*نوع من الأزهار تسمى ايضا بعشبة القديس يوحنا، بحط لكم صورتها بنهاية الفصل*
منذ الصباح، تسلّمت مونيكا باقة من زهور الهايبريكوم مع رسالة جوابية.
كانت حمراء ناضجة يانعة، لكنها لم تُسعدها كثيرًا. السبب أنّ من أحضرها كان “هانس”.
سلم هانس مونيكا الرسالة والباقة أمام أنظار السائق وخدم المغسلة الذين كانوا يضحكون بخبث خلفه.
وكان تصرّفه متبجّحًا للغاية.
“ساعي البريد سلّمني الرسائل بالصدفة… فاخترت لكِ في طريقي أجمل ما في الحديقة.”
من المؤكد أنّ ساعي البريد لم يأتِ برسالة واحدة فقط إلى قصر موليه، لكنه سرق رسالة مونيكا وحدها.
وأشار هانس بأصبعه إلى اسم المرسِل وهو يضيف:
“اسمها جميل جدًّا! لكنه بالتأكيد ليس أجمل من الآنسة مونيكا…”
لم يعد الأمر مجرد إزعاج، بل صار مثيرًا للاشمئزاز.
فانطلقت مونيكا بعفوية تقول:
“إنه رجل.”
“ماذا؟ لكن اسمه ديانا؟!”
تفاجأ هانس بشدّة.
فرفعت مونيكا حاجبها وردّت ببرود:
“كان ضعيف البنية في طفولته، فأطلق عليه أهله اسم فتاة ليربّوه في البيت. لكنه شاب وسيم للغاية. شكرًا لتكبدك عناء إحضار رسالته لي.”
وطبعًا، كان هذا كذبًا.
من دون أن تلتفت إلى وجهه الذي احمرّ وتلوّن، استدارت مونيكا.
كانت تسمع بوضوح ضحكات الرجال الذين يسخرون من هانس.
يا لهم من بشر تافهين! يعملون في مثل هذا القصر الفخم، وكل ما يفعلونه هو الثرثرة والضحك خلف الآخرين.
عادت مسرعة لتفتح الرسالة.
كانت صديقتها العزيزة ديانا تخبرها أنّها بعد زواجها صارت تعمل عند طبيب قريب من منزلها.
أما بخصوص سؤالها عن وصفة الدواء الأخضر، فقد كتبت بلهجة يختلط فيها القلق بالتحذير:
<لكن يا مونيكا، لا تقولي إنك تنوين بيع هذا الدواء أو تناوله بنفسك؟ آمل أن لا تكوني قد تحوّلتِ في فترة قصيرة في لاسبيتسيا إلى مدمنة. على أي حال، لا مشكلة أن أعلّمك، لكن أتمنى أن توضحي لي السبب بدقّة.>
“اللعنة!” مزّقت مونيكا الرسالة ثم فردتها ثانية ببطء.
ديانا لم تفعل ذلك إلا لقلقها عليها، أليس كذلك؟ جلست مونيكا تكتب الجواب بعصبية:
<صديقتي العزيزة ديانا، للأسف الشديد، لقد تحوّلت صديقتك الحميمة إلى مدمنة، فهاتِ الوصفة فورًا!>
ثم مزّقت الجواب وكتبته من جديد:
<ليس الأمر كذلك، لكن الطبيب الخاص للشاب الذي أخدمه في القصر هو من يريد معرفة الأمر.>
ألقت اللوم على “ميكيل”.
ولم يكن هذا كذبًا تمامًا.
فذلك الطبيب الشاب المريب، الذي يثير الضيق لكنه لا يرتكب أفعالًا فاحشة، كان كلما التقى بمونيكا ينهال عليها بالأسئلة.
غالبًا عن الأدوية التي استُخدمت في ساحة الحرب أو طرق الإسعاف.
لم يكن دافعه سوى شغفه العلمي.
