في ضوء المساء الخافت – مع اقتراب موعد الوليمة – كان الخدم في قصر الفينغرين يتحركون بنشاط محموم.
بينما كانت الخادمة تحفظ ترتيب الأطباق التي سيتم تقديمها على مائدة الطعام قبل إحضار الطعام من المطبخ، سألت بقلق إحدى الخادمات في غرفة الجلوس، وقد فاجأها لون بشرة ديبورا غير المألوف.
ديبورا، التي كانت تتصبب عرقاً بارداً على جبينها وبدت شاردة الذهن للحظات استعادت انتباهها فجأة عند سماع اسمها ينادى، ومسحت العرق عن جبينها.
“أوه، لا … لقد شعرت بالدوار للحظة فقط”
“بشرتك تبدو سيئة للغاية… هل أنتي متأكدة من قدرتك على الاستعداد لحفل العشاء الليلة وأنت في هذه الحالة ؟ “
رداً على السؤال الذي أثار قلقها، أجبرت ديبورا نفسها على الابتسام وأومأت برأسها.
“بالمناسبة، في وقت سابق من اليوم، كانت هانا تبحث عنك وخرجت وهي تصرخ … هل لهذا علاقة بهذا ؟”
وبينما كانت ديبورا تتأكد من ترتيب أدوات المائدة وأباريق الماء، أدارت رأسها.
“هل كانت هانا تبحث عني؟”
“أجل. فجأة، سألت كيتي عما إذا كنتِ قد ذهبت إلى المستشفى. قلت إنها ستصفف شعر الآنسة سيسيليا، لكنها صرخت فجأة وهربت في الممر… ما هذا؟”
سألت الخادمة بوجه مليء بالفضول، مستفسرة من ديبورا، لكن ديبورا لم تستطع قول أي شيء.
كانت فكرة العودة إلى العلية الليلة، حيث قد تكون هانا تنتظرها بمظهر شبحي تثقل كاهل قلبها بشدة.
****
تجمع الضيوف المدعوون إلى مأدبة عائلة شيستر الدوقية في قاعة الاستقبال الرئيسية في الطابق الأول ووجوههم تفيض بالحماس.
بعد ذلك بوقت قصير عندما أعلن بتلر جريج أن المادية جاهزة بالكامل، قاد الدوق ووالدته، إليونورا فون تشيستر الموكب إلى قاعة الطعام.
كانت قاعة الطعام التي كانت تعج بالتحضيرات للطبق الرئيسي قبل وصول العائلة المضيفة والضيوف، جاهزة الآن وتنتظر في جو هادئ.
وبينما كانت السيدات الأنيقات بفساتينهن الزاهية والسادة ذوي الملابس الأنيقة يدخلون قاعة الطعام، كان الخدم الواقفون بجانب كل كرسي يسحبونه بهدوء لضمان جلوس الضيوف بشكل مريح.
وبمجرد أن جلس الجميع، دخل صف من خادمات الصالون الجميلات يرتدين زي الخادمات المزخرف والمكشكشة، وهن يحملن أكواب الماء في أيديهن.
سرعان ما تحولت نظرات الضيوف الفضولية، التي كانت مثبتة على الخدم الوسيمين الذين يسحبون الكراسي إلى وجوه خادمات الصالون الجميلات اللواتي يدخلن قاعة الطعام.
كان بالإمكان سماع الهمسات والضحكات الخافتة بين الحين والآخر بينما كان الناس يتمتمون لمن يجلسون بجانبهم، لكن خادمات الصالون بتعابير من الهادئة الشبيهة بالدمى، كن يتحركن برشاقة حول الطاولة، ويصبن الماء في الأكواب دون أدنى إشارة إلى الإزعاج.
كان ريموند يجلس على رأس طاولة الطعام الطويلة، وأسند ذقنه على يده، يراقب المشهد أمامه بتعبير جامد خال من المشاعر.
