض التقديمية.
“مساحة ورشة العمل بحجم منزل في الحي السكني للعامة ستكون كافية والأفضل أن يكون هناك فناء واسع كما أود أن تكون قريبة من القصر، حتى لا تكون مسافة التنقل طويلة جدًا.”
“أها! هل من اعتبارات أخرى؟”
سأل الدوق وهو يرفع زاوية فمه قليلًا بمبتسمًا.
بدا أنه معجب جدًا بإجابات نيرسا السريعة والواضحة.
“يجب أن تكون التهوية جيدة في جميع أنحاء المبنى وإذا أردتُ أن أكون طموحة قليلًا، فأتمنى أن يحتوي على غرفتين أو ثلاث.”
أجابت نيرسا بهدوء حتى النهاية.
ابتسم الدوق راضيًا.
“حسنًا سأحدد بضعة أماكن مرشحة ثم أعطيكِ حرية الاختيار.”
“أشكرك حقًا، سمو الدوق!”
كانت نيرسا مبتهجة لدرجة أنها كادت تقفز من الفرح.
في داخلها، كانت تعتقد أن إقناع دوق فيسبادن سيكون عقبة صعبة، لكن الأمر سار بسلاسة غير متوقعة.
لكن وكأنه يذكرها بعدم الاستبشار بالفرح مبكرًا، أضاف الدوق شرطًا أخيرًا:
“ولكن هذا فقط حتى يحين وقت زواجكِ عندما تتجاوزين العشرين من العمر، سأغلق الورشة.”
“نعم…”
عقدت نيرسا عزمها بقوة.
قبل أن تتجاوز العشرين، ستستقل حتمًا عن هذه العائلة.
***
كانت أديلايد تقرأ كتابًا في مكتبة القصر.
فجأة، فُتح الباب ودخل الدوق.
“أوه، أديل يبدو أنني أزعجتكِ.”
“كلا، أبي.”
ابتسمت أديلايد مشرقةً وأظهرت له الكتاب الذي كانت تقرؤه.
“كنت أقرأ رواية خفيفة فقط لكن هل تبحث عن شيء معين؟”
“هاها، جئت لأبحث عن وثائق تتعلق بوضع ملكية الأراضي داخل العاصمة الإمبراطورية تلك التي استنسختها من مكتبة القصر في المرة السابقة.”
“آه، سأحضرها لك.”
مرت أديلايد بخبرة بين رفوف الكتب، وسرعان ما أحضرت الوثائق التي كان يبحث عنها.
“شكرًا لكِ، أديل.”
“إمم، ولكن هل من أمر ما؟ هل تنوي شراء أرض؟”
لم تكن أديلايد تعرف بعد تفاصيل أعمال الدوق بالكامل.
ولكن بما أنها بلغت سن الرشد الآن، فقد بدأت تتعرف شيئًا فشيئًا على شؤون عائلة فيسبادن الداخلية.
لو كانت وريثة العائلة، لكانت مثل روبرتو بدأت العمل فور بلوغها.
ولكن بما أن أديلايد مقدرٌ لها أن تصبح قرينة ولي العهد وتدخل القصر الإمبراطوري، فقد ظل الدوق يحجب عنها التعلم على يديه في الأعمال.
أجاب الدوق بصراحة:
“أبحث عن مبنى لأحوله إلى ورشة عمل لقد طلبت مني نيرسا ذلك.”
“ماذا؟”
كانت هذه الكلمات غير متوقعة تمامًا بالنسبة لـأديلايد.
ضحك الدوق ضحكة مكتومة.
“هاها، يبدو أن تعليمي لها لم يذهب سدى لقد عرضت رغبتها بهدوء ووضوح شديدين بل وقدمت شروطًا مقنعة لي.”
“شروطًا؟”
“في البداية، طلبت ورشة عمل بدلًا من ترتيب زواج، فشعرت بالحيرة ولكنها قالت إنها ستقتصر على الفترة قبل بلوغها سن الزواج، وأنها ستتوقف دون تردد إذا لم تعجبني النتائج لذا وافقتُ مؤقتًا.”