وبسبب حماس “مارتينيل” لإحراز المرتبة الأولى في مسابقة السباحة، كانت مونيكا تلتقي “ميكيل” هذه الأيام بشكل شبه يومي .
بالطبع، في الوقت الذي يقضيه مارتينيل داخل البحر، كانت تستريح تحت المظلة في الشاطئ.
مؤخرًا صار مارتينيل يتلقى العناية من خدم آخرين أكثر من مونيكا، لأنها لم تكن تملك ثوب سباحة.
كانت ملابس السباحة الخاصة بالسيدات تُصنع في الغالب من قماش “الموسلين”، وكان لا بد أن يكون متينًا رغم ثقله عند البلل، لذا كان ثمنه باهظا.
قالت السيدة موليه:
“ابنتي أصرت على أن تُفصّل للآنسة مونيكا ثوب سباحة.”
ثم أرسلتها مع “رييلا” إلى مشغل الأزياء المبني من الطوب الأصفر.
وكان ذلك المشغل فعلًا مكانًا مدهشًا.
لو لم تكن “رييلا” برفقتها، لاستطاعت مونيكا أن تستمتع بوقتها هناك.
لكنها كادت تختنق من الضيق بسبب وجود “رييلا” المتجهمة بجوارها طوال الوقت.
ولم يكن بإمكانها حتى أن تسألها عن نواياها، لأن خادمتها “بيكي” كانت حاضرة أيضًا.
طلبت “رييلا” أمامها ثلاث فساتين جديدة: واحدًا أخضر وآخر قرمزيًا وثالثًا منقوشًا بالأزهار، كلها من أجود قماش البوبلين الحديث.
كما اشترت قبعة عريضة الحواف وبروشًا زهريًا.
كان ذلك البروش مزيّنًا بخمس أحجار تورمالين* مقطوعة على شكل مَركزى ومرتّبة كزهرة.
*نوع من الاحجار الكريمة اللي لها عدة الوان، و يتميز بخاصة تغير لونه عند تغيير زاوية النظر إليه، بحط لكم صورته بنهاية الفصل*
وكادت مونيكا تقول:
“يشبه البروش الوردي الذي أعطيتِني إياه سابقًا.” لكنها تراجعت.
مدام “نوا” وعدت بأن تخيط ثوب السباحة بسرعة.
لكن مونيكا كانت تتمنى أن يتأخر العمل قدر الإمكان.
لأنها إن حصلت على ثوب سباحة، فسيكون عليها أن تلعب مع “مارتينيل” داخل الماء أيضًا.
إيقافه عن السباحة في المياه العميقة أو منعه من البقاء طويلًا في الماء البارد يمكن لأي خادم عادي أن يقوم به، لكن السيدة موليه تتصرّف وكأن هذا أمر لا يمكن أن تقوم به سوى مونيكا.
لم تكن مونيكا تكره “مارتينيل”.
لكنها ببساطة لم ترغب بالعودة إلى القصر مبللة بمياه البحر المالحة.
أما “مارتينيل”، فهو مجرد صبي، ثم إنه الوريث الذي يخدمونه.
لذا، بعد السباحة، يمكنه أن يجفف جسده في الكوخ ويغيّر ملابسه ليعود إلى القصر مرتاحًا وجافًا.
لكن هل ستُمنح مونيكا مثل هذا الترف؟
أما ثوب السباحة الذي طلبته “رييلا”، فكان أقرب إلى فستان حفلات من أن يكون لباس سباحة.
طوق مزخرف على الأكتاف، وحزام مشدود على الخصر، وتنورة واسعة مع سروال موسلين تحتي!
صحيح أن فتيات الطبقة الراقية اللواتي يطلبن ثياب السباحة من مشغل مدام نوا عليهن أن يحافظن على مظهرهن حتى في الماء، لكن بالنسبة لمونيكا، كان ذلك عبئًا ثقيلًا وتجاوزًا لمقامها.
