“تسللت وحدي ليلا… البارحة. توجهت إلى منزل الطبيب. السيد هانز يعرف ذلك أيضاً…”
قالت وهي تعقد حاجبيها.
“الطبيب؟ لماذا؟”
“لأني لم أستطع النوم، فطلبت منه وصفة منوّم.”
“أوه، حقاً؟”
أمالت ماريا رأسها باستغراب.
“لكن هانز لم يقل هذا.”
“غريب…”
“لماذا؟ ربما تكونين عشيقته! أليس الطبيب ميكِل عازبًا؟”
قهقهت إحدى الخادمات وهي تربّت على كتف ماريا.
ضحكت ماريا بدورها، لكنها سرعان ما أمسكت ضحكتها مع رفيقتها عندما لاحظتا تصلّب ملامح مونيكا.
فالكل يعرف، ممن يعملون في بيوت النبلاء، كم يمكن لمجرد إشاعة صغيرة أن تدمّر سمعة فتاة شابة.
“آه، آسفة.”
“لا بأس، لا مشكلة.”
أجابت مونيكا بهدوء وهي تنظر إلى ماريا. بدا الارتباك على الأخيرة لكنها تابعت قائلة:
“الموضوع أني ذهبت صباحاً إلى الحديقة لأقطف بعض الخضار، فصادفت هانز هناك. سألني فجأة: هل لدى مونيكا حبيب؟ فأجبته أني لا أعلم.”
لم يكن غريباً أن يسأل ماريا بالذات، فهي أقرب صديقة لمونيكا بين الخادمات.
لكن، ما إن سمعت أن هانز طرح مثل هذا السؤال حتى غمرها شعور بالانزعاج.
‘أمس كان يتصرّف بأدب جم، فماذا الآن؟’
تنهدت ماريا وربّتت على ذراع مونيكا بخفة.
“أظن أن هانز مهتم بكِ أكثر مما ينبغي. لكن لا تقلقي، سأخبره ألا يطرح أسئلة كهذه مجدداً.”
“مم… لا، سأحادثه بنفسي.”
“هل أنتِ واثقة؟”
“ولم لا؟ الأمر لا يستحق التوتر.”
لكنها شعرت أن لهجتها بدت حادّة، فابتسمت متكلّفة لتلطّف الجو.
“لن أسبّب لكِ أي إزعاج يا ماريا.”
“يا عزيزتي، ما الذي تقولينه! لا شيء يزعجني. كل ما في الأمر أن هانز مسكين، ينظر إلى شجرة لا يمكنه أبداً تسلّقها!”
لوّحت ماريا بيدها، بينما قاطعتها خادمة أخرى:
“على كل حال، هانز ليس سيئاً… إنه مجتهد.”
“صحيح، مونيكا، إن لم يكن لكِ حبيب، فما رأيك بهانز؟ هو بسيط قليلاً لكنه طيب! لا يلعب القمار بكثرة أيضاً.”
قاطعتها خادمة أخرى بامتعاض:
“طيب ماذا؟! إنه متكبّر جداً! دائماً يتدخّل في شؤون المغسلة كأنه مسؤول عنها!”
فأضافت أخرى بخبث:
“لكن على الأقل أفضل من ذلك المنحرف الذي يواعد البنات على أساس أسمائهن.”
رفعت مونيكا حاجبها ونظرت إليهن متسائلة، فقهقهن الخادمات فيما بينهن.
“ألا تذكرن ذاك الوسيم الذي كانت روز تواعده مؤخراً؟”
“قالت إنها واعدته فقط لأن اسمه أعجبها!”
“مجرد ذريعة! روز هي التي التصقت به حتى ضاق ذرعاً منها. آه لو أنني طُردت من علاقة بسبب اسمي فقط، لانتحرت فوراً!”
“كفين عن الثرثرة! عُدن لأعمالكن!”
صرخت ماريا بسرعة وهي تلوّح بيدها لتفرقهن، ثم عادت لترتيب الصحون المغسولة. تفرّقت الخادمات وهنّ يضحكن.
