على أي حال، كانت لا سبيتسيا مدينة راقت لها كثيرًا.
كان الطريق من ساحة محطة القطار إلى مقر الإقامة قصيرًا، لكنه مليء بالحركة والبهجة حتى أمتع ناظريها. وعندما عادت إلى مكان إقامتها وتناولت العشاء هناك، شعرت بالرضا التام.
نامت مونيكا وهي تستعيد في ذهنها صورة الشاب المدعو “لويس”، لكنها ما لبثت أن نسيته تمامًا في صباح اليوم التالي، وكان ذلك بالطبع بسبب المقابلة المنتظرة.
أخبرتها السيدة أوران أن العائلة التي ستعمل لديها تُدعى عائلة موليه. وكان قصر آل موليه قائمًا في طرف حي القصور الفخمة الذي دلّها عليه لويس، بعيدًا عن الشاطئ بحيث يتطلب قطم مسافة طويلة مشيًا على الأقدام.
بفعل الشمس الحارقة، بدا فستان التافتة ضيقًا خانقًا. لم يخطر ببالها أن شمس الساحل قد تكون بهذه الوخامة. آه، لو كنت قد ابتعت قبعة!
لكن القبعة الوحيدة التي كانت تملكها هي قبعة صوفية شتوية بالية. لذلك عزمت على أن تشتري قبعة أنيقة فور حصولها على أول راتب لها.
ثم، بعدما رأت سيدات النبلاء يمشين على الشاطئ يحملن مظلات شمسية أنيقة، راودها خاطر آخر: ولِمَ لا أقتني مظلة شمسية رقيقة مكسوة بدانتيل التورسيون؟
وبينما سرحت أفكارها حتى لاحظت وتدًا خشبيًا صغيرًا يبرز من فتحة حقيبتها القديمة، خطرت لها فكرة أخرى: يجب أن أشتري حقيبة جديدة أيضًا. وهكذا، بدا أن قائمة ما ترغب في شرائه تطول بلا نهاية.
عندما بلغت، لاهثة من الصعود، القصرَ الكبير، التقت السيدة موليه، التي كانت سيدة مهيبة بحق.
لم يكن الأمر في ملامحها الودودة، ولا ابتسامتها الرقيقة، ولا شعرها البني المصفف بأناقة فحسب، بل أيضًا في كونها تُقدّم كوبًا من الشاي المثلج لمدرّسة خصوصية لم تزل في طور التقدّم للمقابلة.
قالت مبتسمة وهي تشير إلى الداخل:
“أليس الجو حارًا؟ تفضّلي بالدخول.”
شهقت مونيكا بدهشة:
“يا للعجب…!”
ففي داخل الشاي ذي اللون القرمزي، كانت قطع الثلج الشفافة تلمع.
في مثل هذا الجو… ثلج؟
راودها خاطر: قيل أن حتى جلالة ملك العاصمة يقدّر الثلج تقديرًا عظيمًا.
وها هي ذي سيدة نبيلة تُقدّم الثلج لفتاة من عامة الشعب جاءت لمقابلة عمل كمعلمة خصوصية — يا لها من كريمة النفس!
ولا شك أن ثراء عائلة موليه ساعد على ذلك؛ فقصرهم من أضخم القصور في الحي بأسره.
بدت السيدة موليه معتادة على ردود الفعل هذه، إذ رفعت الكوب إلى شفتيها وهي تبتسم.
عندها أسرعت مونيكا ترفع كوبها هي الأخرى، وفي اللحظة التي لامس فيها الثلج شفتيها، ذاب أي شعور بالحرج أو المبالغة كما يذوب الثلج في الفم.
“ما أروع البرودة…”
ضحكت السيدة موليه وقالت:
“حتى أنا ذُهلت عندما جئت إلى لا سبيتسيا أول مرة — ثلج في عز الصيف!”
