لكن مونيكا كانت من أولئك الذين يفضلون ادخار قطع النقود كما يفعل السنجاب الذي يخبئ طعامه لفصل الشتاء، بدلًا من إنفاقها على شراء صحيفة صفراء.
*الصحيفة الصفراء هي جرائد النميمة و كذا*
لذلك، لم يكن غريبًا أنها لم تعرف الكثير عن إنريكي سوليفان.
‘لو كنت أعلم أن الأمر سيصل إلى هذا، لقرأت بعض الصحف!’
صفعت مونيكا صدرها نادمة، لكنها سرعان ما تذكرت أنّ تجاهلها السابق لتلك الصحف لن يعود عليها الآن بأي فائدة. قيل إن المكتبة الملكية في العاصمة تحتفظ بنسخ من الصحف، غير أن هذا المكان لم يكن العاصمة، بل “لاسبيتسيا”.
لذلك قصدت مونيكا مكتبة المدينة وبحثت عن معلومات حول “تعدد الشخصيات”.
بطبيعة الحال، لم تحصل على شيء يُذكر. لكنها لم تتوقع الكثير أصلًا، فلم تُصب بخيبة أمل.
وعندما عادت، شرعت فجأة في سؤال الخادمات المقرّبات منها عن ابن العائلة النبيلة هذا الذي يُشاع أنه سيتزوج الآنسة رييلا. كان الأمر يبدو طبيعيًا جدًا؛ فكل خادمة ترغب في معرفة المزيد عن الرجل المرتبط بسيدتها.
لكن المفاجأة أن قلة قليلة منهن عرفت شيئًا يُذكر عن إنريكي سوليفان.
إحداهن قالت:
“آه؟ تقصدين ذاك الوسيم؟ يُقال إن عائلته من أعرق العائلات.”
وأخرى أضافت:
“يقال إنه كان في الجيش.”
وبعد ثلاثة أيام من الأسئلة المتواصلة، أدركت مونيكا الحقيقة:
ربما هي نفسها الشخص الذي يعرف عن إنريكي أكثر من أي أحد آخر في هذا القصر.
كان ذلك منطقيًا في النهاية. من بين كل الوصيفات، من منهن تحدثت معه بقدر ما تحدثت هي؟
لهذا السبب، عندما جاء أندريه لزيارتها، استقبلته مونيكا بحرارة:
“أهلا بك! لقد جئت في الوقت المناسب!”
فبالتأكيد سكرتيره يعرفه أكثر منها.
لكن أندريه قال بابتسامة:
“لقد تم توظيفي من قِبل السيد فقط منذ بداية هذا العام.”
“…….”
تجمد وجه مونيكا يائسًا، بينما ظل أندريه مبتسمًا وهو يمد يده قائلًا:
“لقد طلب مني أن أحضر له شرابا معينا. هل يمكنك إعطائي إياه؟”
“آه…”
تكسّرت ابتسامته قليلًا وهو يضيف:
“من خبرتي المتواضعة… عادة ما يُقال مثل هذا الكلام عندما لا تكون هناك أي تحضيرات جاهزة…”
أطرقت مونيكا خجلة:
“أعتذر… لقد نسيت أمره تمامًا.”
كان المقصود شراب التخفيف من الأرق. لكنها لم تقم حتى بشراء أوراق النعناع من السوق.
أطلق أندريه نقرة بلسانه علامة امتعاض، ولم يجد ما يقوله أكثر.
أما مونيكا فبادرت لتَعِده بأنها ستجهزه وتقدمه له خلال أيام قليلة جدًا، قبل أن تودّعه بخجل.
ومضى الوقت سريعًا.
في اليوم التالي مباشرة بعد أن نجح مارتينيل أخيرًا في الغوص حتى قمة رأسه، أقيمت بطولة السباحة.
نُصبت عشرات المظلات على طول الشاطئ، وضج المكان بضحكات الفتيات الصغيرات وهن يرفعن أثوابهن لتتبلل سيقانهن بماء البحر، بينما تعبت الوصيفات خلفهن وهن يرفعن المظلات ليحمينهن من الشمس، وثيابهن مبللة حتى الخصر.
أما جناح عائلة موليه فكان مكتظًا.
جلست السيدة موليه تتابع سباق الفتيان الذي أقيم في البحر الضحل أمامها، بينما كانت ماريا تقف بجانبها متوردة الوجه وهي تمسك بمظلّة سيدتها.
وبالطبع، كانت رييلا هناك، تهتف لمارتينيل بكل حماس:
“أحسنت يا مارتينيل!”
كانت ساقاها مغطاتين بطبقة من الملح الأبيض المتلألئ بعد أن جفّت المياه عليهما من لعبها السابق في البحر.
وإلى جوارها جلست خادمة أخرى على ركبتيها، تنظف ساقي رييلا بقطعة قماش مبللة بماء دافئ.
كان ذلك عمل بيكي في الأصل، لكن بيكي كانت منشغلة بالتصاقها بخصر مونيكا، تُعدّل لها رباط الفستان.
