بعد أن فُسخت خطبة ريلا الأولى، عرّضها اللورد موليه لسلسلة من الخُطّاب المروّعين.
وكان ذلك أمرًا طبيعيًا، إذ إن الخطبة الأولى كانت قد رتّبت ثم أُبطلت بقرار من اللورد موليه نفسه. في ذلك الوقت، كان خطيبها الأول شابًا من أسرة مرموقة، لكن مع صعود مكانة عائلة موليه بفضل الحرب، تراجعت أسرة الخطيب وخبت مكانتها.
وبدلًا من البحث عن زيجة تليق بها، أخذ اللورد موليه يقدّم لها خُطّابًا لا يصلحون؛ فمنهم من كان طاعنًا في السن، ومنهم من لم يبلغ بعد سن الرشد. وكان يعرض عليها رجالًا يعرف مسبقًا أن السيدة موليه سترفضهم، ليجعل ريلا مضطرة إلى اتخاذ موقف.
فإن وافقت ريلا على أحدهم، لم تكن السيدة موليه لتعترض.
ولهذا، ظلّت ريلا على الدوام باردة تجاه كل عروض الزواج التي جاء بها اللورد موليه، لا ينقصها عذرٌ كي ترفضهم واحدًا تلو الآخر. ولأن السيدة موليه كانت تظن أنّ قلبها ما زال معلّقًا بخطيبها الأول، كانت تُبدي شفقةً عليها. وفي الحقيقة، لولا تدخل السيدة موليه، لكانت ريلا قد بيعت منذ زمن في زواجٍ بائس.
وبفضل رفق السيدة موليه، استطاعت ريلا أن تحافظ لسنوات على صورة النبيلة المكسور قلبها.
لكنّ الخُطّاب لم يخفوا استياءهم. فكانوا يظهرون، علنًا أو سرًّا، امتعاضهم من برود ريلا أمام اللورد موليه.
وفي كل مرة تواجه فيها نظراته الباردة، كان قلبها ينقبض قلقًا.
وفي الأثناء، كانت الشائعات تشتعل في مجتمع النبلاء. لقد صاروا يسخرون من الابن الثاني لعائلة سوليفان، إنريكي، مؤكدين أنّه لن يجد زوجة أبدًا.
بل إن إنريكي سوليفان صار موضوعًا للقيل والقال حتى قبل ظهوره الرسمي في المجتمع. فقد تناقلت الألسن قصصًا مبالغًا فيها عن بطشه في ساحة المعركة، وعن عجرفته التي تسببت في نزاعات بينه وبين رفاقه، بل وعن عراكٍ بالأيدي مع ابن أحد النبلاء انتهى بخسارته للقتال وكرامته معًا.
وهكذا، صار إنريكي سوليفان في أعينهم رجلاً يُجتنب.
لكنّ اللورد موليه حذّر ريلا: “لن تكون هناك فرصة ثانية.”
ومهما بدا إنريكي سوليفان سيئ السمعة، كان على ريلا أن تقترب منه وتحرص على أن يختارها.
وفي مساء أول حفلٍ كبيرٍ من العام في “لا سبيتسيا”، حضرت ريلا متأخرة، وعيناها ما تزالان متورمتين من البكاء طوال الليل.
لكن ما إن ظهر إنريكي سوليفان حتى خطف الأضواء كلّها.
كان وسيمًا على نحو يثير الإعجاب، يفيض وقارًا وهيبة، ويتمتع بكاريزما طبيعية تمكّنه من السيطرة على المكان من دون أن ينطق بكلمة.
وبينما كان سائر النبلاء يتفاخرون بأتفه إنجازاتهم، لم يكن إنريكي يبدي أي اهتمام في تبرير نفسه. حياته الخاصة ظلّت غامضة، وهذا زاد من جاذبيته.
لكن ما كان واضحًا أنّه يبحث عن امرأة تكمّل طموحاته. فلم يكن يرقص إلا مع نساءٍ يجلبن مهورًا ضخمة.
