2
<أصبحتُ نيرسا>
أحسَّت جو-يون، التي صارت نيرسا الآن، وكأنها وجدت أخيرًا بصيص أمل.
لم تكن هناك حاجة لأن تتقمص دور الشريرة بالقوة.
يكفي أن تترك حياةَ الشرّ التي لا تتناسب مع طبعها، وأن تثبتَ أنَّ نيرسا اليائسة هذه تستحق العيش بسعادة!
ستحوِّل حياةَ الشريرة المليئة بعقدة النقص والحقد إلى حياةٍ طيبة، وستصبح شخصيةً مساعدةً صالحةً ومخلصة، تظلُّ تدعم البطلَ والبطلة حتى يتزوَّجا ويعيشا في سعادة.
هكذا همست في نفسها مُقتنِعة:
“حتَّى دون وجود شرير، ستصل البطلةُ مع البطل إلى نهايةٍ سعيدة على أي حال أليست كلُّ روايات الرومانسية التاريخية هكذا في النهاية؟”
أمَّا دور الشرير في الروايات الرومانسية التاريخية، فما إن يظهر حتى لا يتلقَّى سوى سيلٍ من التعليقات المشمولة بالشتائم.
فشخصية الشريرة ليست سوى بهارٍ يُضفي مذاقًا ألذَّ على النهاية السعيدة المحدَّدة مسبقًا.
لذا، فما الضير في انعدام البهار؟
فالطعام غير اللذيذ يبقى طعامًا على أي حال، والمياه الغازية الفاقدة للفقاعات تبقى مياهًا غازية على أي حال.
هدفها ليس صنعَ قصة “لذيذة”، بل إنقاذ حياتها الواقعية التي تكاد تلفظ أنفاسها.
في اللحظة التي اتخذت فيها هذا القرار…
“آه…؟”
توقفت نيرسا عن المشي فجأةً، إذ خطر ببالها سؤالٌ مهمٌّ للغاية.
متى بالضبط وقتُ الأحداث الحاليَّة؟
إن كان قبل عودة البطلة (إلى الماضي)، فيكفي أن تخفي تمامًا نوايا الشريرة الأصلية الخبيثة من الرواية، وأن تعيش حتى النهاية كصديقةٍ حميمة للبطلة.
لكن إن كان الوقت بعد عودة البطلة، فالقصة مختلفة.
فالبطلة التي عادت إلى الماضي سَتَغِيظُ لمعرفتها بنفاق نيرسا، وستأتي للانتقام منها وهي عازمة على قتلها!
وفي تلك اللحظة، كما لو كان الأمر خدعة، سُمِعَ صوتُ طرقات على الباب مرة أخرى.
ارتعشَت كتِفَا نيرسا ارتعاشةً كبيرة.
سألت نيريسا بردَّة فعل:
“م…من هناك؟”
بدلاً من الإجابة، انفتح الباب.
وغمر النورُ الغرفةَ فجأة.
خصلات شعرٍ ذهبيةٍ غامقةٍ كالعسل المتدفق.
وعينان بلون الياقوت الأحمر، كأنهما ليستا من هذا العالم.
لو كان من يراها قارئًا متابعًا للرواية الأصلية، لما استعصى عليه معرفةُ هويتها.
“أديلايد!”
“لمَ كلُّ هذه الدهشة، نيل؟”
ابتسمت أديلايد ابتسامةً مشرقةً باردة.
“أتيتُ لأخبركِ أننا اتفقنا على شرب الشاي مع السيدات الصغيرات غدًا بالرغم من أنه غدًا، لكن ألا يوجد شيءٌ خاصٌّ تحتاجين لتحضيره.”
سألتها نيرسا بصوتٍ مرتعش:
“أديل…أنتِ؟”
“؟”
اتسعت عينا أديلايد، أي بطلة الرواية قريبًا، مستغربةً.
كان قلبُ نيرسا يدقُّ بشدةٍ وكأنه على وشك الانفطار من التوتر.
“ماذا حدث للحصان الجديد الذي دخل الإسطبل؟”
انتظرت الإجابة بقلقٍ بالغ، لأن كلَّ شيءٍ يتوقف على هذا السؤال.
إن كانت أديلايد قبل عودتها (إلى الماضي)، فستجيب بأنها “لم تركبه بعد”، أما إن كانت بعد العودة، فستكون الإجابة مختلفة.
فحينها، ابتسمت ابتسامةً عريضة.
“همم، لم يكن هادئًا كما توقعتي؟”
حبست نيرسا أنفاسها دون أن تشعر.
ضحكت أديلايد ضحكةً خفيفة من الأنف وابتعدت.
وبقيت وحيدةً مرة أخرى.
انطلقت من فم نيرسا أنَّةٌ حائرة.
“أوه…”.
لقد وقعت في المشكلة.
من الواضح أن أديلايد قالت “كما توقعتي”.
