مرّت الأيام الثلاثة التالية بوتيرة متسارعة ومليئة بالضجة. بدا القصر وكأنه يتحوّل إلى خلية نحل، كل شخص فيه يؤدي مهمته وكأن حياة المملكة كلها تعتمد عليها.
في صباح اليوم الذي يسبق المأدبة، تم سحب ليليانا إلى غرفة التدريب على الرقص. كانت قاعة قديمة ذات أرضية رخامية، تتوسطها مرآة ضخمة، تقف أمامها معلمة صارمة ذات شعر مرفوع ونظرات نافذة.
“أنتِ ابنة دوق يا آنسة ليليانا، لا يُعقل أن تخطئي خطوات رقصة الفالز الإمبراطوري أمام البلاط الملكي!”
تمتمت ليليانا وقد داهمها التعب:
“أنا حتى لم أكن أرقص في حفلات المدرسة…”
“ما المدرسة؟”
“لا شيء! شيء غير مهم!”
وهكذا، تم جرّها إلى الأمام والخلف، إدارة ثم انحناءة ثم استقامة. وفي كل مرة تتعثر، كانت المعلمة تضرب الأرض بعصا خفيفة.
وفي نهاية الدرس، كانت ليليانا تلهث كأنها عادت من معركة.
“هل يوجد في هذا العالم شيء لا يتطلب كل هذه الطقوس؟ حتى المشي يحتاج تصريحًا هنا!”
—
في مساء ذلك اليوم، دخلت ليليانا غرفة الملابس مجددًا لاختيار الثوب الذي سترتديه في المأدبة. كانت الغرفة تعجّ بعشرات الفساتين، معظمها يلمع كأنه مصنوع من ضوء القمر نفسه.
“هذا؟ لا، اللون لا يناسب عينيك.”
“وهذا يبدو باهظًا للغاية حتى على أميرة!”
“آه، هذا الثوب الأزرق… لكنه يحتاج إلى قلادة ياقوتية تناسبه.”
الخياطة والمصممات والوصيفات يتناقشن كأنهن في مجلس حربي، بينما ليليانا تقف في المنتصف، ساكنة كالتمثال.
“هل يمكنني فقط ارتداء بنطال وسترة؟” سألت يائسة.
نظرت إليها الخياطة بشفقة، كأنها اقترحت جريمة ضد الإمبراطورية، ثم ناولتها ثوبًا فخمًا بلون أرجواني داكن، مرصع بخيوط فضية تشبه أجنحة الفراش.
“هذا هو الثوب المختار. صنعتُه لكِ خصيصًا… لأنه يشبهكِ.”
نظرت ليليانا إلى الثوب بصمت. لم يكن الأجمل بين الجميع، لكنه كان يحمل هالة من الهيبة والرقة، تمامًا كما بدأت تشعر في داخلها.
—
في الليلة السابقة للمأدبة، جلست على سريرها، تمسك برسالة قديمة وجدتها في أحد الأدراج أثناء بحثها عن قلادة.
كانت الرسالة مكتوبة بخط أنثوي أنيق:
> “إلى طفل المستقبل،
إن وصلت هذه الرسالة إليك، فاعلم أن العالم يتغير…
ليس كل شيء في البلاط كما يبدو.
راقب، لا تتكلم كثيرًا، وتذكّر أن الحقيقة نادرًا ما تُقال بصوت عالٍ.”
رفعت نظرها نحو سقف الغرفة وهمست:
“ليليانا الحقيقية… من كنتِ بحق السماء؟”
—
في الصباح التالي، استيقظت على طرقات خفيفة على الباب.
التعليقات لهذا الفصل " 9"