وكانت ريلا ممتنّة لكونها واحدةً منهن.
وعلى الرغم من صرامة ملامحه، كان يُهديها أحيانًا ابتسامة باهتة.
ومنذ أن رفضت عائلة سوليفان في الماضي مصاهرة عائلة موليه، لم تكن ريلا تجرؤ على الأمل. لكن إنريكي صار يرقص معها في كل حفلةٍ تحضرها، بل زارها كما يفعل الرجال حين يفكرون جديًا في الزواج.
وكان قلبها يخفق بعنف كلما اقترب منها. لقد بدا لها إنريكي سوليفان كالمنقذ الذي انتظرته طويلًا، ذاك الذي سينتشلها من قبضة عائلة موليه الخانقة.
فكان طبيعيًا أن تقع في حبه.
لكن مع اقتراب الصيف، لم يتقدّم إنريكي بطلب زواج بعد. ومع اشتداد الحرّ، صار يتغيّب أكثر فأكثر عن المناسبات الاجتماعية.
وازداد قلق ريلا. ماذا لو خطب امرأة أخرى قبل أن ينتهي الخريف؟
ثم عادت مونيكا أوفن إلى الظهور.
عندها شعرت ريلا أنّ عالمها ينهار.
كان معظم نبلاء “لا سبيتسيا” يجهلون أنّ ريلا لم تكن سوى متبنّاة لدى اللورد موليه.
فقد قدّمتها السيدة موليه إلى المجتمع على أنّها ابنتها الحقيقية، قائلة: “لقد كانت ضعيفة البنية حين كانت صغيرة، فأرسلناها إلى الريف لتستعيد صحتها. والآن وقد تعافت، أعدناها إلينا.”
وبينما قبِل الناس تلك الرواية ظاهرًا، أخذوا يتهامسون في الخفاء بأنها على الأرجح ابنة غير شرعية للورد موليه.
ومن الغريب أنّ ريلا شعرت براحةٍ تجاه هذه الشائعة. أن يظنها الناس غير شرعية كان أهون بكثير من أن ينكشف أصلها الحقيقي.
لكن عودة مونيكا أوفن كانت تهديدًا مباشرًا لهويتها المصطنعة بعناية.
لقد مرّت عشرة أعوام، ومع ذلك لم تتغيّر مونيكا. ما تزال تحتفظ بتلك النظرات المضيئة الواثقة، وتلك الوقفة الرشيقة، وتلك الألفة التي تكسبها قلوب الجميع.
فتملّك القلق ريلا، خائفة من أن تكشف مونيكا حقيقة ماضيها كيتيمة.
ومع أنّ مونيكا أقسمت ألّا تفعل، إلا أنّ ريلا لم تصدّقها.
وزاد رعبها حين رأت إنريكي يتحدث إلى مونيكا في حفلة عيد ميلاد الكونتيسة فالنتينا.
تلك الليلة، رقص إنريكي مع ريلا ثلاث مرات، فتناقل الحضور الهمسات، وتكهنوا بأن إنريكي سوليفان على وشك أن يتقدّم لخطبتها.
لكن ريلا لم تكن واثقة. فقد كان نظره شاردًا، متباعدًا عنها وهي بين ذراعيه.
ولما تبعته بعد الحفل، توسلت إليه أن يتخذها زوجة. لكنه لم يطمئنها، بل وبّخها على سلوكها غير اللائق.
مضطرةً، باحت له بحبها، تعثّرت كلماتها المرتبكة وهي تلهث اعترافها، ومع ذلك، ظنّت أنّ اضطراب ملامحه دليلٌ على أنه رجل صالح، رجل سينقذها من بؤسها مع عائلة موليه.
لكن مونيكا أوفن عادت للظهور مرة أخرى، هذه المرة في موقف أكثر إحراجًا.
ومع احتدام التوتر بين ريلا، وإنريكي، ومونيكا، لم تستطع ريلا أن تتخلّص من الإحساس بأن خططها الدقيقة بدأت تتداعى.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 26"