ثم وضعت كوبها وشرحت بحماس كيف أن أهل المدينة ابتكروا مخازن تُبقي الهواء باردًا حتى في القيظ، مستخدمين الكحول في ذلك.
“إنهم يستعملون الكحول، أليس كذلك؟”
اتسعت عينا السيدة موليه دهشة، وغطّت فمها بيدها:
“يا إلهي! كيف عرفتِ ذلك بهذه السرعة؟ زوجي نفسه شرح لي الأمر مرارًا حتى فهمت!”
ابتسمت مونيكا بتواضع:
“إنما هو بفضل شرحك اللطيف يا سيدتي.”
قالت السيدة موليه:
“ما أرقّكِ! على كل حال، هذا يطمئنني إلى أنني سأستطيع أن أئتمنك على مارتينيل.”
وكان “مارتينيل” هو الابن الأصغر لعائلة موليه، الطفل الذي ستتولى مونيكا تعليمه. وعندما نطقت الأم باسمه، أضاءت عيناها السوداوان بلمعان حاني.
قالت بابتسامة مشوبة بالحنين:
“لقد جاءني في أصعب أيام حياتي. يظن الناس أنني أشفق عليه لأنه ضعيف البنية، لكنهم يخطئون. فمجرد الاعتناء بفتى لطيف كهذا أنساني أي مشقة.”
سألت مونيكا:
“كم عمره؟”
“عشر سنوات. لكن اسمحي لي، كيف أناديكِ؟ أوه…”
أسرعت مونيكا، قبل أن تنطق السيدة موليه ذلك اللقب البغيض، وقالت:
“ناديني مونيكا، من فضلك.”
“لطف منكِ. كم عمركِ إذًا يا آنسة مونيكا؟ لقد أخبرتني السيدة أوران، لكن ذاكرتي هذه الأيام ليست على ما يرام.”
أجابت بابتسامة مشرقة:
“أنا في الثانية والعشرين.”
فقالت السيدة موليه:
“يا للصدفة، أنتِ في عمر ابنتي تمامًا.”
وعلمت مونيكا أن ابنة السيدة موليه لم تتزوج بعد، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لسيدات النبلاء اللواتي يتزوجن عادة في أوائل العشرينات. لكن الأم أوضحت:
“لقد طال أمد الحرب، فكان هذا نصيبي — ولا بأس بي! أستمتع بصحبتها أكثر. لكنها طيبة القلب أكثر مما ينبغي…”
ثم راحت تصف ابنتها “رييلا” بحب وفخر: ملاك في طباعها، مجتهدة، محبوبة من الجميع، بارعة اليدين، ذات رموش كثيفة تجعلها أشبه بالدمى حين تطرف بعينيها، وممشوقة القوام في غاية الأناقة.
*تذكروا هذه الابنة جيدا عشانها شخصية انذكرت بالفصل اللي فات*
ضحكت السيدة موليه وهي تقول:
“تقول إنها لا تريد الزواج مطلقًا، بل أن تعيش معي إلى الأبد. إنها طفولية بعض الشيء بالنسبة لسنّها.”
ابتسمت مونيكا بدورها:
“أتفهمها. لو كان لي أم مثلك، لرغبتُ في البقاء معها إلى الأبد.”
تغير وجه السيدة موليه قليلًا وقالت:
“أوَ ليس لكِ والدان…؟”
“كلا، لقد رحلا.”
قالت بحزن:
“أعتذر.”
أجابت مونيكا برقة:
“لا عليكِ، لقد اعتدت الأمر.”
يبدو أن السيدة أوران لم تذكر أن مونيكا يتيمة، وهذا جعل الأخيرة تزداد تقديرًا لها.
وأخذت مونيكا تتأمل الغرفة: جدرانها المكسوة بالحرير الأزرق، تزيّنها لوحات ومنحوتات جميلة، وخزائن ومقاعد حمراء مزخرفة بنقوش نباتية بديعة. كان المكان غاية في الروعة.