أما مونيكا، فابتسمت بخجل ونهضت تساعد ماريا في نقل الأطباق. وعندما انتهتا، قالت ماريا بخفوت:
“آسفة… كان ذلك بسببي.”
“ماذا تقولين! الأمر تافه. صدقيني أنا بخير، لا تشغلي بالك.”
كررت أنها بخير أكثر من مرة، لكن الجو ازداد ثقلاً. خرجت مونيكا من غرفة الطعام وهي تبتسم تكلّفاً.
لم تكن مرتاحة لما حدث، لكنها في الوقت نفسه لم تجد سبباً يجعلها تذهب إلى هانز وتعاتبه علناً.
فهو لم يقل لها شيئاً مباشراً حتى الآن.
ولو أنها بادرت وسألته: ‘هل أنت معجب بي؟ رجاءً لا تفعل.’ لبدت غريبة الأطوار أمام الجميع.
ثم إنها مجرد خادمة جديدة في هذا البيت، بينما هو بستاني قديم ذو مكانة فيه.
“آه…”
زفرت مونيكا وهي تدير كتفيها للخلف. قررت أن تتجنب هانز لفترة.
وعلى أي حال، لديها اليوم ما يكفي من الأعمال التي تُنسيها أمره.
فمارتينيل سيستيقظ قريباً ويغتسل، وكان عليها قبل الإفطار أن تعود لغرفتها لتكتب رسالة.
رسالة إلى الممرضة ديانا، زميلتها التي منحتها رسالة التوصية لدخول قصر موليه، لتسألها عن وصفة “الدواء الأخضر”.
‘حتى إنه قال: “في بعض الأحيان أفكر بالزواج من الآنسة موليه فقط.”‘
لم تستطع طرد صورة ذلك الرجل من ذهنها… ذلك الوجه المتعب، أصابعه المرتعشة قليلاً وهو يتحدث بنبرة ساخرة.
كان يقصد أنه قد يتزوج رِيلا فقط لينعم بالهدوء والنوم داخل قصرها الكبير والهادئ.
سخيف… لكن، لا تعرف لماذا، لم تكن تتحمّل مجرد تخيّل صورته واقفاً بجوار رِيلا مرتدياً ثياب الزفاف.
أكثر من اهتمامها بمدى نفع “الدواء الأخضر” أو ضرره.
ومرّ الوقت أسرع مما توقعت.
وبينما كانت تنتظر الرد على رسالتها، كان الفصل قد بلغ أوجه، وأصبحت حرارة منتصف النهار خانقة لا تحتمل.
وبسبب الحر، تغيّرت طبيعة اللقاءات الاجتماعية؛ فلم تعد الولائم الكبرى تقام، بل استُبدلت باجتماعات صغيرة داخل القصور. حفلات شاي للسيدات، لقاءات ودّية متواضعة، وكان قصر موليه مسرحاً للكثير منها.
“لكنهم حتى على الشاطئ ينصبون مظلات ويجتمعون كما يشاؤون! ومسابقة السباحة القادمة خير مثال. في الحقيقة، الجو الحار مجرد عذر… لنقل ذريعة ليضعونا معاً في مكان واحد، مثلاً أنا وهذا هنا.”
كلامها كان جريئاً جداً.
صاحبته فتاة صغيرة بشَعر بني غامق مصفف بأناقة، هي إيزابيلا، ابنة الكونتيسة فالينتينو، التي أقامت مؤخراً حفلة عيد ميلاد في قصر موليه.
وكان عمرها عشر سنوات، تماماً كعمر مارتينيل. وقد جاءت اليوم مع أمها لحضور اجتماع خيري للسيدات.
‘لكن طريقة تفكيرها كأنها في الثانية والعشرين!’
تمتمت مونيكا وهي تمسح العرق عن جبينها.
رغم أنهن قلن أنه اجتماع خيري لزوجات الطبقة النبيلة، إلا أنّه لم يكن يختلف كثيرًا عن حفلة صغيرة يتذرعن فيها باجتماع لشرب شاي النهار من أجل جمع التبرعات.
الحجّة جميلة: مساعدة فقراء المملكة المهزومة.