بدأت عيناه الزرقاوان، اللتان بدتا وكأنهما تشعران بالملل قليلاً، تكتسبان بريقاً لونياً في اللحظة التي لاحظ فيها وجهاً شاحباً بشكل لافت للنظر يدخل مجال رؤيته.
رصد ريموند ديبورا ورمش ببطء مرة واحدة.
ربما بسبب ضوء المصباح الذي ينير الداخل الخافت في المساء، أو ربما لا بدا وجه الخادمة الشاحب أصلاً أبيض كالشبح لدرجة أن حاجب ريموند ارتعش قليلاً.
تبعت نظراته ديبورا لا شعورياً وهي تتحرك ببطء نحوه، تصب الماء في الأكواب بينما تتبادل الأماكن مع الآخرين من الطرف الآخر من الطاولة.
عندما مدت الخادمة التي كانت أمام ديبورا يدها لسكب الماء في الكأس أمام ريموند، كما لو كان دورها قد حان رفع يده بهدوء ليوقفها.
ارتسمت لمحة من الارتباك على وجه خادمة الصالون الجامد وهي تحاول سكب الماء، لكنها سرعان ما استجمعت رباطة جأشها وتنحت جانباً.
ثم عندما رأت ديبورا التي كانت التالية في الصف كأس الماء الفارغ أمام دوق تشيستر، بدت مرتبكة أيضاً، تماماً مثل الخادمة التي سبقتها.
هل أخطأت الخادمة التي أمامها في الطلب وتجاهلت كأس الدوق ؟ في تلك اللحظة القصيرة، دارت في ذهنها أفكار معقدة.
لكنها لم تستطع أن تمر بجانب كأس الدوق الفارغ، فاقتربت منه أكثر.
تشيررر(صوت سكب الماء)
وبينما امتلأ الكأس الكريستالي الشفاف بالماء، تركزت جميع حواس ريموند على العطر المنبعث من ديبورا التي كانت تقف بجانبه.
كانت تلك رائحة الحمضيات المنعشة والزاهية التي لاحظها بالأمس عندما كانت تصب الشاي في غرفة الاستقبال.
وبينما امتلأ الكأس إلى المستوى المناسب، ابتعدت اليد البيضاء التي كانت تميل إبريق الماء تدريجياً عن نظره.
في اللحظة التي أنهت فيها ديبورا مهمتها ومرت لامست رائحة حمضيات أقوى أنف ريموند.
****
كان جو المأدبة هادئاً بشكل عام ولكنه حيوي إلى حد ما.
في كل مرة يتم فيها تقديم الأطباق المكونة من سبعة أطباق، والتي أعدها طاه ماهر، كان الضيوف ينبهرون بالمتعة البصرية والنكهات الرائعة، ويعبرون عن إعجابهم.
في منتصف مأدبة العشاء تقريباً، نظرت سيدة ترتدي فستاناً مخملياً أخضر داكناً إلى إليونورا فون تشيستر بوجه مليء بالفضول.
” بالمناسبة، سمعت شائعات بأن عائلتي تشيستر وكونستانت على وشك تشكيل تحالف قوي. هل هذا صحيح فعلاً؟”
عند سؤال السيدة، الذي تطرق إلى أهم موضوع مثير للاهتمام لم يجرؤ أحد على طرحه مباشرة، اتجهت جميع الأنظار على الفور إلى اليونورا.
بدت إليونورا فون تشيستر متفاجئة قليلاً من السؤال لكنها سرعان ما ابتسمت ابتسامة لطيفة.
“من السابق لأوانه بعض الشيء قول أي شيء نهائي، لكننا نعمل على تشكيل تحالف جيد”
” يا إلهي، إذن هذا صحيح إذا تم الزواج، ألن يكون هذا أبرز اتحاد بين العائلات في مملكة روباك؟”
بدأ الناس يتهامسون فيما بينهم بشأن الزواج بين العائلتين الأكثر بروزاً في روباكي.
