بدأت المأدبة رسميًا، وامتلأت القاعة بأصوات الكؤوس المتشابكة، وضحكات النبلاء التي تختلط بنغمات الموسيقى الراقصة. حاولت ليليانا أن تندمج مع الأجواء، لكنها لم تستطع منع نفسها من النظر مرارًا نحو الأبواب العظمى.
شيء ما كان ناقصًا… وكأن الجميع يشعر بذلك لكنهم لا يجرؤون على قوله.
جلس الدوق فلوني بجانبها بصمت غير معتاد، يراقب القاعة بعين خبير. كانت أصابعه تنقر بخفة على الطاولة، حركة لا يفعلها إلا حين يكون قلقًا أو ينتظر حدثًا مهمًا. لاحظت ليليانا ذلك، لكنها لم تسأله؛ فهي تعلم أنه لن يجيب.
وبينما كان الخدم يضعون الأطباق الأولى أمام الضيوف، انخفضت الأضواء فجأة لثانية واحدة فقط—لم يكن انقطاعًا، بل خفوتًا خفيفًا، كأن شيئًا مرّ في أرجاء القاعة وأثر على وهج الشموع.
توقفت الموسيقى للحظة.
التفت النبلاء نحو السقف.
حتى الحراس أمسكوا سيوفهم instinctively.
وفي وسط هذا التوتر الهادئ…
**—دووووم.**
انفتحت الأبواب العظمى مرة أخرى.
لم يعلَن المراسم عن شيء.
لم يتقدم أي جندي أو خادم.
بل ظهر شاب يسير بخطوات ثابتة، رغم أنه بلا حاشية ولا مرافقة.
كان ضوء القاعة ينعكس على عباءته السوداء الطويلة التي تخفي نصف جسده، بينما النصف الآخر يكشف عن كتف مغطى بقطعة جلدية عليها ختم غير مألوف… ختم يشبه رمز العائلة المالكة، لكن بلون مختلف.
رفعت ليليانا حاجبيها:
*هذا… ليس ختمًا يظهر للعامة.*
أما وجهه، فكان نصفه مغطى بقناع بسيط من الفضة الداكنة، يُظهر عينًا واحدة فقط… عينًا بلون أخضر نادر، يشبه تمامًا لون الأحجار التي بُني منها القصر.
همس أحد النبلاء خلفها:
“إنه… لا يمكن أن يكون…”
“سمعت أنه اختفى منذ سنوات…”
“هل هو…؟”
لكن الدوق فلوني وحده لم يبدُ عليه الذهول. بل زفر زفرة طويلة وكأنه كان ينتظر هذا المشهد منذ زمن.
توقفت خطوات الشاب عند منتصف القاعة.
اتجهت كل الأنظار إليه.
ثم انحنى ببطء، احترامًا للعائلة المالكة، لكن دون خضوع.
ارتفع الإمامبراطور من مقعده، يحدّق به بنظرة يصعب قراءتها—خليط من الذهول، والفرح، والغضب المكبوت.
قال الإمبراطور بصوت منخفض لكن واضح:
**”لقد عدت… يا لوكاس.”**
تحولت الهمسات إلى عاصفة صاخبة.
*لوكاس؟!
الاسم المحذوف من السجلات.
الابن غير الشرعي الذي لم يعترف به البلاط.
الأمير الذي ورث سحر الدم الملكي رغم أنه وُلد من خادمة.*
تسارعت أنفاس ليليانا.
*هذا هو…؟
البطل؟
الشخص الذي لن يقلب الرواية فقط… بل حياتها كلها؟*
رفع لوكاس رأسه، والتقت عيناه للحظة مع نظرة الإمبراطور. كان في عينيه شيء لا يشبه أي شخص رأته من قبل—هدوء مخيف… كأن من أمامها سليل ملكي، وفي الوقت نفسه ذئب عاش سنوات في الظلال.
ثم فجأة… التفت، ونظر مباشرة إلى طاولة الدوق فلوني.
توقفت أنفاس ليليانا.
لأن عيناه الخضراوان استقرتا عليها تحديدًا…
نظرة قصيرة، لكنها حادة كالسيف.
ابتسم لوكاس بخفة.
ابتسامة لا تُقرأ.
وهمس بعض النبلاء:
“من تلك الفتاة التي ينظر إليها؟”
“هل يعرفها؟”
“هذا مثير للريبة…”
أما ليليانا، فوضعت يدها على قلبها.
*تبا… هذه ليست مجرد بداية مأدبة.*
*إنها بداية الرواية الحقيقية.*
هل ترغبين أن نكمل الفصل التالي مباشرة—أول مواج
هة بين ليليانا ولوكاس؟ أم ننتقل إلى ردود فعل النبلاء والصخب السياسي الذي بدأ يشتعل؟
التعليقات لهذا الفصل " 14"