إذن، كانت مونيكا تتمنى لو أن ثوب السباحة يتأخر قليلًا في الظهور، لكن مايكل كان شخصًا غريبًا استطاع أن يغيّر رأيها خلال ثلاثة أيام فقط.
فقد أمطرها بالأسئلة وهي جالسة على الشاطئ حتى ضاقت ذرعًا به.
وعلى هذا المنوال، قررت مونيكا أن تسأل ديانا عن بعض الأسئلة من بين أسئلة مايكل التي لم تستطع هي الإجابة عنها.
وسيكون هذا أيضًا ذريعة مناسبة لتسألها عن طريقة تحضير الدواء الأخضر.
بعد أن بعثت برسالة جوابية مشوشة إلى السيدة أوران، شدّت مونيكا قبعتها القشية بإحكام.
إذ إنّ بقضاءها عدة أيام على الشاطئ احترق وجهها من الشمس.
أما باقة الهايبريكوم التي وصلتها فقد دفعتها في سلة قمامة المطبخ.
لكن ماريا تأسفت قائلة:
“إنها جميلة، يا للخسارة!”
فأجابت مونيكا بحدة:
“إذن خذيها أنتِ!”
حتى أنها لم ترغب في ذكر أنها تلقتها من هانس.
ثم أسرعت تركض نحو المدخل.
وهناك، كان مارتينيل، مرتديًا ثوب السباحة، يضرب الأرض بقدميه منتظرًا مجيء مونيكا، وما أن رآها حتى قفز كالعصفور إلى العربة.
“اليوم سأغطس حتى يغمر الماء رأسي!”
هكذا صاح مارتينيل بصوت مفعم بالحيوية كما لو كان عصفورًا يغرد.
وكان الخادم المكلّف برعايته يتغير كل يوم، أما اليوم فقد كان العجوز “بيل” عامل التنظيف.
مونيكا كانت تعرفه؛ فقد رأته مرارًا كل صباح وهو يفرد ظهره المنحني لينظف خيوط العنكبوت العالقة في جلِّ أركان القصر.
ابتسم بيل، كاشفًا عن شفاهه الرفيعة المتجعدة كحال كبار السن.
“آه يا سيدي الصغير، ماذا لو جرفتك الأمواج بعيدًا؟”
“سأنقذ نفسي!”
“أنت حقًا واثق بنفسك، لكن صدقني ستتعرض للتوبيخ من سيدتي عند عودتنا. ثم إن الطبيب لا يزور القصر اليوم أيضًا.”
كان العجوز يعرف جيدًا كيف يناشد عاطفة الفتى، فوافق مارتينيل في النهاية أن يغمر جسده حتى كتفيه فقط.
وفي أثناء ذلك، حين سمعت مونيكا أن مايكل لن يأتي، شعرت ببعض الارتياح.
كان الشاطئ جميلًا، وتفوح منه دائمًا رائحة الملوحة.
وعلى الرمال الممتدة قرب الميناء، ارتفعت هنا وهناك صخور سوداء، وهي أحجار لا توجد إلا في بعض المناطق الجنوبية مثل “لاسبيتشيا”.
“انتبه من الصخور يا سيدي الصغير!”
هتفت مونيكا خلف مارتينيل الذي راح يركض بجنون، ثم حملت السلة التي أنزلتها من العربة وسارت.
وعلى الشاطئ، كان هناك العديد من الأجنحة التي نصبتها العائلات الثرية.
أما جناح عائلة مولّيه فكان مصنوعًا من قماش أزرق يشبه البحر، وتحت ظلاله كان الجو باردًا نسبيًا، إضافة إلى زخارفه الفاخرة التي تدل على ثراء آل مولّيه.
حين جلست تحته، شعرت مونيكا لا إراديًا بالفخر، وكأنّ المارة قد ينظرون إليها كابنة أسرة نبيلة.
صحيح أن ذلك مجرد خيال، لكنه كان مسليًا ويمنحها لحظات من النسيان والراحة.
“يبدو هذا أكثر واقعية بكثير من قصة الأميرة المفقودة شارلوت كوديلير!”