«لكن، أليست هذه المناسبة فاخرة أكثر مما ينبغي بمثل هذا العذر؟»
في القاعة بالطابق الثاني من القصر، وهي أكثر مكانٍ تهب فيه الرياح المنعشة، كانت الحفلة على أشدها.
ضحكات الناس الممزوجة بالموسيقى كانت تتسرّب حتى نافذة غرفة مارتينيل في هيئة أصواتٍ باهتة.
إلا أنّ الأطفال كانوا استثناءً. فما أن وصلت إيزابيلا إلى قصر عائلة موليه حتى انتقلت من يد زوجة الكونت فالينتينو إلى يد مونيكا.
ومن بين جميع الأطفال الذين جاؤوا إلى الحفلة لم يكن في سنّ مارتينيل سوى إيزابيلا، وبشكلٍ طبيعي وجدت نفسها مع مونيكا وصغيرها، يشربون الشاي الوردي المثلج في غرفة مارتينيل.
قال مارتينيل متذمّرًا وهو يرفع الكأس:
“آه، هذا مزعج جدًا. لماذا لم تذهبي؟”
فردّت إيزابيلا بنبرة لاذعة:
“تظن أنني أريد البقاء هنا؟”
ومع ذلك مدّت يدها الصغيرة إلى مونيكا وقدّمت لها منديلها.
“هاهاها. شكرًا لكِ يا آنسة. إن رأيتُ فيكِ هذه العناية واللطف، فلا بد أنكِ أعظم سعادة لوالدتكِ الكونتيسة فالينتينو.”
“الوحيد الذي لا يعرف هذا هو هو.”
رفعت إيزابيلا ذقنها بفخر وقد بدت في غاية الرضا من كلام مونيكا. أما مارتينيل فزمّ جبينه بضيق.
“حسنًا، ما دمت لا أعرف، فاذهبي إلى الحفلة وتباهَي كما يحلو لكِ!”
“كنتُ سأفعل لو استطعتُ يا مارتينيل. لكن للأسف، لا يمكنني ذلك.”
“ولماذا؟”
منحت مونيكا الفرصة لإيزابيلا كي تتباهى كما تشاء، فرفعت الأخيرة كتفيها وكأنها تنتظر هذا السؤال، مقلّدةً حركات الكبار بطريقة مبالغ فيها لدرجة لا تُحتمل.
“أمي طلبت مني أن أكون صديقة له. لأنني سأضطر إلى الزواج منه يومًا ما.”
شرب مارتينيل الشاي فكاد يختنق، وأخذ يسعل بشدة.
وبينما سارعت مونيكا بمنديل إيزابيلا لتمسح قطرات الشاي التي سالت على فم الصغير، فوجئت بنفسها بما فعلت. لكن إيزابيلا قالت بهدوء:
“لا بأس. احتفظي بالمنديل يا مونيكا.”
ثم مرّرت أصابعها بخفّة على شعرها الملقى على كتفها، فاهتزّ شريطها الأزرق المثبّت على شعرها البني.
وحين التقط أنفاسه، صرخ مارتينيل غاضبًا:
“لن أتزوجكِ أبدًا!”
“وكأنني سعيدة بذلك!”
ردّت إيزابيلا ساخرة.
فانتفض مارتينيل واقفًا وهو يلهث من الغضب، لكنّه لم يلبث أن لمح في وجه مونيكا حرجًا شديدًا، فقال بسرعة:
“سأكمل بناء القلعة التي بدأتُها هناك. لا تقلقي، لن أخرج.”
“شكرًا لك يا مارتينيل.”
“فليس من العدل أن تُعاقَبي أنتِ بسبَبها.”
قالها بجدّية، ثم استدار مبتعدًا نحو غرفته دون أن ينظر إلى إيزابيلا، تاركًا الباب مفتوحًا. وهكذا استطاعت مونيكا أن تظلّ جالسة مع إيزابيلا وفي الوقت نفسه تراقب مارتينيل وهو يعيد ترتيب مكعباته لبناء القلعة.
