“الآنسة مونيكا، يبدو أنني أقدّمك أسرع مما توقعت. هذا هو ابننا، مارتينيل.”
“تشرفت بلقائكِ، الآنسة مونيكا.”
كان الصبي، المتعلق بثوب السيدة موليت، يشبهها إلى حدٍّ كبير. الشعر البني الناعم، والعيون السوداء اللامعة، وحتى الانحناءة الرقيقة في جفونه، التي توحي وكأنها لا تعرف شيئًا عن القذارة أو الحزن، وكأنها وُجدت لتحمل كل خير في هذا العالم.
“الآنسة مونيكا؟ يا مارتينيل، عليك أن تناديها بـ’المعلّمة’.”
“حسنًا يا سيدتي… تشرفت بلقائكِ، معلمتي!”
“وأنت أيضًا، كفّ عن هذا اللقب الغريب، ما معنى ‘سيدتي’ هذه!”
قالت السيدة موليت ضاحكة وهي تؤنب ابنها برفق. فبدأ مارتينيل يتذمر ويشدّ طرف ثوبها.
في الظروف العادية، كانت مونيكا ستجد في هذا الصبي المدلل شيئًا من البراءة المحببة، وربما بادرت بتحيته بلطف. لكن عينيها بقيتا معلّقتين بالشابة الواقفـة خلفه.
“وهذه هي…”
“رييلا موليت.”
قبل أن تكمل السيدة موليت كلامها، سبقتها الفتاة بالإجابة السريعة، وهي تنظر مباشرة إلى مونيكا، وكأنها تقطع الحديث عمدًا. اتسعت عينا السيدة موليت للحظة، ثم ابتسمت.
“صحيح. إنها ابنتي التي أفتخر بها. هل ذكرت لكِ أنها في مثل سنكِ تمامًا؟”
“نعم…” أجابت مونيكا بصعوبة.
“رييلا، هذه الآنسة مونيكا التي ستصبح معلمة مارتينيل. إنها في عمركِ، وربما تصبحان صديقتين جيدتين. وهي من العاصمة.”
“أفهم… سررت بلقائكِ، الآنسة مونيكا.”
كان صوت رييلا متقطعًا، كأنها تقرأ سطورًا من نص مسرحي.
أمالت السيدة موليت رأسها مستغربة، لكنها لم تُبدِ اهتمامًا كبيرًا.
“بما أن هذه فرصة مناسبة، لماذا لا تأخذان الآنسة مونيكا إلى غرفتها؟”
“أنا؟”
“نعم، مارتينيل. ستسكن في الغرفة المجاورة لغرفتك.”
“بالطبع، طالما أن هذا طلبكِ يا سيدتي!”
قال الصبي بحماس، مفلتًا طرف ثوب أمه.
أما رييلا، فبدت غير راغبة، لكنها ما إن التقت نظرات أمها حتى ابتسمت. وغادرت السيدة موليت مسرعة، موضحة أن لديها ما يشغلها في فترة بعد الظهر.
تقدم الصبي مارتينيل أمام مونيكا.
“أمعلمتي، ستسكنين في الغرفة المجاورة لي إذن؟”
“لحسن الحظ، نعم.” أجابت بابتسامة مجهدة.
لم يبدُ على مارتينيل أنه يكترث كثيرًا، بل أمسك بطرف ثوبها وجذبها نحو الممر. كان يرتدي ملابس مرتبة على الرغم من أن الجو كان في أوائل الصيف.
وكانت ساقاه مكسوتتين بجوارب حريرية رقيقة لامعة، مما جعله يتمتم حين لاحظ أن مونيكا تحدّق فيه:
“السيدة تقول إنني سأصاب بالبرد إذا لم أرتدها دائمًا. لكن، ألا تظنين أن هذا يجعلني أبدو في السابعة؟”
“أبدًا. في العاصمة، الصبيان يرتدون الجوارب حتى في منتصف الصيف.”
“حقًا؟ آه، معلمتي، يمكنكِ التحدث معي بحرية أكبر!”
قال ذلك بفخر وهو ينتصب قائمًا، بينما تابعت مونيكا السير إلى جانبه بابتسامة باهتة.
كان الممر مغطى بسجاد أزرق سميك، يخفت وقع الأقدام. أما رييلا، فقد تبعتهم ببطء من الخلف، تتوقف أحيانًا وكأنها تتثاقل في مرافقتهم.
“أختي! ما الذي يؤخركِ؟”
لم تستطع رييلا التهرب من عيني مارتينيل، الذي توقف مرارًا ولوّح لها حتى اقتربت منهما على مضض.
كان مارتينيل بحق صبيًا محببًا. كان يقفز بخفة ويحدث مونيكا عن قرب عيد ميلاده، وأنه حين يبلغ الحادية عشرة سيصبح رجلًا بحق، ولن يرتدي هذه السراويل القصيرة بعد ذلك.