ثم نظرت إلى السيدة موليه نفسها، اللطيفة، المتواضعة، وتملّكها شعور بالغيرة من الابنة التي لم ترها بعد — الفتاة التي تشاركها العمر، لكن لا شيء آخر.
*و الله ما حابة احرق عليكم بس باختصار كان ممكن مونيكا تكون بهذا المكان*
يا لها من حياة! أن تعيش في مثل هذا القصر، مع أم كهذه، تشرب الشاي المثلج بلا عناء، وتقرأ الكتب الثمينة… كيف يمكن لفتاة كهذه أن ترغب بالزواج أصلاً؟ فذلك يعني مغادرة القصر وفراق الأم.
في تلك اللحظة، مدّت السيدة موليه يدها فجأة وأمسكت بيد مونيكا. فتحت مونيكا عينيها دهشة، فيما أرخَت السيدة حاجبيها وهمست بلطف:
“إن رغبتِ، فاعتبريني كأمّ لكِ ما دمتِ في هذا القصر. وإن واجهتِ أي مشكلة، تعالي إليّ مباشرة. اتفقنا؟”
كادت مونيكا أن تقفز من شدة الفرح.
صحيح أن قولها “اعتبريني أمًّا” كان على الأرجح مجرّد مجاملة، لكن كلمات السيدة موليه كانت تعني أنها تستطيع البقاء في هذا القصر الفخم كخادمة ذات مكانة.
“كنتُ أودّ أن أقدّم لكِ مارينيل الآن، لكن حان وقت قيلولته.”
فأجابت مونيكا:
“بالطبع، القيلولة أمر ضروري للطفل في طور النمو.”
ابتسمت السيدة موليه وقالت:
“عجبًا، نساء العاصمة لا يبدين اقتناعًا بالقيلولة في العادة.”
فأجابت مونيكا:
“أما في الجنوب، فالناس لا يستغنون عن القيلولة في ظهيرة الصيف الحارّة.”
نهضت السيدة موليه وهي تقول ذلك، فنهضت مونيكا على عجل. وأشارت السيدة برأسها نحو الخادمة قائلة:
“خذيها إلى الغرفة المجاورة لمارينيل. وهذه يا آنسة مونيكا هي ماريا. أعطِها عنوان سكنكِ لتذهب وتحضر حقائبك.”
قالت مونيكا:
“شكرًا جزيلاً.”
ثم تذكّرت السيدة فجأة:
“آه، بخصوص الأجر…”
توترت كتفا مونيكا، لكن السيدة ابتسمت برفق قائلة:
“سأدفع لكِ خمسمئة سينغ أسبوعيًا.”
حاولت مونيكا جاهدًة ألا تُظهر دهشتها، لكن عبثًا.
خمسمئة سينغ في الشهر وحده نعمة عظيمة!
يبدو أن هذه العائلة الثرية لا تبخل بالإنفاق. رأت السيدة موليه لمعان الدهشة في عيني مونيكا الخضراوين، فأغمزت لها وقالت:
“الفتيات في مثل سنكِ يحتجن للكثير من المال، أليس كذلك؟ ثم إنكِ في عمر ابنتي، فلا عجب أن أهتم لأمرك.”
ردّت مونيكا بإخلاص:
“أشكركِ كثيرًا يا سيدتي… حقًا أنا ممتنّة.”
فأجابت:
“وأنا أيضًا أرجو أن تعتني بمارينيل.”
خمسمئة سينغ في الأسبوع… أي أكثر من عشرة آلاف في السنة. حتى أفضل المعلّمين في العاصمة لا يحصلون على مثل هذا الأجر.
حاولت مونيكا أن تُخفي ارتجاف كتفيها من فرط السعادة. وربما كان الأمر وهمًا، لكنها شعرت أن الخادمة ماريا تنظر إليها بعين الحسد.
حين أستلم أول أجر، سأفصّل ثيابًا صيفية جديدة… وقبّعة أيضًا.
