كان ميتم مونيكا مكانًا تقليديًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
بمعنى آخر، كان يقع في أطراف العاصمة، يعجُّ بالأطفال لكن يعاني من نقص العاملين. المبنى، الذي كان في الأصل مدرسة قديمة جرى تحويله، كان باردًا تتسلل إليه الرياح من كل مكان.
ومع ذلك، في أيام زيارة المتبرعين، كان المكان يبدو وكأنه اكتسى شيئًا من البهاء. الأطفال كانوا يزينون المبنى بزهور مصنوعة من قصاصات القماش، ويربطون في شعورهم أشرطة يدوية الحياكة.
أما النبلاء أو الأثرياء الجدد، فكانوا يربتون على رؤوس أولئك الأطفال ثم ينصرفون وفي نفوسهم وهمٌ بأنهم أناس في غاية الخير، تاركين وراءهم تبرعات مالية.
وفي أوقات نادرة كحبّة فول تظهر في موسم الجفاف، كان أحدهم يأخذ طفلاً معه.
لكن في معظم الحالات لم يكن الأمر تبنّيًا بقدر ما كان رغبةً في جلب خادمة صغيرة أو رفيق لعب لطفلهم، أشبه بمن يقتني حيوانًا أليفًا.
ومع ذلك، كان أطفال الميتم يتطلعون إلى تلك اللحظة بلهفة، إذ مهما كان المصير، فهو أفضل من البقاء في ذلك المكان.
هؤلاء الذين يأتون لأخذ الأطفال كانوا يضعون دائمًا الشروط نفسها:
طفل ذكي، مؤدب، وأصغر سنًا قدر الإمكان.
كانت مونيكا تستوفي الشرطين الأولين، لكنها لم تكن صغيرة السن؛ إذ حين أُحضرت إلى الميتم كانت في الثامنة من عمرها، والناس كانوا يفضلون الأطفال الصغار الذين لا يميزون بين الأشياء.
ومع ذلك، جاءتها الفرصة ذات يوم.
أحد بيوت النبلاء من الطبقة الوسطى، الذين كانوا يدعمون الميتم، أراد تبنّي طفلة.
الرجل الذي جاء إلى مكتب المديرة قال أن زوجته، التي فقدت جنينها قبل اثني عشر عامًا، لم تنجب بعد ذلك قط، وأنها تعيش في حزن دائم.
“أريد طفلة ذكية، مؤدبة، في الثانية عشرة من عمرها تقريبًا. الصبيان لا يناسبوننا… فتاة ستكون أفضل.”
اختيار المديرة كان طبيعيًا: مونيكا.
كانت ذكية، سريعة البديهة، وتعتني بالأطفال الأصغر منها. كانت تستيقظ في الصباح الباكر لتغتسل بماء بارد، ثم توقظ الأطفال في الأسرة المجاورة وتغسل وجوههم، بل وعلّمتهم القراءة بعد أن تعلمتها بسرعة.
ورغم أن المديرة كانت ستخسر مساعدة ثمينة، إلا أن إرسال طفلة ناضجة وواعية كان أفضل من إرسال واحدة جاهلة تعود بعد طردها.
“أما الشعر… فالأفضل أن يكون أسود، لأنه يبدو أنيقًا دون حاجة للزينة.”
مونيكا كانت ذات شعر أسود. ابتسم المدير قائلا:
“لدي طفلة تناسب شروطكم!”
لكن لسوء الحظ، كان هناك طفلة أخرى تستمع للحديث خلسة: ليزي أوفين.
كانت مونيكا وليزي في العمر نفسه، كلتاهما ذات شعر أسود، لكن ليزي كانت بطيئة الحركة والتفكير، بالكاد تعلمت القراءة بمساعدة مونيكا، وعاجزة عن القيام بالأعمال بإتقان. كانت دائمًا تنظر إلى مونيكا بإعجاب وشيء من الغيرة.
وفي تلك الليلة، جاءت ليزي إلى مونيكا وهي تبكي:
“أرجوكِ يا مونيكا… تنازلي لي عن مكانك.”
ترددت مونيكا، فالحقيقة أنها لم ترغب في التنازل، كما أنها لم تصدق أن المديرة ستوافق. لكن ليزي تشبثت بثوبها بكل قوتها، ووعدتها بأن تعطيها بروشها الوردي الذي طالما رغبت فيه مونيكا.
ذلك البروش لم يكن ذا قيمة عند الكبار، لكنه كان كنزًا في عيون الأطفال، إذ كان يعكس ضوء الشمس على جدران الميتم في خطوط وردية جميلة.
أمام توسلات ليزي وكلماتها عن أنها فتاة غبية بلا فائدة ولن تحظى بفرصة أخرى، بدأت مونيكا تضعف. وفي النهاية، في صباح اليوم التالي، اختبأت في علية الميتم ممسكة بالبروش، بينما ارتدت ليزي أجمل ثيابها ووقفت أمام الرجل النبيل لتصعد إلى عربته دون أن تلتفت للخلف.
ذلك اليوم، ضربت المديرة مونيكا بعنف حتى كادت تكسر ساقها وهي تصرخ:
“أتظنين أن هناك فرصة أخرى؟”
وبالفعل، لم تأتِ فرصة أخرى.
انتظرت مونيكا عودة ليزي أو ظهور عائلة أخرى، لكنها بلغت الثامنة عشرة وهي ما تزال في الميتم، ثم أُُجبرت على مغادرته.
والآن، وهي تسير في شوارع مدينة لاسبيتسيا بارتداء فستانها الوحيد الجيد، كانت تفكر أن ليزي ربما كانت أذكى منها في النهاية؛ بدت بطيئة، لكنها كانت تعرف متى تتحرك بسرعة.
كانت وجهتها العودة إلى الفندق القريب من محطة القطار، لكن سرحانها جعلها تتوغل حتى وصلت إلى الميناء المزدحم بالبحارة، برائحة الملح والهواء المالح، والسفن الضخمة ذات الصواري العالية.
حاولت أن تسأل عن الطريق، لكن الجميع كانوا مشغولين. أخيرًا لمحت من بعيد قمة برج الساعة قرب المحطة وقررت الاتجاه نحوه.
لكن حين استدارت، اصطدمت بصدر أحدهم. كانت يده تمسك بذراعها برفق، وصوته العميق يسأل:
“هل أنتِ بخير، آنسة؟”
رفعت رأسها لترى عينين زرقاوين بديعتين، وشعرًا أشقر يتلألأ تحت شمس الميناء.
تحدقت فيه مذهولة، ثم همست:
“… سول؟”
وبدأت ملامح وجهه تتلاشى أمام عينيها.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 2"