فمكان قائده الفخور لم يعد موجوداً، وما بقي هناك سوى أحد المتسكعين وهو يمضغ سيجارته بفظاظة.
وما أن وقعت عين ذلك الرجل على أندريه حتى زمجر مستنكراً، ثم دفع باب البيت الريفي بقوة ليغادر.
لكن أندريه، وقد أدرك أنه كان على وشك التسلل للخارج، ارتمى على قدميه متشبثاً به في يأس.
“إلى أين تذهب!؟ لا يهمني أين، لكنك لن تذهب!”
“وماذا يضير لو لم أسبح قليلاً؟”
“الأمر مهم للغاية!”
كان نادي السباحة في لا سبيتسيا أكبر نادٍ في المملكة، ولا يُبالغ إن قيل إنه الأهم.
فالصيد كان محظوراً، وموسم سباقات التجديف لم يحن بعد.
صحيح أن بحيرة لا سبيتسيا كانت غاية في الجمال والشهرة، لكن سباقات التجديف باهظة التكاليف وتستلزم موافقة الملك.
لذلك أصبحت مسابقة السباحة الحدث الأضخم في مجتمع لا سبيتسيا الأرستقراطي. فكيف له أن يتغيب عنها؟
“اقتُلني أولاً قبل أن تذهب!”
“حسناً، كلامك وجيه.”
ورفع غارسيا قبضته بلا تردد في وجه أندريه.
*يا ربي متت، ههههههههههههههه، كان ناوي يقتله بجد *
غير أن أندريه امتلك سلاحاً سرياً لا يؤثر إلا في غارسيا.
“السيد روبرت يبعث لك السلام!”
ما إن سمع الاسم حتى انكمش غارسيا وانصاع، ولو أن انصياعه لم يكن بالمعنى التقليدي، لكنه على الأقل ذهب إلى المسابقة.
*واضح ان غارسيا اشتغل كخادم او شيء يخليه يحترم النبلاء*
وكلما همس أندريه في أذنه بأسماء النبلاء المحيطين، اضطر غارسيا إلى إلقاء التحية بخجل مصطنع.
جلس أندريه بجوار مونيكا هامساً:
“…… هكذا جرت الأمور.”
فاكتفت هي بإيماءة عابرة بلا اكتراث.
كان الغداء على الشاطئ فاخراً: موائد وكراسٍ جُلبت من قصر آل موليه، أغطية دانتيل بيضاء ترفرف في النسيم، وأطعمة صغيرة مرتبة بعناية.
كان من المقرر أن يعود اللورد ه من العاصمة خصيصاً ليشهد المسابقة، لكنه اعتذر لانشغاله، فجلس غارسيا مكانه.
جلوسه في ذلك المقعد كان ذا دلالة واضحة.
أما السيدة موليه فقد قدمت له كأساً بارداً من الشراب الفوّار، فتناوله ببرود وقرع كأسه بخفة مع رييلا الجالسة بجواره.
بينما كانت مونيكا تقف بجانب الصغير مارتينيل تقطع له اللحم بابتسامة، مرتدية فستان السباحة وقد شدت فوقه مئزراً.
أحست بنظرات غارسيا تتسلل نحوها، لكنها تجاهلته متعمدة.
فماذا سيحدث إن التقت نظراتهما؟ كان الأجدر أن يتصرف مثل رييلا أو السيدة موليه، اللتين لم تكترثا لأمرها مطلقاً.
فهي لم تفعل أكثر مما فعله الخدم الآخرون: بيكي تخدم رييلا، وماريا تصب الشراب للسيدة موليه، وهي تخدم مارتينيل.
حتى أندريه نفسه وقف خلف غارسيا منتحل هوية إنريكي، لا ليخدمه بل ليراقبه.
غارسيا بدا منزعجاً على نحو واضح. وزاد الموقف حرجاً عندما التفت مارتينيل إليه قائلاً بحماسة طفولية:
“سيدي، هل تعلم؟ لقد ظهرَت أسماك القرش في هذه المياه مؤخراً!”
“أحقاً… ؟.”
كان رده مقتضباً، فما كان من أندريه إلا أن وخزه بخفية في مؤخرة عنقه ليحافظ على رزانته.
