“لقد عزفتِ ست مقطوعات على البيانو أمام الناس، فلا بد أنك مرهقة. ألم أطلب منك تجنب اجهاد نفسك؟”
أمسكت السيدة موليه بيدها وربتت عليها بأسى.
ابتسمت رييلا ابتسامة متكلفة.
فكرة أن تعزف هي لجمع التبرعات كانت في الأصل من اقتراح السيدة موليه.
بالطبع، كانت الأم قد اقترحت أن تعزف ابنتها مقطوعتين فقط، وتُترك باقي المقطوعات لعازفين محترفين.
لكن رييلا أصرت قائلة إنها قادرة على عزف عشر مقطوعات كاملة.
عشر مقطوعات! حتى العازف المحترف يرهق إن جلس وعزف عشرًا متتالية.
ومع ذلك، ألحّت رييلا، مؤكدة أنها تريد أن تساعد أمها بأي شكل.
وبعد تدخل إحدى السيدات تم الاتفاق على ست مقطوعات فقط.
“رييلا. أشعر دائمًا أنك تُجهدين نفسك أكثر من اللازم. حتى لو لم تفعلي، أنتِ ….”
“ليس صحيحًا يا أمي.”
قاطعت رييلا كلام والدتها سريعًا مبتسمة.
“كنتُ أريد فعل هذا حقًا. إذا كان سيساعدكِ، فأنا مستعدة لفعل أي شيء. في الحقيقة، كنت أستطيع عزف عشر مقطوعات أخرى أيضًا.”
“آه يا رييلا. ابنتي الحبيبة.”
ابتسمت السيدة موليه ابتسامة رقيقة.
“حين أحضرك والدك، كنتِ تبدين كفأرة صغيرة قذرة وسوداء. تساءلتُ يومها: هل أستطيع حقًا أن أُحسن تربيتها؟ لقد كنت قلقة جدًا.”
ارتجفت عينا رييلا.
مدّت السيدة موليه يدها، وما زالت تبتسم، ومسحت على خدها المائل جانبًا.
“لا تقلقي يا صغيرتي. لقد صرفتُ بيكي متعمدة.”
“…… آه.”
لم تكن السيدة موليه ترغب هي الأخرى بأن يُعرف أن رييلا يتيمة.
فلو عُرف، لتحطمت سمعة ابنتها. ثم تابعت قائلة:
“على أي حال، لو عاد بي الزمن، لقلت لنفسي: ‘أيتها الحمقاء ميلانيا، هذه الفتاة ملاكٌ أُرسل من أجلك!’.”
“أنا ممتنة لكِ دائمًا يا أمي.”
بادلتها رييلا الابتسام وأمسكت بيدها.
السيدة موليه نسبت فضل جمع التبرعات الكبيرة كلها لرييلا.
رييلا كانت تردد في داخلها دومًا أنها ليست سطحية، لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من الشعور بالفخر في كل مرة تقول لها أمها ذلك.
لو كان اللورد موليه يجعل رييلا تتمنى الموت، فإن السيدة موليه كانت الشمس الدافئة الوحيدة في حياتها.
وكما هي معظم علاقات الأمهات ببناتهن، كانت رييلا تحب السيدة موليه بجنون.
لا رجل في العالم يمكن أن تحبه أكثر منها.
كانت مستعدة لفعل أي شيء كي تظل في رضاها.
لو رأت تقطيبة في حاجبيها، لجنت في محاولة فهم ما الذي لم يُعجبها.
ولو طلبت منها أن تقفز من جرف، لفعلت ذلك دون تردد.
كانت السيدة موليه السلاح الأقوى في التحكم برييلا.
ولهذا السبب بالذات، لم تستطع رييلا أن تقول ببساطة: “لنطرد مونيكا حالًا”.
‘أمي، فلنطرد الآنسة أوفن من هذا البيت. أرجوكِ.’
لو قالت ذلك، لتفاجأت السيدة موليه وسألتها بارتباك:
‘يا ابنتي، ماذا فعلت لكِ تلك الفتاة؟’
أمي، لقد سرقت الرجل الذي أحبّه. في حفل التبرعات الذي أقمتِه، رقصت معه خلسة! بلا حياء!
أما إعجاب مارتينيل بها، فبسبب ما يُقال عن الأيتام دائمًا: أنهم وُلدوا بمكر طبيعي. هي… هي …
لكن شفتَي رييلا التصقتا ولم تستطيعا أن تتحركا.
“…… ولهذا أقول، ما رأيك؟ يمكننا فعل ذلك، أليس كذلك؟”
استفاقت رييلا فجأة. كانت عينا السيدة موليه تلمعان بتوقع ضعيف.
لم تعرف رييلا ما الذي كانت أمها تقصده أصلًا، لكنها هزت رأسها موافقة.
“نعم؟ نعم. آه، بالطبع. أظن أن أفضل شيء هو أن تفعلي كل ما ترينه مناسباً يا والدتي.”
“يا لهذه البنت!”
قرصت السيدة موليه خد رييلا بخفة.
“أتذكرين حين فعلتُ ما أردت، أُصيب مارتينيل بالزكام قبل عامين! ولهذا السبب تخطّينا العام الماضي!”
“همم…”
لم تفهم ريلا ما تقصده تماماً، فتظاهرت بأنها شاردة في التفكير.
وقامت السيدة موليه تتجول في غرفة ريلا وهي تثرثر.
“لكن بما أنه سيأتي مع اشتداد الصيف، أود أن أُريه كيف أصبح مارتينيل وسيماً.”
