—
كان المشهد أمامها غريبًا ومؤثرًا في آنٍ واحد.
رجلٌ بالغ الهيبة، ينحني باكيًا أمامها، يضم يديها كأنهما أثمن ما في العالم.
لي سوهي، التي لم تعرف يومًا حنان الأب، كانت مشوشة تمامًا.
“ابنتي… لا تعلمين كم بحثت عنك، كم حلمتُ أن أراكِ مجددًا…”
كان صوته يرتعش كصوت رجل كُسِر قلبه آلاف المرات.
حاولت أن تجاري الموقف رغم ارتباكها.
وضعت يدها المرتبكة على كتفه، وربّتت عليه بخفة.
“أنا… عدتُ، كما ترى.”
رفـع رأسه ونظر إليها بعينين غارقتين في الحنين، ثم قال بحزمٍ ناعم:
“لن أسمح لأحد بلمسك مجددًا، لن يُؤذيكِ أحد، أعدك.”
كان وقع كلماته غريبًا على سوهي… لأول مرة، شعرت بالأمان. لكنها سرعان ما تذكرت:
“انتظر… ألم تكن ليليانا ميتة؟ ألم تكن الرواية قد أنهت دورها؟ لماذا أنا هنا؟”
لكنها لم تملك الوقت للتفكير كثيرًا، إذ بدأت الأصوات تتعالى خارج الغرفة.
“ابتعدوا! الدوقة إيزابيلا قادمة!”
وانفتح الباب.
دخلت امرأة فائقة الأناقة، ترتدي فستانًا ملكيًا بألوان غامقة، شعرها مرفوع بعناية، وفي عينيها بريق حذر.
توقفت عند العتبة، ونظرت نحو لي سوهي بصمت طويل.
“سمعت أنكِ استيقظتِ، يا آنسة ليليانا.”
قالتها ببرود، كما لو أنها كانت تتحدث عن خادمة مريضة.
ابتسمت سوهي ابتسامة صغيرة، وقالت بسخرية لطيفة:
“نعم، استيقظتُ… آسفة على إزعاج يومك المثالي.”
رفع الدوق حاجبًا، والدوقة ضيّقت عينيها.
لكن بدلاً من الرد، استدارت نحو الخادمة وقالت:
“حضّري غرفة الطعام. من الواضح أننا بحاجة إلى مناقشة أمور كثيرة.”
ثم غادرت، يتبعها ظلّها الطويل والبارد.
—
بعد قليل، وجدت لي سوهي نفسها جالسة في غرفة طعام مذهلة الطول والاتساع، تُشبه قاعات الملوك في القصص المصورة.
كان الجميع يجلس في أماكنهم… الدوق، الدوقة، والخادمات خلفهم.
أما هي، فجلست في صدر الطاولة، في كرسي وثير، أمام طبق لم تعرف اسمه ولا مكوناته.
“ليليانا،” بدأ الدوق بصوت رسمي هذه المرة، “هناك أمور كثيرة يجب أن نتحدث عنها، لكن أهمها… كيف فقدتِ وعيك؟”
ابتسمت بتوتر، ووضعت الشوكة على الطاولة.
“في الحقيقة…” فكّرت بسرعة. “… لا أتذكر الكثير، كأن الأمر ضبابي. كل ما أعلمه أنني فتحت عيني و… وجدت نفسي هنا.”
ساد الصمت لوهلة.
ثم قالت الدوقة ببرود:
“وهل فقدتِ ذاكرتك أيضًا؟”
نظرت سوهي إليها، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت:
“ليس تمامًا. أنا أتذكر… نفسي. فقط بعض التفاصيل ما تزال ضبابية.”
هزّ الدوق رأسه بتفهم، بينما أبدت الدوقة بعض الشك في نظراتها.
لكن قبل أن يُستكمل الحديث، انفتح الباب مجددًا… ودخل شاب طويل، أنيق، ذو ملامح أرستقراطية وشعر أشقر قصير.
“أعتذر على التأخر…” قال بصوت عميق.
“إدوارد؟” تمتمت لي سوهي، بعد أن تعرفت عليه من وصف الرواية.
كان ينظر إليها نظرة مختلطة بين الدهشة والشك.
“ألم تكوني في غيبوبة منذ أسابيع؟”
ابتسمت له ابتسامة مليئة بالثقة وقالت:
“نعم، لكنني اشتقتُ إلى الأكل الجيد.”
بدا الارتباك على وجهه للحظة، قبل أن يجلس دون تعليق.
أما سوهي، فكانت تفكر في شيء واحد فقط:
“عليّ أن أجد طريقة لأفهم ماذا حدث بالضبط… ولماذا أنا في هذا الجسد.”
لكنها لم تكن تعلم أن هذا اليوم سيكون مجرد البداية لعاصفة تغيّر كل شيء…
—
التعليقات