لكن ريموند الشخص المعني، كان يرتدي تعبيراً مليئاً بالملل، كما لو كان يستمع إلى قصة شخص آخر.
“سمعت أن الليدي أوليفيا ابنة الماركيز كونستانت تتمتع بجمال فائق بالطبع، قد لا تضاهي الليدي سيسيليا لكن يقال إنها تشبه الماركيز إلى حد كبير، الذي كان وسيماً للغاية في شبابه. أوه، ألم يلتق صاحب السمو بهذه السيدة من قبل ؟”
عندما وجه رجل يجلس بجوار السيدة السؤال إلى ريموند، اتجهت جميع الأنظار إليه.
رفع ريموند حاجبه ببطء بتعبير فاتر.
“حسنا، إنها قصة قديمة، لكنني رأيتها لفترة وجيزة في حفل تقديمها للمجتمع.”
على الرغم من أن رده كان خالياً من الحماس، إلا أن عيون المستمعين كانت تلمع بالفضول.
وبشكل خاص، بدأت السيدات بالهمس فيما بينهن، كما لو كن يحاولن إيجاد شيء رومانسي في ذلك اللقاء.
“أنا على دراية تامة بسمعة الليدي أوليفيا في الأوساط الاجتماعية. فهي تشيد بها كسيدة شابة جميلة وساحرة، لذلك كنت أفكر في دعوتها إلى حفلة شاي قريباً.”
عندما تحدثت سيسيليا الجميلة، التي كانت تجلس بوقار كالملكة، أخيراً، اتجهت أنظار السيدات إليها على الفور.
“يا إلهي، قد تشعر الليدي أوليفيا بالرهبة وهي تقف جنباً إلى جنب مع الليدي سيسيليا.”
وبينما كانت السيدات يضحكن ويغازلن سيسيليا، رفعت زوايا فمها بخفة دون أن تنطق بكلمة، وأطلق ريموند ضحكة خافتة على هذا المشهد.
في تلك اللحظة، عاد روبن الذي ابتعد لفترة وجيزة بعد أن طلب الإذن إلى مقعده بوجه عابس.
عندما رأى ريموند المشاعر الكتيبة على وجه روبن الذي كان على ما يرام تماماً قبل بدء المأدبة، شعر بشعور عابر من الفضول.
لكن سرعان ما تلاشى ذلك الفضول من انتباهه.
ومع ازدياد حيوية الحديث، حان وقت تقديم الطبق الرابع، ودخل خادم وخادمة إلى قاعة الطعام مرة أخرى حاملين طبقًا كبيرًا مقيبا على صينية فضية لامعة.
وبينما كان الخدم يتخذون أماكنهم بجانب الضيوف، أخذت خادمات الصالون الواقفات في مكان قريب الصواني الفضية من أيديهم.
حان وقت وضع الصواني على الطاولة.
بينما كانت الصواني الفضية توضع على الطاولة واحدة تلو الأخرى
“كيااا!”
فجأة، دوت صرخة حادة في الهواء.
فزع بعض الضيوف من صرخة امرأة حادة، فقفزوا على أقدامهم، وتوجهت جميع الأنظار نحو مصدر الصرخة.
أصيب الجميع بالذهول مما كان يحدث أمامهم.
بطريقة ما انسكب الطعام الذي كان من المفترض نقله من يدي خادمة الصالون إلى الطاولة على فستان إحدى السيدات.
تسربت الصلصة البنية وقطع اللحم بشكل لزج من صدرها إلى فخذيها، مما أدى إلى إتلاف فستان السيدة تماماً.
وإلى جانبها، كانت تقف خادمة الصالون التي بدت مسؤولة عن الخطأ، ترتجف بوجه شاحب كالشيح.
كانت ديبورا.
السيدة إليونورا، مضيفة المأدبة، وسيسيليا، اللتان صدمتا من المشهد المذهل، وقفتا على عجل وهرعتا إلى جانب السيدة.
“سيدتي! هل أنت بخير؟”
“هل يبدو هذا جيداً برأيك ؟!”