“……”
لم تستطع أديلايد تصديق ذلك.
ورشة عمل؟ تلك المكان الذي يصنع فيه الأشياء؟ أطلبَت نيرسا ذلك؟
“حسنًا، سأذهب الآن استمري في قراءتك.”
غادر الدوق المكتبة تاركًا وراءه صدى ضحكته.
تمتمت أديلايد وهي في حالة صدمة:
“ورشة عمل؟ لماذا…؟”
كانت نيرسا غريبة حقًا.
***
فردت نيرسا ورقة كبيرة في غرفتها وبدأت ترسم مخططًا بسيطًا لتصميم ورشة العمل.
إذا فكرت مسبقًا في الترتيب التقريبي للأثاث، فستتمكن من بدء العمل الحقيقي في أسرع وقت ممكن.
“هممم…”
خرجت منها همهمة عفوية.
شعرت أخيرًا بأنها تعيش حياتها الحقيقية منذ أن وجدت نفسها في هذا الجسد.
مثل هذا العمل لا تمل منه مهما طال الوقت.
حتى لو كان شاقًا، فهو مُجْزٍ.
وكيف لا تفرح بذلك؟
وفي تلك اللحظة، سمعت طرقًا على الباب.
أجابت نيرسا بلا اكتراث دون حتى النظر:
“نعم، تفضلي.”
انفتح الباب بعنف، وكانت أديلايد هي الواقفة هناك.
رفعت نيرسا رأسها أخيرًا.
“أديل؟”
“هاه…”
نظرت أديلايد بعينيها المذهولتين إلى الأوراق الكبيرة المنتشرة على الطاولة.
“إذاً كان الأمر صحيحًا؟ سمعت أنكِ طلبتِ بناء ورشة عمل.”
“آه، هل سمعتِ بالفعل؟”
لعقت نيرسا شفتيها.
لقد مضى حوالي ساعة فقط منذ أن طلبت من الدوق ورشة عمل، وقد وصل الخبر بالفعل إلى أذني أديلايد.
يبدو أن علاقة الأب بابنته تواصلية للغاية.
عليها أن تتذكر ذلك.
حدقت أديلايد بعينيها الضيقتين واستجوبتها:
“ما الخطة التي تدبرينها؟ فتاة كانت لا تريد أن تتسخ يداها طوال حياتها، تطلب فجأة ورشة عمل!”
“إممم…”
مدت نيريسا ظهرها المستقيم بعد أن كانت منحنية.
كان عليها أن تشرح الأمر بشكل صحيح لـأديلايد.
بصراحة، أليس من الطبيعي أن تشك؟
فالشخصية الشريرة في القصة الأصلية كانت ترغب في أن تُعامل كنبيلة راقية لا تقل عن أديلايد.
فكيف لمثل هذه الشخصية أن ترغب فجأة في ورشة عمل تتطلب الكثير من الجهد؟
مواجهةً نظرة أديلايد الحادة، فتحت نيرسا فمها بهدوء:
“أديل، اهدئي نيتي الوحيدة هي ألا أكون عائقًا في طريقكِ بعد الآن لن أطمع في ما يخصكِ مطلقًا كما فعلت في الحياة السابقة.”
“وما علاقة ذلك بورشة العمل؟”
لا يزال صوت أديلايد حادًا أثناء سؤالها. ومع ذلك، ظلت نيريسا هادئة.
“أعني أنني سأسلك مسارًا حياةٍ لا علاقة له بحياتكِ ستسير حياتكِ وحياتي بشكل منفصل، وسأمضي في طريقي الخاص فقط.”
هزت نيرسا كتفيها وأضافت:
“أعلم أنكِ لم تسامحيني تمامًا وأعلم أنكِ لا تزالين تشكين فيّ لم يعد من الممكن أن تعامليني كصديقة ببراءة كما فعلتِ من قبل، أليس كذلك؟”
“……”
لم تستطع أديلايد الرد على الفور وساد الصمت.
[يتبع في الفصل القادم]
تجدون الفصول المتقدمة والتسريبات في قناة التليجرام الرابط في التعليق المثبت
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"