أما إيزابيلا فاكتفت بإصدار “همم” ساخرة ثم ارتشفت من شايها برشاقة جعلتها تبدو أشبه بأميرة صغيرة.
عندها تذكّرت مونيكا أن مارتينيل، خلال حفلة عيد ميلاد الكونتيسة، كان يرفض الجلوس مع عائلته ويصف “فتاة مزعجة” هناك. والآن رجّحت أن تكون هذه الفتاة هي إيزابيلا نفسها.
إذ لم ترَ مارتينيل يكره أحدًا بهذا الشكل من قبل.
قالت مونيكا محاولةً التلطف:
“الآنسة إيزابيلا ذكية للغاية.”
“شكرًا يا مونيكا. لكن، أليس من الطبيعي أن أشعر بالقلق ما دام خطيبي غبيًا إلى هذا الحد؟ لذلك أدرس بجدّ في هذه الأيام.”
“هاهاها…” ضحكت مونيكا بخجل، فهي اعتادت أن ترى أطفالًا يبدون أكبر من أعمارهم، لكن أن تكون واحدة من بنات عائلة كونت رفيعة، فهذا أمرٌ غير متوقّع.
وكأن إيزابيلا قرأت أفكارها، فقالت:
“ليس عندنا أولاد في البيت، كلنا بنات. ولهذا سينتقل لقب والدي إلى ابن عمي. لذلك قالت أمي إنه لا بد أن أتزوج مارتينيل. صحيح أن عائلة موليه تفتقر إلى المجد، لكن أليس السير سوليفان سيتزوج شقيقته؟”
سوليفان. اسم مألوف جعل مونيكا تلزم الصمت.
لكن إيزابيلا ظنّت أنها انزعجت لسبب آخر فأضافت:
“لا تقلقي، فهذه ليست أسرارًا. أخواتي أيضًا تزوجن على عجل لهذا السبب.”
ثم التقطت قطعة بسكويت، كسرتها نصفين، ثم عادت فكسرته ثانية قبل أن تضعه في فمها.
وكانت كل حركة منها – بغاية الرشاقة – دليلًا صارخًا على كمّ التدريب الصارم الذي تلقّته هذه الطفلة ذات العشر سنوات.
فترددت مونيكا قليلًا، ثم سألتها بحذر:
“لكن يا آنسة إيزابيلا، ألم تقولي إنك لا تحبين السيد مارتينيل؟”
لم تجبها الصغيرة فورًا، بل أخذت تمضغ البسكويت طويلًا قبل أن تبتلعه، ثم غيّرت الموضوع فجأة:
“اسم معلمتي هو روزماري. هي من الشرق، لكنها نجحت في دخول الأكاديمية العظمى في بَريل. أليست مذهلة؟”
قالت مونيكا بدهشة حقيقية:
“يا إلهي! هذا رائع فعلًا.”
فالأكاديمية الكبرى في بَريل اسم مألوف، وظلّ دومًا موضوع إعجاب وحنين بالنسبة لها.
لكن إيزابيلا اكتفت بهز كتفيها وقالت:
“لكنها لم تكمل حتى عامها الأول هناك. أبي أجبرها على تركها. ولو ذهبتُ أنا إلى الجامعة، فسيفعل أبي بي الشيء نفسه.”
حين سمعت مونيكا هذا، أخذت عيناها الخضراوان تزوغان بتردد. فقهقهت إيزابيلا.
“وهذا أيضًا ليس سرًا. فحتى أخواتي، ما إن ظهرن لأول مرة في المجتمع، حتى تزوجن بعد موسم واحد فقط. أبي يؤمن أن الفتاة يجب أن تتزوج بمجرد أن تلتقي بعيني رجل.”
عادةً ما تنتظر الفتيات ثلاثة مواسم على الأقل لاختيار الزوج، وأحيانًا يمتد الأمر إلى عام أو عامين. لكن موسم واحد فقط؟! بدا الأمر متعجّلًا للغاية.
وأردفت إيزابيلا قائلة:
“ولهذا فإن زواجي من هذا الأحمق مارتينيل هو أفضل ما يمكن أن يحدث لي.”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"