حاول غارسيا تقليد وقار النبلاء وهو على وشك أن يختنق، بينما تابع مارتينيل بمرح حديثه عن أسلوب السباحة الجديد “الكْرول”.
“يقولون إنه صاخب لا يليق بالسادة، لكنني لا أوافق! إنه سريع جداً! ليتنا نتعلمه جميعاً في النادي!”
“أشكّ أن هؤلاء المتأنقين سيجرؤون على ذلك….”
التفتت رييلا نحوه بنظرة مستغربة.
في تلك اللحظة كان أندريه يركل ساق كرسي غارسيا سراً، وبيكي التي كانت ترفع طبق رييلا رمقته باستنكار.
سارع أندريه لتبرير فعلته:
“دخل الرمل إلى حذائي، هذا كل ما في الأمر.”
لكن بيكي تجاهلته، فيما كتمت مونيكا ضحكتها بأسنانها.
وبينما كان مارتينيل يمضغ قطعة اللحم التي قطعتها له مونيكا، توقف فجأة وكاد يتقيأ. لم يعجبه الطعم.
اعتاد على ذلك، فهو ضعيف البنية صعب الإرضاء في الطعام.
مدّت مونيكا يدها سريعاً أمام فمه، فتقيأ ما في فمه في راحتها.
عندها عقد غارسيا حاجبيه قليلاً، أما السيدة موليه فلم تُبدِ أي انزعاج.
“مارتينيل، لا يجوز أن تكون انتقائياً.”
“لكن الطعم غريب… ورائحته كذلك.”
“جرّب لقمة أخرى فقط.”
“هيييه…”
عندها وضعت رييلا حبّة كرز حمراء على طبقه قائلة:
“كُل اللحم ثم ضع الكرز في فمك، فلن تشعر إلا بحلاوة الكرز.”
“أريد أن آكل الكرز فقط.”
“هيّا بسرعة.”
لكن حتى الكرز لم يُجدِ. فما إن وضعه في فمه بعد اللحم حتى بصق الاثنين معاً.
وضعت مونيكا القطع التي لفظها في جيب مئزرها، ثم أعادت يدها لتلقّي الباقي. كان وجه غارسيا يزداد تجهماً.
“إن هذا…”
ما إن هم بالكلام حتى ركله أندريه مرة أخرى بعنف جعل الكرسي يصدر صوتاً، فالتفتت الأنظار إليه.
ابتسم أندريه رافعاً نظارته:
“الحذاء ضيّق قليلاً… هاها.”
لم يزد غارسيا شيئاً، لكن السيدة موليه التفتت إليه بلطف قائلة…
“سيدي، ماذا كنت تهمّ أن تقول؟”
“…كنت سأقول أن على المرء أن يبتلع كل ما يدخل فمه حتى يطول قَدُّه.”
“آه، صحيح. أجل. لا شك أنك لم تكون صعب الإرضاء في طفولتك، أليس كذلك يا لورد سوليفان؟”
ابتسم غارسيا باستهزاء وقال:
“كنت آكل كل ما يقع بين يدي، فلم يكن عندنا شيء يُترك. في كل وجبة، كنت أحك الملعقة في الوعاء الفارغ حتى آخر لقمة.”
قالت السيدة موليه بضحكة راضية:
“الأولاد في فترة نموّهم يأكلون كثيرًا بالفعل! هل سمعت يا مارتينيل؟ ها هو سبب طول قامة اللورد سوليفان! يجب أن تصبح طويلا مثله!”
فقال غارسيا ساخرًا:
“بل أطول بكثير. أنا نحيف كالمسواك.”
فضحكت السيدة موليه عاليًا وقالت:
“حتى النكات تجيدها! وأنت أطول رجل في لاسبيتسيا!”
“أنا؟” فتح غارسيا عينيه بدهشة مصطنعة.
“بل لا خير في لاسبيتسيا إذ لم يبقَ فيها غير قصيري القامة.”
قالت السيدة موليه بإصرار:
“آه! مارتينيل سيصبح أطول من اللورد سوليفان، أليس كذلك؟”
أما الفتى فظل عابسًا، وأخرج فمه استياءً. عندها رمقت رييلا مونيكا بطرف ذقنها، إشارة لتتحرك.
ارتبكت مونيكا ووضعَت قطعة لحم في صحن مارتينيل.