وهذا يعني أنها تعرف بالفعل أن نيرسا هي من اقترحت ذلك الحصان.
بالإضافة إلى أن “حفلة الشاي” التي ذكرتها البطلة…
استرجعت نيرسا بسرعةٍ تطورَ أحداث الرواية الأصلية في ذهنها.
بعد العودة، خطَّطت أديلايد لحفلة شاي مع بنات النبلاء، وبدأت انتقامها بإذلال نيرسا علنًا في ذلك التجمع.
على الأرجح، حفلة الشاي التي ذكرتها أديلايد قبل قليل هي هذه المشهد بالتحديد.
لقد بنت الشريرة في الرواية صورتها في المجتمع بعناية.
كانت تلك الفتاة النبيلة “الناضجة” المسكينة التي كان عليها خدمة الأميرة الصغيرة من دون تذمُّر.
لذلك، عندما هاجمتها أديلايد، استخدمت الشريرة صورة “الناضجة الحكيمة” لتقوم بدور الضحية وتهاجم مرة أخرى.
بالطبع، في النهاية انهارت أمام أديلايد التي سارت على نهج بطلة الروايات الرومانسية التاريخية النموذجية وأصبحت مع البطل في فريق واحد.
لم يعد التهرُّب ممكنًا.
لأن نيرسا، كشريرة الرواية الأصلية قبل عودة أديلايد، ارتكبت الكثير من الأفعال.
حاولت نيرسا جاهدةً حساب الوقت الحالي.
إذا كان تطور الرواية صحيحًا، فاليوم هو اليوم التالي لعودة أديلايد.
وهذا يعني أن البطلة تحمل بالفعل مشاعرَ انتقاميةٍ تجاه أفعال نيرسا الشريرة.
‘لماذا أنا دائمًا غير محظوظة؟!’
أصيبت نيرسا بالذعر.
إذا استمرَّ الوضع هكذا، فمصيرها سيكون الفشل الذريع بالتأكيد.
في النهاية، اتخذت نيرسا قرارًا.
‘سأهرب!’
إذا لم تهرب على الفور، ستستمر حياتها في التدهور.
لم يبقَ أمامها سوى الهروب من المنزل!
بدأت نيرسا في البحث بسرعةٍ في كلِّ ركنٍ من أركان الغرفة.
لم تخطئ توقعاتها بأنه بما أنه قصر دوق، فلا بد من وجود أشياء ثمينة في مكانٍ ما.
كانت المجوهرات والنقود منتشرة هنا وهناك في الأدراج وغرفة الملابس.
جمعت نيرسا ذلك المبلغ غير القليل من المال والمقتنيات بعناية، وبدون استثناء.
بما أن حفلة الشاي التي ذكرتها أديلايد ستكون في اليوم التالي، فإن فرصة الهروب كانت محصورة في تلك الليلة فقط.
لم تخطُ نيرسا خطوةً واحدة خارج غرفتها طوال اليوم، منتظرةً حلول الليل.
وأخيرًا، في الوقت الذي غطَّ الجميعُ في النوم…
“أوه، يا قدرِي لم أجرب الهرب في حياتي، وسأفعلها الآن بسبب انتقالي إلى هذا الجسد.”
تمتمت بهذه الكلمات وهي تتذمر، ثم خرجت بهدوء إلى الرواق، خافضةً صوت خطواتها.
كما هو الحال في أي منزلٍ للنبلاء، كان هناك بابٌ خلفيٌّ صغيرٌ يستخدمه الخدم.
استفادت نيرسا من خبرتها الطويلة كقارئة للروايات الرومانسية التاريخية، فوجدت مدخل الخدم المخصص دون صعوبة.
“……”.
أمسكت بأنفاسها، وفتحت الباب بحذرٍ كي لا يصدر صوتًا.
في اللحظة التي رأت فيها الممرَّ الضيق خلف الباب، كادت نيرسا أن تركع في مكانها وتبسط ذراعيها نحو السماء.
لكن محاولة هروب نيرسا لم تكن سهلةً للأسف.
والسبب المؤسف هو أن الرواية الأصلية لم تُفصِّل جغرافية المنطقة خارج قصر بيسبادن.
على الرغم من أنها نجحت بطريقةٍ ما في الخروج من المنزل، إلا أن نيرسا اضطرت إلى تتبُّع آثار عجلات العربة المحفورة في الممرِّ الضيق للعثور على طريقها.
نَشَجَت نيريسا بصوتٍ خافت.
“الأمور تتعقَّد أكثر أنا أساساً لا أجيد تذكر الطرق…”.
مشَت نيريسا خطواتٍ يائسة، وهي تتساءل إلى أي مدى يمكنها السير طوال الليل بهذه الطريقة.
***
في صباح اليوم التالي، انقلب قصر بيسبادن رأسًا على عقب.
“نيرسا اختفت؟”
كانت أديلايد في حيرةٍ بل وفي صدمة.