تنهدت بيكي قائلة:
“يا لحظك!”
ثم همست بصوت خافت، وهي ترمق أسيادها بحذر:
“يجب أن تدركي كم أنت محظوظة. أي بيت تعامل خادمة بهذا الشكل؟ بل يجعلونك تؤدين دور الحاكمة أيضًا!”
ضحكت مونيكا بخجل، ولم تجد ما ترد به سوى:
“صحيح… لقد كنت محظوظة حقًا.”
فستان السباحة الذي طلبته لها رييلا لم يصل إلى القصر إلا في اليوم السابق للمسابقة، بسبب ازدحام الطلبات.
ولهذا، اضطر مارتينيل أن يقضي الأيام الأخيرة وهو يشارك الخدم في التدريبات داخل الماء.
أما مونيكا فقد حصلت على الفستان بلا أي جهد منها، كأنه هدية مجانية.
وحين فكرت أن تكتفي بمراقبة السباق بهدوء – بما أنها لا تستطيع التدخل في مسابقة الفتيان – باغتتها رييلا قائلة:
“أليس من المؤسف أن يضيع فستان السباحة سدى؟!”
وما زاد حرجها أن رييلا قالت هذا أمام جميع الخادمات اللواتي جئن لوداع سيداتهن.
بل أمرت إحداهن بأن تحضر ثياب مونيكا. وهكذا، وجدت نفسها محطّ نظرات غيرة منذ الصباح الباكر.
‘لماذا تهتم السيدة والآنسة بها وحدها؟’
فقط القليل من التفكير كان كفيلًا بجعل الخادمات يدركن أن دور مونيكا يختلف كثيرًا عن دور أي خادمة أخرى.
لكن بساطتها الزائدة كانت وبالًا عليها. فقد كانت تشارك الخادمات أعمالهن وتختلط بهن بلا حواجز، مما جعل الكثيرات يرين أنها لا تختلف عنهن في شيء. وبالتالي، بدا لهن أن حصولها على فستان سباحة فاخر من آنستهن أمر مزعج وغير عادل.
حتى كلمات بيكي لم تخلُ من وخز خفي.
قالتها على سبيل المزاح، لكن في داخلها شيء من الغيرة المرة.
ولم تكتفِ رييلا بإعطاء الفستان لمونيكا، بل أمرت بيكي أن تساعدها في ارتدائه.
كان ذلك منطقيًا، فالفستان لم يكن من النوع الذي يمكن ارتداؤه دون مساعدة، لكن بالنسبة لمونيكا لم يزد الأمر إلا عبئًا نفسيًا.
فقالت لها:
“سأكمل الأمر بنفسي الآن.”
ابتسمت بيكي وكأنها تنتظر هذه اللحظة، وأعادت يديها إلى الوراء.
أما مونيكا فأخذت تعبث بخجل بشريط الياقة عند عنقها، لا تدري هل كان ما قيل عن “دور الحاكمة” مديحًا أم سخرية.
“واااه!”
ارتفع هتاف الجمهور معلنًا نهاية سباق الفتيان. وكان الفائز صبيًا نبيلاً مجهولًا، جسده أكبر بكثير من جسد مارتينيل. عندها صاحت رييلا بغضب طفولي:
“انتظروا فقط حتى يتم الخامسة عشر من عمره!”
كان سن الخامسة عشرة يُعَدّ أشبه بالبلوغ التام، ومع ذلك، ولأن عيد ميلاده لم يحِن بعد، استطاع ذلك الفتى الضخم أن يتباهى بين أقرانه الذين كانوا أقصر منه بشبر كامل.
حتى مونيكا رأت في ذلك ضربًا من الصبيانية .
قالت السيدة موليه محاولة التخفيف:
“لا حيلة في الأمر. لكن ألا تظن أن مارتينيل قد تحسن كثيرًا؟”
كانت المسابقة عبارة عن سباق سباحة: خمس دورات من الشاطئ إلى العوامة البعيدة والعودة، والفائز من يعود أولًا إلى الرمال.
مارتينيل لم يُكمل سوى دورتين قبل أن يلهث و يتورد وجهه كالجمرة، ثم ألقى قبعته المبللة على الأرض بعصبية.
فما كان من السيدة موليه إلا أن أسرعت إليه وضَمّته مبتسمة، غير آبهة بثوبها الذي تبلل بأكمله.
صرخ الفتى محتجًا:
“هذا غش!”
فجاءه صوت رجولي مألوف:
“وأنا أوافقك الرأي.”
رفعت السيدة موليه رأسها بدهشة:
“اللورد سوليفان!”
تلعثم الرجل، وهو يرفع يده إلى رأسه بتردد، ثم توقف مرتبكًا.
أدركت السيدة موليه أنه همَّ أن يخلع قبعته احترامًا، لكنه تراجع على غير عادته، فابتسمت بلطف.
قالت مجاملة:
“إنك تبدو وسيمًا اليوم.”