“إييه…” تمتم الفتى بضجر، لكنه وضعها في فمه في النهاية ومضغها.
ورغم وجهه الكالح، ابتلع اللقمة، فصفّقت السيدة موليه بحرارة وكأنها مسرورة للغاية.
لكن غارسيا ظل بارد الوجه.
مرّ بصره عابرًا نحو مونيكا، ثم عاد إلى المائدة.
بعد الطعام، اقترحت السيدة موليه أن يخرج الشباب في نزهة قصيرة.
كان قصدها واضحًا: أن تترك رييلا مع إنريكي وحدهما.
غير أن غارسيا التفت قليلًا وقال:
“والسيد الصغير سيذهب معنا… هو الآخر.”
“حقًا؟”
وكانت مشكلة هذا “السيد الصغير” أنّه يفتقر أحيانًا إلى الفطنة.
ففي المعتاد، كان مارتينيل يفسح المجال لأخته الكبرى لتمشي مع اللورد.
لكن اليوم كان مارتينيل مفعمًا بالحيوية ولا يريد أن ينهي لعبه. ورغم أن جسده جف من الماء، فقد كان يتحين فرصة ليبتعد عن نظر أمه ويغمس قدميه مجددًا في الأمواج.
وبالنهاية، أمسك بيد أخته وسار وراءهم.
بدت السيدة موليه غير راضية، فأرسلت إلى مونيكا إشارة سريعة بعينيها: أن تتبعهم وتحاول إبعاد الفتى عن الاثنين.
زفرت مونيكا في سرها. كما التحق بهما أندري أيضًا.
في البداية، بدا الأمر وكأن الفتى سيعود إلى جانب مونيكا.
أما رييلا فتمسكت بمكانها قرب غارسيا، تبتسم وتفتح معه شتى المواضيع. حاولت مونيكا ألّا تصغي إلى حديثهما، لكنها رغمًا عنها كانت تشدّ أذنها إليهما.
لكن الكلام الذي يُقال في الأمام لا يصل واضحًا إلى من في الخلف. وعندما بدأت تيأس وتبتعد قليلًا، التقط مارتينيل صدفة بحرية من الرمل.
وبسبب لطفها مع أخيها، اضطرت لأن يجرّها إلى حيث تتراكم الأصداف قرب الصخور.
حينها، تقدم غارسيا تلقائيًا نحو مونيكا وأندري، وهو يرمق المشهد ببرود، ثم قال بصوت متذمّر:
“سأُجنّ… إلى متى عليّ أن أبقى هكذا؟”
كان صوته مفاجئًا في فظاظته. تنهد أندري وقال:
“عليك أن تبقى معنا على الأقل اليوم كله. ولا تنسَ مسابقة السباحة أيضًا.”
“ماذا؟! أأنا مضطر أن أشارك أولئك الأغبياء في سباق السباحة أيضًا؟”
“أه…”
تلعثم أندري ولم يجد ما يقول، بينما أزاح غارسيا شعره بعصبية.
كان شعره الذهبي عادةً مصففًا بانتظام، أما اليوم فكان مبعثرًا.
في البداية ظنت مونيكا أنه تركه هكذا لأنه سيدخل البحر، لكن باقي السادة ظلوا متأنقين. وسمعت أن أندري ألحّ عليه أن يضع قليلًا من الزيت على الأقل، لكنه رفض بعناد.
قال أندريه بسخرية:
“ومن العجيب أنه استطاع التحدث مع الآنسة موليه أصلًا.”
“أنت من طلبتَ ذلك يا ذا العيون الأربع!”
ارتفع صوته حتى التفتت بعض السيدات المارات بخوف نحوهم.
فأسرع أندري يضغط على خاصرته سرًا ليلزمه بالصمت.
فردّ غارسيا بضحكة أنفية ثم طعن خاصرة صديقه مرتين بسبابته. فحدّق فيه أندري غاضبًا، ثم ردّ عليه بثلاث طعنات في خاصرته.
“آخ!”
انفجر غارسيا غضبًا، لكنه ما لبث أن تنبّه للأنظار وخفض صوته.
أما مونيكا فعضّت شفتها لتكتم ضحكتها.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
باقي الفصرل لغاية الفصل 53 على قناتي بتلغرام، الرابط بتعليقات الرواية
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 45"