كانت نيرسا تفخرُ جدًّا في العادة بحقيقة أن وصيَّها هو دوق بيسبادن.
على الرغم من أنهما لا تربطهما صلة دم، إلا أنها كانت تشعر بفخرٍ كبيرٍ لأنها نشأت في عائلة بيسبادن، ذات النسب الأكثر نبالةً في الإمبراطورية.
فكيف لهذه الفتاة أن تترك المنزل؟!
حاولت أديلايد أن تهدأ وتفكر في سببٍ يدفع نيرسا للاختفاء فجأةً.
ولكن مهما فكرت، لم يخطر ببالها سوى سببٍ واحدٍ خاصّ.
وهو أن نيريسا قد علمت أن مؤامرتها لقتلها، المتخفية في حادثة السقوط من الحصان، قد اكشُفَت.
لكن هذه الحقيقة، باستثناء أديلايد نفسها التي عادت إلى الماضي، لم يعرفها أحد بعد.
للإنصاف، حتى الطرف المعني نيرسا لم تكن تعرف، واكتشفت الأمر بعد وفاتها بسقوطها من الجرف إثر حادثة السقوط من الحصان.
لحل هذا اللغز، يجب العثور على نيرسا أولًا.
اتخذت قرارها.
توجهت أديلايد بسرعة إلى غرفة دوق بيسبادن.
“أبي! نيل ليست في أي مكان في القصر!”
أومأ الدوق رأسه بثقلٍ أيضًا.
“نعم، يبدو ذلك لقد طلبتُ من رئيس الخدم البحث عن نيريسا، لكن لم يُعثَر عليها داخل المنزل.”
“يجب إرسال فرق البحث إلى الخارج إذا غادرت المنزل سيرًا على الأقدام دون ركوب حصان، فهي لم تبتعد كثيرًا بعد.”
كانت الإرادة على وجدِ نيرسا بلا شكِّ واضحةً في نظرة عيني أديلايد.
استدعى دوق بيسبادن رئيس الخدم على الفور في مكانه.
“أرسل جميع خدم القصر للبحث عن نيرسا.”
“نعم، سيدي.”
التفت رئيس الخدم لتنفيذ الأمر وخرج على الفور.
نظرت أديلايد إلى ظهر رئيس الخدم بنظرةٍ ذات مغزى.
“……”.
قبل أن يُلقَى القبض على نيرسا وتُجْلَبَ لتجثو أمام دوق بيسبادن، كان على أديلايد مقابلتها أولًا.
كان عليها أن تتأكد سرًّا من والدها، مما إذا كانت نيرسا قد علمت بالحقيقة التي أدركتها أديلايد وحدها بعد عودتها.
تراجعت بسرعة من أمام الدوق، وأسرعت في الخطو نحو رئيس الخدم المبتعد ونادته.
“انتظر لحظة.”
“نعم، سيدتي.”
توقف رئيس الخدم بطاعة.
أعطت أديلايد تعليماتها بنبرةٍ هادئةٍ وسريعة.
“إذا وجدت نيرسا، فخذها أولًا إلى منزلٍ فارغٍ قريبٍ من القصر قبل إعادتها إلى المنزل.”
“حسنًا، سيدتي.”
قبل رئيس الخدم تعليمات أديلايد دون اعتراض، فهي لا تقلُّ عن سيدته.
تنفست أديلايد الصعداء بعمق.
حفلة الشاي المقررة لهذا اليوم ألغيت تمامًا.
***
بعد أن سارت نيرسا بجدٍّ طوال الليل دون نوم، وصلت أخيرًا إلى فندقٍ صغيرٍ في ضواحي العاصمة.
كان المكان يحتوي أيضًا على مطعم.
وجلست لتريح ساقيها المتعبتين.
“أوه…”.
كانت خائفة، وجائعة، ومتعبة.
ولكن كان عليها أن تأكل شيئًا أولًا كي تتمكن من السير بجدٍّ أكبر.
طلبت من النادل الذي اقترب منها:
“أعطني الطبق الأسرع تحضيرًا.”
“حساء الخضار، هل يناسبك؟”
“نعم، نعم.”
أومأت نيريسا برأسها موافقة.
سرعان ما حضر الطعام.
مع التفكير في أنها يجب أن تأكل بسرعة وتغادر مرة أخرى، أسرعت نيرسا في تناول حساء الخضار الساخن المتصاعد منه البخار.
ولكن قبل أن تنهي حتى نصفه، أصبح الخارج فجأةً صاخبًا.
“؟”
شعرت نيرسا، التي كانت في حالة هارب، بقلبها يرتعد فجأة.
في تلك اللحظة، دخلت مجموعة من الناس إلى الفندق فجأةً وبسرعة.
“……!”
تجمَّدت نيرسا في مكانها، ممسكة بالملعقة.
[يتبع في الفصل القادم]
التعليقات لهذا الفصل " 2"