بعد أن تأكدت من أن مارتينيل قفز بعيدًا وبدأت الأمواج البيضاء تتناثر من حوله، دخلت مونيكا تحت الجناح.
وضعت السلة، وأزاحت الستار وهي تضحك بخفة.
حتى اسم “شارلوت كوديلير” بدا لها مضحكًا كلما تذكرته.
“لكن، ما الذي يمكن أن تتوقعه من خيال فتاة يتيمة صغيرة لم تر شيئًا في حياتها؟”
“بمَ تفكرين حتى تضحكي هكذا؟”
“أنا؟ أنا شارلوت كوديلير!”
وما إن أجابت السؤال حتى صرخت فجأة.
إذ ظهر وجه مألوف، لكنه غائب منذ مدة، من خلفها على حين غرة.
من تحت قبعة رُتان مقلوبة، تطاير شعره الأشقر مع نسيم البحر، وعيناه زرقاوان صافيتان كالبلور.
“يا إلهي! أفزعتني!”
قالت مونيكا وهي تضع يدها على صدرها، تلومه.
أما الرجل فقد عقد حاجبيه الجميلين ونزع قبعته.
حتى هذه الحركة البسيطة منه بدت مشبعة بالحساسية والحدة، فبمجرد رؤيته أدركت من يكون.
“سير سوليفان…… أليس كذلك؟”
“أم تظنين أنني أندريه؟”
أجابها الرجل ببرود فيه سخرية.
إنه إنريكي سوليفين. عندها تكشفت ملامح الانزعاج على وجه مونيكا.
“آخر مرة التقيت بك، كنتَ تُدعى لويس.”
“آخر مرة التقيت بي كنت ادعى باسم ما؟ تعبير غريب.”
“ما المضحك في ذلك؟”
“المضحك أنك تتحدثين وكأن هناك نسخًا عديدة مني، بينما أنا شخص واحد لا غير.”
كادت مونيكا تردّ بحدة: “بل هناك عدّة نسخ منك، أليس كذلك؟”، لكنها أطبقت فمها.
فقد أدركت أن ذلك قد يثير استياءه.
أما إنريكي فتابع كلامه غير آبه:
“رأيت شخصًا مألوفًا يمشي على الشاطئ، فقررت أن أتبعك. لم يحدث شيء خلال هذه المدة، أليس كذلك؟”
“لم يحدث شيء يذكر، كل الأيام متشابهة. أقضيها في خدمة السيد الصغير مارتينيل منذ أيام…….”
لكن جبهته تلبدت بملامح الضيق.
عندها أدركت مونيكا أنه لم يسألها عن أحوالها أصلًا.
“آه! بالمناسبة، وصل الرد فعلًا! لكن…….”
“لكن ماذا؟”
“لكنها وجدت طلبي لوصفة التحضير مشبوهًا…….”
وانخفض صوتها تدريجيًا. إلا أن الرجل ظل هادئًا.
“كنت أتوقع ذلك. بل إن إعطاءك الوصفة مباشرة كان سيكون أغرب.”
تنفست مونيكا الصعداء.
وأخذت تتفاخر قليلًا بأنها احتجت بكثرة أسئلة الطبيب لتعيد إرسال رسالة أخرى.
ورغم أن جبين إنريكي ظل متجعدًا، إلا أن مونيكا باتت قادرة على تمييز تعابيره:
بين ما هو غضب حقيقي وما ليس كذلك.
إذن، هذه المرة ليس غاضبًا.
“لكن من هي شارلوت كوديلير هذه؟”
“آه! لا، لا شيء على الإطلاق!”
لوّحت مونيكا بذراعيها بعشوائية وهي تحاول تبرير نفسها. ومع ذلك، استطاعت أن تلاحظ أن ملامحه بدأت تأخذ شيئًا من الدهشة والارتباك.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
هذا هو حجر التورمالين بمختلف أنواعه
وهذي هي زهرة الهايبريكوم
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"