فأجاب بصوت خافت:
“شكرًا لكِ…”
كان يرتدي قميصًا وبنطالًا خشنين على طريقة البحّارة، مثل معظم الرجال في السباق، لكن الغريب أنه بدا في غاية التوتر بهذا الزي البسيط.
ابتسمت السيدة موليه في سرّها، فربما الأمر طبيعي لرجل نشأ طَوال عمره ابنًا لأسرة نبيلة.
نادَت بصوت مرتفع على غير حاجة:
“رييلا! اللورد سوليفان هنا!”
كانت رييلا على بعد خطوات، لكنها هرولت وقد احمرّت وجنتاها. قالت بخجل:
“سمعتُ أن مسابقة الرجال بعد الغداء. هل ستشارك فيها؟”
“نعم.”
“آه… لم أرَ خيمة آل سوليفان اليوم، لم تنصبوها، أليس كذلك؟”
فأومأ: “صحيح.”
ارتبكت السيدة موليه وأخذت تحرّك عينيها هنا وهناك، فيما ازداد وجه رييلا حمرة.
بدا الرجل جامدًا قليل الكلام، وكأنه غير مهتم بها إطلاقًا.
وفجأة، ظهر أندري فجعل يصدح بصوت عالٍ:
“آه يا للعجب، سيّدي العقيد ما زال مصدومًا من الحادثة! سيدتي، آنستي، لا تأخذا الأمر على محمل الجد! لقد تعرّضت عربة آل سوليفان لحادث في طريقها إلى الشاطئ!”
وانطلق يروي تفاصيل خيالية:
طفل صغير اندفع فجأة أمام العربة، فانقلبت وهي تحاول تفاديه، وكيف أن اللورد سوليفان أمسك الطفل بين ذراعيه وأنقذه ببسالة.
كان من الواضح أن القصة غير منطقية؛ إذ كيف لرجل يجلس داخل العربة أن يقفز ليحتضن الطفل؟ لكن أندري، ببلاغته الماكرة، استطاع أن يزرع الانبهار في نفوس الحاضرين، حتى السيدة موليه نظرت بإعجاب إلى شجاعة اللورد.
فتح الأخير فمه ليعترض:
“يا رجل، متى…؟”
لكنه سرعان ما صمت. ففسّرت السيدة موليه ذلك على أنه حياء رجولي، وبدت عليها علامات الرضا، فيما شاركتها رييلا التصديق وهي تهز رأسها بحماس.
سألت رييلا باندهاش:
“يا إلهي، وماذا عن عربة آل سوليفان؟ وكيف ستتناولون الغداء؟”
فأخذ أندري يفاوض بمهارة تاجر بارع حتى انتهى الأمر بأن يتناول اللورد وجبته في خيمة آل موليه.
خلال الوجبة، كان مارتينيل أكثر من يتحدث، لم يهدأ بعد، ورغم أنه بدّل ملابسه وجفّف جسده، ظل شعره المبتل يقطر ماءً، وعيناه تلمعان بالغضب:
“ذلك الوغد ركل وجهي عمدًا!”
فحاولت أمه تهدئته:
“أوه يا مارتينيل، ربما لم يقصد ذلك. أليس كذلك؟”
وأضافت رييلا:
“تمامًا، فالتصرّف النبيل هو الرد برقيّ. عليك أن تُظهر شيم الرجال الحقيقيين، خاصة وأبوك غائب اليوم، فأنت وحدك هنا تمثل رجال عائلة موليه.”
لكن الفتى لم يقتنع، وظل يتنفس بغضب حتى استدار إلى اللورد سائلاً:
“وما رأيك أنت يا لورد سوليفان؟”
كان الرجل يجلس بارتخاء، ساقاه متباعدتان وذراعاه مستندتان على ركبتيه، قبل أن يعتدل فجأة ويشبك ذراعيه قائلاً بصرامة:
“كان عليك أن ترد بقبضة يدك.”
تهلّل وجه مارتينيل وصاح:
“كنت أعلم ذلك!”
تدخل أندري سريعًا:
“آه! لا تؤاخذونا، فسيّدي العقيد رجل عسكري، وخدم سنوات على الجبهة، لذا ينظر إلى مشاجرات الرجال بعين مختلفة… إنه رجل بمعنى الكلمة !”
*اظن عرفتوا اي شخصية هذي صح؟ واحد يعرف بس كيف يتعارك*
ارتبكت السيدة موليه، ثم تماسكت بصعوبة، بينما هزّت رييلا رأسها موافقة.
أما مونيكا، التي ظلت صامتة طوال الجلسة كأنها غريبة عن المكان، فقد أغمضت عينيها قليلًا ونظرت بحدة. وفي تلك اللحظة التقت عيناها الزرقاوان بعيني الرجل، كان يرمق أندري بانزعاج واضح.
حرّكت مونيكا شفتيها دون صوت، مؤكدة شكّها:
“غارسيا؟”
فارتسمت على فم الرجل ابتسامة جانبية ملتوية. لم يكن هناك أدنى شك…
إنه هو. غارسيا.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"