في العادة، لم تكن الكونتيسة لتجرؤ على فقدان أعصابها بهذه الطريقة رداً على كلمات السيدة إليونورا القلقة.
لكن الكونتيسة، التي تضرر فستانها الفاخر باهظ الثمن كانت بالفعل في حالة من الهياج الشديد.
لقد أنفقت ثروة وانتظرت شهوراً للحصول على ذلك الفستان الثمين الذي ادخرته بعناية لهذه المناسبة، فقط لكي تقوم خادمة صالون حمقاء بسكب طبق لحم عليه.
وبينما ازداد وجه الكونتيسة احمراراً، سارعت خادمات الصالون الأخريات القريبات إلى مسح الصلصة واللحم عن فستانها، في محاولة لإنقاذ الموقف، لكنها دفعتهن بقوة بذراعيها السميكتين.
ثم نهضت فجأة وسارت بخطى واسعة نحو ديبورا، التي تسببت في الفوضى.
أمام وجه الكونتيسة الغاضب المحمر، استعادت ديبورا وعيها أخيراً، بعد أن تجمدت شاحبة بسبب خطئها وبدأت تتلعثم.
“أنا أسف..”
لكن اعتذار ديبورا لم يكتمل أبداً.
صفع – !*
وجهت الكونتيسة كل قوتها لضرب خد ديبورا الأيمن.
وبينما كانت الكونتيسة الضخمة تضربها بكل قوتها، ترنح جسد ديبورا وسقط على الأرض.
“أوف”
وبينما كانت تسقط التوى معصمها لا إرادياً، مما تسبب في ألم مبرح في معصمها المصاب بالفعل، وأطلقت ديبورا صرخة حادة.
تسببت الصرخة الحادة في ارتعاش أكتاف الجميع.
لكن يبدو أن تلك الصرخة زادت من غضب الكونتيسة.
كان من المثير للغضب بالنسبة لها أن تصرخ هذه الفتاة الماكرة بشكل درامي أمام الجميع بعد صفعة واحدة فقط.
خطت الكونتيسة خطوة أخرى إلى الأمام، وأمسكت بديبورا الساقطة من ذراعها، وسحبتها إلى أعلى.
تم سحب ديبورا بقوة عنيفة كأنها قصبة فترنحت وهي ترفع إلى وضع مستقيم.
قبل أن تستعيد وعيها، تلقت ضربة قوية أخرى على خدها.
صفعة – صفعة -*
تردد صدى الصوت المدوي في قاعة الطعام، مما تسبب في ارتعاش أكتاف خادمات الصالون الأخريات القريبات.
حتى عندما أطلقت الكونتيسة الغاضبة العنان لعنف لا هوادة فيه على الخادمة، لم يتدخل أحد.
بعد صمت قصير وثقيل، وبينما كانت روبن على وشك التقدم للأمام، شوهد ريموند وهو ينهض من مقعده ويسير ببطء نحوهم.
راقب الضيوف الذين شاهدوا دوق تشيستر وهو يتسكع بكسل منذ بداية المأدبة، بفضول وهو يقف فجأة ويقترب.
حتى الكونتيسة، التي كانت تغلي من الغضب وغير قادرة على كبح جماحها ارتجفت غريزياً تحت وطأة حضور ریموند الطويل المهيب.
“……”
بينما كان ريموند يقترب من الكونتيسة، اتجهت نظراته ببطء نحو ديبورا، التي كانت ممددة على الأرض.
وبينما استمر الجو المتوتر، وكانت إليونورا على وشك أن تنادي ابنها كسرت سخرية ريموند الباردة الصمت أولاً.
“هل تشعرين بتحسن الآن يا سيدتي ؟”
ساد صمت مطبق في قاعة الولائم بسبب النبرة الباردة والتعبير الجليدي الموجه إلى الكونتيسة.
التعليقات لهذا الفصل " 16"
شكرا عالترجمه