“لدينا ابن عم، يملك معطف فُروك أنيق وبنطالًا صوفيًا! طلبت من السيدة أن تشتري لي واحدًا مثله في عيد ميلادي الحادي عشر…”
“لكن ألن يكون معطف الفُروك حارًا في منتصف الصيف؟”
بادرت مونيكا بالموافقة، لكن خطواتها كانت تبطؤ شيئًا فشيئًا وهي تراقب رييلا في الخلف، حتى وصلوا أخيرًا إلى وجهتهم.
أول ما لفت نظر مونيكا كان بابًا أبيض كبيرًا، تزينه ستائر دانتيل فاخرة، وكان مفتوحًا قليلًا. علمت أنه غرفة مارتينيل عندما تذمر علنًا: “أكره تلك الستائر حقًا!”
إذن، هل سيكون الباب الأبيض الصغير بجواره هو غرفتها؟ كانت تهمّ بالاقتراب حين سمعت ضحكة خافتة.
“ذلك مخزن.”
التفتت مونيكا لترى رييلا، وهي تطوي ذراعيها قبل أن تمشي مبتعدة قليلًا عن مجال نظرها.
ثم أشارت إلى باب كبير، بحجم باب غرفة مارتينيل، يعلوه زخرف بسيط ولكنه أنيق. لكن ما شدّ نظر مونيكا لم يكن الباب، بل أطراف أصابع رييلا المغطاة بقفازات دانتيل دقيقة الصنع.
كانت تلك القفازات، المحاكة آليًا، من القطع التي تتسابق الفتيات الأرستقراطيات على اقتنائها حتى في الصيف، لكن ثمنها باهظ، وزاد ندرتها بسبب الحرب التي سخّرت جميع الآلات لصناعة المعدات العسكرية.
بمجرد أن رأت تلك القفازات، اجتاحها شعور بالفراغ لا تعرف سببه. وكأن البرودة التي أنعشتها كأس ماء مثلج قد اختفت، وعاد إليها حرّ الصيف دفعة واحدة.
“هذه هي غرفتكِ.”
كلمة “غرفتكِ” جاءت بنبرة غريبة، باردة، وفيها مسحة من التحفظ.
لكن قبل أن تجيب مونيكا، كان مارتينيل قد قاطع:
“أختي، لماذا تتحدثين بهذه القسوة؟”
“ماذا؟” قالت رييلا وهي تحدق به في ارتباك.
“كوني لطيفة. هل ما زلتِ غاضبة؟”
“لا يا مارتي، ولمَ أغضب أصلًا؟”
“تكذبين. ما زلتِ منزعجة لأنني كسرت ساعتكِ قبل أيام، أليس كذلك؟”
أخذ الصبي يخطو في مكانه بتذمر، فأسرعت رييلا إلى إنكار الأمر وتبريره، وفهمت مونيكا بذلك أن مارتينيل كان قد حطم بالخطأ ساعة عزيزة على رييلا.
“آسفة يا مارتي، ربما كنت متحفظة لأننا أمام شخص نلتقيه لأول مرة.”
ثم رفعت رأسها لتنظر إلى مونيكا مجددًا.
“أعتذر… واسم عائلتكِ؟”
رفعت مونيكا طرف شفتيها مجددًا، محاولة الابتسام.
“أوفن. مونيكا أوفن.”
“الآنسة أوبن…” تمتمت رييلا بالاسم كما لو كانت تتذوقه.
*هي تعمدت تسأل عن اسم العائلة عشان تذل البطلة و تذكرها انها يتيمة*
حينها قفز مارتينيل فجأة: “ما هذا! آنفي!”
التفت الاثنان بدهشة، ليروا الصبي يندفع إلى غرفته. كانت الخادمة التي يناديها “آنفي” خارجة وهي تحمل أشياء كثيرة، لكنها تراجعت مذعورة حين اصطدم بها.
“لماذا تزيلين مكعباتي؟ قلت لكِ لا تلمسيها!”
“لكن يا سيدي الصغير، هذه المكعبات…”
“لا! تعبت كثيرًا في ترتيبها!”
“السيدة أمرت بإزالتها لأنك لا تستطيع حتى السير في الغرفة!”
وسرعان ما نُسي أمر الزائرة الجديدة، بينما أخذ الصبي يسكب جميع المكعبات على الأرض مجددًا. دوى صوتها وهي تتناثر: “وااااررر…”
وأثناء أن مونيكا تحدق في المشهد بدهشة، التفتت لترى رييلا وقد فتحت باب غرفتها نصف فتحة، وكأنها تدعوها للدخول.
***
كانت السيدة موليه عائدة إلى غرفتها حين خطر ببالها فجأة أنها لم تستلم بعد رسالة التعريف الخاصة بالآنسة مونيكا. كان بإمكانها أن تطلب من كبير الخدم إحضارها لها، غير أنّ…
حين تذكّرت الأمر، وجدت أنّها قد كلّفت كبير الخدم فعلًا بعدة مهام بالغة الأهمية،
على سبيل المثال، إرساله في مأمورية إلى منزل عائلة سوليفان في المدينة.
