كان الرجل متشبّثًا بشجرة قرانية صغيرة في الحديقة، أزهارها البيضاء الرقيقة تهتز تحت قبضته. الشجرة الفتية، التي لم تزد طولًا على نصف شبر عن مونيكا، كانت تتمايل بقوة تحت ضغط يديه. أصابعه شاحبة من شدّة القبض، والعرق يتصبّب من وجهه وهو يتكئ بيأس على الجذع.
“يا إلهي!”
ارتعبت مونيكا وأسرعت إليه، تربّت على ظهره بقلق.
“هل أنت بخير؟ تنفّس.”
كان يئنّ بضعف، يكافح لالتقاط أنفاسه. ودون تفكير، مرّرت ذراعيها حول خصره وسحبته نحوها. ورغم قبضته الحديدية السابقة على الشجرة، إلا أن سحبه إلى الأرض كان أسهل مما توقّعت.
أنزلته مونيكا برفق، مددته على الأرض، ثم فكّت رباط عنقه وأرخَت أزرار قميصه العلوية، وضعت يدها على صدره تفركه بحركات دائرية سريعة. كانت تقنية استعملتها مرارًا كممرضة ميدانية مع الجنود الذين ينسون كيف يتنفسون وسط فوضى المعركة.
“تنفّس.” أمرته. “لا تتكلم. فقط أخرج الزفير حين أعدّ. واحد… اثنان—ازفر. ثلاثة.”
الرجل، وهو يلهث ويرتجف، تبع إيقاعها. شيئًا فشيئًا بدأت أنفاسه المضطربة تنتظم. وبعد نحو خمس عشرة مرة، أطلق زفيرًا عميقًا، فانفرجت عقدة صدره.
تنفست مونيكا الصعداء، مدركة حينها فقط أنها كانت تحبس أنفاسها هي أيضًا.
آه.
ثم اجتاحها إدراك آخر كالصاعقة. الآن فهمت سبب ردّة فعله. لقد رأته مئات المرات من قبل أثناء عملها كممرضة: أشخاص يرتجفون عند سماع أصوات مرتفعة، فيظنونها دويّ المدافع.
ولم يكن هو استثناءً.
إنريكي سوليفان. الاسم الذي يرمز إلى مكانة مرموقة، سلالة عريقة من النبلاء بتاريخ عسكري فخور. ومع ذلك، ها هو أمامها، متشبّث بشجرة، يرتعش كطفل مذعور.
تهاطلت الأسئلة في رأسها، لكنها أجبرت نفسها على التركيز. يداه كانتا باردتين كالثلج تحت يديها، وأنفاسه لا تزال غير منتظمة.
برفّة من يدها الأخرى، رفعت طرف ثوبها ومسحت العرق عن جبينه. لم تهتم بأن القماش جديد—أو أنه مُشترى بأموال هذا الرجل، الذي ينكر الآن هويته.
“هذا قصر موليه.” قالت بهدوء وثبات. “ليست ساحة معركة. الحرب انتهت.”
تمتم بكلمات غير مفهومة، ثم خفت صوته. وعندما التقت عيناها بعينيه، رأت زرقةً غارقة في الخزي والارتباك، وفيها مسحة من الضعف.
كان ذلك التعبير مألوفًا حدّ الألم: ملامح شخص غير معتاد على كشف جراحه، لكنه أفلتها سهواً أمام الشخص الخطأ.
هزّت مونيكا كتفيها.
“لا بأس. رأيت كثيرًا مثلك. هل كنت جنديًا؟”
“لو أخبرتِ أحدًا… ستندمين.” أجاب بضعف.
كان ردًا جاحدًا، لكن مونيكا اعتادت على ذلك. تجاهلت تهديده وسألته:
“هل تناولت من قبل الحبة الخضراء؟”
ارتجف جسده للحظة.
“إذًا… فعلت.” تمتمت مونيكا متنهدة.
الحبة الخضراء. كم واجهتها في زمن الحرب. كانوا يعطونها للجنود لتهدئة الأعصاب وقمع الصدمات. لكنها في الغالب كانت تتركهم أسوأ حالًا—يهذون، يعانون من جنون الارتياب*، تتدهور عقولهم أكثر.
* (بالإنجليزية: paranoia) هو عملية غريزية أو فكرية يعتقد أنها تتأثر بشدة بالقلق أو الخوف، غالبًا إلى حد التسبب بالوهم واللاعقلانية. يتضمن تفكير جنون الارتياب عادةً الاضطهاد، أو الإيمان بالمؤامرات المتعلقة بتهديد محتمل تجاه المريض (أي بالعبارة العامية الأمريكية، “الكل يريد الإيقاع بي”). *
زفرت مونيكا مرة أخرى، وضغطت بأصابعها على معصمه. نبضه كان متسارعًا، مضطربًا. عادت إليها ذكريات مستشفى آرفيد: أيام لا تنتهي، وجنود يحدّقون بعيون يائسة وأيادٍ مرتجفة.
“لا تقل شيئًا.” همست.
ضعفه لم يثر شفقتها. بل فتح لها بابًا لفرصة جديدة.
“إن كنت لا تريدني أن أخبر أحدًا…” قالت بنبرة عادية لكن حازمة. “فأجبني على سؤال واحد فقط.”
نظر إليها بحدة، عيناه الزرقاوان تلتمعان غضبًا، لكنه صمت.
“هل أنتم ثلاثة توائم؟”
كان وجهه كافيًا ليمنحها الجواب.
أمالت مونيكا رأسها، لتسقط عيناها على الندبة الخفيفة قرب عينه اليمنى. اقتربت أكثر، تتفحّصها بعناية. كانت مطابقة تمامًا لتلك التي رأتها من قبل—على لويس، وعلى غارسيا.
“لكنني لم أرَ توائمًا جراحهم الجسدية واحدة… بنفس الندبة.” همست.
بدأت خيوط الحقيقة تتجمّع.
“غارسيا، لويس…” نطقت اسميهما. “كلاهما كانت لديه نفس هذه الندبة. صغيرة، لكنها واضحة لمن يعرف.”
“…”
“وأنت تملكها أيضًا.”
مدّت إصبعها ولمست الندبة بخفة. ارتعش مبتعدًا، لكن الأوان كان قد فات. رأت الشرارة المرتعشة من الخوف في عينيه.
لكنها لم تضغط أكثر، بل سألت بهدوء:
“اللورد إنريكي سوليفان… من أنت؟”
كان صمته أبلغ من أي جواب.
“ما الذي تريده مني؟” واصلت. “ولماذا تتظاهر بأنك ثلاثة أشخاص مختلفين؟ أهو نوع من اللعب؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 22"