وضعت السيدة موليه يدها على صدرها وكأنها توازن أمراً في ذهنها.
“إذن غداً صباحاً سأستدعي السيد ميكيل لأسأله، وإن كان الأمر مناسباً فسنأخذ مارتينيل بعد الظهر إلى الشاطئ لنرى إن كان قادراً على السباحة أم لا.”
“آه…”
عندها فقط فهمت رييلا ما تعنيه السيدة موليه. كان الأمر متعلقاً بمسابقة السباحة التي تُقام في صيف لاسبيتسيا.
ففي جوار لاسبيتسيا لم تكن هناك غابات تصلح للصيد.
وحتى لو وُجدت، فالأمر غير ممكن، إذ إن الملك كان قد حظر الصيد الترفيهي أثناء الحرب.
واستمرّ الحظر حتى بعد الهزيمة.
فالتفت نبلاء لاسبيتسيا بطبيعة الحال إلى أمور أخرى.
كانت السباحة في حرّ الظهيرة وسيلة جيدة لتبريد الجسد وفي الوقت نفسه استعراض القوة البدنية.
وهي أيضاً من أهم المهارات التي ينبغي أن يتحلى بها الجنود.
أما السيدات فكنّ يرتدين فساتين سباحة أنيقة.
وفي مثل هذا الوقت، كان مسموحاً لهن أن يُظهرن سيقانهن بلا اعتراض.
أما من كرهت من النساء ثقل الملابس المبللة، فقد اكتفين بنصب مظلاتهن على الشاطئ لمشاهدة الرجال.
لكن الأكثر حماساً كانوا الفتيان.
وكانت السيدة موليه تنوي إشراك مارتينيل في تلك المسابقة.
غير أن ذهن رييلا كان منشغلاً بأمر آخر.
“أبي… سيأتي؟”
“طبعاً!”
أجابت السيدة موليه بمرح، ولم يخطر ببالها أبداً ما جعل رييلا تتوتر، إذ كانت مشغولة بالتخطيط للغد وهي تشبك يديها.
“وحتى لو لم يتمكن مارتينيل من السباحة، فالتعرض لشمس الشاطئ الدافئة سيكون أمراً جيداً.”
من غير وعي شدّت رييلا أطراف فستانها. اللورد موليه قادم.
ذلك الرجل المشغول في العاصمة، سيعود ويسألها فوراً عما آلت إليه الأمور.
وفجأة، حين تخيّلت أن تضطر للاعتراف بأنها لم تحصل على عرض زواج من إنريكي سوليفين، انحبس نفسها في صدرها.
لا، لا…
يجب، أن يتم الأمر قبل ذلك، مهما حصل…
“ولأن الآنسة مونيكا موجودة، فلا داعي للقلق!”
الآنسة مونيكا أيضاً… هذه الجملة أعادت رييلا إلى وعيها.
تلك اللعينة التي رقصت مع إنريكي سوليفان خلال غيابها.
بالطبع، إنريكي سوليفان لن يجرؤ على تطوير علاقته أكثر مع تلك الفتاة.
ألم يكن وضع عائلته بائناً للجميع؟ إنه الرجل الذي كان عليه أن يبيع نفسه بأعلى سعر ممكن.
بل أكثر حتى مما كانت هي عليه.
“لكن، في مثل هذه الظروف، كيف يجرؤ على اللهو مع يتيمة تافهة؟”
ما الذي يفعله بحق السماء؟! لا يُعقل ألا يعرف اللورد سوليفان وضعه!
غير أن رييلا فضّلت تُركيز كراهيتها على مونيكا أوفن بدلاً من أن تُضيّع وقتها بالتساؤل عن أفكار اللورد سوليفان.
يجب طرد تلك الفتاة من القصر بأي ثمن.
لكن ليس بأن تبوح بالأمر للسيدة موليه. ليس لأنها لا تريد أن تخيّب أملها فقط، بل لأنها كانت تشعر بالمهانة في فكرة أن تبدو كأنها فتاة غبية خُطِف منها رجلها من قِبل يتيمة.
كان لا بد أن تجعلها تنسحب بنفسها.
وبطريقة تدمر سمعتها.
حتى لو حاولت مونيكا الانتقام بنشر الشائعات عنها، فلا بد أن تجعل الجميع غير قادرين على تصديق كلمة تخرج من فمها.
“هل ما زالت هناك ملابس سباحة الموسلين التي فُصِّلت العام الماضي؟ عليّ أن أعطيها للآنسة مونيكا. فهي أيضاً بحاجة إلى زيّ سباحة إذا كانت ستساعد مارتينيل!”
راحت السيدة موليه تُدندن بلحن وهي تقول ذلك.
وفي تلك اللحظة تجمّدت ريلا. فقد اخترق خاطرٌ عقلها.
‘هل أجرؤ على ذلك؟’
لكنها سرعان ما عضّت شفتيها وهمست لنفسها جواباً:
‘ولِمَ لا؟’
ابتسمت ثم التفتت إلى السيدة موليه و قالت:
“ إنني أفكر في أن أُهدي الآنسة مونيكا لباس سباحة أنيقاً، لأنها تعامل مارتينيل بلطف أكثر مما توقعت، مثلما اضطررتُ في الحفل لإعارتها أحد فساتيني.”
صفّقت السيدة موليه فرِحة وقالت:
“يا ابنتي العزيزة، لقد أصبحتِ سيدة رحيمة تعرف كيف تُحسن العطاء!”
وأضافت ابتسامة واسعة مع كلمات مدحها.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 41"