«لا بأس… يمكنني أنا أن أحضر الرسالة بنفسي.»
ثم إن الطبيب كان قد ألحّ عليها أن تمشي كثيرًا. إذًا، فلتغتنم الفرصة وتخطُ بضع خطوات داخل القصر على الأقل.
وعليه، غيّرت السيدة موليه اتجاهها.
«تستطيعين على الأرجح استخدام تلك الخزانة. أما الذي أمامها فهو…»
كانت رييلا تتابع شرحها بنبرة جافة.
الغرفة التي خُصّصت لمونيكا كانت بدورها فخمة للغاية.
ورق الجدران بلون أعشاب الخريف الحريرية، والكسوة الخشبية الموضوعة في مواضع متفرقة لصدّ برودة القصر الحجري، جعلت المكان دافئًا وفاخرًا في آن.
وليس ذلك فحسب، بل وُضع فوق المدفأة في أحد جوانب الغرفة مرآة سوداء ضخمة.
مرآة سوداء!
لم تكن زجاجًا عاديًا مصبوغًا بالحبر، بل كانت من حجر السبج الخالص، وبحجم هائل كذلك.
لكن مونيكا لم تُعر تلك المرآة الفاخرة اهتمامًا بقدر ما كانت تحدّق، نصف شاردة، في رييلا نفسها.
شعر رييلا البني الجميل، المنفوش بعناية، لا يخفى على أحد أنّه قضى تحت أيدي الخادمات وقتًا طويلًا تحت المكواة؛ ساعة على الأقل.
«أه… آنسة…؟ آنسة؟»
قطعت رييلا حديثها الجاف لتنادي مونيكا بنفاد صبر.
«… نعم، آنسة موليه.»
«آه، المعذرة. نسيتُ اسم عائلتك في لحظة.»
لكن ابتسامتها كانت ودودة للغاية على الرغم من لهجتها. أومأت مونيكا طرفة عين، ثم التفتت إلى المرآة السوداء أمامها، فبدت المقارنة غريبة.
كانت رييلا واقفة أمام المدفأة التي تعلوها المرآة السوداء، وفستانها الوردي المخطّط بدا متناسقًا على نحو جميل مع لون الجدران الخريفي.
نسيج خفيف ناعم يليق بأوائل الصيف، وبشرتها المصقولة الناعمة تنسدل من تحت أكمام قصيرة، وذراعاها الممتلئتان قليلًا. ومن الرسغ إلى الأسفل غطّت يديها قفازات من الدانتيل المحاك يدويا الفاخر.
في تلك اللحظة، رأت مونيكا انعكاسها.
كان وجهها محمرًّا بعض الشيء من أثر الحر، على نحو بدا متسخًا بالمقارنة مع وجنتي رييلا المزهورتين بمسحوق القرمز. وكانت ترتدي فستان تايفتا طويل الأكمام يغطي المعصمين، وهو نفس الفستان الذي ارتدته لليوم الثاني على التوالي.
أما يداها الظاهرتان فكانتا خشنَتين، مفصل الأصابع فيهما بارز. والمرآة السوداء، بصفائها الشديد، أظهرت كل شعرة صغيرة شاردة خرجت من تسريحة شعرها المرفوعة، لغياب زيت الشعر عنها.
فتحت مونيكا فمها باندفاع:
«لا يمكن أن لا تعرفيني.»
في البداية لم تكن واثقة.
بالأمس فقط، التبست عليها هوية شابين هما سول ولويس، ظنّتهما شخصًا تعرفه، فإذا هما مجرد شبه بعيد.
لكنها لم تخطئ هذه المرة، فقد لاحظت جذور الشعر السوداء تحت خصل رييلا البنية الفاخرة، وأسلوبها الغريب المائل إلى العداء…
هذه كانت ليزي، لا شك في ذلك.
ارتسمت على فم ليزي ابتسامة ملتوية. وتابعت مونيكا:
«أنتِ ليزي، أليس كذلك؟»
العينان الرماديتان لم تُبديا ارتباكًا، بل واصلتَا مراقبتها في صمت.
«مرّ وقت طويل يا ليزي. كيف حالك؟ لا، أظنك بخير جدًا… تبدين كذلك فعلًا. لم أكن أتوقع أن أجدك هنا.»
ابتسمت مونيكا بعينيها.
ماذا تقول؟ هل تصرخ فرحًا بلقاء زميلة ميتم قديمة؟ أم تهنئها لأنها تعيش في هذا البيت الفخم؟ أم تكتفي بطلب التعاون؟ أم…
فتحت ليزي شفتيها أخيرًا وقالت:
«لماذا جئتِ؟»
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 5"