سارت خلف السيدة موليه وقلبها يخفق من الترقب. كم يا ترى يكلف فستان صيفي أنيق؟
هل أكتفي بتطريز الصدر فقط؟ أم أضع شريطًا أزرق عند الخصر لتقليل التكلفة؟
لن تستطيع شراء أقمشة مزخرفة بالزهور أو الخطوط الرفيعة، لكن فستانًا من الكتّان الخام بلون عاجي أو بلون موحّد سيكون خيارًا جيدًا.
صحيح أن الموضة هذه الأيام تقتضي أن يلامس ذيل الفستان الأرض قليلًا، لكن ذلك يستهلك الدانتيل بسرعة، فلا ترتديه إلا الفتيات الثريات جدًا.
حتى لو كان فستانها بسيطًا بطول الكاحل، فهي واثقة أنها ستطلب فستانًا غاية في الجمال!
قالت السيدة موليه:
“آنسة مونيكا، سأعرّفكِ على مارينيل في وقت العشاء.”
فردّت مونيكا:
“ألن يزعجكم ذلك؟”
رغم انشغال ذهنها بالأثواب الجديدة، لم تنسِ واجبها كموظفة.
كان العشاء في بيوت النبلاء عادةً يقتصر على العائلة أو الأصدقاء المقرّبين، لذا أبدت مونيكا شيئًا من الحرج وهي تضمّ كفيها شكرًا.
قالت السيدة موليه:
“بالطبع، أريدكِ أن تلتقي بمُهجة قلبي…”
لكن فجأة—
“يا سيدتي!”
ارتفع صوت صبي صغير حاد، يتناقض مع الاحترام في نبرة المناداة. وفي اللحظة نفسها، غمرت وجه السيدة موليه ملامح دفء لم تره مونيكا من قبل.
عرفت مونيكا، قبل أن تلتفت، أن هذا هو مارينيل.
قالت السيدة موليه:
“مارينيل! استيقظتَ إذن… ومعكِ رِيالا أيضًا؟”
على ما يبدو، جاء طفلاها معًا.
“حسنًا يا مارينيل، هذه هي…”
استدارت مونيكا، وانحنت قليلًا عند الركبتين وخفضت رأسها تحيةً، ولم تنسَ أن ترفع طرف فستانها كما تدرّبت طوال الليل على طريقة التحية الجنوبية.
قالت السيدة موليه بارتياح:
“إنها الآنسة مونيكا، ستعتني بكَ.”
قالت مونيكا:
“تشرفت بلقا…”
لكنها توقفت فجأة عند رفع رأسها.
أمامها كان صبي ذو شعر بني وعينين سوداويين لامعتين، نسخة مصغّرة عن السيدة موليه. لكن ما أدهشها لم يكن الصبي نفسه.
خلفه وقفت فتاة فاتنة، ومن النظرة الأولى كان واضحًا أنها الآنسة ريالا موليه.
شعرها بني اللون كأمها، لكن عينيها رماديتان، وخداها ممتلئان بحمرة تنضح بالدلال.
كانت ترتدي فستانًا ورديًّا مخطّطًا على أحدث طراز، يليق بها غاية الإناقة.
وتجمّدت مونيكا في مكانها. كانت تعرف هذا الوجه.
أنتِ ذكية وجميلة، أما أنا فأتعرض للتوبيخ من المديرة كل يوم… لن أحظى أبدًا بفرصة. أنا غبية وعديمة الفائدة! لكنكِ أنتِ… أنتِ ستجدين دومًا فرصًا رائعة أخرى!
ليزي.
ليزي أوفن.
الفتاة التي كانت تحمل اسم العائلة نفسه يومًا، والتي لم تستطع مونيكا نسيانها حتى في أحلامها، كانت واقفة أمامها الآن.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
كالعادة ظهرت الشخصية التستس اللي ما ناوية على خير و اكيد بتحاول تخرب شغل البطلة خوفا من انها تاخذ مكانها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"